لماذا تطلق بريطانيا قطارات جديدة تعمل بالهيدروجين؟
[ad_1]
عندما صعد الركاب إلى عربات القطار الفولاذي ببلدة لونغ مارستون في إنجلترا، وجدوا منظرا غير مألوف، إذ دُعي الركاب في إحدى العربات للجلوس بالقرب من أربعة خزانات لوقود الهيدروجين، وخلية وقود وبطاريتين من الليثيوم.
ويعد هذا القطار، الذي يطلق عليه اسم “هيدروفليكس”، أول قطار بريطاني يعمل بالهيدروجين، وهو ثمرة تعاون بين مهندسين من جامعة برمنغهام وشركة “بورتربروك” البريطانية للسكك الحديدية. وكان المهندسون في هذا اليوم يحثون الركاب على الجلوس بالقرب من خلايا الوقود الهيدروجيني حتى يعتادوا عليها ويشعروا بالأمان على متن القطار.
وليس من المستغرب أن يتردد البعض قبل ركوب المركبات التي تتخذ من الهيدروجين مصدرا للوقود، مع الأخذ في الاعتبار حوادث تحطم المناطيد الهيدروجينية في الماضي، كالمنطاد البريطاني “آر 101” والألماني “هندربرغ”.
غير أن القطارات الحديثة التي تدار بالهيدروجين أثبتت أنها وسيلة نقل أكثر أمانا وكفاءة مقارنة بهذه المناطيد. فهل اقتربنا من تدشين أسطول من القطارات التي تعمل بالهيدروجين؟
وخلافا لمحركات الاحتراق الداخلي التقليدية التي تحرق الوقود، تحول خلايا الوقود في القطارات الهيدروجينية الوقود الغني بالهيدروجين إلى كهرباء عبر عملية كيميائية بسيطة. إذ تتألف خلية الوقود من أنود- القطب الموجب في الدائرة الكهربائية- وكاثود -القطب السالب- والكتروليت أو وسط موصل للكهرباء. ويمر الهيدروجين المختزن عبر الأنود، حيث ينقسم إلى إلكترونات وبروتونات.
ثم تدخل الإلكترونات عبر دائرة تولد شحنة كهربائية قد تختزن في بطاريات الليثيوم أو ترسل مباشرة إلى المحرك الكهربائي بالقطار. ويتفاعل الجزء المتبقي من جزئ الهيدروجين مع الأكسجين عند الكاثود ويتحول إلى الناتج العادم الوحيد وهو الماء.
وبينما تستقر الآن خزانات الهيدروجين وخلية الوقود والبطاريات داخل عربة الركاب بقطار “هيدروفليكس”، فإن المهندسين يعتزمون مستقبلا تخزينها تحت القطار حتى تستوعب العربات المزيد من الركاب. ويُختزن الهيدروجين، المعروف بقابليته الشديدة للاشتعال، في أربعة خزانات مضغوطة ومحصنة، للحفاظ على أمان الركاب.
وقد طُور قطار “هيدروفليكس” استجابة للحاجة المتزايدة للقضاء على انبعاثات الكربون في قطاع النقل وسط مخاوف من تفاقم أزمة المناخ. وفي عام 2016، أزاحت ألمانيا الستار عن قطار “كوراديا آي لينت”، الذي كان أول قطار في العالم يدار بالهيدروجين. ويسير القطار لمسافة 600 ميل معتمدا على خزان واحد للوقود، وهي نفس المسافة تقريبا التي تقطعها القطارات التقليدية معتمدة على خزان الديزل.
وفي الوقت الحالي، تعمل 42 في المئة من خطوط السكك الحديدية البريطانية بالطاقة الكهربائية، في حين أن 58 في المئة منها غير مجهزة لتسيير القطارات الكهربائية ولا تزال تعتمد على قطارات الديزل لربط الخطوط ببعضها.
ويرى المهندسون الذين يعملون على تطوير “هيدروفليكس” أن القطارات الهيدروجينية قد تكون الحل للقضاء على انبعاثات الكربون في شبكة السكك الحديدية البريطانية، من دون تحمل تكاليف تجهيز خطوط السكك الحديدية بالمعدات والأسلاك اللازمة لتسيير القطارات التي تعمل بالكهرباء.
إذ تتراوح تكلفة تجهيز كيلومتر واحد من خطوط السكك الحديدية لتعمل بالطاقة الكهربائية بين 750 ألف جنيه إسترليني ومليون جنيه استرليني. في حين أنه يمكن فقط إضافة بعض المكونات إلى القطارات القديمة التي تعمل بالديزل لتحويلها إلى قطارات هيدروجينية.
لكن القطارات الهيدروجينية لا تخلو من التحديات. ويقول ستيوارت هيلمانسن، الأستاذ بجامعة برمنغهام ورئيس فريق المهندسين بمشروع “هيدروفليكس”، إن القطار يختزن نحو 20 كيلوغراما، وهذا يكفي لتشغيل خلية الوقود لنحو ثلاث ساعات فقط. ولهذا فإن الرحلات التي تستغرق وقتا أطول ليست مجدية حتى الآن.
ويواجه المهندسون تحديات أيضا لتخزين الهيدروجين. ويقول رفائيل إسحاق، الباحث في بدائل الوقود بخطوط السكك الحديدية، بجامعة ميشيغان، إن الهيدروجين رغم خفة وزنه، إلا أنه يحتاج لمساحة كبيرة. فقد يشغل مساحة أكبر في تقنيات التخزين الحالية مقارنة بالوقود الأحفوري. ورغم أن الهيدروجين يكون عادة مضغوطا إلا أنه أقل كفاءة من الوقود الأحفوري.
وتمثل المساحة المتاحة في القطارات تحديا آخر للمهندسين. إذ ينبغي أن تكون خزانات الوقود صغيرة بما يكفي لتناسب حجم عربات القطار المعتادة التي تمر داخل أنفاق المملكة المتحدة القديمة.
ولهذا اختار المهندسون بشركة “بورتربروك” تركيب خلايا الوقود الهيدروجيني في القطارات القديمة التي كانت تعمل بالديزل، بدلا من تصنيع قطارات هيدروجينية جديدة على غرار قطار شركة “ألستوم” الألمانية. لأن هذه القطارات القديمة مصممة لتناسب مقاييس الأنفاق التي تمر عبرها.
وثمة تحد آخر وهو أن الهيدروجين في الوقت الحالي ينتج عن عمليات كيميائية، يعتمد أرخصها وأكثرها شيوعا على تفاعل الغاز الطبيعي مع بخار الماء الساخن.
وتقول مارغريت وولدريدج، مهندسة الفضاء الجوي بجامعة ميشيغان، إن الهيدروجين يمكن إنتاجه بطرق أخرى بديلة ومن مصادر الطاقة المتجددة، مثل الكهرباء الناتجة من محطات الطاقة الشمسية الكهروضوئية وتحليل الماء كهربائيا.
إذ ينتج التحليل الكهربائي للماء الهيدروجين من خلال فصل الأكسجين عن الماء باستخدام تيار كهربائي، وهذا التيار الكهربائي يمكن توليده من مصادر الطاقة المتجددة. ولن يكون الهيدروجين وقودا صديقا للبيئة تماما إلا إذا استخدمت في توليده وتخزينه طرق تعتمد على مصادر الطاقة المتجددة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية بدلا من الوقود الأحفوري.
وثمة تبعات أخرى للقطارات التي تدار بالهيدروجين على البيئة ترتبط باستخدام بطاريات الليثيوم. إذ يتطلب التنقيب عن طن واحد من الليثيوم 500 ألف غالون من الماء، وربطت دراسة بين التنقيب عن الليثيوم وبين التدهور البيئي.
أما عن المزايا، فإن قطار”هيدروفليكس” من الممكن أن يسير على خطوط السكك الحديدية الكهربائية أو التي لا تعمل بالكهرباء. ولهذا يعد بديلا مناسبا لقطارات الديزل والقطارات الكهربائية ولا سيما في خطوط السكك الحديدية غير المجهزة لتسيير القطارات الكهربائية في المناطق الريفية.
وتقول هيلين سيمبسون، مديرة الابتكار والمشاريع في شركة بورتربروك، إن القطارات التي تعمل بالهيدروجين ستسهم في تخفيض انبعاثات الكربون في شبكة خطوط السكك الحديدية وفي الوقت نفسه، ستكون بديلا أقل تكلفة من القطارات الكهربائية، لأننا لن نحتاج لإنفاق مبالغ ضخمة لتجهيز خطوط السكك الحديدية الطويلة وغير المزدحمة، لتعمل بالطاقة الكهربائية.
وعلى عكس القطارات التي تعمل بالديزل، فإن القطارات الهيدروجينية هادئة ولا تصدر ضجيجا، فضلا عن أنها لا تتأثر بالأعطال على مستوى شبكة خطوط السكك الحديدية، على عكس نظيرتها التي تعمل بالكهرباء.
فقد يؤثر أي عطل في البنية التحتية لخطوط السكك الحديدية التي تعمل بالكهرباء، على حركة الكثير من القطارات الكهربائية، في حين أن القطارات التي تعمل بالهيدروجين قد تستمد الطاقة الكهربائية من خلايا الوقود الهيدروجينية في حالة تعطل خطوط الكهرباء.
ويمكن أن تعتمد قطارات البضائع على الهيدروجين كمصدر للوقود. وأثنى تقرير لوزارة الطاقة الأمريكية وإدراة السكك الحديدية الفيدرالية على القيمة التي ستعود على المجتمع من تشغيل قطارات البضائع بالهيدروجين. غير أن قطارات البضائع ستحتاج لكميات أكبر من الهيدروجين أو الهيدروجين المضغوط، لحمل نفس الوزن الذي تحمله تلك التي تعمل بالديزل، وقطع نفس المسافة التي تقطعها.
ويبحث المهندسون بجامعة برمنغهام عن طرق فعالة لضغط الهيدروجين، الذي يعد واحدا من العقبات العديدة التي يحاول مطورو “هيدروفليكس” تجاوزها.
ومن المتوقع أن يخضع قطار “هيدروفليكس” للاختبار على خطوط السكك الحديدية البريطانية في موعد أقصاه أبريل/نيسان من العام الجاري، وينبغي أن يستوفي عدة معايير حتى يعد آمنا للاستخدام التجاري.
وفي ضوء خطط الحكومة البريطانية للتخلص كليا من القطارات التي تعمل بالديزل في عام 2040، قد يوفر قطار هيدروفليكس الحل الأمثل للقضاء على انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في شبكة السكك الحديدية.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future
[ad_2]
Source link