دروس نتعلمها من اليابان للحفاظ على موارد العالم
[ad_1]
أبدينا إعجابنا بأوراق تغليف مقرمشات الأرز، ذات التصميمات الملونة، واقترحت علينا صاحبة المتجر العجوز أن نعيد استخدامها لتغليف الهدايا أو الدفاتر، وحذرتنا من الهدر عملا بمبدأ “موتايناي”.
ويستخدم اليابانيون كلمة “موتايناي” في حياتهم اليومية منذ قرون، للتحذير من الهدر أو توبيخ الشخص الذي يهدر الموارد. ويعكس هذا المفهوم العلاقة العاطفية القوية بين الشخص وممتلكاته، وهي علاقة متجذرة في الديانة البوذية التي تقول إن جميع الموجودات، حتى الجماد، تسري فيها الروح.
ولعل تقدير قيمة الممتلكات يشجع الناس على الحد من الاستهلاك المفرط للسلع والتخلص منها وتقدير أهمية جميع الأشياء التي نملكها. وبعبارة أخرى، يضيف “موتايناي” عنصر الاحترام إلى التسلسل الهرمي لإدارة النفايات، إلى جانب إعادة التدوير وتخفيض الاستهلاك وإعادة الاستخدام.
ويعد “موتايناي” النموذج الياباني البديل للاستدامة البيئية، لكن بدلا من التركيز على مصير كوكب الأرض، فإن مفهوم “موتايناي” يبرز أهمية الممتلكات نفسها. فإذا استشعرت قيمة الممتلكات، لن تفكر في التخلص منها أو إهدارها.
وطالما سمعت هذه الكلمة يرددها المعلمون لتوبيخ الطلاب على ترك بعض الأرز في الطبق، وأحيانا يستخدمها الطلاب لالتقاط أصابع البطاطس المقلية المتبقية من الطبق المجاور.
لكن رغم أن اليابان، التي تعد مضرب المثل في أنظمة التدوير المعقدة والمدن فائقة النظافة، تبدو أنها نجحت في إتقان الحفاظ على البيئة، إلا أن تقريرا أصدرته الأمم المتحدة مؤخرا أشار إلى أن اليابان تأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة من حيث نصيب الفرد في النفايات البلاستيكية عالميا. ويفوق إنتاج اليابان من النفايات إنتاج الاتحاد الأوروبي بأكمله.
وتعزو تاتسو ناناي، رئيسة حملة “موتايناي” لإعادة التدوير، هذا الارتفاع في حجم النفايات إلى أن الكثيرين من اليابانيين الآن لا يهتمون بترشيد الاستهلاك وإعادة التدوير.
وتأسست منظمة موتايناي، التي لا تهدف للربح، استجابة لرغبة ناشطة حماية البيئة الكينية، وانغاري ماثاي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، في إحياء مفهوم موتايناي من جديد، في أعقاب زيارتها لليابان في عام 2005.
ويستمد مفهوم “موتايناي” أهميته من جذوره البوذية، إذ تعني “موتاي” جوهر الأشياء، للدلالة على أن الأشياء لا توجد في هذا العالم بمعزل عن بعضها، بل يرتبط بعضها ببعض، أما “ناي” فهو علامة نفي. وتعبر الكملة بشقيها عن الحزن لفقدان الرابط بين كيانين، أحدهما حي والآخر جماد.
ويدخل الارتباط بين الشخص وممتلكاته في صميم الثقافة اليابانية، ويتجلى في نواح عديدة من الحياة اليومية، بدءا من فن “كينتسوغي” التقليدي لإصلاح الأواني الفخارية، إلى أساليب “ماري كوندو” في تنظيم المنازل التي تبعث على البهجة.
وقد تلمح في مراسم الشاي على سبيل المثال، آنية فخارية مرممة بعناية، أو تصادف إحدى المهرجانات السنوية التي تقام للتعبير عن الامتنان للأشياء التي لم تعد صالحة للاستخدام. ويقول لها اليابانيون “أشكرك على مجهودك الشاق”.
وربما يصعب الآن الحفاظ على هذا الارتباط العاطفي بالممتلكات في ظل تفشي النزعة الاستهلاكية وتصنيع السلع بكميات وفيرة. وتقول ناناي إن الناس كانوا يعتقدون أننا بمنأى عن الغابات والمحيطات وأننا أقوى من الطبيعة، إلى أن أعادتهم الأزمات البيئية إلى رشدهم، وأدركوا أنهم جزء من الطبيعة.
