أخبار عاجلةأخبار عربيةأخبار متنوعةمقالات

الجهود السعودية في تحقيق المسؤولية البيئية للحد من الآثار الناجمة عن انتاج الوقود الأحفوري .. مقال بقلم أ. سالم سعيد

إيسايكو: الجهود السعودية في تحقيق المسؤولية البيئية للحد من الآثار الناجمة عن انتاج الوقود الأحفوري مقال بقلم الأستاذ سالم سعيد من المملكة العربية السعودية

بالرغم من جهود المجتمع الدولي والعلماء المختصين بالبيئة في سبيل تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري كمصدر رئيس للطاقة واستبدالهبمصادر نظيفة ومتجددة للطاقة, إلا أن الوقود الأحفوري والمتمثل بالنفط والغاز يبقى المصدر الرئيس المعتمد والأكثر فاعلية، ونقلا عن (كانون، 1995فإن الطلب العالمي على الوقود الأحفوري سيتزايد في المستقبل، إن معدل انتاج النفط والغاز قد تزايد تدريجيا منذ السبعينات إلى سنة 2020, وذلك تبعا للطلب المتزايد عليه.

إن المشكل الرئيس في الاعتماد على النفط والغاز كمصدر رئيس للطاقة يكمن في نسبة التلوث البيئي الذي يخلفه هذا الوقود خلال إنتاجه، على سبيل المثال, تطلق شركات النفط والغاز مايقارب 2000 طن من المواد الكيميائية فى الغلاف الجوي, وتسكب بحدود 70 طن من الماء الملوث في البحار سنويا، إن هذا الكم الهائل من التلوث المستمر, والناتج عن عمليات الانتاج الاعتيادية لهذا الوقود وليست العرضية, يشكل ثاني أكبر تهديد  للنظام البيئي العالمي وسلامة الحياة البشرية بشكل عام، وتأتي الانبعاثات الغازية غير المرغوبة من مركبات النقل والمواصلات بأنواعها ومخرجات المصانعبالمرتبة الأولى من حيث المساهمة بالتلوث البيئي العالمي بنسبة 90% خصوصا بالمدن الكبرى.

في الواقع, تولي كبريات شركات النفط والغاز اهتمام متزايد لحماية البيئة خصوصا بعد التشريعات العالمية الجديدة لحماية البيئة والمدعومة بمنظمات البيئة الدولية، لكن مما يبعث بالأسى في هذا الصدد أنه لاتوجد عمليات تشغيل لمصافي النفط ومعامل الغاز بشكل خالى منالتلوث أو من مسببات التلوث تماما، ذلك بسبب المخرجات غير المرغوب فيها من تلك المعامل والأساسية في عمليات التشغيل، ناهيك عن استهلاك الطاقة الكبير وما ينتج عنه من انبعاثات ضارة، لذلك, فإن المخاطر من حدوث تلوث بيئي مثل انسكابات الزيت أو انبعاثات الغازات الضارة, تبدو أنها المصاحب الأساسي لعمليات انتاج الطاقة الأحفورية.

تهتم جمعية حماية البيئة والحياة الفطرية في المملكة السعودية بالمحافظة على سلامة البيئة من التلوث بجميع أشكاله، و يتناسق هذاالاهتمام مع جهود أرامكو السعودية بالمحافظة على سلامة البيئة البحرية في الساحلين الشرقي والغربي، وكما هو معروف فإن أكثر حقول وآبار النفط في المملكة العربية السعودية تقع في القسم البحري، لذلك فإن امكانية حوادث انسكابات الزيت قائمة للمنشآت البحرية والحفارات وشبكة خطوط النفط والغاز مما يزيد التحدي أمام حماية الحياة البحرية وبالتالي البشرية.

يعتبر منع انسكابات الزيت من أهم التحديات البيئية في عمليات انتاج الزيت لسببين، أولا: أن انسكابات الزيت في المنطقة المغمورة يصعب التحكم فيها لطبيعة المياه والتيارات المائية. ثانيا: بسبب الضرر الكبير الذي تسببه انسكابات الزيت على البيئة البحرية والحياة المائية فيها والتي بدورها تمثل الغذاء الرئيس للمجتمع المحيط، لقد وجد حسب دراسات وأبحاث علمية أنه عند حدوث تسرب زيت في البحر فإن طبقة الزيت الممتدة على سطح الماء تحتوي على 60% من مشتقات الهايدرو كاربون والتي يتبخر منها 50% إلى الجو.

إضافة إلى ذلك فإن منطقة تحت السطح تحتوي على ما يقارب 30% من تلك المشتقات, وتتناقص هذه النسبة تدريجيا بالنزول إلى العمق لتصل إلى 10% عند عمق 100 متر.

ومن المؤسف حقا أن هذه المنطقة  تحت سطح البحر تشكل المحيط والبيئة المناسبة لحياة الأحياء البحرية والعوالق التي بدورها تمثل الغذاء والمرعى لكثير من الأسماك.

إضافة اإلى ما تقدم، فإن الانسكابات النفطية عادة تحدث كنتيجة غير متوقعة لخلل في المعدات والمنشآت أو خطوط الانتاج وأثناء عمليات التشغيل الاعتيادية، بمعنى أنه لا يمكن التنبؤ بها أو تجنبها على أغلب الأحوال، مثلا في عمليات الشعلة، والتخريج الغازي، أو فصل المعدات القديمة، أو عمليات الحفر وما شابه من أعمال قد يصاحبها امكانية تسرب نفطي.

ويحوي التسرب النفطي خطر التصعيد للحوادث البسيطه والتي قد تتطور لتصل إلى نقطة عدم السيطرة، لذلك فإن الانسكابات النفطية في المناطق المغمورة تحتاج إلى تعاون دولي متين وخطط  للطوارئ معدة مسبقا للسيطرة عليها والحد من ضررها على البيئة، والجدير بالذكر في هذا الصدد أن الحكومات والجهات الرسمية المختصة تصنف الانسكابات النفطية بالأولوية القصوى بعد حوادث النيران والانفجارات.

ثانيا: التحدي الثاني الذي يواجه المملكة العربية السعودية في قطاع الطاقة أو انبعاثات ثاني أكسيد الكربون كنتيجة ضرورية وعادية من تشغيل كثير من المصانع والتي تحدث باستمرار في مصافي النفط ومعامل فصل الزيت من الغاز وغيرها من المصانع البتروكيميائية، فإن انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون يتزايد في الجو، ويأتي تأثير غاز ثاني الكربون كبير في تلوث الهواء ورداءة جودته والتي تؤدي إلى زيادة حرارة الكوكب وإلى ظاهرة الاحتباس الحراري، بالإضافة إلى المشاكل الصحية للإنسان.

ويأتي مفهوم تحسين جودة الهواء في الفقرة الثانية من القانون البيئي الدولى، كما أنه يتقاطع مع العنصر العاشر والحادي عشر والثالث عشر من أهداف التنمية المستدامه لميثاق الأمم المتحدة.

وكعضو في مجموعة الدول الاقتصادية الكبرى العشرين فإن المملكة العربية السعودية قدمت خطة بيئية شاملة إلى الأمم المتحدة تلتزم فيها بتقليل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة والمؤثرة سلبا على طبقة الأوزون بمعدل 130 مليون طن بحلول 2030.

لقد وعدت المملكة في مؤتمر التغير المناخي في باريس سنة 2015, بالعمل على تحقيق تلك الخطة والالتزام بالإطار الزمني لذلك.

ويذكر أن الغازات الدفيئة ومنها على سبيل المثال غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان وغيره، يشكلون الملوث الأساسي للبيئة والذي يمكنالتقليل أو السيطرة عليه بمراقبة الظوابط والقوانين في المصانع والشركات.

والجدير بالذكر في هذا الشان أن 92% من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون مصدره قطاع الطاقة والمتخصص أساسا بعمليات توليدالكهرباء، وعلى مستوى الشركات أيضا فإن شركة الكهرباء السعودية أيضا قد أعلنت عن خطتها لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري لإنتاج الكهرباء والاستثمار في الطاقة النظيفة، ولكنه قد يبدو من الصعب الإلتزام بتوليد القدر المطلوب من الكهرباء من الطاقة الشمسية بالرغم من وجود طقس مشمس طوال السنة، ولو في الوقت الراهن، والسبب يكمن في ارتفاع تكلفة تصنيع الخلايا الشمسية في الوقت الراهن والطلب الكبير على الكهرباء من قبل المصانع، حيث يلزم الاستثمار في الصناعة استهلاك كميات كبيرة من الكهرباء ناهيك عن توسع المدن السكنية والازدياد المضطرد في الطلب على الكهرباء.

كما أنها عالميا تبدو من أكبر التحديات أن تستمر في انتاج الطاقة بالطرق التقليدية والمشتقات الهيدروجينية بتكاليف منخفضة ومزامنة ذلك بالمحافظة على الالتزام بقوانين البيئة والمسؤولية الجتماعية، وكذالك فإن التوازن بين ثورة النشاطات الصناعية المتزايدة في المملكة العربية السعودية وحاجتها للطاقة مع الالتزام بتقليل الانبعاثات للغازات الدفيئة يعد تحديا حقيقيا، ويأتي البديل الأمثل لإنتاج الطاقة والذي يناقش في المملكة العربية السعودية وهو معامل الطاقة الذرية للأغراض السلمية، وبالرغم من المخاطر العالية للطاقة النووية للأغراض السلمية, إلاأنها تعد الأمثل لإنتاج الكهرباء حيث الكفاءة العالية والانبعاثات الأقل.

إن انسكابات النفط وانبعاثات الغازات الدفيئة تحمل آثارا سلبية جمه على المناخ العالمي وجودتة، لذلك فإن التعاون الدولي وتوحيد الجهود والتشريعات هو النهج السليم في سبيل تخطي تلك التحديات والتقليل من آثارهم السلبية.

ختاما, يمكن القول بأن البرنامج التحويلي في المملكة العربية السعودية لتحقيق رؤية 2030 قد تكون أداة إصلاح لتخطي التحديات البيئية التي تواجهها المملكة. مثلا، التركيز على الذكاء الاصطناعي في تصميم مصانع صديقة للبيئة وزيادة الوعي بالقوانين الدولية للمحافظة على البيئة، بالذات في قطاع الأعمال، والتركيز على أهمية إعادة التدوير واستخدام مواد صديقة للبيئة.

إن استغلال التغيير الكبير الحاصل في المجتمع السعودي للتركيز على أهمية البيئة والحفاظ عليها وسن قوانين وتشريعات لصالح البيئة يعد لفته ذكية واستغلال أمثل للنقلة النوعية التي تعيشها المملكة في الوقت الراهن.

وختاما .. يمكن القول بأن نهج المملكة العربية السعودية لحماية البيئة، وهي المنتج الأكبر للطاقة في العالم، هو نهج مشجع و واعد ويعكس دورها كعضو بارز في مجموعة الدول الصناعية العشرين.

الأستاذ سالم سعيد

كاتب سعودي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى