فيروس كورونا: دور الوعي الجمعي والتعلق بالأمل في الحرب على انتشار الوباء
[ad_1]
ارتبط اسم إيطاليا بالجمال والمتعة. جمال روما وفينيسيا والفاتيكان٫ جمال الأزياء وهيبة موسيقى الأوبرا وسينما فيلليني ولوحات دافينشي ومتعة الـ”باستا” والبيتزا ورائحة القهوة.
يعرف عن الإيطاليين أيضا حب الحياة والحركة الدائمة المفعمة بالحيوية وحرارة التحية التي يتبادلونها بالعناق وميلهم للتواصل الجسدي.
لكن كل هذه المظاهر معلقة الآن بفعل الحجر الصحي المفروض على البلاد برمتها.
في الأخبار الآن تذكر إيطاليا كثاني أكثر بلد ضربته جائحة كورونا بعد الصين٫ بعدد مصابين يجاوز السبعة عشر ألفا وبوفاة نحو ألف وخمسمئة شخص.
خلت شوارع إيطاليا من السياح ثم من الإيطاليين أنفسهم بعد أن فرض عليهم أن يلزموا بيوتهم ولا يغادروها إلا للضرورة القصوى وبإذن من السلطات.
أغلقت الجامعات والمطاعم وكل أماكن الترفيه. لم تبق السلطات غير محلات بيع المواد الغذائية والصيدليات مفتوحة.
في هذا الفيديو صورة عن الحياة في معظم أنحاء إيطاليا٫ صورها لبي بي سي عربي تونسيون مقيمون في إيطاليا.
محمد أمين شوشان تونسي مقيم في روما٫ تطوع وزوجته منذ بداية الأزمة. زوجته تساعد الطواقم الطبية في سيارات الإسعاف في نقل المصابين بفيروس كورونا.
يطلب محمد إذنا بالخروج لإيصالها إلى المركز الصحي الذي تطوعت فيه ويعود ليرعى ابنهما الصغير.
شارك محمد أيضا في حملة للتبرع بالدم ويقول إن ما يفعله هو وزوجته واجب نحو البلد الذي يعيشان فيه وهو ما أملته عليهما إنسانيتهما.
علق أناس في مناطق كثيرة من إيطاليا رسائل التضامن والتفاؤل والطمأنة عل الأبواب والشرفات. وعلق محمد وعائلته الصغيرة في شرفة منزلهم في روما لافتة كتب عيها” Andrà tutto bene” أي “سيكونكل شيء على ما يرام .
التفاؤل والثقة بأن الآتي أجمل سلاح في مواجهة ما لا حيلة لك به .
وهكذا فعل كثيرون ممن خيم الوباء على أوطانهم.
يقول رمزي القاطن في كاتانيا في جنوب إيطاليا إن الأزمة حتما ستمر رغم ما سببته من مظاهر لم يتعود رؤيتها في مدينته الجميلة.
لم يستطع الإيطاليون التخلي عن عاداتهم في الاحتفال والفرح فوقفوا في الشرفات في تجمع افتراضي يضمن بينهم مسافة لا يستطيع فيروس كوفيد-١٩ تخطيها وعزفوا كل على آلته لحنا للتفاؤل والاتحاد والتحدي معلنين تغلبهم على الخوف بحب الحياة.
وتناقل المشاركون والمتضامنون مقاطع من هذه “الاحتفالات” عبر مواقع التواصل الاجتماعي فجاوز وقعها كل الحدود المغلقة.
كانت لتلك المشاهد سابقة في مدينة ووهان الصينية التي كانت نقطة انطلاق الفيروس قبل أكثرمنشهر.
وقد يتكرر المشهد أيضا مع دخول المزيد من البلدان مرحلة الإغلاق الكامل والحجر الصحي الشامل.
أعلنت إسبانيا وضع كامل البلاد تحت الحجر. كما تبنت جمهورية إيرلندا نفس الخطوة قبل أيام.
تفاوت مدىانتشار الجائحة من بلد لآخر. فلم تصل بعض البلدان مرحلة الإغلاق الكامل بعد لكنها بدأت تتخذ خطوات في ذلك الاتجاه،
فقد قررت السلطات الفرنسية إغلاق كل المرافق الترفيهية والمطاعم وإلغاء الفعاليات التي يتجمع فيها الناس.
كذلك فعلت السلطات التونسية حين بلغ عدد الإصابات المؤكدة فيها ست عشرة حالة.
أعلن رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ إغلاق الحدود البحرية للبلاد بشكل كلي وتحديد عدد الرحلات الجوية إلى بعض الوجهات بالإضافة إلى إلغاء الفعاليات الثقافية والعلمية والدينية وغيرها.
وأعلن أيضا إغلاق مطاعم ومقاهي وملاهي البلاد في حدود الساعة الثالثة بعد الظهر بتوقيت غرينتش يوميا. كما أغلقت الحكومة التونسية أيضا المؤسسات التعليمية ومنعت صلاة الجماعة.
واتخذت دول أخرى كمصر قرارا بغلق المؤسسات التعليمية لمدة أسبوعين إضافة إلى إجراءات سابقة .
تفاعل سكان كل بلد مع هذه القرارات بطرق مختلفة. منهم من سخر ومنهم من عبر عن رفضه وسخطه.
لكن على اختلاف ردود الفعل فإن المؤكد هو إحساس الناس بخطورة ما يحدث، وأن الوباء الذي انتشر في منطقة صغيرة في الصين البعيدة عن أغلبهم، بات الآن عالميا خارجا عن السيطرة وقريبا من كل واحد منهم.
مخاوف مشروعة
يخوض العالم حربا فعلية مع فيروس كورونا٫ ويخوض الناس حروبا نفسية بسبب سرعة انتقال الفيروس واتساع رقعة انتشاره وكأن الكل ينتظر دوره. وهنا يلعب الوعي الجمعي دوره وكذلك العقل الباطن لأن مجابهة الجائحة نفسيا قد لا تقل أهمية عن مقاومته جسديا.
غلب طابع السخرية والاستخفاف على ردود الفعل إزاء القرارات التي أعلنتها الحكومات، لكن هذا يمكن تفهمه في إطار سيكولوجية آليات الدفاع النفسي.
وهي ببساطة آليات يخلقها العقل الباطن للتغلب على هواجس ومخاوف تؤرق العقل .
لا يمكن للعقل إنكار جدية المرحلة التي يمر بها العالم بسبب جائحة فيروس كورونا التي خرجت عن السيطرة حول العالم.
لكن الوعي التام بخطورة الوضع يشكل ضغطا نفسيا وعصبيا على الناس. فيفضل بعضهم الاستعاضة عن القلق الشديد والخوف بالاستخفاف بالوضع بشكل ما.والأصل في الأمر تقدير تام لجدية الأوضاع.
يرى كل فرد الإجراءات الحاسمة المتخذة من منظاره. فيخشى البعض انقطاع السلع الأساسية وارتفاع أسعار ما يتوفر منها.
بينما يفكر البعض الآخر في أعمالهم التي قد تتوقف تماما وأنشطتهم الاقتصادية التي قد تتضرر بشكل كبير خاصة أصحاب المشاريع الصغرى.
مخاوف مشروعة قد تدفع من يشعر بها إلى السخط على هذه الإجراءات ومن أعلنها. لكن ارتباط هذه الإجراءات بخياري الحياة والموت هو ما يكبح غضب البعض ورفضهم، فتُضعِف احتمالات الموت وقع الخسارة المادية.
دور الوعي الجمعي في “الحرب النفسية ”
اشتراك الناس في المصاب خلق بينهم وحدة من نوع ما.
وقد تكون طبيعة فيروس كورونا سريعة العدوى لعبت دورا في جعل الفرد يرى أنه جزء من مجموعة عليه أن يحافظ على سلامتها٫ إن لم يكن ذلك مدفوعًا بأسباب عاطفية إنسانية فإنه مفروض بواقع أنه إذا أصيب من حولك فإنك ستصاب حتما.
ومن هذا الوعي بضرورة العمل الجماعي في مواجهة وباء خارج عن السيطرة، انطلقت فكرة وسوم عبر مواقع التواصل الاجتماعي تدعو الناس للالتزام بإجراءت الوقاية المعلنة، خاصة في المناطق التي فرض فيها الحجر الصحي العام.
وأنشئت أيضا على فيسبوك مجموعات دعم يشارك فيها البعض مقاطع مصورة وأخبارا عن يومياتهم في ظل انتشار فيروس كورونا، ليطمئن باقي الأفراد الذين يجدون راحة نفسية في بعض الأخبار “الجيدة”.
لكن هذا الوعي على أهميته لا يبدو منتشرا بما يكفي لمواجهة وباء عالمي خرج عن سيطرة أكبر الدول وأكثرها تقدما.
خالف كثيرون قواعد الحجر الصحي، طنا منهم أنه لا قيمة له ماداموا لا يشعرون بأي أعراض للمرض، بينما يقول العلماء إن حامل فيروس كوفيد-١٩ قد لا تظهر عليه أي أعراض لأيام.
وباعتبار خطورة الوضع، عمدت السلطات في بعض الدول إلى إلزام سكانها باتباع التعليمات بقوة القانون وفرضت عقوبات بالسجن على من يخالف.
من مظاهر التكافل الجماعي في مواجهة الأزمة والمخاوف الناتجة عنها محاولات البعض نشر بعض من الأمل والإيجابية عبر “معلومات” عن عدد الحالات التي شفيت من الوباء مثلا أو عبر تفنيد المعتقدات الخاطئة والأخبار الكاذبة التي انتشرت حول المرض.
لكن البعض قد يتجاوز “الإيجابية” إلى غياب تام للوعي بوقع ما يعتبره جوانب إيجابية على بعض الفئات.
وأشهر الأمثلة هنا ما يتداوله كثيرون من أن الفيروس لا يقتل إلا كبار السن، مطمئنا بذلك نفسه ومن حوله من غير تلك الفئة العمرية.
لكن ما يغفل عنه هؤلاء هو وقع هذه التعليقات على كبار السن والذين يعانون من أمراض قد تضعف مناعتهم .
وربما أن ما يحزنهم أكثر هو عدم الاكتراث الذي بيديه البعض بهم وما يقرأونه من خلف التعليقات من أن “لا بأس بفيروس يقتلهم ليصبح للآخرين مناعة منه في المستقبل”.
[ad_2]
Source link