وقد ذاق اليابانيون مرارة الانفصال عن الطبيعة بعد زيادة وتيرة وحدة الكوارث الطبيعية التي تعرضت لها اليابان إثر التغير المناخي.
وأبرزت ماثاي أهمية هذا الارتباط بكوكب الأرض في خطاباتها في مختلف المحافل الدولية. إذ ذكرت في كلمتها أمام مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة عام 2006 أن الاستخدام النهم للموارد الطبيعية المحدودة هو السبب الرئيسي لمعظم الصراعات. وأشادت بمبدأ “موتايناي” والدروس التي تعلمتها منه في الامتنان والامتناع عن الإسراف في استخدام الموارد المحدودة وتقديرها.
ولاقى مفهوم “موتايناي” صدى واسعا في أنحاء العالم، إذ تقيم فيتنام سنويا مهرجان “موتايناني”. وليس من المستغرب أن تسلط دورة الألعاب الأولمبية، التي ستقام في طوكيو العام الحالي، الضوء على نموذج الاستدامة الياباني “موتايناي”.
وبخلاف الاعتماد على الطاقة المتجددة واستخدام الملاعب وأنظمة النقل المتاحة، ووضع خطط للحد من انبعاثات الكربون، فإن منصات التتويج ستكون مصنوعة من البلاستيك المعاد تدويره محليا، بينما ستصنع 5,000 ميدالية بالكامل من معادن معاد تدويرها ومستخرجة بعناية من الأجهزة الإلكترونية التي تبرع بها الجمهور.
وسيسهم استخدام الممتلكات الشخصية في تعزيز حس المشاركة في تصنيع الميداليات وفي الحدث بأكلمله لدى المتبرعين بالأجهزة الإلكترونية.
لكن ميسوزو أساري، أستاذة مساعدة في الدراسات البيئة العالمية بجامعة كيوتو، تلفت إلى أن التغيرات الاجتماعية التي شهدتها اليابان على مدى القرن الماضي، من الحروب العالمية إلى التطورات التكنولوجية المتلاحقة، أدت إلى وجود فجوة شاسعة بين كبار السن والشباب.
وتقول إن الكثير من كبار السن تجرعوا ويلات الفقر أثناء الحرب وبعدها وتعلموا ترشيد الاستهلاك وإعادة التدوير، في حين أن الجيل الأصغر سنا، عاشوا في عهد الرخاء المادي، وفقدوا الإحساس بقيمة ممتلكاتهم، وأصبح من السهل التخلص من السلع واستبدالها.
ولهذا تنظم حملة موتايناي أسواقا لبيع المنتجات المستخدمة في طوكيو، وأسواقا للأطفال، حيث يبيع الأطفال ويشترون الدمى والملابس. ولا يُسمح للآباء بدخول هذا السوق، ويبلغ الحد الأقصى للإنفاق 500 ين فقط. ويتعلم الأطفال من هذا السوق طرق الاستفادة من المخلفات.
ودشنت بلدة كاميكاتسو في جزيرة شيكوكو باليابان حملة في عام 2003 للقضاء تماما على النفايات. وتتعاون الحملة مع الأسر والمدارس لاقتراح بدائل لمكبات النفايات. إذ يعرض منظمو الحملة على الأطفال خمس بطاقات تتضمن كل منها حلا للامتناع عن إلقاء النفايات، إما بإعادة استخدامها، أو إصلاحها أو توظيفها في أغراض أخرى أو إعادة تدويرها أو تحويل مخلفات الطعام إلى سماد طبيعي.
لكن بعض المخلفات لاشك أنها قد لا تصلح لإعادة التدوير، ولهذا وضعت الحملة خيارين آخرين، إما إلقاءها في مكب النفايات أو رفضها والامتناع عن شرائها من البداية.
ويوجد بالبلدة نظام إعادة تدوير مكون من 45 مرحلة، ومتجر لتبادل السلع قام بتصريف 11 طنا من السلع المستخدمة حتى الآن، ويدير مشروعا لتوظيف المخلفات في أغراض مختلفة. وتعيد البلدة الآن تدوير 80 في المئة من مخلفاتها.
وتقول أساري إن البقاء على قيد الحياة وسط الاكتظاظ السكاني ونقص الموارد يتوقف على مدى قدرتنا على التحلي بالحكمة والثقافة وتوظيف التكنولوجيا.
وأعتقد أننا الآن بتنا في أمس الحاجة لهذا الارتباط بين الناس والممتلكات والعالم، الذي تعكسه الأوراق الرائعة التي تغلف مفكرتي أو الميداليات المعاد تدويرها التي ستقدم على منصات التتويج البلاستيكية.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Travel
[ad_2]
Source link