أخبار عربية

البطاطس: الأصول التاريخية لرابع أهم محصول عالميا

[ad_1]

البطاطس: الأصول التاريخية لرابع أهم محصول عالميا

مصدر الصورة
International Potato Center

في منتصف القرن التاسع عشر، أتلفت آفة زراعية محصول البطاطس في أيرلندا ومهدت الطريق لمجاعة أدت إلى تراجع أعداد سكان أيرلندا في غضون سنوات إلى النصف، وألقت بظلالها الكثيفة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد لعقود.

وبالرغم من أن الصين والهند وروسيا وأوكرانيا تحتل صدارة الدول المنتجة للبطاطس، إلا أن الموطن الأصلي للبطاطس هو جبال الإنديز في أمريكا الجنوبية، حيث استخدمت البطاطس كمحصول غذائي للمرة الأولى منذ نحو 8,000 عام. ولم تعرفها أوروبا إلا في منتصف القرن السادس عشر، وانتقلت منها إلى الغرب والشمال، ثم عادت إلى الأمريكتين وما بعدها.

وتقول ريبيكا إيرل، مؤرخة الطعام، إن البطاطس انطلقت من جبال الإنديز لتحقق نجاحا مدويا في أنحاء العالم. فهذه الدرنات تُزرع في جميع أنحاء العالم، ويعتبرها جميع سكان المعمورة “طعاما محليا”.

وتصف إيرل البطاطس بأنها “المهاجر الأكثر نجاحا في العالم”، إلى حد أن موطنه الأصلي لم يعد معروفا للمنتجين والمستهلكين.

وتعد البطاطس رابع أهم المحاصيل في العالم، بعد الأرز والقمح والذرة، واستطاعت أن تشق طريقها بنجاح إلى قلوب الناس في مختلف أنحاء العالم، بفضل قيمتها الغذائية منقطعة النظير وسهولة زراعتها، وقدرتها على الصمود في وجه الحروب والتخفي تحت الأرض بعيدا عن أعين جامعي الثمار.

ويقول رينيه غوميز، كبير أمناء بنك الجينات بمركز البطاطس العالمي، الذي يجري أبحاثا عن كل ما له علاقة بالبطاطس، إن جبال الإنديز تضم أكبر تنوع وراثي للبطاطس.

وقد نجح المزارعون في جبال الإنديز في تحسين وزراعة أول محصول للبطاطس بالقرب من بحيرة تيتيكاكا، على بعد نحو ألف كيلومتر من العاصمة البيروفية، ليما. ومنها انتشرت البطاطس عبر سلسلة جبال كورديليرا، وأصبحت تشكل الغذاء الأساسي للمجتمعات الأصلية، مثل شعب الإنكا.

وفي عام 1532، قضى الغزو الفرنسي على حضارة الإنكا، لكن زراعة البطاطس ظلت باقية. إذ حمل الغزاة الإسبان درنات البطاطس، كشأن المحاصيل الأخرى كالطماطم والأفوكادو والذرة، عبر الأطلنطي. وخرجت البطاطس للمرة الأولى في التاريخ من الأمريكتين.

غير أن الدرنات لم تتأقلم بسهولة مع الطقس في إسبانيا وغيرها من البلدان الأوروبية، إذ كانت ساعات النهار في المنطقة الاستوائية التي كانت تزرع فيها ثابتة على مدار العام، على عكس البلدان الأوروبية التي يطول فيها النهار صيفا. وكانت الدرنات تنمو في المقابل في فصل الخريف قبل تكوّن الصقيع في فصل الشتاء.

مصدر الصورة
International Potato Center

Image caption

نجح المزارعون في جبال الإنديز في تحسين وزراعة أول محصول للبطاطس بالقرب من بحيرة تيتيكاكا

وباءت زراعة البطاطس في القارة العجوز بالفشل في العقود الأولى. في حين أن البطاطس تكيفت مع الطقس في أيرلندا، حيث أتاح لها فصل الخريف البارد وقتا كافيا لتنمو وتنضج. وبعد قرن من قدومها إلى أيرلندا في الثمانينيات من القرن السادس عشر، استنبط المزارعون نوعا من درنات البطاطس ينمو في فصل الصيف، وأصبحت البطاطس المحصول الأساسي للفلاحين.

حظيت البطاطس بمكانة عالية في قلوب المزارعين كونها توفر قيمة غذائية منقطعة النظير لكل هكتار من الأراضي الزراعية. وكان المزارعون في أيرلندا، على سبيل المثال، يستأجرون الأراضي التي يزرعونها، وكان ملاك الأراضي يرفعون الأسعار ليجبرونهم على إنتاج أكبر كم من الطعام في أصغر مساحة ممكنة لسداد ثمن الإيجار. ولم يجدوا محصولا زراعيا أوفر غلة ولا أسهل في زراعته وتخزينه من البطاطس.

وتحتوي البطاطس على جميع العناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم، باستثناء فيامين أ ود، ويمكنك الحصول عليهما بالحفاظ على قشرة البطاطس وإضافة بعض الحليب أو مشتقاته. ويوفر كل 100 غرام من البطاطس غرامين من البروتين. وقد قُدر معدل استهلاك الشخص البالغ في أيرلندا من البطاطس في منتصف القرن السابع عشر بنحو 5.5 كيلوغرامات يوميا.

وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر، كان فدان واحد مزروع بالبطاطس في أيرلندا وبقرة واحدة يكفيان لإطعام عائلة من ستة أو ثمانية أفراد. ولهذا أسرت البطاطس قلوب الفلاحين الأيرلنديين والبريطانيين لقرون.

ومن الجزر البريطانية، انتشرت البطاطس إلى شمال أوروبا، حيث زُرعت في هولندا وألمانيا وبولندا ووصلت إلى روسيا في الأربعينيات من القرن التاسع عشر.

وسرعان ما اكتشف المزارعون في أوروبا التي مزقتها الحروب والصراعات آنذاك، ميزة أخرى للبطاطس، وهي سهولة إخفائها عن جباة الضرائب والجنود الذين كانوا ينهبون أراضي الفلاحين ومخازن الحبوب.

وتقول إيرل، إن البطاطس، على عكس القمح، كانت تُخبأ تحت الأرض، ويصعب على جباة الضرائب معرفة حجمها الحقيقي. وعند الحصاد، كان بإمكان المزارعين إخراج كل واحدة منها بحسب الحاجة. وهذه الطريقة في الحصاد ساعدت في حماية مصدر طعام الفلاحين أيضا في أوقات الحروب.

ولم تغب هذه الميزة عن أنظار النخبة والخبراء الاستراتيجيين، إذ أمر فريدريك الثاني ملك بروسيا، حكومته بنشر إرشادات على الناس حول طرق زراعة البطاطس، حتى يجد الفلاحون ما يسد رمقهم في حال غزت جيوش الأعداء البلاد أثناء حرب الخلافة النمساوية عام 1740.

وحذت حذوها دول أخرى، حتى إنه في مستهل القرن التاسع عشر، عند اشتعال حروب نابليون، أصبحت البطاطس هي الاحتياطي الغذائي الأوروبي.

مصدر الصورة
Diego Arguedas Ortiz

Image caption

تعد البطاطس رابع أهم المحاصيل في العالم

ويقول المؤرخ ويليام ماكنيل إن كل حملة عسكرية على الأراضي الأوروبية بعد عام 1560 كانت تسفر عن زيادة في مساحات زراعة البطاطس.

وبالرغم من أن مؤرخي الطعام ظلوا لعقود يعزون انتشار البطاطس إلى صفوة المجتمع والملوك الذين كانوا يروجون لقيمتها الغذائية، إلا أن إيرل ترى أن الفلاحين هم الذين أدخلوا زراعة البطاطس إلى أوروبا.

وفي القرن الثامن عشر، زاد اهتمام الصفوة بالأطعمة الصحية، وأدركوا أن الدولة تستمد قوتها من قوة شعوبها. ومن ثم تغيرت الحسابات السياسية وزادت أيضا حظوظ البطاطس. وما دام الازدهار الاقتصادي والقوة العسكرية مرهونين بقوة الشعوب وكثرتهم العددية، فكان لزاما على الدولة دراسة المكونات الغذائية للأطعمة التي تتناولها شعوبها والإشراف عليها.

وتقول إيرل إن الطعام الصحي والوفير أصبح الركيزة الأساسية لبناء الإمبراطوريات. ولهذا ترى إيرل أن رواج البطاطس كان انعكاسا للأفكار الجديدة التي انتشرت في أوروبا حول العلاقة بين الطعام والدولة القوية.

وكتب المفكر الاسكتلندي آدم سميث في القرن الثامن عشر أن الطعام الذي ينتجه حقل بطاطس، أعلى قيمة مما ينتجه حقل من القمح. ولا يوجد طعام يضاهي البطاطس في قيمته الغذائية الواضحة ولا في أهميته لصحة البشر.

وكان العلماء، من أمثال سميث في القرن الثامن عشر يضعون معايير للقيمة الغذائية تختلف عن معاييرنا الحالية. فكانوا يقولون “إن من يأكل البطاطس يبدو أقوى بنية وأشد بأسا وأكثر حيوية من غيره”.

وأشارت دراسة اقتصادية استعرضت معلومات من واقع سجلات الجنود الفرنسيين المولودين بعد عام 1700 إلى أن تناول البطاطس تسبب في إطالة القامة بنسبة طفيفية. إذ زاد معدل طول البالغين في القرى التي كانت تزرع البطاطس بنحو نصف بوصة.

وأثبتت الدراسة نفسها أن القارتين الأوروبية والآسيوية شهدتا انفجارا سكانيا بعد انتشار البطاطس، إذ كانت درنات البطاطس مسؤولة عما يقرب من ربع النمو السكاني في القارتين الأوروبية والآسيوية بين القرنين الثامن عشر والعشرين.

واستمر هذا الشغف بالبطاطس إلى أن أتلفت آفة زراعية محصول البطاطس في أيرلندا وأسفرت عن المجاعة الكبرى التي دامت من عام 1845 إلى عام 1849، وأدت إلى انخفاض أعداد سكان أيرلندا إلى النصف، إذ توفي مليون شخص جوعا وأُجبر مليون شخص على الهجرة للولايات المتحدة ومليونان إلى بلدان أخرى.

لكن المجاعة سلطت الأضواء على اعتماد أيرلندا على بضعة أنواع من البطاطس، التي كانت توفر 80 في المئة من السعرات الحرارية التي يستهلكها سكانها. وكانت هذه الأصناف عرضة للإصابة بالأمراض، بسبب فقدان التنوع الوراثي بعد سنوات من الزراعة المحلية.

مصدر الصورة
Jaime Razuri/Getty Images

Image caption

تعاونت بيرو مع المجتمعات الأصلية التي تعيش في قمم جبال الإنديز لحماية الموروث الجيني للبطاطس

وأجريت على مر السنين عمليات التقليح الطبيعي لاستنباط أنواع جديدة من البطاطس لضمان الأمن الغذائي العالمي. وفي مستهل القرن العشرين، بدأ العلماء في خلط جينات من البطاطس الأكثر انتشارا مع جينات من أصناف البطاطس البرية، لإكساب البطاطس القدرة على مقاومة الأمراض، واستنبطت من هذه التجارب معظم الدرنات التي تُزرع اليوم.

وربما تسهم هذه الأنواع البرية في تحسين قدرة المحاصيل على الصمود في مواجهة تغير درجات الحرارة وأنماط سقوط الأمطار إثر تغير المناخ. وخلصت دراسة أخيرة إلى أن الانبعاثات المتزايدة قد تقلل غلة درنات البطاطس بمقدار 26 في المئة بحلول عام 2085.

وتسير الحكومة الصينية على درب الحكام الأوروبيين في القرن الثامن عشر، بإقحام البطاطس في النظام الغذائي الصيني، لتصبح المحصول الغذائي الرئيسي الوطني الجديد. ويتفنن الهنود في طهي البطاطس بمئات الطرق، وقد تجد صعوبة في إقناع المزارعين بأن البطاطس ليس محصولا محليا.

وتسببت البطاطس في إحياء عداوات قديمة بين بيرو وتشيلي، بعد أن أثير جدل حول أصول درنات البطاطس.

وبينما يصر البيروفيون على أنهم أول من دجن البطاطس، فإن وزير تشيلي يؤكد أن الغالبية العظمى من درنات البطاطس حول العالم تنحدر من تشيلي.

ويقول تشارلز كريسمان، الباحث بمركز البطاطس العالمي، إن المفارقة أن البطاطس اكتشفت قبل أن يظهر مفهوم الدول القومية. لكن أول محصول للبطاطس زُرع فيما يطلق عليه اليوم بيرو.

وأسست بيرو المركز العالمي للبطاطس في عام 1971، وتعاونت مع المجتمعات الأصلية التي تعيش في قمم جبال الإنديز لحماية الموروث الجيني للبطاطس.

ويحتضن متنزه البطاطس في جبال الإنديز البروفية، متحفا حيا لدرنات البطاطس في بيئتها الطبيعة، للتذكير بالموطن الأصلي الذي انحدرت منه، وتتبع مسارها مستقبلا، والمخاطر التي تواجهها مثل تغير المناخ.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Travel

[ad_2]

Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى