أخبار عربية

نقص الأيدي العاملة في مجال الزراعة يهدد إمدادات الغذاء حول العالم


مستقبل غامض لقطاع الزراعة بسبب نقص الأيدي العاملة

مصدر الصورة
Getty Images, Farm Africa, Kate Collyns

تعد الكثير من الأطعمة التي نتناولها ثمرة جهود عدد كبير من المزارعين والفلاحين والعمال الزراعيين، ولولاهم لما تمكنا من تحضير معظم الأطباق، حتى طبق المعكرونة البسيط مع صلصة الطماطم، إذ يزرع الفلاحون كل العناصر اللازمة لتحضير المعكرونة، من الطماطم والريحان والبصل والثوم والزيتون، بالإضافة إلى القمح.

ويعمل هؤلاء المزارعون في حقول أو دول أو حتى قارات مختلفة، لكننا في الغالب نشتري هذه الأطعمة من المتاجر دون التفكير في مصادرها.

لكن مستقبل الزراعة والمزارعين في العالم لم يعد آمنا كما تظن، إذ لم يعد بإمكان معظم المزارعين الاستمرار في مزاولة مهنة الزراعة لسنوات طويلة، إذ يبلغ متوسط عمر المزارعين في المملكة المتحدة 59 عاما، وفي كينيا 60 عاما، وفي اليابان 67 عاما.

وعندما يتقاعد هؤلاء المزارعون، قد لا نجد من يحل محلهم في زراعة المحاصيل، نظرا لعزوف الشباب عن العمل بالزراعة، وتفضيلهم العمل في المدن. وربما يتوقف مصير سلاسل إمدادات الغذاء العالمية على انخراط الجيل الجديد في القطاع الزراعي.

وقد طرحت حلول عديدة لمعالجة أزمة شيخوخة الأيدي العاملة في القطاع الزراعي، منها تطوير أجهزة تكنولوجية حديثة للحد من أعباء المزارعين وتخفيض العمالة، أو مواجهة الوصم الاجتماعي الذي يرتبط بأعمال الفلاحة وتغيير نظرة الناس للزراعة وإقناعهم بأنها مهنة مجدية تدر دخلا جيدا.

وتقول ماري نيال، منسقة مشروع “غرس المستقبل” الذي دشنته مؤسسة “فارم أفريكا” في كينيا، إن الزراعة كانت وسيلة للعقاب في المدارس الابتدائية والثانوية، ولهذا لم تعد المهنة تستهوي الشباب، خاصة غير القرويين منهم الذين لم ينحدروا من عائلات تعمل بالزراعة.

ويمثل الشباب تحت 35 عاما أكثر من 80 في المئة من سكان كينيا. وأشارت الإحصاءات في عام 2018 إلى أن معدل البطالة بين الشباب بلغ 25 في المئة. وربما تسهم زراعة المحاصيل عالية القيمة في حل أزمة البطالة في كينيا.

وتسعى مبادرة “غرس المستقبل” إلى تغيير نظرة الشباب للزراعة، إذ تتولى المبادرة تعليم آلاف الشباب أساليب زراعة المحاصيل بشتى أنواعها، مثل الفاصوليا الخضراء والبازلاء والطماطم والكرنب. وتوفر المبادرة لكل شاب البذور والسماد، وتقدم له إرشادات حول طرق العناية بالمحاصيل.

مصدر الصورة
Getty Images, Farm Africa, Kate Collyns

Image caption

ربما تسهم زراعة المحاصيل عالية القيمة في حل أزمة البطالة في كينيا

ويزرع جوزيف كيبلاغات، أحد المشاركين في مبادرة “غرس المستقبل”، بضعة محاصيل، أهمها الفاصوليا الخضراء، التي تدر ربحا وفيرا.

ويقول كيبلاغات إن زراعة الفاصوليا الخضراء تتطلب تمهيد الأرض وحرثها ثم تخطيطها لتسهيل الري. لكن رغم أنها عملية شاقة وتتطلب الدقة إلا أنها تستحق هذه المشقة.

ويستفيد كيبلاغات من المال في تعليم أبنائه وشراء الطعام، ويقول إن نظامهم الغذائي أصبح أكثر تنوعا. واشترى كيبلاغات قطعة أرض جديدة لتوسيع نطاق مشروعه.

وتساعد المبادرة الشباب في الوصول إلى المزارعين والمشترين لضمان بيع محاصيلهم عند حصادها. وتقول نيال إن الشباب يحتاجون للربح السريع، فإذا لم تعرّفهم على سبل جني المال من الزراعة، سيشعرون أنهم تورطوا في مهنة لا طائل منها.

واستفاد من هذا المشروع منذ بدايته في عام 2011، أكثر من 4,000 شاب، ويتحمس الكثيرون منهم بعد التخرج لشراء قطعة أرض وبيع محاصيلهم في الأسواق.

لكن الوصول للأراضي ليس هينا. وتقول نيال إن الأراضي باهظة التكلفة ولا يملك المال الكافي لشرائها إلا كبار السن الذين جمعوا رأس مال ويرغبون في استثماره، أو الشباب الذين ينحدرون من عائلات ميسورة الحال قد تعطيهم المال لشراء بعض قطع الأراضي، أو تؤجر لهم الأراضي بأسعار زهيدة.

لكن برنامج “غرس المستقبل” يحسن فرص الشباب في بدء مشروع ربحي خاص، إذ تقول نيال إنهم يقنعون الجيل الأكبر سنا لإعطاء الشباب جزءا من أراضيهم لزراعتها.

ويعود هذا النظام بالنفع على كلا الطرفين، إذ يستفيد كبار السن من إقبال الشباب على الزراعة لأنه يزيد فرص وجود مستأجرين محتملين للأراضي الزراعية، ومن ناحية أخرى يستفيد الشباب من فرص زراعة أراض كان يتعذر الحصول عليها لارتفاع سعرها.

ورغم مشاكل امتلاك الأراضي وارتفاع أسعارها التي تنفر الشباب من قطاع الزراعة، ثمة بشائر إيجابية تدعو للتفاؤل.

مصدر الصورة
Getty Images, Farm Africa, Kate Collyns

Image caption

تركيبة القوى العاملة في الزراعة تتغير أيضا بانخراط النساء في قطاع الفلاحة الذي كان يهيمن عليه الرجال

تقول لي آن ساذرلاند، الباحثة في مجموعة العلوم الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية بمعهد جيمس هوتون في اسكتلندا، إن الكثير من التقارير تشير إلى أن قطاع الزراعة سيشهد نقصا حادا في الأيدي العاملة بعد 12 عاما من الآن إثر تقاعد الجيل الأكبر سنا من المزارعين. لكن في الواقع بعض المزارعين المسنين لديهم أبناء قد يرثون عنهم مهنة الفلاحة.

وترى أن الكثير من الدراسات والإحصاءات قد تظهر الواقع أكثر قتامة مما هو عليه. وتقول ساذرلاند إن تركيبة القوى العاملة في الزراعة تتغير أيضا بانخراط النساء في قطاع الفلاحة الذي كان يهيمن عليه الرجال. وازدادت فرص اتساع نطاق الزراعة بانضمام مزارعين شباب إليه وابتكارهم أفكارا خلاقة وغير تقليدية. وبعض هؤلاء الشباب لم يكن لديه أي خبرة سابقة عن الزراعة.

وكانت كيت كولينز تعمل في مجال نشر المجلات بإنجلترا، وحين بلغت 27 عاما قرأت مقالا عن مشروع لتدريب الشباب على زراعة البساتين تنظمه إحدى المؤسسات الخيرية للترويج للزراعة العضوية.

وتضمن البرنامج قضاء موسمين في إحدى المزارع، والمشاركة في زراعة الخضروات وتربية الدجاج والبقر. وبعد انتهاء البرنامج التدريبي، دشنت كولينز مشروعها الخاص لتوريد الفاكهة والخضروات للمتاجر والمقاهي.

وتقول كولينز إنها صادفت الكثير من الشباب المهتمين بالفلاحة على منصات المزارعين عبر الإنترنت، لكن المال وصعوبة الحصول على الأراضي لا يزالان يحولان دون انخراطهم في هذا المجال.

وتقول كولينز إن أسعار الأراضي في المملكة المتحدة باهظة للغاية، فقد يصل سعر الفدانين إلى 40,000 جنيه استرليني.

وتستأجر الآن كولينز 3.5 أفدنة لزراعة الخضروات. وتقول إنها بدأت على نطاق ضيق لأنها لم تنحدر من عائلة من المزارعين، ولم يكن لديها المال لشراء قطعة أرض. وعندما استأجرت الأرض لم تجد فيها شيئا سوى العشب.

وقد تسهم الأجهزة التكنولوجية الحديثة أيضا في سد الفراغ الذي سيتركه جيل المزارعين الأكبر سنا. وتقول ساذرلاند إن الرقعة الزراعية ستزداد مستقبلا وستصبح الزراعة أكثر اعتمادا على الآلات الزراعية، وقد لا نحتاج حينها للكثير من المزارعين.

مصدر الصورة
Getty Images, Farm Africa, Kate Collyns

Image caption

تشتهر بلدة ياماموتو تشو اليابانية بطقسها المثالي لزراعة الفراولة

وفي اليابان، التي تعاني من مشكلة شيخوخة السكان، ابتكر هيروكي إيواسا، مهندس تقنية المعلومات الأربعيني، في بلدة ياماموتو تشو في الساحل الشرقي لليابان، طريقة جديدة للزراعة تجتذب شباب المزراعين.

وفي عام 2011، ضربت بلدة ياماموتو تشو التي اشتهرت بطقسها المثالي لزراعة الفراولة، أمواج مد عاتية – تسونامي- خلفت دمارا واسعا. وتعافت البلدة بصعوبة شديدة من آثار الكارثة.

ويقول إيواسا إن موجات التسونامي حصدت أرواح 12,000 شخص وأغرقت 129 مزرعة للفراولة. وقرر حينها أيواسا أن يعيد تجهيز أرضه الزراعية من الصفر.

واستعان إيواسا بخبرته التكنولوجية لبناء دفيئات زراعية تدار بأجهزة الكمبيوتر. وتتحكم أنظمة آلية في البيئة داخل الدفيئة لتحقيق الظروف المثالية لنمو الفراولة، بدءا من الرطوبة ونسبة ثاني أكسيد الكربون والمغذيات ووصولا إلى المياه ودرجة الحرارة.

وتصل سعر ثمرة الفراولة الواحدة التي تنتجها هذه الدفيئات إلى تسعة دولارات، وتباع في أفخم المتاجر في المدن داخل اليابان وخارجها. ويوظف إيواسا 100 شخص، ويتيح لهم مزايا لا يحصلون عليها في المزارع التقليدية، لتحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية.

وفي ظل الارتفاع المهول في أسعار الأراضي الزراعية وتزايد الفرص المغرية في المدن والمشاكل الأخرى ذات الصلة بسمعة مهنة الزراعة بشكل عام لدى الجمهور، لا شك أن امتهان الزراعة الآن بات أصعب من أي وقت مضى.

لكن الجهود المبذولة لتسهيل الانخراط في قطاع الزراعة، قد تغير الصورة النمطية التي انطبعت في الأذهان عن المزارعين، فقد يكون المزارع شابا أو امرأة، أو من سكان المدن وليس قرويا، وقد يكون قد أمضى أغلب حياته خلف شاشة الكمبيوتر وليس الجرَّار الزراعي.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى