فيروس كورونا: ملايين الصينيين يعملون من منازلهم خوفا من الفيروس
[ad_1]
عادة ما تمارس “تاو يو” مهام عملها كموظفة في إدارة التسويق التابعة لفرع شركة “بورشه” الألمانية لصناعة السيارات في الصين، من مكتب أنيق في مدينة شنغهاي، المركز المالي الرئيسي للبلاد. لكن منذ أن بدأ تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19)، أُجْبِرَت هذه الشابة – كغيرها من عشرات الملايين من نظرائها – على العمل من المنزل.
وتنتمي تاو، البالغة من العمر 28 عاما، إلى مقاطعة خوبي الواقعة جنوبي الصين، وهي البقعة التي ظهر فيها الفيروس للمرة الأولى. وتعمل حاليا من منزل أسرتها، في مدينة هوانغقانغ، التي يقطنها 7.5 مليون نسمة، وهي ثاني أكبر المدن المتضررة بعد مدينة ووهان.
وتصف هذه الفتاة الصينية يومها الآن بالقول: “استيقظ من نومي، أتناول إفطاري، وآتي إلى غرفتي لأبدأ العمل”.
ورغم أن تاو ليست من عشاق العمل من المنزل، فقد باتت مضطرة لذلك، على غرار كثير من جيرانها، في ظل الإغلاق الشامل المفروض على مدينتها. لكنها تشعر في الوقت الراهن بالقلق، من الرأي الذي قد يبديه زملاؤها في الطريقة الحالية التي تؤدي من خلالها عملها.
وتقول: “أريد أن أُظْهِرَ أن العمل من المنزل، لا يختلف إطلاقا عنه من المكتب، لكنني قلقة من أن يظن زملائي (الموجودون في مقر الشركة) أن ما يحدث حاليا إجحاف بحقهم. فربما يحسبون أن العمل من المنزل، أمر ينطوي على ترف”.
ومع أن نظام العمل من المنزل، لا يشيع في الصين بقدر شيوعه في الغرب، فإن الملايين من الناس في هذا البلد الآسيوي، شرعوا في أن يَخْبُروا بأنفسهم – ولأول مرة – إيجابياته وسلبياته، منذ الثالث من فبراير/شباط الماضي، وهو اليوم الذي حضت فيه السلطات المحلية والشركات في مختلف أنحاء البلاد، العاملين فيها، على أن يمارسوا أعمالهم من منازلهم.
وفي ظل تجربة العمل الجماعي من المنازل تلك، أصبحت الشوارع – التي تكتظ عادة بالمارة والسيارات في مدن مثل بكين وشنغهاي وغوانزو – خاوية على عروشها بشكل مخيف. كما أحدثت هذه التجربة، زيادة كبيرة في الطلب على التطبيقات، التي يتم من خلالها عقد “مؤتمرات الفيديو”. بل إن أسهم شركة أمريكية، تطوّر أحد هذه التطبيقات، ارتفعت في أسواق المال، على عكس التوجه العام لأسهم مختلف المؤسسات والشركات في العالم، التي تشهد تراجعا بفعل المخاوف المرتبطة بانتشار كورونا.
المفارقة أن الصينيين أبدوا ردود فعل متضاربة حيال عملهم من المنزل. فمنهم من شكا من أن مديريهم في العمل، لا يستطيعون الشعور بالثقة، في أن مرؤوسيهم سيعملون بجد وإخلاص، وهم في منازلهم. ومن بينهم، من تشتت انتباهه بفعل وجود أفراد أسرهم حولهم. وهناك من وجدوا صعوبة في التركيز على عملهم جراء ذلك. لكن فريقا ثالثا احتفى بالتجربة، بل وازدادت إنتاجيته، وتحسنت حياته العاطفية كذلك!
لنبدأ بتجربة “صن مينغ”، السيدة التي تبلغ من العمر 32 عاما، وتعمل في بكين في مجال تصميم المناهج الدراسية وتخطيطها، لصالح شركة تقدم دورات تعليمية عبر الإنترنت. فقد بدأت “صن” خوض تجربة العمل من المنزل قبل شهر، وتقول إنها تشعر بالسعادة، لأن ذلك يوفر عليها الرحلة الشاقة، التي كانت تقطعها على مدار أربع ساعات يوميا، من حيث تقيم في إقليم لياونينغ إلى العاصمة الصينية، والعكس.
وتضطر هذه السيدة للسكن بعيدا عن مكان عملها، لأن نظام الرعاية الاجتماعية، المُسجل فيه طفلها البالغ من العمر ثلاث سنوات، يجبرها وزوجها على إلحاقه بروضة الأطفال القريبة من المنزل.
وتقول “صن” إن هذه هي الروضة الوحيدة، التي يمكنها إلحاق طفلها بها لأنها “حكومية. وإذا أردنا إدخاله روضة أخرى أقرب لمكان العمل سنضطر للجوء إلى رياض الأطفال الخاصة، وهي غالية علينا للغاية”.
وقد سبق للشركة التي تعمل فيها هذه السيدة، أن رفضت مرتين طلبا تقدمت به للعمل من المنزل، يومين كل أسبوع. وسمحت لها بدلا من ذلك، بأن تُعدّل مواعيد نوبات عملها. أما الآن وبعد أن اضطر موظفو الشركة للعمل من منازلهم، أقر مديرها – كما تقول “صن” – بأن مرؤوسيه أصبحوا أكثر كفاءة.
وبالتبعية، تغيرت القواعد الداخلية في الشركة، لمواكبة تغير نظام العمل فيها. فبعدما كان الموظفون يسجلون أوقات حضورهم وانصرافهم من خلال “ساعة إليكترونية” مخصصة لذلك، صار يتوجب عليهم الآن، بدء يومهم بإرسال “ًصورة توثق بدء العمل” لمجموعة تراسل فوري تابعة لمنصة تواصل عبر الإنترنت مخصصة للشركات والمؤسسات تحمل اسم “دينغ توك”.
ثم يعكفون بعد ذلك، على إعداد تقارير يومية لتدوين كل ما قاموا به من مهام وظيفية، من خلال أحد تطبيقات المنصة ذاتها. وتشير “صن” إلى أنه في الوقت الذي بات فيه الموظفون يعملون من المنزل، صار قسم الموارد البشرية “مُجبرا على تعديل الطريقة التي يراقب بها أداءهم كي تلاءم الوضع الجديد”.
وتضيف أن الإيجابية الأهم في عملها من المنزل، تتمثل في أن طفلها لم يعد مضطرا للانتظار حتى وقت متأخر من المساء لرؤيتها حين عودتها من مقر العمل. وتوضح قائلة: “بمقدوري الآن إغلاق جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بي (بمجرد الانتهاء من العمل) والشروع في اللعب معه” على الفور.
على أي حال، يكتنف الغموض عدد الموظفين الصينيين، الذين كان يُسمح لهم بالعمل من المنزل، قبل بدء انتشار “كوفيد – 19”. وفي دراسة مسحية أُجريت العام الماضي، قالت 51 في المئة من الشركات في الصين، إنها تتبنى سياسة مرنة في هذا الصدد، مُقارنة بـ 61 في المئة من شركات الولايات المتحدة.
لكن تعريف هذه المرونة يتباين بين شركة وأخرى. فبالنسبة لبعضها، يعني ذلك مجرد منح الموظف القدرة على التحكم في ساعات عمله، أو كيفية التعامل مع المهام التي تُناط به خلالها. وتشير إفادات الكثير من الموظفين في الصين، إلى أنهم يستخدمون خيار العمل من المنزل – أو يُسمح لهم بذلك – على نحو أقل كثيرا من أترابهم الأمريكيين على سبيل المثال. وتفيد أرقام أعدتها مؤسسة غالوب بأن 43 في المئة من الموظفين في الولايات المتحدة، عَمِلوا لبعض الوقت على الأقل من بعد، بحلول عام 2017.
ويرى جاي ميليكين، المسؤول البارز في شركة “بروفيت” للاستشارات، أن تدني معدلات العمل من المنزل في الصين، يرتبط بالثقافة التقليدية، التي تعتبر أن ممارسة المهام الوظيفية يجب أن تتم في بيئة العمل لا المنزل.
ويقول في هذا الشأن: “لا يزال أمام الثقافة التنظيمية التي تسود الشركات الصينية بوجه عام، شوطا كبيرا لتقطعه، في ضوء أن الشركات الناشئة العاملة في مجال التكنولوجيا وكذلك الوكالات المعنية بالإبداع والابتكار هناك، تشكل استثناءً وليس القاعدة في هذا البلد”.
فلا تزال الكثير من الشركات الصينية، تعتمد نمط إدارة يتولى فيه المسؤولون الأرفع مستوى، تحديد أهداف المؤسسة وطبيعة مشروعاتها، وشكل المهام التي تُسند لموظفيها، دون إشراك مرؤوسيهم في الأمر. ويتضمن ذلك إلزام الموظفين بتسجيل أوقات دخولهم إلى مقر العمل وخروجهم منه، وجعل تقييم مؤشرات أدائهم وما قد يحصلون عليه من مكافآت، مرتبطا بشكل وثيق، بمعدلات حضورهم.
ومن هنا يتعارض العمل من المنزل – كما يقول ميليكين – مع المعتقدات التي يُكِنُها المديرون التقليديون لتلك الشركات، على صعيد “الكيفية التي ينبغي عليهم من خلالها إدارة موظفيهم”.
من بين هؤلاء ربما، شين صَن – الذي يعمل مديرا في أحد مصارف مدينة شينجين – ويشعر بالقطع أن عمل مرؤوسيه من المنزل يقلل من قدرته على السيطرة عليهم. ويقول شين، البالغ من العمر 36 عاما: “يؤدي ذلك إلى جعل مسألة الإدارة أكثر صعوبة، نظرا للاضطرار للجوء إلى سبل أقل كفاءة في التواصل، بجانب تكاسل الموظفين (في هذه الحالة) عن أداء مهامهم العملية، والانغماس في أشياء شخصية”.
ويضيف: “في حالة العمل من المنزل، يتأخر أفراد فريقي أحيانا في الرد عليّ والاستجابة لرسائلي، وهو ما يجعلني أشعر بأنني لا أسيطر على شؤون العمل. وبينما نعقد في الأوقات العادية اجتماعات أسبوعية، أعقد هذه الاجتماعات يوميا في فترة العمل من المنزل، لكي أطمئن على أن الجميع يحظون بالقدر نفسه من الفهم والمعرفة بتطورات عملنا، وأن لدى كل منهم ما يعكف على إنجازه خلال ساعات يومه. كما أطلب من مرؤوسيّ إبلاغي يوميا – كل على حدة – بما أنجزوه في يومهم، وما يعتزمون القيام به في اليوم التالي. وقد وجدت ذلك أسلوبا فعالا لتحفيزهم لئلا تتباطأ وتيرة عمل بعضهم مقارنة بزملائه”.
المشكلة أن الوسائل التي يستخدمها المديرون للتحقق من أن مرؤوسيهم منخرطون في العمل بالفعل، تضر بالبعض منهم بشدة. مثال على ذلك، ما يحدث مع يانغ، وهي سيدة تعمل في شركة صينية للألعاب؛ تقول إنها تضطر الآن لحضور عدد أكبر من الاجتماعات اليومية، التي تُجرى عبر تقنية “المكالمات الجماعية”، مما يقلل الوقت المتاح لها لأداء عملها.
وتقول يانغ، التي اختارت الاكتفاء باسمها الأول: “عندما كنت أمارس مهامي الوظيفية من مقر عملي قبل بدء انتشار الفيروس، لم يكن إلزاميا أن نُبْلِغ عما ننجزه يوميا. أما الآن، فيتعين عليك أن تسجل بعناية كل شيء فعلته في تقرير يومي ترسله إلى رئيسك. أخشى أن ذلك يؤدي إلى تقليص كفاءتي”.
ورغم أن ثقافة العمل في الصين ربما تكون تقليدية بشكل كبير، فإن الوضع على الصعيد المؤسساتي هناك، مجهز جيدا من الناحية التقنية، لتمكين الموظفين من العمل من المنزل. فعلى سبيل المثال، يمكنك أن تجد في كل مكان في الصين، “وي تشات”، هذا التطبيق المتميز بشدة الذي يجمع في خصائصه بين منح مستخدميه إمكانية التراسل الفوري، وتبادل الملفات، وإجراء مؤتمرات الفيديو، والدفع الإلكتروني وغير ذلك.
ويبلغ عدد مستخدمي “وي تشات” في الصين أكثر من مليار شخص. ويقول الكاتب ماثيو برينان، الذي يؤلف كتابا عن هذا التطبيق حاليا، إنه يشكل الخيار الأقرب للكثير من الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم، باعتبار أنه يحل محل تطبيقات مثل “سلاك”، الذي يُحجب أحيانا في الصين، ويشكل بديلا لاستخدام البريد الإلكتروني أيضا.
من ناحية أخرى، يؤدي العمل من المنزل في كثير من الحالات إلى تخفيف العبء الملقى على كاهل أصحاب الشركات الذين يئنون من ارتفاع إيجارات المقار التي يستخدمونها كمكاتب، ويقود كذلك إلى إراحة الموظفين من عناء الرحلات الطويلة التي يقطعونها ذهابا إلى مقار أعمالهم، وإيابا منها. رغم ذلك، لا يزال من العسير تحديد ما إذا كانت الفترة الحالية التي يُضطر فيها الموظفون للعمل من المنزل في الصين، ستؤدي إلى أن يصبح هذا النظام أكثر شيوعا في البلاد على المدى البعيد من عدمه.
ويتوقع شون لي، أستاذ مساعد لثقافة المشروعات في إحدى جامعات بكين، أن يزداد إقبال الموظفين بالقطع على السعي للعمل من المنزل. ويقول: “لدى هؤلاء (في ظروف العمل العادية) وقت محدود لقضائه مع أسرهم، والاعتناء بأطفالهم، أو مرافقة ذويهم. كما يجدون صعوبات في تحقيق الرفاهية لأنفسهم. ونظرا لأن وقتهم يكون في هذه الحالة مشغولا بالكامل تقريبا بأداء مهام العمل والذهاب إليه والعودة منه؛ يشعرون في أغلب الأحيان، بأنهم مستنزفون ذهنيا وبدنيا. الآن، جرب الكثيرون العمل من المنزل، واكتشفوا أنه يشكل أسلوبا من شأنه الموازنة بين العمل والحياة الشخصية، وأنا أعتقد أننا سنشهد طلبا أكبر عليه”.
لكن الأستاذ الجامعي الصيني يضيف أن تلبية هذه الرغبة، تعتمد على طبيعة العمل الذي يمارسه هؤلاء الموظفون، ومدى احتياجهم للعمل كفريق في شركاتهم ومؤسساتهم. فقطاعات مثل الإعلام تسمح بأن يكون لدى العاملين فيها، جدول مواعيد عمل أكثر مرونة، وتزيد فيها فرصة الحصول على إذن بالعمل من المنزل. غير أن ذلك لا يتوافر – كما يقول شون لي – في “قطاعات تقليدية تحتاج إلى وجود الموظفين في مكان العمل، بما يشمل خطوط الإنتاج مثلا، والأعمال التي تتطلب التنسيق والتعاون بين أفراد فريق العمل”. ويشير إلى أن مثل هذه القطاعات، ستظل “غير ملائمة” لنظام العمل من المنزل.
وتلفت جيانغ شامام، أستاذ مساعد لعلم السلوك التنظيمي في كلية تشيونغ كونغ العليا لإدارة الأعمال في بكين، النظر إلى أن الكثير من الشركات الصينية، استثمرت خلال الفترة الحالية أموالا لا يُستهان بها، لتطوير المنصات الإلكترونية التي تُسهّل العمل المكتبي، وإجراء الدورات التدريبية المرتبطة بذلك، مما يزيد احتمالية أن تستفيد تلك المؤسسات بهذه الإمكانيات في المستقبل.
وتضيف: “يشكل تفشي فيروس `كوفيد – 19` فرصة أخرى للشركات، لإعادة النظر في العلاقة القائمة بينها وبين موظفيها، والارتقاء بمستوى الثقافة السائدة فيها لتصبح مفيدة لهذين الطرفين”.
أما جاي ميليكين، فيحذر من أن هناك سلبيات قد تترتب على التحلي بقدر أكبر من المرونة بشأن نظام العمل وطريقته. ويوضح رؤيته في هذا الصدد بالقول: “في واقع الأمر، قد يؤدي تبني نظام العمل من المنزل، إلى جعل ثقافة الانغماس في العمل لأوقات إضافية وعلى نحو أكثر إرهاقا ومشقة، أكثر انتشارا”.
ويشير إلى ثقافة سيئة الصيت تُعرف باسم “996”، ويعمل موظفو شركات التكنولوجيا والشركات الناشئة في إطارها من التاسعة صباحا للتاسعة مساء، ستة أيام في الأسبوع.
للأمر إذا إيجابيات وسلبيات، وهو ما تتفق معه سيندي سونغ (29 عاما)، التي تعمل مديرة في شركة للعلاقات العامة في الصين. فمن سلبيات ذلك في نظرها أن “منزلنا ليس بالكبير، لذا نعمل أنا وزوجي في الغرفة نفسها، ونزعج بعضنا بعضا”. أما الجانب الإيجابي فيتمحور حول التحسن الذي طرأ على علاقتها بزوجها، بسبب بقائهما طيلة الوقت جنبا إلى جنب. وتقول في هذا الصدد: “قبل هذه `الفترة الاستثنائية` كنا مشغوليْن بشدة بالعمل، ونعود إلى المنزل في وقت متأخر للغاية. الآن، صار بوسعنا قضاء وقت أطول معا، وقد أصبحنا كذلك أقرب من ذي قبل”.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Worklife
[ad_2]
Source link