الواحات البحرية وواحة الفرافرة من “عجائب الطبيعة” الأكثر سحرا في مصر
[ad_1]
تشمل واحتا “الفرافرة” و”الواحات البحرية” بعضا من أندر التضاريس الطبيعية في مصر، مما يجعل المرء ينسى -ولو للحظة – أن أهرامات الجيزة، تمثل المَعلم الأبرز والأكثر جاذبية في هذا البلد، كما يقول خوان مارتينيز في السطور التالية.
وجه مختلف للصحراء
رغم أن واحتَي الفرافرة و”الواحات البحرية”، الواقعتين في الصحراء الغربية لمصر، لا تغطيان حتى ولو واحد في المئة من مساحة الصحاري هناك، فإنهما تشملان بعضا من أندر التضاريس الطبيعية والتكوينات الجيولوجية الموجودة في هذا البلد. ومع أن هاتين الواحتين، لا تشكلان بقعة يقصدها علماء الآثار للعثور على مقابر قديمة أو كنوز مخفية مثلا، فإنهما تمثلان مكانا يضم أحافير ديناصورات، وبقايا كائنات أخرى، لم يرها أي إنسان منذ ملايين السنوات.
الحياة في قلب مناخ قاحل
تمثل “الواحات البحرية”، الواقعة على بُعد نحو 370 كيلومترا إلى الجنوب الغربي من العاصمة المصرية القاهرة، بقعة تنبض بالحياة والنماء، في قلب إحدى أكثر المناطق التي تسودها ظروف شديدة القسوة على وجه الأرض. وتشكلت هذه الواحة – مثلها مثل غالبية واحات الصحراء الغربية – عندما انخفض منسوب الأرض إلى مستوى، ظهرت فيه المياه الجوفية ومياه الينابيع الطبيعية.
وتشكل الينابيع الساخنة، إحدى مناطق الجذب الرئيسية، في هذه المنطقة وارفة الخضرة، التي تغص بأشجار النخيل والفواكه. ويعتبر كثير من السكان والزوار أن هناك خصائص علاجية كامنة في المياه المتدفقة من هذه الينابيع، والتي تفوح منها رائحة الكبريت، وتزيد حرارتها عن 40 درجة مئوية. كما يرى هؤلاء أن الاستمتاع بتلك المياه يشكل خير ختام ليوم طويل وشاق.
علامات على وجود ماضٍ بركاني
عندما مضيت إلى الجنوب من “الواحات البحرية”، وجدت نفسي محاطا بمئات من التلال المكسوة برماد أسود اللون. كان ذلك إيذانا بوصولي إلى منطقة “الصحراء السوداء”، وهي واحدة من أغرب التضاريس الصحراوية الموجودة في العالم بأسره.
ولكي يتسنى لي أن أحظى بإطلالة أشمل وأفضل على المكان، تسلقت أعلى نقطة فيه، وهي تلك المعروفة باسم “الجبل الإنجليزي”. ويشكل هذا المكان بقعة، يمكن للمرء أن يتأمل منها بإعجاب ودهشة، ذاك العالم الغريب من نوعه الموجود هناك.
وبمجرد وصولي إلى أعلى ذلك “الجبل”، وجدت ملابسي وقد اكتست بمسحوق ناجم عن وجود حجر رملي أسود اللون هناك، مما يشكل مؤشرا على حدوث نشاط بركاني في المنطقة خلال العصر الجوراسي.
جلاميد من الحجر الجيري على الأرض المستوية
يتغير شكل التضاريس الواقعة بين واحتيْ الفرافرة و”الواحات البحرية” بإيقاع متسارع. فإذا ابتعدت عنهما بنحو 30 كيلومترا فقط إلى الغرب، ستجد أنه لم يعد بمقدورك رؤية تلال “الصحراء السوداء”، وستكتشف أن الصورة الغالبة في هذه البقعة باتت لأرض مستوية ذات لون واحد.
وفي ظل هذه الأجواء، تشعر لوهلة بأن حركة الطبيعة قد سكنت تماما، وأن كل مظاهر الحياة قد تلاشت. رغم ذلك، توفر جلاميد الحجر الجيري ذهبية اللون التي ظهرت في تلك المنطقة، جراء تآكل التربة قبل ملايين السنين، موطنا لكائنات برية مهددة بالانقراض، مثل ثعالب صحراوية تُعرف باسم الثعالب البيضاء، وكذلك الكباش والغزلان المصرية.
تل من الكريستال
“سنرى الآن جبلا يتكون بالكامل، من البلورات أو الكريستال”، هكذا قال لي سائقي البدوي إسلام، وهو يشير إلى تل صخري محدود الارتفاع يمتد بجانب الطريق السريع.
من بعيد، لم يبد أن هناك أي سمات خاصة لهذا التكوين الصخري، بل إن هناك تكوينات صخرية أخرى، بدت أكثر جاذبية للمرء منه، على نحو يغري بتسلقها واستكشافها. لكنني غيرت رأيي على الفور، عندما رأيت خلال صعودي للتل، الصواعد عمودية الشكل، الموجودة هناك، والتي تتألف من بلورات طويلة عديمة اللون.
ومع أن إسلام أشار إلى أن هذه البلورات، هي من معدن المرو “الكوارتز”، فإن عالم الجيولوجيا الألماني نوربرت بروغه، أخبرني في وقت لاحق، بأنها إما من بلورات معدن “الكالسيت” أو “الباريت”.
وأوضح بالقول: “بينما تنشأ بلورات الكالسيت من سوائل تتكون في الصخور الجيرية الرسوبية في ظل الظروف الطبيعية؛ تنشأ بلورات المرو نتيجة الاضطرابات التكتونية التي تحدث على أعماق كبيرة بعيدة عن سطح الأرض”.
وتابع قائلا: “بالإضافة إلى ذلك، من السهل استنتاج أن هذه البلورات الموجودة هنا، ليست بلورات لمعدن المرو، استنادا إلى شكلها ومدى صلابتها”.
“شكلتها قوى الطبيعة”
على بعد قرابة 126 كيلومترا إلى الجنوب الغربي من “الصحراء السوداء”، تقبع منطقة “الصحراء البيضاء”، التي يمكن القول إنها تضم -وإلى حد كبير- التضاريس الأكثر غرابة في منطقة الصحراء الغربية بأسرها. فهذه المساحة الشاسعة، التي تغص بتشكيلات من الحجر الجيري أبيض اللون تتخذ إما شكل فطر عيش الغراب أو أمواج البحر، تشكل إحدى عجائب الطبيعة، التي تدهش حتى أكثر الرحّالة خبرة بالأسفار.
وقد نشأت هذه النتوءات الصخرية الشبيهة بالطباشير، جرّاء حركة رفع تكتونية أعقبت عصرا جليديا شهدته الأرض قبل ما يقرب من 30 مليون عام. واتخذت تلك النتوءات شكلها الحالي، بفعل عواصف رملية لا حصر لها، شهدتها المنطقة منذ ذلك الحين.
متحف مفتوح لـ “الفن المعاصر”
إذا جُلْت في أنحاء “الصحراء البيضاء”، ستشعر كما لو كنت تمضي في ردهات متحف للفنون. فكل التكوينات الطبيعية الموجودة هناك، مختلفة عن المعتاد وغريبة، بل ويستعصي على المرء تفسير اتخاذها أشكالها الحالية، إلى حد يجعل كلا منها جديرا بأن يُستكشف ويفحص على حدة.
وفي عام 2002، أعلنت الحكومة المصرية هذه المنطقة “محمية طبيعية”. وحظرت أي أعمال تطوير أو إنشاءات فيها أو بالقرب منها، وذلك بهدف الإبقاء عليها في حالتها البكر. وفي ظل الافتقار إلى أي مرافق سياحية في تلك المنطقة، تجري زيارات السائحين والزوار لها في إطار رحلات سياحية خاصة، تتيح لهم فرصة التخييم هناك، إذا كان برفقتهم مرشدون من بدو الصحراء الغربية.
أشكال مألوفة خلال الليل
يعتبر الكثيرون أن الليالي التي يكتمل فيها القمر بدرا، تشكل الوقت الأمثل الذي يمكن للمرء فيه الاستمتاع بمعالم “الصحراء البيضاء”. فخلالها تعكس الصخور ذات اللون الأبيض الطباشيري الموجودة في تلك المنطقة أشعة القمر، مما يجعلها تنبض بالحياة.
اللافت أنني وجدت، وأنا أطوف ببصري بين هذه التكوينات الصخرية، أنها تبدو على هيئة أكثر من شكل مألوف بالنسبة لي، وذلك بناء على الزاوية التي أنظر منها إلى تلك الصخور وحجم الضوء الساقط عليها. فقد صوّر لي خيالي وضوء القمر -الذي تسبح فيه “الصحراء البيضاء” من حولي- أنني أرى تمثال أبي الهول تارة وجِمالا ووجوها بشرية تارة أخرى.
النوم تحت ملايين النجوم
لم تمثل رحلة التخييم، التي قمت بها وآخرون، في “الصحراء البيضاء” تجربة ذات طابع مترف فاخر. فقد اكتفى سائقا المركبتين اللتين ذهبنا على متنهما إلى هناك، بركن السيارتيْن عكس اتجاه الريح، وألقيا بعض البطانيات على الرمال الباردة، وأشعلا نارا لإبقاء الدفء يسري في أوصالنا طوال الليل. ولكن لم تكن في جعبتنا أغطية تقينا من المطر أو خيام يمكن نصبها في المكان، وهي أشياء ربما كانت ستشوش صورة الطبيعة النائية المعزولة في هذه البقعة من العالم.
ومع أن درجات الحرارة تدنت لتصل إلى مستوى الصفر المئوي خلال الليل، فقد ظللنا بمنأى عن برودة الطقس، بفضل استلقائنا إلى جوار بعضنا بعضا داخل “أكياس النوم”. ورغم هذه الرقدة غير المريحة، فقد كنت أنسى -في كل مرة أفتح فيها عينَيّ خلال الليل- برودة الطقس وغرابة المكان، لأتأمل بإعجاب ملايين النجوم التي تزدان بها السماء من فوقي.
مشاهد غرائبية تحت ضوء القمر
طابع ساحر اصطبغ به استكشاف معالم “الصحراء البيضاء” خلال الليل. فقد تسلق بعض مَن كانوا برفقتي خلال رحلة التخييم تلك، صخورا قليلة الارتفاع، لكي يتسنى لهم إلقاء نظرة أفضل على المنطقة، بينما ضل آخرون طريقهم في بحر الأحجار بيضاء اللون التي يغص بها المكان.
أما أنا فقد اكتفيت بالجلوس على إحدى الصخور، وأخرجت آلة التصوير الخاصة بي، وأطلقت لها العنان لكي توثق عبر لقطاتها جمال الليل من حولي، وتركت نفسي في الوقت ذاته، لأشعر بمزيج من العجب والذهول والفضول،بشأن أحد أغرب التضاريس التي صادفتها خلال حياتي.