أخبار عربية

فيروس كورونا: جنود مجهولون على خط المواجهة


عامل نظافة مزود بمعدات الوقاية الشخصية الكاملة في المستشفى

مصدر الصورة
Getty images

Image caption

عامل نظافة مزود بمعدات الوقاية الشخصية الكاملة في المستشفى

بات أمراً شائعاً خروج الناس الى الشوارع وشرفات المنازل في ساعة معينة أسبوعياً وهم يصفقون للتعبير عن تقديرهم لجهود وتضحيات الأطباء والممرضين والمسعفين في مكافحة فيروس كورونا والحد من انتشاره.

لكن هناك فريق آخر يعمل ساعات متواصلة في المستشفيات غائب تماماً عن اهتمام الناس رغم أنه يواجه مخاطر مماثلة على صحته كما الأطباء والممرضين. هؤلاء هم عمال النظافة الذين يواصلون العمل ليل نهار لتلبية الحاجة المتزايدة للأغطية والملابس النظيفة والخدمات الأخرى للمرضى وللطاقم الطبي.

لحظةمؤلمة

كان سامي الذي يعمل في مستشفى خاص، برفقة صديقه الممّرض أثناء عودتهما إلى منزلهما عندما أوقف أحد جيرانهما صديقه الممرّض ليثني على عمله في هذا الوقت العصيب ويشكره على صموده وعمله الدؤوب في مساعدة المرضى المصابين بفيروس كورونا والعناية بهم.

طال حديث الجار لأكثر من عشرة دقائق مع الممرض، لكنه لم يلتفت إلى سامي الذي يعمل في نفس المستشفى ويواجه نفس الظروف الصعبة بشكل يومي، “ربما لأنه ليس ممرضاً بل عامل نظافة في المستشفى”، مما ترك شعوراً بالإحباط والخيبة لديه ولم تكن هي المرة الأولى التي يصادف فيها هكذا موقف.

هذا الموقف من قبل المجتمع تجاه العمال وخاصة ممن يعملون في مهنة التنظيف، لا يقتصر على بلد أو مجتمع معين، بل هو السائد في معظم أنحاء العالم وإن بنسب متفاوتة.

“كابوس حقيقي”

يعمل سامي ووالده شريف البالغ من العمر 55 عاماً في نفس المستشفى منذ أكثر من عام. ولجأت عائلة شريف المكونة من سبعة أشخاص إلى ألمانيا قبل ثلاث سنوات هرباً من الحرب الدائرة في سوريا.

واعتاد الاثنان القيام بمهمة جمع الملابس والأغطية المستعملة من غرف المرضى لغسلها، دون أن ينتابهما أي شعور بالقلق. لكن فجأة تغير كل ذلك وباتت كل لحظة تمر عليهما في العمل أشبه بـ “كابوس حقيقي”.

ولأن سامي لم يستطع العمل في مهنته التي اعتاد العمل فيها بسوريا، وهي تركيب البلاط والرخام، حاله حال والده شريف الذي كان يعمل في مهنة في سوريا، اختار الاثنان العمل في تنظيف ملابس المرضى وأغطية الأسرّة في مستشفى محلي.

ويخشى شريف أن يصاب بالعدوى بطريقة ما فينقلها إلى حفيدتَيه الصغيرتين أو زوجته التي تعاني من مرض الربو والتحسس الصدري، أو إلى ابنته الشابة التي خضعت مؤخراً لعملية جراحية، فجميعهن عرضة لخطر الإصابة.

عيد العمال العالمي: كورونا وبطالة وتظاهرات افتراضية

لكن الوالد وابنه لم يستسلما، وظلا يعملان بجد لكسب الرزق من ناحية، ولقلة فرص العمل لأشخاص مثلهم ممن لا يحملون شهادات في مجالات معينة من ناحية أخرى.

ويقضي كلا من شريف وسامي الكثير من أوقات فراغهما في قراءة الكتب ومتابعة الأخبار.

ويقول سامي: “يعتقد المجتمع أننا عمال تنظيف في المستشفى، وبالتالي يخمنون أننا لا نقرأ ولا نفقه شيئاً خارج مهنتنا، وهذه نظرة عير صحيحة”.

غضب في الهند بعد رش عمال مهاجرين بالمعقمات

لماذا ينظر الناس إلى عمال النظافة وأمثالهم نظرة دونية؟

تقول مجد مارتيني، وهي أخصائية نفسية ومدربة تربوية: “نحن لا نحكم على الآخرين بشكل منفصل عن قيمنا وأفكارنا وخبراتنا، لذلك نسقط قناعاتنا على الآخر، فننظر إلى عامل النظافة نظرة دونية لأن المجتمع لا يقدره و الحكومات لا تنصفه والإعلام خذله وبالتالي نحن لا نرغب أن نكون مثله أو في وضعه”.

Image caption

الأخصائة النفسية والمدربة التربوية مجد مارتيني

فيروس كورونا: علماء يحذرون من آثار الوباء على الصحة النفسية

وتضيف: “يختلف تأثير هذه النظرة الدونية والمعاملة المختلفة من شخص لآخر بسبب عوامل مختلفة منها الشخصية والثقة بالنفس والحاجة المادية والبيئة التي يعيش فيها ومستوى التعليم وغيرها من العوامل، ولكن مما لا شك فيه هو أن عدم تقدير العامل واحترام كيانه كإنسان ومهنته كمنتج في المجتمع قد يؤثر على صحته النفسية و جودة أدائه بشكل سلبي”.

لم تعد وظيفة غسل الملابس والأغطية في المستشفى مهنة عادية، بل باتت وظيفة محفوفة بالمخاطر في ظل انتشار فيروس كورونا الذي أودى بحياة الآلاف حول العالم.

ويصف سامي شعوره وهو يقترب من غرف المصابين بكوفيد -19، بالقول: “تراودني الكثير من الأفكار السوداوية وأعيش حالة رعب حقيقي رغم أننا نخضع يومياً لفحص حرارتنا قبل البدء بالعمل في المستشفى”.

ويعتقد سامي أن الحل الأمثل هو في تزويد جميع عمال النظافة بمعدات الوقاية الشخصية الكاملة لحمايتهم من أي إصابة محتملة.

قلة تقدير

ويشعر سامي ووالده مثل الكثيرين الذين يعملون في مهنة التنظيف، أنهم يعاملون بطريقة مختلفة من قبل المجتمع لأنهم عمال نظافة، حيث يعتقد كثيرون أنه ليس من الضروري ارتدائهم لملابس الوقاية الكاملة كما يفعل الأطباء والممرضون، وأنه يكفي استخدام القفازات والأقنعة من قبلهم.

ويذكر أن منظمة الصحة العالمية توصي بعدة إجراءات عند القيام بغسل الأغطية والملابس المستعملة من قبل المصابين بفيروس كورونا، منها ارتداء معدات الحماية الشخصية المناسبة، وتشمل القفازات المتينة وحيدة الاستعمال والكمامة وحماية العينين بالنظارات الواقية وارتداء لباس طويل بأكمام طويلة وأحذية طويلة أو محكمة الإغلاق، قبل لمس أي أغطية أو ملابس مستخدمة.

ويبدو أن معظم المستشفيات في كثير من دول العالم لا تطبق قاعدة الحماية الكاملة للعاملين غير الطبيين في المستشفيات بشكل متساوٍ بسبب نقص المعدات والحاجة المتزايدة إليها وخاصة في الدول التي ارتفعت فيها أعداد الإصابة بالفيروس.

إذاً، كيف يمكننا تقدير جهود هؤلاء الجنود المجهولين الذين يواجهون شبح الفيروس يومياً، وكيف تتغير نظرة الناس لهذه الفئة من العمال؟

تقول مارتيني إن التغيير يجب أن يبدأ من مستويات متعددة، فالأم التي تربي أطفالها يجب أن تعلمهم احترام وتقدير كل إنسان منتج يسعى لتقديم ما يستطيع فعله لمجتمعة ويحصل على قوته بجهده. كما أن للمؤسسات الاجتماعية وللمناهج المدرسية دورمهم، و للإعلام والحكومات الدور الأكبر في تقدير العامل وإلقاء الضوء على أهمية عمله.



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى