فيروس كورونا: كيف يؤدي تلوث الهواء إلى زيادة مخاطر الوباء؟
[ad_1]
أصبح مشهد السماء الزرقاء الصافية في أفق المدن الكبرى في العالم – للمفارقة – علامة ملموسة ومرئية بعد انتشار وباء كورونا. ويشكل ذلك بنظر الكثيرين تغيرا مُرحباً به، لأسباب ليس أقلها حقيقة أن تلوث الهواء خارج جدران المباني والمنازل، يتسبب سنويا في إزهاق أرواح ما يصل إلى 4.2 مليون شخص في شتى أنحاء العالم.
لكن تلوث الهواء في وقت يتفشى فيه فيروس كورونا يجعل المخاطر التي يواجهها الجهاز التنفسي للإنسان بسبب هذين العامليْن تتضاعف بشدة. إذ يعكف الباحثون في الولايات المتحدة حاليا على تجميع أدلة تثبت أن تلوث الهواء، أدى إلى زيادة معدلات تفشي وباء كورونا بشكل كبير، وقاد إلى حدوث عدد من الوفيات، يفوق ذاك الذي كان يمكن أن نشهده، حال كان انعدام المُلوثات في السماء هو الوضع الطبيعي.
فالتلوث يجعل من يعانون منه لعقود، أكثر عرضة للإصابة من جهة، فضلا عن أن جزيئات المواد المُلوثة للهواء، ربما تشكل وسائط ينتقل عبرها الفيروس حسبما يقول العلماء، من جهة أخرى.
وقد تُؤثر استخلاصات الباحثين في هذا الشأن على نحو ملموس على الطريقة التي تختار بها حكومات دول العالم الكيفية التي ستخفف بها – خلال الشهور المقبلة – إجراءات الإغلاق المُطبقة حاليا، وذلك في ظل ما يقوله العلماء، من أن تحسين جودة الهواء، قد يلعب دورا مهما على صعيد دحر الوباء.
فقد أفادت دراسة أُجريت حديثا، بأن عدد حالات الوفاة الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا في الولايات المتحدة، تأثر بشكل كبير بارتفاع مستوى الجسيمات الدقيقة العالقة، التي يصل نصف قطرها إلى 2.5 ميكرومتر في هذا البلد، حتى وإن كان هذا الارتفاع طفيفا.
وأوضحت الدراسة، التي قادها باحثان من جامعة هارفارد، أن زيادة هذه الجسيمات عن المعدل الطبيعي بمعدل لا يتجاوز ميكروغراما واحدا لكل متر مكعب، ارتبطت بارتفاع نسبته 15 في المئة في عدد الوفيات بفيروس كورونا المستجد.
وبحسب وكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة، يبلغ الحد الآمن لوجود هذه الجسيمات في الهواء، 12 ميكروغراما لكل متر مكعب، بينما يصل المعدل الاسترشادي الذي تتبناه منظمة الصحة العالمية كمتوسط سنوي في هذا الصدد، إلى 10 ميكروغرامات لكل متر مكعب.
وتفيد البيانات بأن المستوى السنوي للجسيمات التي يصل قطرها إلى 2.5 ميكرومتر في هواء مناطق من ولاية نيويورك الأمريكية، ظل يفوق باستمرار هذا الحد الآمن. ويشير باحثون إلى أن ذلك ربما يكون قد أسهم جزئيا، في اتساع نطاق تفشي الوباء في هذه الولاية، التي تأتي في المرتبة الأولى من حيث عدد الوفيات بحلول أبريل/نيسان الماضي، مقارنة بأي ولاية أمريكية أخرى.
ويقول آرون برنستين، مدير مركز المناخ والصحة والبيئة في العالم بجامعة هارفارد: “ما لدينا من أدلة في هذا الشأن واضح للغاية فيما يتعلق بكونها تفيد بأن احتمالات الوفاة بسبب الإصابة بفيروس كورونا تزيد بالنسبة لمن يعيشون في بقاع، تصبح أكثر تلوثا بمرور الوقت”.
وفي هذا الإطار، يقول القائمون على الدراسة – التي أجراها باحثون من الجامعة نفسها وشملت 3080 مقاطعة أمريكية – إنها كشفت عن أن معدلات الوفاة ازدادت بشكل كبير بين المقيمين في مقاطعات تشهد تلوثا منذ أمد بعيد، يتراوح ما بين 15 و20 عاما.
ويشير الباحثون إلى أن العلاقة بين هذين العامليْن، تعود إلى أن سكان المناطق الأكثر تلوثا، يواجهون من الأصل مخاطر أكبر على صعيد إمكانية الإصابة بأمراض القلب والجهاز التنفسي. ويقول خبراء أوروبيون في مجال الصحة إن تلوث الهواء يؤدي كذلك – كما هو معروف – إلى إضعاف جهاز المناعة لدى الإنسان، ما يضر بقدرته على مقاومة العدوى.
وخلص فريق البحث الذي أجرى دراسة جامعة هارفارد، التي لا تزال بانتظار المراجعة والتقييم من جانب باحثين مستقلين متخصصين في هذا المجال، إلى أن “عدد الوفيات التي شهدها حي مانهاتن في نيويورك جراء فيروس كورونا كان سيقل على الأرجح بواقع 248 حالة بحلول الرابع من أبريل/نيسان الماضي، إذا جرى تقليص مستويات وجود الجسيمات الدقيقة العالقة في أجواء الحي بواقع ميكروغرام واحد لكل متر مكعب على مدار العشرين عاما الماضية”.
وإذا انتقلنا إلى إيطاليا، فسنجد أن دراسة مماثلة لمستوى جودة الهواء في إقليميْ لومباردي وإميليا رومانيا الواقعيْن في شمالي هذا البلد، كشفت بدورها عن وجود علاقة متبادلة، بين عدد حالات الوفاة المُسجلة بسبب الإصابة بوباء كورونا ومعدلات التلوث المرتفعة في هاتين المنطقتين.
المعروف أن إقليم لومباردي، شهد غالبية هذه الحالات بفارق كبير عن باقي أقاليم البلاد، إذ سُجِلت فيه 13,325 حالة وفاة من أصل 26,644 حالة وفاة تم تسجيلها في إيطاليا بأسرها بحلول 26 أبريل/نيسان الماضي، أما إقليم إميليا رومانيا فاحتل المركز الثاني بعدد متوفين وصل إلى 3,386 شخصا.
وتساءل الباحثون في الدراسة، عن مدى الإسهام المحتمل لتلوث الهواء، في تحول هاتين المنطقتين إلى بؤرتين لتفشي الوباء. وخلصوا إلى أنه “ينبغي النظر إلى مستويات التلوث المرتفعة في شمالي إيطاليا، على أنها عامل مساعد إضافي، أدى لارتفاع عدد الوفيات المُسجلة هناك”.
على أي حال، ليست هذه هي الدراسات الأولى من نوعها، التي تلقي الضوء على وجود علاقة لا يمكن أن يُستهان بها، بين مستويات تلوث الهواء وعدد الوفيات الناجمة عن الإصابة بأمراض فيروسية. ففي عام 2003، كشفت دراسة عن أن احتمالات وفاة المصابين بمتلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس)، وهي المتلازمة الناتجة عن فيروس وثيق الصلة بكوفيد – 19، زادت بنسبة 84 في المئة لدى من كانوا يعيشون في مناطق تسودها معدلات عالية من التلوث.
ويقول آرون برنستين: “مع كل زيادة طفيفة في مستوى تلوث الهواء، يوجد ارتفاع كبير في الوفيات. اختر أي مدينة من مدن العالم، وسيكون بوسعك أن تتوقع أن تجد هناك تأثيرا لهذا النوع من التلوث على احتمالات إصابة السكان بفيروس كورونا المستجد”.
فضلا عن ذلك، أشارت دراسة تمهيدية إلى أن الفيروس المُسبب للوباء الحالي، يمكن أن ينتقل في ثنايا الجسيمات الدقيقة المعلقة التي يبلغ نصف قطر الواحد منها 10 ميكروغرامات. وخَلُصَ الباحثون الذين أجروا هذه الدراسة – وهم ينتمون لعدة جامعات في مناطق مختلفة من إيطاليا – إلى أن جسيمات المواد المُلوِثة للهواء، يمكن أن تؤدي إلى انتشار كوفيد – 19 على نطاق أوسع. لكن ذلك البحث، لا يزال بحاجة للخضوع لعملية تدقيق ومراجعة صارمة من جانب باحثين مستقلين، مثله مثل غالبية الدراسات التي أُجريت حتى الآن بشأن وباء كورونا.
الأقليات أكثر تضررا
وقد يكون لهذه النتائج تأثير كبير، على الكيفية التي ستختار من خلالها حكومات دول العالم، تخفيف إجراءات الإغلاق المُطبقة حاليا، وكذلك على الطريقة التي يوزع عبرها المسؤولون عن الصحة العامة، المعدات والأجهزة الطبية، مثل أجهزة التنفس الصناعي.
فعلى المدى القصير، يمكن أن تحفز تلك النتائج الدول التي تعاني من التلوث – والتي لم تشهد بعد تفشيا كبيرا للوباء – على تبني تدابير وقائية، كأن تقرر اتخاذ قدر أكبر من الإجراءات الاحترازية، من قبيل فرض قواعد التباعد الاجتماعي على نحو أكثر صرامة، كما يقول باحثون.
ويقول باحثو جامعة هارفارد إن النتائج التي توصلوا إليها في هذا الشأن، تتسم بأهمية خاصة بالنسبة للتجمعات التي تضم أبناء أقليات يعانون من الفقر، ويكونون أكثر عرضة لتلوث الهواء، ما يسهم في زيادة احتمالات التقاطهم لعدوى فيروس كوفيد – 19، وتدهور حالتهم حال الإصابة به كذلك.
ففي الولايات المتحدة، أظهرت دراسة أُجريت عام 2018، أن بعض الأقليات العرقية تتعرض لتلوث الهواء، بنسبة تفوق نسبة وجودها في المجتمع. وينجم هذا التلوث بشكل رئيسي عن أنشطة مواطنيهم من بيض البشرة. وأشارت الدراسة إلى أن الأمريكيين من أصحاب البشرة السمراء وذوي الأصول الإسبانية واللاتينية، يتعرضون لكمية من الجسيمات التي يصل قطرها إلى 2.5 ميكرومتر تزيد عما يسببونه هم أنفسهم – جراء استهلاكهم وأنشطتهم اليومية – وذلك بنسبة تتراوح بين 56 في المئة و63 في المئة.
وفي تناقض حاد مع ذلك، أظهرت الدراسة ذاتها، أن الأمريكيين بيض البشرة، من غير ذوي الأصول الإسبانية واللاتينية، تعرضوا للتلوث بقدر يقل عما ينجم عن الأنشطة التي يمارسونها، بنسبة تصل إلى 17 في المئة. كما اتضح أن الأمريكيين المنحدرين من أصول أفريقية، يعانون من حالات مرضية مزمنة مثل السكري وأمراض القلب، أكثر من نظرائهم أصحاب البشرة البيضاء، وهو أمر يرتبط بإرث طويل من عدم المساواة الاجتماعية في البلاد.
وتقول جينا مكارثي، وهي رئيس مجموعة أمريكية معنية بالبيئة وغير هادفة للربح تحمل اسم “مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية”، إن “الهواء الملوث يحول دون أن يحظى الملونون، ممن يعيشون في مجتمعات ذات دخل محدود، بفرصة لمواجهة الوباء” الذي يجتاح العالم حاليا.
إنهاء إجراءات الإغلاق
من جهة أخرى، أدت إجراءات الإغلاق المُطبقة في دول مختلفة من العالم، بما تشمله من وقف لعمل المصانع وخلو للشوارع من السيارات، إلى تراجع مستويات التلوث بشكل كبير على سطح كوكبنا. وتفيد بيانات مرتبطة بأحد المؤشرات المتعلقة بجودة الهواء في العالم، بأن المدن المعروفة بمعاناتها من وجود مستويات عالية من الجسيمات التي يصل قطرها إلى 2.5 ميكرومتر في أجوائها، شهدت تراجعا حادا في معدلات التلوث، منذ فرض إجراءات الإغلاق. فقد انخفضت هذه المستويات بنسبة 44 في المئة في ووهان و54 في المئة في سول و60 في المئة في نيودلهي.
لكن العلماء يقولون إن تراجع الانبعاثات المُسببة لتلوث الهواء، لا يشكل سوى نتيجة قصيرة المدى لإجراءات الإغلاق، وإنه من المرجح أن تتدنى جودة الهواء من جديد إذا تقرر إنهاء تطبيق هذه التدابير، وعدنا إلى ممارسة أنشطتنا على الوتيرة ذاتها، التي كانت سائدة في الفترة السابقة للأزمة الراهنة. وحذر العلماء من أنه يتعين علينا إبقاء مستويات التلوث عند أدنى حد ممكن، لتقليل آثار أي موجة إصابة ثانية بكوفيد – 19.
وقال باحثو جامعة هارفارد إن نتائج الدراسة التي أجروها تبرز أهمية مواصلة فرض القواعد الرامية للحد من تلوث الهواء “لحماية صحة البشر سواء خلال أزمة كوفيد – 19 أو بعد انتهائها”.
وتقول ماريا نيرا، مديرة الإدارة المعنية بالصحة العامة والمحددات البيئية والاجتماعية للصحة في منظمة الصحة العالمية: “ليس بوسعنا الخروج من هذه الأزمة، ونحن نُبقي على المستويات نفسها من التلوث (التي سادت قبلها). يجب أن نتعافى منها على نحو صديق للبيئة”.
وقد سلطت دراسة جامعة هارفارد الضوء على العلاقة الوثيقة بين انبعاثات الغازات المُسببة لتلوث الهواء والصحة العامة، وأبرزت الكيفية التي يمكن أن يؤدى كلا العاملين من خلالها إلى شل النمو الاقتصادي.
وتقول نيرا إنه لا يجب النظر إلى تقليص مستويات التلوث باعتباره أمرا مفيدا فقط للصحة العامة، وإنما كأحد المحفزات الاقتصادية الرئيسية كذلك. وتضيف: “ستؤدي عودتنا إلى النمو الاقتصادي بالوتيرة السابقة، إلى التسبب في مشكلة هائلة على الصعيدين الصحي والاقتصادي سواء بسواء”.
وتشير نيرا إلى أنه يتعين على الحكومات أن تأخذ نتائج هذه الدراسات العلمية في الحسبان، حينما تتخذ قرارات بشأن كيفية تخفيف إجراءات الإغلاق. وتشير إلى أننا “بحاجة إلى تحاشي الوقوع في إغراء العودة لاستخدام الوقود الأحفوري بكثافة، أو الاستخدام الكثيف للسيارات، باسم تحقيق الانتعاش الاقتصادي”.
وقد أعدت السلطات المحلية في بعض مدن العالم خططا لتجنب حدوث ما تحذر منه هذه المسؤولة البارزة في منظمة الصحة العالمية. فمدينة ميلانو، الواقعة في إقليم لومباردي أشد أقاليم إيطاليا تضررا من كوفيد – 19، تخطط لأن توفر لسكانها وسائل نقل صديقة للبيئة بشكل أكبر، عندما يتم رفع إجراءات الإغلاق.
وفي هذا الصدد، قال جوزيبي سالا، رئيس بلدية المدينة: “يتمثل الهدف في احتواء تفشي الفيروس عبر اتباع حلول مستدامة في مجال النقل، فمن المهم ألا يؤدي رفع إجراءات الإغلاق إلى استخدام السيارات الخاصة بكثافة، مع ما يترتب على ذلك من تزايد في تلوث الهواء”.
وفي إطار مساعيها لثني السكان عن استخدام سياراتهم الخاصة، ستدشن بلدية ميلانو مسارات جديدة مخصصة للدراجات بطول 35 كيلومترا، وذلك لجعل ركوب الدراجات الهوائية والدراجات البخارية الصغيرة أكثر يسرا وسهولة. بجانب ذلك، لن يعمل مترو ميلانو – بعد إنهاء تدابير الإغلاق – سوى بـ 30 في المئة من طاقته، وذلك لكي يتسنى تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي، ما سيقلص عدد الركاب الذين ستقلهم قطاراته، من 1.4 مليون راكب إلى 400,000 فقط.
ويقول الخبراء إنه من المهم أن تخصص الحكومات موارد أكبر، لبناء مجتمعات أكثر استدامة من الوجهة البيئية. وهنا تقول جينا مكارثي إننا “صرنا الآن نعترف بأن العالم قد يتغير في طرفة عين. لذا، يتعين علينا أن نستثمر الأموال التي ستخصص لتحفيز النشاط الاقتصادي، لخلق مستقبل أفضل، وكي نصبح جاهزين للتعامل مع أوبئة مثل هذا الذي يجتاح العالم حاليا”.
وبحسب ما تقول ماريا نيرا؛ ينبغي أن يتم الاستفادة من رد الفعل العالمي، الذي نشهده الآن إزاء وباء كورونا، لخلق مجتمع أكثر صحة واستعدادا للتعامل مع مثل هذه المواقف الطارئة. وتَخْلُص للقول: “سيتسنى لنا أن نستنشق هواءً أكثر نقاء، بعدما تختفي الكمامات من على وجوهنا”.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Future
[ad_2]
Source link