فيروس كورونا: ما الدول الأكثر قدرة على التعافي الاقتصادي بعد انتهاء الأزمة؟
[ad_1]
في أعقاب تفشي وباء فيروس كورونا المستجد، خاضت دول العالم، الواحدة تلو الأخرى، معارك لمكافحة انتشار العدوى، وفرضت تدابير وقائية لإجبار السكان على التباعد الاجتماعي، وضخت أموالا لتحقيق استقرار الأسواق، وأصبح مصير الاقتصاد العالمي يتسم بالغموض إلى حد غير مسبوق.
وقد بدأ الخبراء يقيمون فرص كل دولة من دول العالم في استعادة عافيتها بعد انحسار الوباء وأي الدول تمضي بقوة على طريق الانتعاش الاقتصادي.
وقد صنفت مؤسسة “إف إن غلوبال” للتأمين، دول العالم بحسب قدرة بيئة ممارسة الأعمال على التكيف مع الأزمات، وفق مؤشر المرونة الاقتصادية العالمي لعام 2019، قياسا ببعض العوامل مثل الاستقرار السياسي، والأطر والقواعد التنظيمية التي تضعها الحكومة لإدارة الشركات والرقابة عليها، وبيئة المخاطر واستقرار سلسلة التوريد والشفافية.
وأضفنا إلى هذه العوامل أيضا مدى سرعة استجابة الدول للتعامل مع أزمة تفشي فيروس كورونا. ونستعرض في السطور التالية بعض الدول التي تمتلك من المقومات ما يؤهلها لاستعادة الاستقرار الاقتصادي بعد الأزمة. وتحدثنا إلى السكان والخبراء في هذه الدول لنتعرف على طرق تعاطيهم مع الأزمة وما الذي يتطلعون إليه في المستقبل القريب.
الدنمارك
تصدرت الدنمارك المرتبة الثانية في مؤشر المرونة العالمي بفضل قدرتها على مراقبة سلسلة التوريد وانخفاض الفساد الحكومي. وبمجرد ما ظهرت بضع حالات إصابة بفيروس كورونا المستجد في الدنمارك، فرضت الحكومة على الفور تدابير التباعد الاجتماعي، وأعلنت إغلاق المدارس والشركات وأغلقت حدودها أمام الأجانب في 14 مارس/آذار.
ويقول راسموس أروب كريستيانسين، المدير المنتدب لشركة بيسوب السياحية في كوبنهاغن، إن الخطوات التي اتخذتها الحكومة أثبتت كفاءتها بدليل أن معدلات الإصابة بالإنفلونزا الموسمية انخفضت بنسبة 70 في المئة مقارنة بالعام السابق.
وأسهمت الثقة المتبادلة بين الشعب والحكومة في الدنمارك واستعداد المواطنين للتضامن في وجه الأزمة، بنصيب كبير في نجاح هذه الإجراءات. وانتشرت عبارة “الواجب المدني” في الصحف وعلى مواقع التواصل الاجتماعي لحث الناس على التضحية في سبيل الصحة العامة. فلا أحد يرغب في أن يكون مسؤولا عن تعريض حياة كبار السن للخطر، لمجرد أنه لا يريد التنازل عن بعض الرفاهيات.
وأعلنت الحكومة الدنماركية في 14 مارس/آذار عن حزمة مساعدات مالية تتضمن تغطية بعض تكاليف رواتب العمال. ونالت بعض التدابير، مثل دفع 90 في المئة من أجور العمال الذين يتقاضون أجورهم بالساعة، و75 في المئة من رواتب العمال الذين تأثرت مصادر رزقهم بسبب الأزمة، إشادة واسعة، ووصفت بأنها نموذج يحتذى بها في “تجميد” النمو الاقتصادي حتى تهدأ العاصفة، رغم أن تكلفته ستبلغ 13 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي.
لا شك أن قدرة الدنمارك على التعافي من آثار الأزمة ستتوقف على مدى قدرة الدول الأخرى على الحفاظ على التبادل التجاري. لكن فرص الدنمارك في التعافي قد تكون أعلى من غيرها كونها استطاعت أن تتفادى بعض العواقب الخطيرة لتفشي الفيروس حتى الآن.
إذ أشار تقرير لموقع “بلومبرغ” إلى أن الدولة تخطط الآن لتخفيف القيود على حركة المواطنين بحلول عيد الفصح، في ضوء التقدم الذي أحرزته في احتواء الفيروس. وتمتلك الدنمارك قطاعا طبيا متطورا قد يعجل بعودة الحياة إلى طبيعتها في البلاد قبل الدول الأخرى.
سنغافورة
حلت سنغافورة في المرتبة 21 في مؤشر المرونة بفضل اقتصادها القوي، وانخفاض المخاطر الاقتصادية وقوة بنيتها التحتية وانخفاض مستوى الفساد. واتخذت سنغافورة إجراءات مبكرة لاحتواء الفيروس ساهمت في إبطاء وتيرة انتشار الوباء إلى أدنى حد.
ويقول كونستانس تان، الذي يعمل في منصة “كونيغل” لتحليل البيانات، إن حكومة سنغافوة تتعامل بشفافية في جميع الخطوات التي تتخذها لمكافحة الوباء، ولهذا يمتثل الشعب لجميع الإجراءات دون جدال. وتلاحق الحكومة المخالفين بلا هوادة.
ولا يخشى المواطنون بشكل عام من أن تؤدي الأزمة إلى اضطرابات اجتماعية أو زعزعة الاستقرار الاقتصادي.
غير أن سنغافوة، بحكم صغر مساحتها، سيعتمد انتعاشها الاقتصادي على تعافي سائر دول العالم. ويقول جاستن فونغ، الذي ينحدر من سنغافورة، إن هذه الأزمة أدت إلى زيادة الاعتماد على التكنولوجيا التي ستمهد الطريق لازدهار سنغافورة.
ووضعت الكثير من الشركات سياسات عاجلة للسماح لموظفيها بالعمل من المنزل، ودشنت الحكومة تطبيق “تريس توغيذر” على الهاتف، والذي يتيح للمستخدم تعقب المصابين بفيروس كورونا المستجد للحد من انتشار العدوى.
الولايات المتحدة الأمريكية
قسم المؤشر الولايات المتحدة إلى ثلاث مناطق، حلت المنطقة الغربية في المرتبة التاسعة بينما حلت الوسطى في المرتبة 11 والشرقية في المرتبة 22. لكن الولايات المتحدة إجمالا حققت مراتب متقدمة بفضل قلة المخاطر في بيئة ممارسة الأعمال واستقرار سلسلة التوريد.
ورغم الصعوبات التي واجهتها الولايات المتحدة لاحتواء الفيروس في المدن الكبرى مثل نيويورك، وارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة في أعقاب فرض إجراءات الإغلاق الشامل على أكثر من نصف الولايات الأمريكية، إلا أن حكومة الولايات المتحدة استجابت سريعا للعواقب الاقتصادية بتوقيع حزمة تحفيز الاقتصاد بقيمة تريليوني دولار وفرضت استراتيجيات التباعد الاجتماعي في سائر أنحاء البلاد.
وتوقعت مؤسستان ماليتان، غولدمان ساكس ومورغان ستانلي، بأن تشهد البلاد ركودا اقتصاديا حادا، ستترتب عليه تبعات سلبية غير مسبوقة، وسيعقبه تعاف سريع في الربعين اللاحقين من العام.
وتسهم الولايات المتحدة بنحو ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وسيعتمد تعافي الاقتصاد العالمي على مدى قدرة الاقتصاد الأمريكي على التعاطي مع الأزمة.
ويقول إريك سيمس، أستاذ الاقتصاد بجامعة نوتردام، إن الاقتصاد الأمريكي يمتلك من المقومات ما يتيح له التعافي من الصدمات الكبرى والتقلبات طويلة المدى قبل غيره. إذ يمثل الشباب نسبة أكبر من السكان مقارنة بدول كثيرة من العالم، وتفرض الحكومة قيودا أخف نسبيا على سوق العمالة لتسهيل انتقال العاملين من مكان لآخر.
ولا يزال المجلس الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة وبنك إنجلترا في المملكة المتحدة أكثر قدرة على إصدار سياسات مالية توسعية لمجابهة الانكماش الاقتصادي، مقارنة بسائر البنوك المركزية حول العالم.
واقترحت الإدارة الأمريكية تقسيم البلاد إلى مناطق بحسب التأثر بالوباء، والسماح بعودة الأنشطة الاقتصادية المعتادة في المناطق الأقل تأثرا بتفشي كورونا.
ويقول بيتر إيرل، الباحث بالمعهد الأمريكي للأبحاث الاقتصادية، إن هذه الإجراءات ستمهد الطريق لاستعادة الانتعاش الاقتصادي.
غير أن افتقار الولايات المتحدة لنظام تأمين صحي شامل لجميع المواطنين قد يعرقل جهود البلاد في التعامل مع الأزمة. ويرى مايكل ميريل، الخبير الاقتصادي والمؤرخ بكلية روتجرز للإدراة وعلاقات العمال، أن العالم بشكل عام قد يصبح أقوى مما كان عليه بعد احتواء الفيروس، لكن هذا يتوقف على الدروس المستفادة من الأزمة.
ويقول إن استعادة الترابط والتبادل التجاري بين المجتمعات سيكون مرهونا بالإنفاق على نماذج جديدة لأنظمة الصحة العامة والحماية الاجتماعية ووضع أطر تنظيمية لضمان قدرة المؤسسات على الصمود أمام الأزمات.
رواندا
حققت رواندا تقدما كبيرا في وضع قواعد وأطر تنظيمية لإدارة الشركات والرقابة عليها، وهو ما عزز فرصها في تحقيق قفزات كبيرة على مؤشر المرونة في السنوات الأخيرة لتحل في المرتبة 77 بين أكثر الدول مرونة في العالم، والرابعة على مستوى أفريقيا.
والأهم من ذلك أن رواندا تبدو أكثر قدرة من غيرها على استعادة عافيتها بعد هذه الأزمة، بحكم خبرتها السابقة في احتواء إيبولا بنجاح بعد أن تفشى من جمهورية الكونغو الديمقراطية المجاورة في عام 2019. كما تشير المؤشرات إلى أن الاستعدادات التي اتخذتها رواندا ستساعدها في السيطرة على الأوضاع خلال الأزمة، مثل وجود نظام شامل للرعاية الصحية، وتخصيص طائرات مسيرة لتوصيل الإمدادات الطبية، وتجهيز النقاط الحدودية بأجهزة لقياس درجة حرارة الجسم.
وتقول غارنت أشينغ، طالبة بجامعة الريادة الأفريقية وتنحدر من كينيا، إن الكثير من الطلاب الأجانب كانوا واثقين في أن تعامل الحكومة الرواندية مع الأزمة سيكون أفضل من تعامل الحكومات في أوطانهم معها. ولم نخش سوى على عائلاتنا في بلادنا لأن الأوضاع هناك قد تكون أسوأ.
وكانت رواندا أول بلد في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يفرض حجرا صحيا شاملا، كما توزع الحكومة أطعمة مجانية على منازل السكان الأكثر عرضة لخطر الوباء.
ومن المتوقع أن يتلقى قطاع السياحة ضربة قاصمة، إذ تعد رواندا مقصدا للكثير من المؤتمرات والمعارض الدولية، لكن أشينغ تأمل ألا يزيد عدد ضحايا فيروس كورونا، حتى يتعافى الاقتصاد الرواندي سريعا.
نيوزيلندا
حلت نيوزيلندا في المرتبة 12 على مؤشر المرونة بفضل القواعد والممارسات التي تنظم إدارة الشركات والرقابة عليها واستقرار سلسلة التوريد. وفرضت نيوزيلندا تدابير احترازية مبكرة لاحتواء الفيروس، من إغلاق الحدود أمام المسافرين وإغلاق المتاجر غير الضرورية.
ويقول شاموبيل إيكوب، خبير اقتصادي بشركة “سينس بارتنرز” للاستشارات، إن استجابة نيوزيلندا للوباء كانت جريئة وحاسمة، ويرى بعض علماء الأوبئة أن نيوزيلندا قد تصبح من الدول الأقل تأثرا من تداعيات الوباء في حال استمرت هذه التدابير للأسابيع المقبلة.
وبينما يتوقع المحللون أن يواجه الاقتصاد النيوزيلندي بعض العثرات، بسبب توقف السياحة والتصدير، فإن رون بول، مدير تطوير المناهج بجامعة أوتاغا بوليتكنيك، يقول إن العزلة الإجبارية التي فرضها تفشي كورونا ستتيح لنا إعادة تقييم أولوياتنا لحماية البيئة.
وإجمالا، فإن انخفاض مستويات الدين الحكومي في نيوزيلندا وقدرتها على فرض السياسات النقدية التي تمكنها من تخفيض معدلات الفائدة، سيمهدان لها الطريق لاستعادة الاستقرار الاقتصادي.
ويقول إيكوب إن الثقة المتبادلة بين أفراد المجتمع والشعب والحكومة، سترسي الأسس للتعافي من الصدمات الاقتصادية والصحية الكبرى.
ويتوقع بول أن تزداد نيوزيلندا قوة بعد الأزمة، ويقول إن الوقت قد حان لاتخاذ قرارات جديدة لتصبح نيوزيلندا أقوى وأفضل مما كانت عليه.
[ad_2]
Source link