أخبار عاجلةالارشاد النفسيمقالات

الإرشاد النفسي .. الميثاق الأخلاقي والقواعد الحاكمة

للدكتور السيد مصطفى الأقرع/دكتوراه في علم النفس - معالج نفسي معتمد في العلاج المعرفي والعلاج بالواقع

 

الإرشاد النفسي .. الميثاق الأخلاقي والقواعد الحاكمة

العمل في مهن تقديم التدريب والتوجيه والمساعدة والإرشاد والعلاج للأفراد والمجموعات، ليس عبثاً أو متاحاً لكل من يرغب؛ لأن تقديم المساعدة إن لم تقدم من متخصص مرخص، فقد تُحدث ضرراً يفوق حجم المشكلة ذاتها، والأمر أشبه بمن يقدم مساعدات الإسعاف الطبيفي حال الطوارئ والحوادث، إن لم يكن متخصصاً فقد يؤذي؛ لذا حرصت الدول والمؤسسات والجمعيات المهنية المتخصصة أن تجعلللعاملين بمجالات تقديم المساعدة والعلاج والتنمية مهناً متخصصة تحتاج إلى ترخيص واعتماد وإشراف للقيام بها؛ فهي ليست متاحة لكلمن أخذ دورة أو مجموعة من الدورات أو حصل على دبلومة مهنية أو أكاديمية، بل تتطلب العديد من الشروط والإجراءات اللازمة للقيام بها.

للعمل بمجال الإرشاد والعلاج النفسي، تشترط غالبية الدول والجمعيات المتخصصة شخصاً حاصلاً أولاً على شهادة جامعية متخصصةكشرط أساسي، ثم شهادات عليا تخصصية تشمل الدبلوم، والماجستيروتشترط بعض الدول الدكتوراه الأكاديمية في المجال المخصصوالتدريب والإشراف لساعات في جهات معتمدة تحت مشرفين معتمدين لساعات تصل إلى 3000 ساعة، أو أعوام بين عامين من التدريب إلى5 أعوام بعد الحصول على المؤهلات العلمية، ثم الخضوع لاختبار ومقابلة للحصول على ترخيص مزاولة مهنة، وبعد الحصول على الترخيصيشترط الاستمرار في التعلم والتطوير، والالتزام بالمواثيق الأخلاقية المحددة للعمل، وتجديد تلك الرخص كل أعوام محددة.

فالأمر ليس عبثاً أو متروكاً لكل من يجيد الإلقاء ويمتلك مهارات الإقناع، بل يتحتم معه الاعتماد التخصصي العلمي والتدريب الإشرافيللقبول، وإلا فالمساءلة القانونية؛ فعلم الإرشاد والتدريب قائم على تقديم المساعدة المبنية على نظريات ونماذج مثبتة علمياً، وليس اجتهاداتشخصية، أو آراء نظرية، أو دينية بحتة، والعديد من الدول والهيئات تطبق تلك المعايير بصرامة كافية لضمان تقديم خدمات إنسانية راقيةللأفراد

ويُقْسم الأفراد المعتمدون والمرخصون للعمل في مهن المساعدة والإرشاد الإنساني على الالتزام بالقواعد والمواثيق الأخلاقية التي تضعهامؤسساتهم المرجعية، وتعتبر هذه المواثيق الأخلاقية  بمثابة قواعد يتفق عليها أهل المهنة في تقديم مهنتهم للغير؛ بحيث يمكنهم الرجوع إليهاعندما يستشعرون أن هناك خطراً في داخل المهنة، أو عندما يتساءل من هم خارج المهنة عن طبيعة العمل في تلك المهنة؛ فهي بمثابة صمامالأمان الداخلي والخارجي، ويمثل الميثاق الأخلاقي مجموعة المعايير القائمة على مجموعة القيم المتفق عليها، وتمثل ما نتوقعه من تصرفاتمهنية من جانب المختص في الإرشاد في علاقته بزملائه في المهنة، وبمن يقدم لهم الخدمة الإرشادية، وكذلك بالمجتمع بوجه عام، ويكتسبهذا الدستور الأخلاقي  قوته واحترامه من قوة الالتزام الأدبي والإجماع الصادق على أهمية تنظيم هذه المهنة من جانب العاملين فيها.

قواعد عامة:

وهناك مجموعة من القواعد العامة التي اتفقت عليها غالبية المواثيق الأخلاقية للعاملين بمهن الإرشاد والتدريب، هي:

الأولى: الإحسان وعدم الإيذاء: وتتمثل في بذل مقدمي الخدمات الجهد في تقديم المساعدة وإفادة الأفراد، والحرص على عدم إلحاق أيضرر بهم، والسعي إلى حماية مصالح وحقوق الأفراد.

الثانية: الإخلاص والمسؤولية: وتتمثل في بناء علاقة مبنية على الثقة مع الفرد، وإدراك المسؤوليات العلمية والمهنية تجاه المجتمع من حولهم،والعمل على إعلاء معايير السلوك المهني، وتوضيح أدوارهم المهنية والالتزامات المفروضة عليهم، وتحمل مسؤولية نتائج سلوكياتهم وتصرفاتهم،والتحكم في تضارب المصالح الشخصية التي قد تؤدي إلى الاستغلال أو الضرر بشكل عام.

الثالثة: النزاهة: وتتمثل في إلزام مقدمي الخدمات تعزيز مفهوم الدقة والأمانة والصدق في أداء المهنة والعلم والتدريس، والابتعاد عن السرقةأو الغش أو الاحتيال أو التحريف المتعمد للحقائق، وبذل الجهد في الحفاظ على وعودهم، وتجنب الالتزامات المبهمة أو غير الواضحة.

الرابعة: العدالة: وتتمثل في إدراك مقدم الخدمة ومقدم الخدمة النفسي أن العدالة والإنصاف تؤهلان جميع الأشخاص للاستفادة منالخدمات المقدمة، بجودة متساوية من ناحية الإجراءات والعمليات.

الخامسة: احترام حقوق الناس وكرامتهم: وتتمثل في احترام كرامة وحقوق وخصوصيات جميع الناس واحترام قراراتهم المصيرية، واحترامالاختلافات الثقافية الفردية، مثل: العمر والنوع والهوية الجنسية والعرقية والثقافة والأصل القومي والدين والعجز واللغة والوضع الاجتماعيوالاقتصادي.. وغيرها، وأخذ هذه العوامل في عين الاعتبار عند العمل مع أي فرد من هذه الجماعات، كما يجب على مقدم الخدمة القضاءعلى أي تحيز.

معايير أخلاقية:

كما حددت مواثيق العمل المعايير الأخلاقية المتعلقة بكفاءة مقدم الخدمة فيما يتعلق بحدود عمله، أو بقضايا التعامل مع متلقي الخدمة،ومنها:

من حيث حدود العمل: يؤدي مقدم الخدمة عمله في حدود تخصصه فقط، معتمداً في ذلك على دراسته وتدريبه وخبراته المهنية واستشاراته،ويتعهد عند تقديم خدمات في المجال البحثي أو التطبيقي أن يكون لديه تدريب كافٍ أو تعليم أو خبرة مهنية سابقة متعلقة بمجال خدمات،كما أن عليه أن يأخذ خطوات لكي يقدم عمله بكفاءة عالية، وإذا رأى مقدم الخدمة أن مشكلاته الشخصية بدأت تمنعه من أداء عمله بكفاءة؛فعليه أن يتخذ الإجراءات اللازمة للحد من ذلك.

من حيث التمييز العنصري: على مقدم الخدمة أن يكون متحرراً من كل أنواع التمييز العنصري، سواء المتعلقة بالسن أو النوع أو الدين أوالعرق أو اللون أو الثقافة أو أي شكل من أشكال التمييز العنصري

من حيث التحرش الجنسي: على مقدم الخدمة أن يبتعد عن كل أشكال التحرش الجنسي؛ سواء اللفظية أو الفعلية، أثناء العمل، وعليه أنيبتعد عن كل السلوكيات التي تهين الأشخاص الموجودين معه في العمل؛ سواء المتعلقة بالعمر أو النوع أو العرق أو الثقافة أو الدين أو اللغةأو المكانة الاجتماعية والاقتصادية.

ومن حيث تجنب الأذى: على مقدم الخدمة أن يأخذ خطوات مسؤولة لتجنب إيذاء الأفراد والطلاب، والمشرفين والباحثين وكل من له علاقهمعهم في العمل.

من حيث العلاقات المتعددة وتضارب المصالح (العلاقات المتعددة تعني إما أن يكون مقدم الخدمة على علاقة مهنية مع شخص وفي الوقتنفسه تربطهما علاقة اجتماعية وثيقة): في حالة تضارب مصالح مقدم الخدمةالشخصية أو العلمية أو القانونية أو الماديةمع عمله عليه أنيتوقف عن عمله إذا رأى أن هذه المصالح تخرجه عن الموضوعية، أو عن أداء عمله بكفاءة وفعالية.

من حيث الموافقة المسبقة: على مقدم الخدمة النفسي الحصول على موافقة الفرد على كافة الإجراءات الإرشادية، إلا إذا كان قد كُلف منقبل القانون.

العلاقة الحميمة مع أقارب الفرد: على مقدم الخدمة ألا يدخل في علاقة حميمة مع الأفراد الذين يعرفون الفرد أو أقاربه أو الأوصياء عليه،وعليه ألا يقبل تقديم الخدمة مع  شخص كانت له علاقة معه في وقت سابق.

من حيث السرية: المسؤولية الأساسية لمقدم الخدمات هي حماية ما يصرح به الفرد كجزء أساسي للعلاقة الإرشادية؛ فالسرية مفهومأخلاقي، وفي معظم الولايات في أمريكا لا يجوز قانوناً للمرشدين أن يصرحوا بأي معلومات عن الفرد، إلا إذا كانت هناك ضرورة قانونيةلإنهاء السرية؛ مثل حالات الإساءة إلى الطفل، والإساءة إلى الكبار في السن، والإساءة إلى أفراد بحاجة إلى رعاية، ووجود خطر يهدد الفردنفسه أو آخرين، وعندما يشعر مقدم الخدمة أن الفرد بحاجة ماسة إلى إدخاله المستشفى.

وفي النهاية، فإن العديد من الدول لديها قوانين تخص مهن الإرشاد منذ مطلع القرن العشرين، وكثير من الدول العربية أيضاً لديها قوانينلتنظيم عمل المرشدين، ويحتفظ العديد من الدول بميثاق أخلاقي شبه متفق عليه عالمياً.

كل ذلك من أجل ضمان خدمة مهنية تسهم في تحسين حياة الأفراد، وتزيد من جودة حياتهم، وتخفف من معاناتهم، لا أن تزيد من تعاستهم،ومن الفجوة في الأسرة والمجتمعات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى