بالضحك والسخرية: كيف ساهمت الكوميديا في التخفيف من ضغوط فيروس كورونا؟
[ad_1]
ربما تتلخص العلاقة الأزلية بين كوميدية وتراجيدية الحياة في إحدى المقولات المنسوبة للممثل الكوميدي الإنجليزي تشارلز سبنسر تشابلن، والشهير باسم “تشارلي تشابلن” القائلة: “الحياة هي تراجيديا (مأساة) عندما ينظر إليها عن قرب، ولكنها كوميديا في لقطة طويلة”.
وللكوميديا غايات عدة، أهمها محاكاة نقائص الأفراد في مجتمعهم بغرض تحقيق عنصر الفكاهة. ولطالما استخدم الكتاب والمفكرون أساليب متنوعة لتوظيف الكوميديا في أعمال متنوعة مثل “الكوميدية الإلهية” و”دون كيشوت” و”كانديد” و”مزرعة الحيوان”، وغيرها من النصوص الأدبية التي اتجهت للكوميديا والسخرية -وهما أسلوبان مختلفان -لمعالجة العديد من المشاكل العقائدية والسياسية والاجتماعية ومخاوف الحياة اليومية.
أما في عصرنا الحالي، والمسمى بـ “عصر المعلومات” أو “عصر الديجيتال”، فإننا نشهد نقلة نوعية في معالجتنا للكوميديا وفق ظروف استثنائية وغير مسبوقة مع انتشار فيروس كورونا، عبر الفضاء الإلكتروني وفي عزلة منازلنا. فكيف تم التعامل مع هذه “الكوميديا الرقمية” إن صح التعبير؟
الكوميديا كوسيلة للتعامل مع الأزمات
لطالما لجأ الناس للأسلوب الكوميدي في طرح القضايا المحورية في حياتهم اليومية وقت الأزمات، أمر أكده عالم النفس الشهير، سيغموند فرويد، عندما بيَن الأثر العميق الذي تحدثه النكتة في النفس كوسيلة للتخفيف من التوتّر النفسي والتقليل من الخوف. ففي فترة الحرب العالمية الأولى والثانية مثلا، ازداد انتشار الرسومات الكوميدية في الجرائد وعلى الجدران، والتي تم استخدامها للسخرية من الطرف المعادي، وتقديم النصائح والإرشادات العامة التي تطرقت لمواضيع حياتية يومية، مثل الاعتدال في الأكل وتقنين الملابس والإقدام على التبرع. أسلوب تم مقارنته حديثا باستخدام الصور و”الميمز” الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة مع جائحة كورونا التي أثرت بدورها على المنشورات المتداولة عالميا.
وفي الوطن العربي تحديدا، توافق مضمون العديد من التغريدات، خاصة في بداية الجائحة، مع مقولة منسوبة لمقدمة ابن خلدون تم تناقلها بزخم مؤخرا، وهي: “إذا رأيتَ الناس تُكثِر الكلام المضحك وقت الكوارث، فاعلم أنّ الفقر قد أقبع عليهم”. ففي الأردن مثلا تم ترديد العديد من التغريدات الساخرة بأن الفيروس “أشفق علينا” بسبب الفقر، وفي لبنان نشر العديد منشورات تذكر أن الخوف ليس من فيروس كورونا بل من “فيروس سرقونا/قهرونا”، وفي غزة تم التذكير بحالة الحصار حيث أن الفيروس “مش عارف يدخل” وفي سوريا تم السخرية من فكرة خلو البلاد من الفيروس ووجوب حمايتها “من عين كندا ومن عين فرنسا ومن عين إيطاليا”. أما في مصر، والتي كان لها النصيب الأكبر من تداول المحتوى الساخر، فقد تصدر الحاج عبد الغفور البرعي “الميمز” المتناقَلة في حيرته مع التعامل مع الوباء.
كوميديا مسؤولة
مع استمرار انتشار الفيروس، وبدء فرض حضر التجول حول العالم، بدأ المحتوى الساخر في التحول التدريجي من محتوى يعكس مرحلة الصدمة الأولية في المجتمعات إلى محتوى يعكس حال المزاج العام حول طرق التعامل مع الوباء المستجد. ويقول عمر مسكون، وهو “يوتيوبر” وطالب سوري في فرنسا، أن ازدياد المحتوى المتوفر على مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي حاليا، عزز من وعيه تجاه مسؤوليته الفردية كصانع محتوى ذي شعبية كبيرة بين شباب وشابات الوطن العربي. فحرص على تجنب اتباع التيار في كثرة نشر المحتويات اليومية و”اللايفات” التي أغرقت المتابعين، ويعقب: “خلال أزمة فيروس كورونا، ركزنا على نشر الإيجابية ونشر المحتوى الإيجابي، وحرصنا على تجنب المحتوى الترهيبي والمخيف”.
وكالعديد من ناشري البسمة في عالم الكوميديا، مثل جيم كيري و روبين ويليامز، أوضح عمر أن الكوميديا كانت العامل الرئيسي لمحاربته حالة الإكتئاب التي صاحبت أشد مراحل حياته صعوبة، وأضاف: “الكوميديا هي التي أخرجتني من حالة الإنعزال التي كنت أعيشها”. ربما لهذا السبب، يسعى عمر لتقديم محتواه بأفضل صورة. ومع إدراكه أن “فيديو بسيط” لن يغير العالم، مع أن البعض قد يختلف معه في هذه الرؤية، إلا أنه يأمل من خلال مشاركته لقصته الشخصية مع الإكتئاب: “أن يرى شخص بصيصا من الأمل والتغيير الجذري الذي يمكن أن تحدثه الكوميديا في حياتنا اليومية”، ويختم حديثه قائلا: “لا أتمنى أن يعيش أي شخص لحظات التعاسة التي أحسستها”.
كوميديا أم تنمر؟
بينما وجد العديدون في الكوميديا أداة لتخفيف القلق ومحاربة المخاوف، انتقد آخرون أسلوب السخرية المتزايد مع الجائحة. وبحكم الخصوصية المتوفرة للفرد خلف شاشة الهاتف أو الحاسوب، تزداد إمكانية التصرف دون رادع أو حس بالمسؤولية، ما يؤدي إلى الاستهتار بمشاعر المتلقين. ففي الأزمة الحالية، شهدنا ازديادا كبيرا في المحتوى “الكوميدي” المسيء لأصحاب الملامح الآسيوية مثلا، كالانتقاص من ثقافاتهم، ووصم بعضهم بعار الوباء. أسلوب شابه بطريقته التنمر الإلكتروني الموجه لمصابي كورونا، وما تضمن من نشر لصورهم ومعلوماتهم الخاصة وخسارة لوظائفهم.
تدرك هديل، “يوتيوبر” مصرية، أن للكوميديا والسخرية جوانب مظلمة يتم تجاهلها في أغلب الأحيان، وتفسر ذلك بأنه “في الكوميديا الضحك معد. وقد لايتنبه البعض إلى أن فيه إساءة لأشخاص آخرين”. ومع استمرار فرض الحجر المنزلي، ازداد تداول النكات المتعلقة بعلاقة الرجل بالمرأة والاضطرار للبقاء في البيوت لفترات طويلة، فتستذكر دعاء من برنامج كوميدي مصري معروف بعنوان “أبلة فاهيتا” من يقول: “يارب رجع للرجالة الكورة والقهاوي.. دي قعدتهم فالبيت مبتجيبش غير البلاوي”. مثال يتشابه برسالته مع منشورات تم تداولها في الجزائر، لصور رجال يطبخون بدل زوجاتهم، أرفقت بتعليق ساخر: “قشر الجلبانة خير من تروح للجبانة” أي: “قم بتقشر البازلاء خير من ذهابك إلى المقبرة”، ما يتضمن تفضيل مواجهة خطر كورونا على البقاء مع الشريك. وتضيف هديل أن من أكثر التعليقات المؤذية – والمتداولة بدافع الدعابة – في فترة الحجر المنزلي، هي تعليقات زيادة الوزن: “لقد وعيت على نفسي وأنا شخص ممتلئ – ومازلت – وبحكم أني فتاة ممتلئة أرى أن العديد من الأشخاص لا يدركون أن هذه النكات تسيء للأشخاص الذين أجسامهم طبيعتها بهذا الشكل”.
وعن دور الكوميديا في التخفيف من الضغوط النفسية لأزمة فيروس كورونا، يؤكد الدكتور ليث العبادي، اختصاصي الطب النفسي في الأردن، والذي له تجربة سابقة في عالم الكوميديا، أن اللجوء للكوميديا أو السخرية هو طريقة جيدة للتنفيس عن هذه الضغوط “ما لم تتعد حدها”. فمن المعلوم، كما يوضح، “أن القلق يصاحب وجود الأزمات، فهو شعور يساعدنا على التعرف على المخاطر، وتختلف طرق التخفيف منه والتعامل معه من شخص لآخر. لكننا بحاجة للتعامل معه والتخفيف منه بطريقة لا تؤذي الآخرين”.
ويضيف العبادي “عندما يكون الانتقاد لعادة أو سلوك فهذا يؤدي إلى تحسين الأداء، ولكننا عندما ننتقص من شخص بحد ذاته، فإننا حينها نشهد “تنمرا” عليه واختراقا لخصوصية الفرد، وهو أمر لا يندرج تحت الفكاهة المسموح بها لتخفيف القلق، وينبه: “بفعلك هذا أنت خففت القلق عن نفسك ولكنك سببت قلقا أكبر للأخرين”.
برأيكم، لماذا نلجأ للسخرية عند الأزمات؟
هل تقلل الكوميديا/السخرية من جدية التعامل مع المصاعب، أم أنها عامل مساعد على مواجهتها؟
وهل فعلا ساهمت الكوميديا/السخرية في التخفيف من الضغوط النفسية لأزمة كورونا؟
هل تتضمن الكوميديا نقدا مبطنا للجهات المسؤولة؟ أم أنها مجرة آلية للتنفيس؟
ما هو الخط الفاصل بين السخرية والتنمر؟
سنناقش معكم هذه المحاور وغيرها في حلقة الأربعاء 29 نيسان / أبريل من برنامج نقطة حوار في الساعة 16:06 غ.
خطوط الاتصال تفتح قبل نصف ساعة من البرنامج على الرقم 00442031620022.
إن كنتم تريدون المشاركة عن طريق الهاتف يمكنكم إرسال رقم الهاتف عبر الإيميل على nuqtat.hewar@bbc.co.uk
يمكنكم أيضا إرسال أرقام الهواتف إلى صفحتنا على الفيسبوك من خلال رسالة خاصية Message
كما يمكنكم المشاركة بالرأي على الحوارات المنشورة على نفس الصفحة، وعنوانها: https://www.facebook.com/hewarbbc أو عبر تويتر على الوسم @nuqtat_hewar
[ad_2]
Source link