أخبار عربية

كيف تنمي المهارات القيادية لطفلك؟

[ad_1]

طفل يستقل دراجة

مصدر الصورة
Getty Images

ربما لاحظت، في يوم ما، كيف يضطلع زملاؤك – دون عناء – بمهام قيادية، وكأنهم خُلِقوا لذلك. فهم يوجهون بثقة أوامرهم للآخرين، ويسعدهم تحمل مسؤوليات لا تنتهي. ويختلف الأمر تماما بالنسبة لآخرين، إذ يبدون حمقى عندما يتولون مثل هذه الأدوار، وحينما يصدرون أوامر لمرؤوسيهم، كما يخيم إحساسهم المزعج بالافتقار للثقة في النفس، على كل قرار يتخذونه.

إذا كنت تنتمي للفئة الثانية، فربما يعنّ لك أن تتساءل عن السبب، الذي يجعلك تشعر بالخوف، لمجرد التفكير في أنك قد تتولى، في وقت ما، دورا قياديا، ولِمَ يصعب عليك حتى، أن تتصور نفسك وقد أصبحت مديرا في مكان عملك.

وكما هو الحال مع مختلف جوانب الطبيعة البشرية، تقريبا، يكمن جانب من الإجابة على هذا السؤال، في النزعات والميول التي يرثها المرء من أسلافه. فإذا كان والداه خجولين للغاية مثلا، تزداد فرص أن يتسم هو الآخر بهذه الخصلة. لكن ذلك العامل لا يكفي وحده، على الإطلاق، لكي يفسر بشكل كامل المسألة برمتها. فعلماء النفس يدركون أهمية التجارب التي يمر بها الإنسان، خلال سنوات عمره المبكرة، في تكوين شخصيته. ويتمثل الأمر المحوري هنا، في الطريقة التي يتصرف بها الأبوان مع أطفالهما.

فإذا كان الأب والأم يفرطان في إسباغ الحماية على الطفل، قد يقوض ذلك فرصه في أن يكون ذا شخصية قيادية في المستقبل.

وفي الغرب، يُعرف هذا النهج في تنشئة الأبناء، باسم “التربية على طريقة الطائرة المروحية”، في إشارةٍ إلى أن الآباء والأمهات الذين يتبعونه، يبقون قريبين، بشكل مبالغ فيه، من أبنائهم وكأنهم يحومون حولهم، سواء كانوا هم في حاجة إلى ذلك أم لا.

ورغم أن الأب والأم غالبا ما يمضيان على هذا الدرب بنية حسنة، للاطمئنان، مثلا، على أنك لن تواجه مشكلات أو عقبات، فإن ذلك لا يمنع من إمكانية أن يُخلّف هذا الأسلوب، ولسوء الحظ، آثارا جانبية غير مقصودة وغير مفيدة في الوقت نفسه.

من بين هذه التأثيرات، كما تقول جوديث لوك، الطبيبة النفسية والزميلة الزائرة في جامعة كوينزلاند للتقنية في استراليا، أن “تقل ثقتك في نفسك وقدرتك على مواجهة الصعاب، وهو ما يقود بالتالي إلى أن تصبح أقل كفاءة على صعيد إبداء مهارات قيادية”.

وتضمنت دراسة أجرتها لوك في هذا الشأن، استطلاع آراء خبراء في تربية الأطفال ومستشارين تربويين يعملون في المدارس، وذلك للتعرف بشكل دقيق على طبيعة نهج “التربية على طريقة الطائرة المروحية”، الذي يُعرف كذلك بـ “الإفراط في الأبوة”.

مصدر الصورة
Getty Images

Image caption

يمكن أن يؤدي اتباع نهج “التربية على طريقة الطائرة المروحية” إلى الإضرار بالأبناء على نحو غير متوقع

وتشير النتائج التي خَلُصَت إليها هذه الدراسة، إلى أن هذا النمط من التربية، يتسم بمزيج من ثلاثة عوامل: أن يكون الوالدان متجاوبيْن للغاية مع طفلهما، ومتساهليْن معه بشدة في بعض الحالات، ويثقلانه أيضا بالمطالب في مواقف أخرى.

وبحسب الدراسة، من المرجح أن يسبغ الأب أو الأم في هذه الحالة، الحماية بشكل مفرط على الطفل، ويهتمان به للغاية ويؤمنان بأنه دائما على صواب. فضلا عن هذا، يحاول الآباء والأمهات الذين يتبعون ذاك النهج، القيام بكل شيء للطفل بدلا من توقع اضطلاعه بأموره بنفسه.

وقد يتوقع الأبوان، أيضا، أن ينهمك أصدقاء الطفل ومعلموه، بدورهم، في بذل كل ما في وسعهم للتكيف مع رغباته واحتياجاته. في الوقت نفسه، يتصف من ينضوون تحت لواء هذه الفئة بأنهم كثيرو المطالب من أطفالهم، أي أن تكون للأب والأم توقعات عالية لما يفترض أن ينجزه طفلهما، ويحشدان أوقات يومه بالأنشطة، ويرغبان في أن يكون صديقا لهما وعلى اتصال مستمر بهما طوال الوقت.

الإشراف الشديد قد يقود إلى الخنوع

وقد أُجريت في الصين أحدث دراسة تتناول كيف يمكن أن يؤدي التدليل الشديد للطفل إلى كبح جماح مهاراته القيادية. وشملت الدراسة، التي أجرتها الباحثة، يوفانغ بي إن، وزملاؤها في إحدى جامعات بكين، قرابة 1500 مراهق من طلاب 13 مدرسة في المدينة، يبلغ متوسط أعمارهم نحو 14 عاما.

وقيّم فريق البحث، خلال الدراسة، القدرات القيادية الكامنة لدى أفراد العينة، من خلال عدة خطوات، بدأت بطرح أسئلة على أقرانهم ومعلميهم وذويهم، لمعرفة ما إذا كان هؤلاء يرون أن لدى المبحوثين شخصية قيادية فعالة أم لا.

وتمثلت الخطوة الثانية في التحقق مما إذا كان المراهقون الخاضعون للبحث، يضطلعون، على أرض الواقع، بأي أدوار قيادية بالفعل من عدمه. في الوقت نفسه، طُلِبَ من أفراد العينة، توضيح ما إذا كان ذووهم قد اتبعوا معهم نهج تربية مُفرطا في الاهتمام والاعتناء بهم أم لا. كما شملت الدراسة طرح أسئلة على هؤلاء الصبية، للتعرف على مدى تقدير كل منهم لذاته، وأيضا مدى ثقته في إمكانية أن يصبح ذا دور قيادي في ما بعد.

وفي نهاية المطاف، وبعد أن جَنّبَ فريق البحث تأثير عوامل مثل الخلفية الاقتصادية والاجتماعية لأسرة المبحوث وما حققه كل منهم في المجال الدراسي، تمكن الباحثون من الوصول إلى استخلاص مفاده أنه كلما كان الآباء يوفرون الحماية بشكل أكثر من اللازم لأبنائهم، تراجعت فرص هؤلاء الأبناء، في أن يُنظر إليهم على أنهم ذوو قدرات قيادية كامنة، وبات أيضا من غير المرجح – بشكل أكبر – أن تُسند لهم أدوار قيادية على أرض الواقع.

وأشارت النتائج إلى حقيقة أن المراهقين الذين يحظون بآباء يفرطون في الاهتمام بهم، يميلون لأن يكونوا أقل تقديرا لذواتهم، وهو ما يرتبط بدوره بإحساسهم بثقة أقل في إمكانية أن يضطلعوا بدور قيادي.

مصدر الصورة
Alamy

Image caption

ربما نزع المراهقون الأقل تقديرا لذواتهم – ممن كانوا ضمن عينة البحث – إلى تقييم دور ذويهم في حياتهم بشكل سلبي

وقالت بي إن وفريقها إن النتائج التي توصلوا إليها، تعزز فكرة مفادها أن الإفراط في شيء إيجابي ما ربما يكون مضرا. وأشارت في هذا الصدد: “الإفراط في القيام بمهام الأبوة، بما ينطوي عليه من كبح لتطور مهارات الطفل على صعيد التمتع بالاستقلالية والقدرة على حل المشكلات، يُخلّف أثرا سلبيا على نموه النفسي والاجتماعي، وهو ضرر لا يختلف عن ذاك الذي ينتج عن افتقار الطفل للقدر الملائم من الرعاية والعناية من جانب أبويه”.

ومن بين التأثيرات السلبية المحتملة الأخرى للإفراط في الاهتمام بالأبناء، إمكانية أن يُحْدِث ذلك تأثيرا مدمرا لشخصيتهم، في ضوء أنه يوحي إليهم بأنهم غير قادرين على التصرف بشكل مستقل، وأن ذويهم لا يثقون في قدرتهم على تدبير أمورهم بأنفسهم، ناهيك بالطبع عن أن يهتموا بشؤون الآخرين أو يعتنوا بهم.

وهنا تجدر الإشارة، إلى ضرورة التعامل بحيطة وحذر مع نتائج هذه الدراسة، في ضوء أنها تقوم – بحسب تصميمها العلمي – على الملاحظة، وهو ما يعني أن استنتاجاتها لا تثبت أن “الأبوة المفرطة” تُسبب افتقار الأطفال، الذين يختبرون هذا النوع من التربية، إلى القدرات القيادية.

فضلا عن ذلك، تشوب الدراسة مشكلة أخرى، تتمثل في أنها تعتمد على استعادة المبحوثين – بأثر رجعي – لسلوك ذويهم حيالهم في فترة الطفولة، وهو ما يعني إمكانية أن ينزع أفراد العينة، ممن يعانون من عدم تقدير ذواتهم، إلى تقييم تصرفات الآباء والأمهات معهم بشكل سلبي، كمحاولة لتفسير ما يعانون منه من مشكلات على صعيد تقدير الذات.

غير أن كل ذلك، لا يمنع من الإشارة إلى أن نتائج تلك الدراسة الصينية، جاءت متسقة مع التفسيرات السببية المنطقية، للظاهرة التي تناولتها. كما أن الباحثين الذين أجروها، ارتكزوا على عدد كبير من الدراسات السابقة – القائمة على الملاحظة أيضا – والتي أظهرت باستمرار، التأثيرات الضارة، على ما يبدو، التي تنجم عن وجود أبوين يفرطان في إسباغ الحماية على أطفالهما.

ففي الولايات المتحدة، مثلا، أظهرت دراسة أجراها علماء نفس من جامعة فلوريدا، وشملت نحو 500 طالب جامعي، أن من تربوا منهم على يد والديْن يفرطان في الاهتمام والاعتناء بأطفالهم، كانوا أقل ثقة في قدراتهم.

وقد خَلُصَت إلى النتائج نفسها دراسة مماثلة أجراها فريق بحثي آخر من جامعة ميامي، وشملت مئات الطلاب كذلك؛ إذ تبين أن من قالوا من المبحوثين إن آباءهم كانوا “يحومون حولهم كالمروحيات دائما” خلال الطفولة، عانوا فيما بعد من مشكلات عاطفية أكثر، وواجهوا صعوبات لا يُستهان بها على صعيد عملية اتخاذ القرار، بل وأدوا على نحو أسوأ في الاختبارات أيضا.

مصدر الصورة
Getty Images

Image caption

كشفت بعض الدراسات عن أن من كان ذووهم يفرطون في الاهتمام والاعتناء بهم وبشؤونهم خلال الطفولة، كانوا أقل ثقة في قدراتهم وواجهوا صعوبات في اختباراتهم الدراسية وفي عملية اتخاذ القرار أيضا

مستقبلك كقائد

لكن حتى إذا كنت تحرص، جاهدا، على تجنب لعب أدوار قيادية، وحتى إذا أدركت، في لحظة ما، أن أبويك أفرطا في الاهتمام بشؤونك في صغرك ووفرا لك الحماية بشكل مبالغ فيه، فلا يعني ذلك أنك حُرِمت تماما من الفرصة في أن تكون ذا وضع قيادي في أي مرحلة من مراحل حياتك، أو أنك ستعجز طوال الوقت عن إبداء صفات القيادة.

ومن هنا، عليك أن تتذكر، في المقام الأول، أن تبني والديْك هذا الأسلوب في التربية كان بحسن نية منهما، على الأرجح، وأن شعورك بالاستياء حيال ذلك لن يفيدك البتة، فقد صرت أنت الآن من يمسك بزمام أمور حياتك، ما يعني أن بمقدورك – بجهدك وتفانيك – إعادة تشكيل خصالك وتوجهاتك في أي وقت تشاء.

وإذا عدنا إلى جوديث لوك، الزميلة الزائرة في جامعة كوينزلاند للتقنية في أستراليا، سنجدها توصي بأن يبدأ المرء السير على هذا الدرب، عبر التحكم بشكل أكبر في شؤون حياته، بما في ذلك تحقيق استقلالية مالية أكبر قدر المستطاع، ومقاومة إغواء طلب العون من والديْه، كلما واجهته مشكلة.

وتقول لوك، التي ألّفت كتابا في تربية الأطفال؛ لمساعدة الآباء والأمهات على تطوير إمكانيات أبنائهم وقدراتهم من خلال النأي بأنفسهم عن نمط الأبوة المفرطة: ” لدى الكثير من القراء آباء وأمهات لا يزالون يريدون المشاركة بقدر كبير في حياة أبنائهم. لذا عليك أن تحدد طريقة تُمَكِنُك من الإمساك بزمام الأمور في حياتك بشكل أكبر، وأن تكُف عن الاعتماد على والديْك”.

بطبيعة الحال، لن تؤدي تغييرات مثل هذه، في حد ذاتها، إلى تحويلك إلى شخصية قيادية. لكنها ستساعدك على أن ترى نفسك وقد أصبحت ذا شخصية مستقلة. وستجعلك تشعر براحة أكبر، وأنت تتخذ قرارات مستقلة أيضا، ما سيفيدك كثيرا، عندما تلوح أمامك فرص في مجالك المهني، لتولي أدوار قيادية.

يمكنك أن تُدْخِل، أيضاً، تغييرات على أسلوبك في مكان العمل. كأن تحاول أن تصبح أكثر انفتاحا على النقد، وأن تبادر بطلب الاستماع إلى تقييم الآخرين لعملك، بدلا من انتظار الاستماع لهذا التقييم.

وتقول لوك: “تُظهر الدراسة التي أجريتها، أن من حظوا بحماية مفرطة، وأُغْدِق عليهم – كما هو متوقع – المديح في أغلب الأحيان، لا يستطيعون التعامل بكفاءة مع النقد البناء”.

وتضيف: “لكي تتحسن، يجب أن تكون منفتحا على الاقتراحات المتعلقة بما تحتاج لفعله، للوصول إلى هذه الغاية”.

على أي حال، لن تتغير الأمور إلى الأفضل بين عشية وضحاها، بل تحتاج إلى أن تمارس كل ما يجعل شخصيتك أكثر استقلالية، ولأن تكرس الوقت والجهد الكافييْن لاكتساب المهارات العاطفية وتلك المرتبطة بصنع القرار. وإذا فعلت ذلك، ستجد نفسك، وقد تسنى لك أن تتحلى تدريجيا بالثقة، بل وأن تشرع في رؤية نفسك كمدير محتمل أيضا.

يمكنك قراءة الموضوع الأصليعلى موقع BBC Work Life

[ad_2]

Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى