أخبار عربية

كيف تساعدنا عواطفنا ومشاعرنا على إنقاذ العالم؟

[ad_1]

رجل مسن يبكي

مصدر الصورة
Getty Images

إذا فكرت في بعض أعقد المشكلات التي تواجه العالم حاليا والحلول المقترحة لها، ستجد أننا نميل غالبا إلى أن تكون حلولنا قصيرة المدى، لا تتطلب مشاركتنا جميعا فيها، كما لا نعتبر أنفسنا جزءا من المشكلة.

ويسري ذلك على مختلف المشكلات تقريبا، سواء كانت كبيرة أم صغيرة؛ بسيطة أو معقدة. فقد نتصور مثلا أن مواجهة مشكلة التغير المناخي، يستلزم فقط التحول إلى الطاقة النظيفة، أو أن طريقة معالجة ملف الهجرة، تكمن في تنظيم منح التأشيرات ووضع نظم جديدة لضبط الحدود، فحسب.

ويتسق ذلك مع النهج السائد في الغرب للتعامل مع التحديات المختلفة، والذي يعتمد على إبعاد المشاعر، عن عملية اتخاذ القرار كلما أمكن، واللجوء إلى إيجاد حلول تقنية خالية من العواطف.

وعلى أقل تقدير، يعود هذا التفكير المُغرق في العقلانية إلى عصر أرسطو، الذي سبق أن وصف العواطف والمشاعر، بأنها حواجز خطيرة تعترض الطريق الذي يقود لأن يصبح المرء إنسانا بكل معنى الكلمة.

وقد أصبح ذلك التوجه – الذي لا يزال قائما حتى اليوم – جزءا لا يتجزأ من الروح التي سادت الغرب خلال عصر التنوير في القرن الثامن عشر.

مصدر الصورة
Getty Images

Image caption

يمكن أن تساعدنا عواطفنا على التواصل مع الآخرين بشكل أكثر فعالية

ولا شك في أن اتخاذ هذا الموقف ينطوي على قدر من الحكمة ذات الطابع النفعي. فمشاعرنا قد تتأجج بفعل قوى خارجة عن نطاق سيطرتنا. فربما يؤدي انفلات المشاعر والعواطف، وانتشارها كالعدوى بين الحشود، إلى حدوث أمور من قبيل، إعدام مجموعات من الغوغاء لأشخاص أبرياء دون محاكمة، أو حدوث زيادة غير مبررة في سعر سلعة ما بسبب المضاربة عليها بشكل مستمر.

بجانب ذلك، بوسع خبراء الدعاية استغلال عواطفنا لإذكاء روح الولاء للسلطات التي يدافعون عنها، وتأجيج العداء حيال خصومها. وفي المقابل، ترى الحركات الاجتماعية، التي تُعلي دور العقل أن السبيل الأمثل لتحقيق تغيير إيجابي طويل الأمد، يتطلب إجراء حسابات هادئة وبعيدة عن العواطف، لتحديد أقصى ما يمكن للمرء تحقيقه من مكاسب، عبر أفعاله وتصرفاته.

لكن محاولة كبح جماح استجاباتنا العاطفية إزاء ما يدور حولنا، لا يمكن أن يلغي الدور الذي تلعبه هذه الاستجابات بشكل كامل. فمشاعرنا لا تُشكل فقط جزءا لا يتجزأ من إحساسنا بالسعادة والرضا على الأصعدة الشخصية والاجتماعية والأخلاقية، وإنما تمثل أيضا أداة فعالة لتجاوز تحديات معقدة نواجهها كأشخاص أو مؤسسات أو حتى كجنس بشري.

وتقول إيمليانا سايمون توماس، باحثة في جامعة بركلي، إن العواطف “توفر لنا معلومات جوهرية، بشأن ما هو مهم بالنسبة لنا، وما الذي يجب علينا القيام به، وكيف يمكننا فعله، ومع من سنقوم بذلك أيضا”.

على أي حال، تبدو الإنسانية الآن في غمار فترة اضطرابات هائلة. ولسوء حظ الأفراد والمؤسسات الذين يحاولون تحقيق النجاح في هذه الأوقات الصاخبة، لم تعد العقليات والأساليب العتيقة تُجدي نفعا. ولذا يتعين على القادة والمؤسسات إيجاد طرق للتفاعل مع العواطف والمشاعر، ودعمها على شاكلة أكثر شمولا، وذلك من أجل خلق مستقبل أفضل، يمكن أن ينعم فيه الجميع بالازدهار.

وخلال العقود القليلة الماضية، شاعت رؤى وأفكار علمية قادت إلى إعادة صياغة الطريقة التي ننظر بها إلى عواطفنا، خاصة على صعيد كيفية تأثيرها في الأسلوب الذي نفكر به بشأن المستقبل. وتعلمنا بفضل هذه الرؤى والأفكار، أن ثمة إمكانية لتسخير العواطف والاستفادة منها، من أجل توجيهنا نحو تبني خيارات عقلانية وأفعال تتطلب التعاون بيننا وبين الآخرين. كما يمكن تكييف المشاعر والعواطف، لكي تساعدنا على انتهاج أسلوب بعيد المدى في التفكير والسلوك.

وإذا كنا نسعى بحق لتغيير الوضع الحالي، كي يتسنى الاستفادة من الإسهامات الفردية لكل منّا من أجل بناء مستقبل أفضل، فسنكون بحاجة لإيجاد طرق يمكن من خلالها استغلال المشاعر والعواطف لصالحنا في هذا الشأن.

ولعلنا نتذكر هنا ما قالته الفتاة الألمانية آن فرانك – وهي من بين ضحايا الهولوكوست – من أنه لا يمكن “تجاهل المشاعر، بغض النظر عن مدى كونها مجحفة أو جاحدة”، فهي تشكل جزءا منّا وستبقى كذلك. ونحن بحاجة إلى تعلم كيفية الاستفادة منها، من أجل تحسين وضعنا ووضع الأجيال المقبلة أيضا.

مصدر الصورة
Getty Images

Image caption

بوسعنا تسخير عواطفنا لمساعدتنا على العمل لتحقيق أهداف جماعية

ومن بين نقاط الانطلاق الجيدة لاكتساب عقلية من هذا النوع، أن يعكف المرء على تطوير مجموعة من المشاعر المعروفة باسم “عواطف التسامي الذاتي” والاعتناء بها. ومن بين أمثلتها؛ الشعور بالامتنان والتعاطف، وبالهلع والخوف كذلك. وقد تطورت هذه المجموعة من المشاعر لمساعدتنا على إدارة العلاقات الاجتماعية القائمة بيننا وبين من حولنا، وجعلنا نشعر بالانتماء لما هو أكبر من عالمنا الفردي المحدود.

وبمقدورك أن تجد هذا النوع من المشاعر والعواطف، بين المنخرطين في أي عمل جماعي، كالمشاركة في اصطياد حيوان ضخم أو تشييد جسر معلق. فإنجاز مشروعات مثل هذه، يتطلب من المشاركين في ذلك الجهد، التضحية بمكاسبهم الأنانية قصيرة المدى، من أجل العمل معا لنيل منافع مشتركة. كما قد تراها أيضا في تصرفات ذات طابع حميمي وشخصي يقوم بها الأفراد، كأن يقرر الجد أو الجدة المشاركة في رعاية الأحفاد.

وتسمح عواطف “التسامي الذاتي” هذه للبشر، بالتعامل بكفاءة مع مواقف معقدة تتطلب منهم التعاون مع الآخرين، دون أن يُضطروا لإرهاق أنفسهم ذهنيا. كما تساعد على تأخير شعورك بالحاجة لأن تحصل على مكافأة أو إشباع فوري نظير ما تُقْدِم عليه من أفعال.

فعلى سبيل المثال، يدفعنا التعاطف مع الآخرين – وهو ذاك الشعور الذي يمثل رابطا بيننا وبين أفكار من حولنا وعواطفهم وسعادتهم – إلى أن نتصرف بشكل إيجابي بالنيابة عنهم.

ومن هذا المنطلق، قد يساعدنا ذلك الشعور – خاصة إذا كان يساور أبناء جيل ما حيال الأجيال الأخرى – على اتخاذ قرارات ذات تأثير إيجابي، سواء الآن أو في المستقبل. وربما يشمل ذلك مثلا، اتخاذنا قرارا بتقليص استهلاكنا من اللحوم الحمراء، وهو ما يؤدي إلى تحسن الحالة الصحية للقلب والأوعية الدموية لدى المرء من جهة، ويفيد النظام البيئي لعقود مقبلة من جهة أخرى.

ومن شأن التعاطف مع الأجيال المقبلة، إحداث صدمة عاطفية إيجابية، يحتاجها الإنسان لكي يستطيع التغلب على نزعته للمضي على الطريق السهل الذي ينطوي على فوائد قصيرة المدى، بدلا من تبني سبل أخرى ربما تكون أكثر صعوبة، ولكنها تحقق منافع على المدى البعيد، كأن يفضل استخدام السيارة الخاصة في التنقل بدلا من وسائل النقل الجماعية، أو يقرر تجنب الانخراط في نقاش شائك وإرجاءه، رغم ما يترتب على ذلك من تراكم لمشاعر السخط والاستياء لأيام أو حتى لعقود.

مصدر الصورة
Getty Images

Image caption

قد يؤدي افتقارنا لمشاعر مثل التعاطف مع الآخرين، إلى تجاهلنا للمشكلات الأكبر والأكثر تعقيدا

لكن القوة والتأثير اللتيْن يتمتع بهما شعور مثل التعاطف مع الآخرين، لا تنفيان هشاشته، بل وحتى غيابه في أغلب الأحيان؛ تحديدا في الوقت الذي نكون فيه في أمس الحاجة إليه. فعلى سبيل المثال، يجد الناس صعوبة في التعاطف مع من يختلف معهم سياسيا أو إيديولوجيا أو في الأصل العرقي.

من جهة أخرى، يحدث التعاطف بشكل تلقائي، إذا كان لدى المرء القدرة على أن يرصد بشكل مباشر الإشارات العاطفية الصادرة من الآخرين، من خلال رؤيته لوجوههم أو سماعه لأصواتهم أو عِلمه بقصصهم. ونتيجة لذلك، يميل الناس إلى التعاطف على نحو أكبر مع القريبين منهم، مكانيا واجتماعيا أو لفترة ما.

غير أنه بوسع الناس، تنظيم الشعور بالتعاطف مع الآخرين – مثله مثل باقي المشاعر والعواطف – وتوجيهه لمساعدتهم على تحقيق أهداف، قد يجدون في المعتاد صعوبة في الوصول إليها.

ومن بين الوسائل التي تُمَكِنُنا من تطوير هذا الشعور بالتعاطف في داخلنا؛ تنمية الشعور بالأمان النفسي، خاصة عبر التواصل الوثيق مع الآخرين. فمن شأن تذكيرك لمن حولك بالشخصيات التي يستفيدون من الارتباط بها – مثل أفراد الأسرة الداعمين لهم على سبيل المثال – جعلهم هم أنفسهم أكثر تعاطفا مع الآخرين.

كما أن التفكير المتأمل والمتبصر في ما فعلته الشخصيات التاريخية ذات التأثير الإيجابي، يمكن أن يساعدنا أيضا على توسيع نطاق شعورنا بالتعاطف، ليشمل أشخاصا لا يدورون في فلكنا بشكل مباشر.

فإذا أدركنا التضحيات التي قدمها أسلافنا وسمحت لنا بأن نعيش في ازدهار ورخاء في عالمنا اليوم، سيكون بمقدورنا البناء على هذا الشعور بالامتنان، لكي نحاول أن نصبح بدورنا أسلافا عظماء بالنسبة للأجيال المقبلة.

علاوة على ذلك، ثمة أسباب للاعتقاد بأن الشعور بالعواطف الأوليّة أو الأساسية مثل الرعب والهلع، يمكن أن يعزز فرص إقدامنا على تصرفات تنطوي على الإيثار. فالفزع والرعب، قد يقلصان نزعة المرء للتقليل من شأن حصوله على مكافأة مستقبلية، لصالح المبالغة في أهمية نيله مكسبا آنيا ولكنه محدود. فعلى سبيل المثال، يُربط غالبا بين تنامي شعبية الحركات المناصرة للبيئة في العالم، وشعور سكانه بـ”رهبة جماعية”، أشاعتها صورة أيقونية تُعرف باسم “شروق الأرض” التقطها رائد الفضاء بيل أندرز عام 1968.

مصدر الصورة
Getty Images

Image caption

ساعدت الصورة الشهيرة المعروفة باسم “شروق الأرض”، التي التقطها رواد فضاء مهمة أبولو، على إشاعة شعور بالرعب والرهبة، نظرا لأنها جعلتنا ندرك موقع الإنسان في هذا الكون الفسيح

ومن هنا، فهل يمكن أن يؤدي شعور عدد أكبر من صناع القرار في العالم بالرهبة أو الهلع من صور كهذه أو إحساسهم بجمال الطبيعة البكر، إلى جعلهم أكثر تقبلا واستعدادا لاتخاذ الخطوات الصارمة التي نحتاج إليها لمواجهة مشكلات بيئية، من قبيل التلوث والانبعاثات الكربونية وتدهور التنوع البيولوجي؟

ولا يقتصر الأمر على الساسة، بل إننا كأفراد قادرون على إعادة النظر في الطريقة التي نعيش بها حياتنا، إذا نجحنا في الاستفادة بهذا الشعور بالرهبة والفزع لصالحنا. وبالمناسبة، يشكل ذلك جزءا مما يحدث بالفعل في العالم، وأدى لتبلور حالة رفض عنيفة لمواصلة استخدام المواد البلاستيكية، على الوتيرة التي كانت قائمة من قبل.

فقد خلقت برامج تلفزيونية تهتم بالتاريخ الطبيعي مثل “بلو بلانيت” (الكوكب الأزرق) – خاصة في جزئه الثاني – شعورا بالإعجاب بالطبيعة الموجودة حولنا، قبل أن تُظهر لنا بقسوة ما الذي نلحقه بها من أضرار. وقاد ذلك الملايين من الناس، للبحث عن طرق لتقليص استخدامهم للبلاستيك، ما أجبر الشركات المتعددة الجنسيات، للمضي على هذا الدرب بدورها.

ورغم أننا نميل كبشر – غالبا – للوقوع أسرى التفكير قصير المدى والبحث عن حلول خارجية للتحديات التي نواجهها، فإننا بحاجة إلى رفض مواصلة تقبل هذه القيود. فثمة الكثير من الأساليب، التي يمكن لنا من خلالها، تطوير خيارات وأولويات طويلة المدى، قد تعود بالفائدة علينا وعلى من سيأتون بعدنا.

وهكذا فبدلا من تجاهل طبيعتنا العاطفية أو كبح جماحها، بمقدورنا السعي للاستفادة من هذا الجانب البشري للغاية والموجود في كل منّا، للمساعدة على خلق مستقبلٍ نشعر بأنه سيكون أفضل، وأننا سنكون بالنسبة للأجيال التي ستعيش فيه، أسلافٌ جيدون أو حتى عظماء.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Future

[ad_2]

Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى