أخبار عاجلةأخبار عربيةأخبار متنوعةسيكولوجية الأدب العربي

بليغ عكاظ .. مقال بقلم الشاعر حماد الهمل

إيسايكو-قسم الأدب العربي-مقال: بليغ عكاظ بقلم الشاعر حماد الهمل.

بليغ عكاظ
بين صفحات سوق عكاظ في العصر الجاهلي كانت هناك صفحة ثقيلة لم أستطع قلبها بسهولة لأن هذه الصفحة من الذهب الخالص وكلماتها منقوشة بالألماس ، فوجب علي الوقوف على أطرافها والتمعن بما فيها ، فوجدت رجلاً حكيماً ، خطيباً بليغاً ، وشاعراً أديباً ، ويزيد عن هذا كله موحداً في عصر الشرك ، إنه قس بن ساعدة الإيادى ، فهو كان من حكماء العرب الأعلام وذلك قبل الإسلام ، وقد توفى حوالى عام 600م ، وقد اختلف في مسقطه فهل هو من نجران أم من بنو حنيفه ، وقد عده «الشهرستانى» فى كتاب «الملل والنحل» أنه من من يعتقد التوحيد ويؤمن بيوم الحساب ، «وكان زاهداً فى الدنيا ، خاصة بعد أن مات له أخوان ودفنهم بيده ، وكان يحضر سوق عكاظ ويسير بين الناس وينذرهم.. ولقد ضرب به المثلُ فى الخطابة والبلاغة والحكمة».
وقد ذكر عنه أنه كان ينكر المنكر ، الذى شاع فى الجاهلية والغفلات التى كانت تسيطر على الناس ، فتنسيهم الموت والبعث والجزاء ، وكان الرسول، «صلى الله عليه وسلم» ، قد أدركه قبل مهبط الوحى بعشر سنين، وقال فيه : «يرحم الله قساً، إنى لأرجو يوم القيامة أن يبعث أمة وحده»،
وإن قس بن ساعدة هو الحكيم الذي حفظت له حكم كثيرة من بينها قوله : «إذا خاصمت فاعدل، وإذا قلت فاصدق، ولا تستودعنَّ سرك أحداً، فإنك إن فعلتَ لم تزل وجلاً» ، و«من عيرك شيئا ففيه مثله ، ومن ظلمك وجد من يظلمه، وإذا نهيت عن الشىء فابدأ بنفسك ، ولا تشاور مشغولا وإن كان حازما ، ولا جائعا وإن كان فهماً، ولا مذعوراً وإن كان ناصحاً».
ولم يشتهر قس بالحكمة فقط بل كان خطيب العرب قاطبة ويمتاز أنه خطيبٌ وشاعر وقلما تجد شخصاً يجمع بين الشعر والخطابة فبرع في بلاغته حتى ضرب به الأمثال فيقال للمتميزين في أقوالهم أو أشعارهم : «أبلغ من قس ، أو بلاغة قس»
وله أوائل في أمورٍ عدة كما يذكر عنه أنه أول من خطب متكئاً على عصا ، وأول من قال : «أما بعد»، وأول من كتب : «من فلان إلى فلان»، وأول من قال : «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر» ، وأول من قال : « اسمعوا وعو ، ومن عاش مات ومن مات فات »،
وهذه الخطبة قالها « قس بن ساعدة » فى سوق عكاظ قبل ظهور الإسلام :
يا أيها الناس اسمعوا وعوا وإذا وعيتم فانتفعوا إنه من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت مطر ونبات وأرزاق وأقوات وآباء وأمهات وأحياء وأموات جمع وأشتات وآيات وأرض ذات رتاج ,وبحار ذات أمواج ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا هناك فناموا أقسم قس قسماً لا حانث فيه ولا آثماً إن لله ديناً هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه ونبياً قد حان حينه وأظلكم أوانه فطوبى لمن آمن به فهداه , وويل لمن خالفه وعصاه ثم قال تباً لأرباب الغفلة من الأمم الخالية والقرون الماضية يا معشر إياد أين الآباء والأجداد وأين ثمود وعاد وأين الفراعنة الشداد أين من بنى وشيد وزخرف ونجد وغره المال والولد أين من بغى وطغى وجمع فأوعى وقال أنا ربكم الأعلى ألم يكونوا أكثر منكم أموالاً وأطول منكم آجالاً وأبعد منكم آمالاً طحنهم الثرى بكلكله ومزقهم بتطاوله فتلك عظامهم بالية وبيوتهم خاوية عمرتها الذئاب العاوية كلا بل هو الله الواحد المعبود ليس والد ولا مولود ،
ثم أنشأ يقول
في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر
ورأيت قومي نحوها تمضي الأصاغر والأكابر
لا يرجع الماضي إلي ولا من الباقين غابر
أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر
 
وقد جمع المؤرخون شيئاً قليلاً من أشعاره كقوله :
 
يا ناعي الموت والأصوات في جدث
عليهم من بقايا برعم خرق
دعهم فان لهم يوما يصاح بهم
فهم إذا انتبهوا من نومهم فرقوا
حتى يعودوا لحال غير حالهم
خلقا جديدا كما من قبله خلقوا
فيهم عراة ومنهم في ثيابهم
منها الجديد ومنها المبهج الخلق
 
وما زال الكثير في جعبة سوق عكاظ ينتظر من يبحث عن كنوزه من بين أزقته وتحت أركانه وفوق سطوحه …… حضارة كبيرة في عصر لايتسم بالحضارة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى