“لماذا وافقتُ على خفض راتبي بمليون دولار؟”
[ad_1]
قرر مدير شركة متخصصة بدفع الأموال من خلال بطاقات الإئتمان في مدينة سياتل في ولاية واشنطن الأمريكية في عام 2015 استحداث حد أدنى لرواتب موظفي شركته الـ 120 يبلغ 70 ألف دولار، كما قرر خفض الراتب الذي يتقاضاه هو بمقدار مليون دولار. وبعد مضي 5 سنوات، ما زال يتقاضى راتبه الأدنى، ويقول إن قراره قد جاء أكله.
كان المدير، واسمه دان برايس، يتجول مع صديقته فاليري في جبال الكاسكيد المطلة على مدينة سياتل عندما تعرف على حقيقة مزعجة.
فبينما كانا يسيران في الجبال والوديان، قالت فاليري لدان إن حياتها كانت عبارة عن فوضى كبيرة، وإن صاحب الملك الذي كانت تستأجر شقتها منه قد رفع إيجارها الشهري بمعدل 200 دولار، وإنها تجد صعوبات جمة في دفع الديون التي عليها.
أغضب هذا القول برايس، ففاليري التي كانت رفيقته في الماضي، قد خدمت في الجيش الأمريكي لـ 11 سنة، وقضت فترتين في العراق، وهي تعمل الآن 50 ساعة في الإسبوع في وظيفتين لأجل التمكن من الوفاء بمتطلبات الحياة.
يقول برايس “إنها انسانة تعرّف الخدمة والشرف والعمل الجاد شخصيتها”.
ورغم أنها كانت تتقاضى راتبا قدره 40 ألف دولار شهريا، لم يكن هذا المبلغ كافيا لتوفير سكن كريم في سياتل. وعبر برايس عن غضبه من أن العالم أصبح يفتقد إلى العدالة والمساواة إلى هذا الحد. ولكن، وبعد تمحيص وتفكير، أدرك أنه هو جزء من المشكلة.
كان برايس قد أصبح في سن الـ 31 مليونيرا. وكانت للشركة التي يديرها، واسمها غرافيتي بيمنتس، وهي شركة أسسها وهو مازال في سن المراهقة، نحو ألفي عميل وكانت قيمتها بملايين الدولارات. ورغم أنه كان يتقاضى حوالي 1,1 مليون دولارا في السنة، أفهمته فاليري بأن العديد من موظفيه كانوا يعانون – ولذا حاول تغيير هذا الواقع.
يتميز برايس، الذي نشأ وترعرع في منطقة من ولاية آيداهو تتميز بالتدين المسيحي والمحافظة الاجتماعية، بالتفاؤل والنظرة المنفتحة للمستقبل، وهو لا يبخل بالمديح للآخرين وذو أدب وأخلاق عالية. ولكنه أصبح مجاهدا عنيدا ضد انعدام المساواة في الولايات المتحدة.
ويقول “يخسر العديد من الناس وظائفهم ويعاني الكثيرون من الجوع ويُستغلون وكل ذلك من أجل أن يتمتع بعضهم بشقة فارهة في قمة مبنى كبير في نيويورك ويجلسون على كراسي مذهبة. نحن نمجّد الجشع في مجتمعنا، وقائمة فوربس هي أسوأ نموذج لذلك. اذا ورد في القائمة أن جيف بيزوس تجاوز في ثرائه بيل غيتس، فمن يهتم بذلك؟”
يشير برايس إلى أن النصف الأكثر فقرا من سكان الولايات المتحدة كان يحصل على حصة أكبر من الثروة الوطنية في البلاد من الـ 1 في المئة الأكثر ثراء، ولكن الأمور تغيرت في تلك السنة، إذ حصل الـ 1 في المئة على حصة أكثر من الثروة من الـ 50 في المئة الأفقر، وما زالت هذه الفجوة في الإتساع.
في عام 1965، كان مديرو الشركات في الولايات المتحدة يتقاضون 20 ضعف ما كان يتقاضاه العاملون العاديون، ولكن بحلول عام 2015، ارتفعت هذه النسبة إلى 300 ضعف.
تفتقت لدى برايس، أثناء تمتعه بهواء الجبال المنعش بصحبة فاليري، فكرة ثورية. كان قد قرأ دراسة أعدها كل من الاقتصاديين الفائزين بجائزة نوبل دانيال كاهنيمان وأنغوس ديتون، حسبت كم من المال الذي يحتاجها الأمريكي العادي لكي يتمتع بالسعادة. ووعد فاليري فورا أنه سيرفع الحد الأدنى للأجور في شركته غرافيتي.
وبعد أن بحث في الأرقام، توصل برايس إلى مبلغ 70 ألف دولار كحد أدنى للأجور. وتيقن إلى أنه لن يتطلب منه خفض الراتب الذي كان يتقاضاه، بل عليه أيضا رهن منزليه والتخلي عن بعض من الأسهم التي كان يمتلكها وبعض من مدخراته. وجمع موظفيه لاخبارهم بما سيستجد.
كان برايس يتوقع أن يستقبل الموظفون الخبر بالفرح والاحتفال، ولكن ذلك لم يحصل. وكان عليه تكرار ما قاله من أجل أن يستوعب الحاضرون ما يحصل.
ولكن، وبعد مضي 5 سنوات، يتذكر برايس ضاحكا بأنه لم ينتبه إلى نقطة مهمة تضمنتها دراسة الأستاذين الفائزين بجائزة نوبل، والقائلة إن المبلغ الذي يحتاج إليه الأمريكيون لينعموا بالسعادة هو 75 ألف دولار.
ومع ذلك، تضاعفت رواتب ثلث العاملين في شركته على الفور.
منذ ذلك الحين، تغيرت شركة غرافتي تغيرا جذريا.
فقد تضاعف عدد موظفيها، كما ارتفع مبلغ المدفوعات التي تتعامل معها الشركة من 3,8 مليار دولار سنويا إلى 10,2 مليار دولار.
ولكن هناك معايير أخرى يفخر بها برايس أكثر من هذه الأرقام.
يقول “قبل البدء بالعمل بالحد الأدنى للرواتب (70 ألف دولار)، كان معدل الولادات بين الموظفات يتراوح بين النصف والـ 2. ولكن منذ ذاك، قبل أربع سنوات ونصف، رزق موظفونا بأكثر من 40 مولودا.”
وقد تمكن 10 في المئة في موظفي الشركة من شراء مساكن لهم، وذلك في مدينة تعد من أغلى المدن الأمريكية من ناحية الإيجارات. وكان العدد قبل الإصلاحات التي أدخلها برايس أقل من 1 في المئة.
يقول برايس “عبر كثيرون عن قلقهم من أن الموظفين قد يبذرون الأموال التي سيحصلون عليها، ولكن الحقيقة كانت عكس ذلك.”
فمبالغ الأموال التي يحولها الموظفون إلى صناديق تقاعدهم قد تضاعفت، ويقول 70 في المئة منهم إنهم تمكنوا من الوفاء بديونهم.
ولكن الخطوة التي أقدم عليها برايس لم تسلم من الانتقاد. فاضافة إلى المئات من رسائل الدعم والتأييد، والعديد من المقالات التي وصفته “بأفضل مدير في أمريكا”، حرر عدد كبير من زبائن غرافيتي رسائل خطية عارضوا فيها ما يعتبرونه موقفا سياسيا.
في الوقت الذي أعلن فيه عن قراره، كانت مدينة سياتل تشهد نقاشا حول زيادة الحد الأدنى للأجور إلى 15 دولارا في الساعة، واحد من أعلى الأجور في الولايات المتحدة في ذلك الحين. وكان أصحاب المصالح والشركات الصغيرة يعارضون هذه الفكرة مدّعين أنها ستؤدي إلى دمار شركاتهم ومصالحهم.
ووصف المعلق الإذاعي اليميني راش ليمبو – الذي كان يتابعه ويستمع إليه برايس يوميا منذ نعومة اظفاره – برايس بأنه شيوعي.
وقال ليمبو في أحد برامجه الاذاعية “آمل أن تكون هذه الشركة (شركة غرافيتي) نموذجا يدرّس في برامج الماجستير لرجال الأعمال حول اخفاق الإشتراكية، لأن هذه الشركة آيلة للفشل.”
كما استقال اثنان من كبار موظفي غرافيتي احتجاجا على قرار برايس، إذ لم يرق لهما ارتفاع رواتب الموظفين الصغار بين ليلة وضحاها، وقالوا إن هذه الخطوة ستجعلهم (الموظفون الصغار) كسالى، وتجعل الشركة غير قادرة على المنافسة.
ولكن ذلك لم يحدث.
تقول مديرة المبيعات في شركة غرافيتي، روسيتا بارلو، إن موظفي الشركة الصغار بدأوا بتحمل مسؤوليات أكبر بعد قرار رفع رواتبهم.
وقالت بارلو لبي بي سي “عندما لا تستحوذ الأمور المالية على تفكيرك عند أدائك عملك، ستستطيع أن تكون أكثر شوقا وحماسا للقيام بما يحفزك أصلا.”
ونتيجة الاجراءات التي أدخلها برايس، اكتشف كبار موظفي الشركة أن أعباء عملهم قد خفّت، إذ إن الضغوط التي كانوا يئنون تحت وطأتها قد زالت وأنهم يتمكنون من التمتع بالإجازات التي يستحقونها.
روى لي برايس قصة أحد الموظفين العاملين في مركز الاتصالات الهاتفية التابع لغرافيتي.
قال “كانت رحلته إلى العمل تستغرق أكثر من ساعة ونصف الساعة يوميا، وكان أثناء هذه الرحلات يشعر بالقلق من أن سيارته قد تتعطل لسبب ما وأنه يفتقر إلى المال اللازم لاصلاحها. كان يشعر بقلق بسبب ذلك كل يوم.”
ولكن، وعندما ارتفع راتبه إلى 70 ألف دولار سنويا، تمكن ذلك الموظف من نقل سكناه إلى مكان أقرب إلى مقر العمل، وهو يتمكن الآن من انفاق المال على صحته إذ أصبح يمارس الرياضة يوميا وأصبح بامكانه تناول غذاء أكثر صحية.
ويضيف برايس “كان لدينا موظف يعمل في فريق مشابه أنقص وزنه بأكثر من 22 كغ،” ويقول موظفون آخرون إنهم يتمكنون الآن من قضاء وقت أطول مع أسرهم أو مساعدة والديهم في دفع الديون المستحقة عليهم.
ويقول برايس “كنا نلاحظ، وبشكل شبه يومي، الآثار التي تترتب على منح الناس حريتها”، مضيفا أن ذلك هو السبب في أن غرافيتي تحقق أرباحا أكثر من أي وقت مضى.
وأضاف أن زيادة الرواتب لم تؤثر على تحفز الموظفين للعمل، قائلا إن موظفيه كانوا متحفزين للعمل بشكل جاد، ولكنها ضاعفت ما يصفه بقدراتهم.
تتفق روسيتا بارلو مع برايس، إذ قالت “لا يتوجه الموظف للعمل الآن من أجل كسب المال، بل من أجل أداء عمل جيد.”
التحقت بارلو بشركة غرافيتي منذ أيامها الأولى، وهي تعرف أن برايس لم يكن يتحلى دائما بهذا الكرم.
ويعترف برايس نفسه أنه في أعقاب الأزمة الاقتصادية التي وقعت في عام 2008 كان مهووسا بجمع المال.
أدى تدهور الاقتصاد الأمريكي في ذلك الحين إلى انخفاض عدد زبائن غرافيتي إلى حد كبير، مما أدى بدوره إلى انخفاض دخلها بحوالي 20 في المئة. في ذلك الحين، كانت المفهوم الاقتصادي السائد يقول إن على الشركة التخلي عن 12 من موظفي الشركة الـ 35، ولكن بدلا من اتباع ذلك المفهوم، ركّز برايس على خفض النفقات.
وبعد 5 شهور حرجة، عادت الشركة لتحقيق أرباح، ولكن برايس كان خائفا إلى حد بعيد ولذا قرر إبقاء الرواتب عند مستوى متدن.
في ذلك الوقت كانت روسيتا بارلو تعاني من مشاكلها المالية الشخصية، وكانت تعمل سرا بعد أوقات الدوام الرسمي في مطعم من مطاعم مكدونالدز للوجبات الجاهزة. ولكن، وعندما عرضت عليها شركة مكدونالدز ترفيعا، تركت عن طريق الخطأ كراسا تدريبيا خاصا بالشركة على مكتبها في شركة غرافيتي. وقد لاحظ أحد الموظفين وجود الكراس.
أدى ذلك إلى استدعائها من قبل مديريها للتحقيق.
تقول بارلو “أجلسوني أمامهم، وكان رد فعلي الأول هو البكاء”، فقد كانت تعتقد أنها ستطرد من عملها.
ولكن بدل ذلك، سألوها عن مقدار الدخل الذي ستحتاجه من أجل البقاء في الشركة، وقرروا رفع راتبها إلى 40 ألف دولار.
قال برايس آنئذ “كنت فخورا جدا بها وشعرت بالغضب من نفسي”، ولكن تطلب الأمر سنوات أخرى قبل أن يتفهم حجم المشاكل التي كان يعاني منها موظفوه.
ويقول “معظمهم كانوا يشعرون بالخوف من التقدم إلي والبوح بكيفية تأثير الرواتب المتدنية على حياتهم.”.
كان برايس قد بدأ في منح موظفيه ترفيعات في رواتبهم تبلغ 20 في المئة سنويا منذ عام 2015، ولكن كلامه مع فاليري أقنعه بالذهاب إلى أبعد من ذلك.
كان برايس يأمل في أن النموذج الذي اختطته غرافيتي سيؤدي إلى تغييرات جذرية في بيئة العمل في الولايات المتحدة، وهو يشعر بحزن وخيبة أمل لأن ذلك لم يتحقق.
ولكن بعض الشركات، كشركة فارمالوجيكس في بوسطن، اتبعت مبادرته إذ قامت برفع رواتب موظفيها الدنيا إلى 50 ألف دولار، كما رفعت شركة ( Rented.com)، ومقرها في مدينة أتلانتا، رواتب موظفيها الدنيا أيضا.
ويحاجج برايس بأنه، وبفضل الحملة التي أطلقها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قد أثر على قرار شركة أمازون في رفع أجورها الدنيا.
ولكنه كان يأمل في أن تحصل تغييرات أساسية واسعة النطاق.
يقول “كنت مخطئا، فقد أخفقت في هذا المضمار. وغيّر ذلك من نظرتي للأمور، لأنني كنت اعتقد أنه من خلال الاجراءات التي اتخذتها واتخذها آخرون قد نتمكن من مجابهة الظلم الموجود فيما يخص انعدام العدالة في توزيع الدخل.”
كان للتغييرات التي أدخلها برايس تأثير كبير على اسلوب حياته ووضعه الشخصي.
فقبل أن يقرر خفض راتبه، كان برايس نموذجا للمليونير الأبيض الصغير السن. فكان يسكن منزلا جميلا يطل على خليج بوجيت ساوند في سياتل، وكان يحتسي الشمبانيا في أرقى مطاعم المدينة.
ولكن بعد ذلك، اضطر إلى تأجير داره بواسطة موقع (أير بنب) حتى يفي بمتطلبات الحياة.
ولكن عددا من موظفيه عزّ عليهم أن يروه يصل إلى العمل في سيارة عمرها 12 عاما، ولذا شكلوا جمعية سرية هدفها شراء سيارة (تيسلا) كهربائية واهدائها اليه.
تابع شريط نشرته شركة غرافيتي في يوتيوب إحدى الموظفات، وتدعى أليسا أونيل، بينما كانت تخطط مع زملاء لها لمفاجأة برايس بهديته.
تقول أونيل “أشعر بأن هذه هي الطريقة المثلى لشكره للتضحيات التي قدمها ولردود الفعل السلبية التي كان عليه تحملها”.
خرج برايس من مكتبه إلى مرأب السيارات، ولما شاهد سيارته الجديدة أجهش بالبكاء.
ولكن، وبعد سنوات خمس، ما زال برايس يتقاضى الحد الأدنى من رواتب شركة غرافيتي. ولكنه يقول إنه راض أكثر من أي وقت مضى حتى عندما كان يتقاضى الملايين. إلا أنه يعترف بأن الأمر لم يكن سهلا بأي حال.
ويقول “هناك تحديات تواجهني بشكل يومي”.
“فعمري هو نفس عمر مارك زوكربيرغ (مؤسس موقع فيسبوك) وتراودني من وقت لآخر أفكار بأنني أريد أن أكون بثرائه وأن أتنافس معه في قائمة فوربس للأثرياء وأن تظهر صورتي على غلاف مجلة تايم، فكل هذه الأمور التي تنم عن الطمع مغرية جدا”.
ولكنه يختم بالقول “ليس من اليسير التنازل عن كل ذلك، ولكن حياتي الآن أفضل من ذلك بكثير”.
[ad_2]
Source link