أخبار عربية

قصة “شجرة الخلود” التي يحج إليها الهندوس وتعد أضخم شجرة في العالم


تعرف على "شجرة الخلود" التي يحج إليها الهندوس

ربما لا تندرج ولاية أندرا براديش التي تقع جنوب شرقي الهند ضمن المقاصد السياحية الشهيرة، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة بين سكان الهند، إذ يتوافد إليها أكثر من 120 مليون شخص سنويا، أغلبهم من الحجاج الهندوس الذين يزورون مدينة تيروباتي التي تحتضن أكثر المعابد ثراء وأكثر المواقع المقدسة زيارة في العالم.

وتضم الولاية بلدة بوتارباثي، موطن الزعيم الروحي سوتيا ساي بابا، ومعبد ليباكشي، ومعبد لاكشمي ناراسيما في بلدة كاديري.

لكن ثمة مزار غير متوقع للحجاج الهندوس وسط الوديان الصخرية على بُعد 25 كيلومترا من بلدة كاديري، وهذا المزار هو أعجوبة طبيعية دخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية.

شجرة الحياة

تنمو شجرة ثيماما ماريمانو، وهي شجرة تين بنغالي، في واحد من أكثر الأقاليم جفافا في الهند، وشكلت أغصانها ظلا ضخما أهلها لتكون أضخم شجرة في العالم. ودخلت الشجرة موسوعة غينيس للأرقام القياسية في عام 1989، كونها تشغل أكبر مساحة بين جميع أشجار العالم، إذ تمتد على مساحة خمسة فدادين تقريبا ويبلغ محيط جذعها 846 مترا، ولأنها كانت تبلغ من العمر 550 عاما.

ويعود الفضل في الشهرة العالمية التي تحظى بها هذه الشجرة إلى الصحفي ساثيانارايانا ليير، الذي بلغت مسامعه شائعات عن وجود شجرة تين بنغالي ضخمة في ولاية أندرا براديش، وقاده البحث والاستقصاء إلى اكتشاف شجرة ثيماما ماريمانو في عام 1989.

وأشار استطلاع للرأي أجراه موقع “أوتريتش إيكولوجي”، إلى أن الهند تحتضن سبعة من أضخم أشجار التين البنغالي في العالم، أكبرها ثيماما ماريمانو، التي أثار حجمها خلافا مؤخرا. إذ تزعم مديرية الغابات الهندية أن الشجرة تغطي الآن مساحة ثمانية فدادين بفضل جهود الحفاظ على الغابات على مدى العامين الماضيين، وأنها تبلغ من العمر 660 عاما.

Image caption

وأضحت الشجرة مع مرور الوقت، رمزا عالميا للخصوبة والحياة والبعث بعد الموت

نشر جذورها

تنتمي شجرة التين البنغالي إلى الفصيلة التوتية، وموطنها الأصلي شبه الجزيرة الهندية. وتمتد جذورها إلى الخارج في كل اتجاه لتبدو أقرب إلى الغابة أو التعريشة منها إلى الشجرة.

وتبدأ أشجار التين البنغالي حياتها كنباتات عالقة، تنمو فوق نباتات أخرى، إذ تغرس بذورها في أغصان أشجار أخرى، ثم تنبت جذورا تتمدد وتتفرع حتى تحجب الشمس عن الشجرة المضيفة. ثم تنمو الجذور لأسفل حتى تترسخ في التربة، ولهذا يطلق عليها الأشجار “الخنّاقة”.

ثم تتمدد هذه الجذور تحت الأرض وتسحب المياه والمغذيات من النباتات المجاورة، حتى تزداد سمكا وتبدو كجذوع الأشجار. وتواصل أشجار التين البنغالي النمو والتمدد إلى أقصى حد ممكن.

وتضم شجرة ثيماما ماريمانو أكثر من 4,000 جذر. ولا تزال الشجرة تتمدد وتنمو رغم تضرر الكثير من جذورها الراسخة وسقوط بعضها إثر تعرضها للأعاصير والعواصف وموجات الجفاف.

وتكتنف الشجرة من جميع النواحي جبال ترابية، توفر لها مساحة واسعة لتنمو فيها وتسمح بنفاذ قدر كاف من أشعة الشمس.

شجرة قومية

تعد شجرة التين البنغالي شجرة قومية هندية، ويرمز نموها المتواصل وتمددها إلى الخلود، ولا سيما في الديانة الهندوسية. وأضحت الشجرة مع مرور الوقت، رمزا عالميا للخصوبة والحياة والبعث بعد الموت.

ويربط الكثير من أتباع الهندوسية والبوذية وغيرها من الديانات، أشرطة حول أغصان أشجار التين البنغالي، التي تنمو الآن في مختلف أنحاء جنوب شرق آسيا، ويضعون أضرحة صغيرة وتماثيل للرموز الدينية على جذورها.

وتصف قصيدة البهاغافاد غيتا، السنسكريتية القديمة التي تشكل جزءا من ملحمة ماهبهاراتا الهندوسية، أشجار التين البنغالي بأن “جذورها التي تنمو لأعلى وأغصانها التي تنمو لأسفل” تشي بأن الواقع هو مرآة عاكسة للعالم الروحاني.

وبينما تنمو أشجار التين البنغالي في أفنية المعابد في أنحاء الهند، فإن شجرة ثيماما ماريمانو من الضخامة بما يسمح لها بأن تحوي بداخلها معبدا كاملا.

Image caption

تمتد على مساحة خمسة فدادين تقريبا ويبلغ محيط جذعها 846 مترا

من الرماد

ولشجرة ثيماما ماريمانو أسطورتها الخاصة، إذ يعتقد الهندوس أن امرأة تدعى ثيماما أدت مراسم “ساتي”- أي ألقت بنفسها على المحرقة في جنازة زوجها المتوفى- في عام 1433، في نفس المكان الذي نمت فيه الشجرة.

وتقول الأسطورة إن زوجها قضى نحبه بعد معاناة من مرض الجذام، ولم تتحمل ثيماما، التي قطعت على نفسها عهدا بأن تظل وفية لزوجها للأبد، آلام فقدان زوجها.

ويقال إن أحد الأعمدة التي كانت تدعم المحرقة ضربت بجذورها في الأرض، وسمحت لثيماما بالتحول إلى شجرة وأن تصبح إلهة. ولهذا يعتقد الكثيرون أن للشجرة قدرات روحانية، وأنها تهب للزوجين العقيمين القدرة على الإنجاب.

طقوس قديمة

يخلع الحجيج أحذيتهم قبل الدخول في رحاب الشجرة المقدسة. ثم يدخلون إلى قلب الشجرة، حيث يصلون للإله ناندي، حارس ضريح تذكاري لثيماما، ثم يزورون ضريحا صغيرا آخر يضم تمثالين لثيماما وزوجها، ويقدمون لهما الطعام، مثل جوز الهند والتوابل.

وقبل الدخول إلى الضريح الرئيسي، الذي يضم تمثالا لثيماما من الحجر الأسود، يبارك الكاهن الحجيج بالشموع. ثم يلتفون حول المرشد الذي يحكي لهم قصة تضحية الإلهة ثيماما، وبعدها يطوفون حول الضريح التذكاري لثيماما خمس مرات في اتجاه اليمين، الذي يرمز إلى السير في المسار الصحيح في الحياة.

ويعتقد الهندوس أن هذا الضريح التذكاري أقيم في نفس البقعة التي ألقت فيها ثيماما بنفسها على المحرقة. إذ عُثر في عام 2001، على خلاخيل قديمة وبعض الجواهر في قلب الشجرة، وأرسل الكهنة والمسؤولون في بلدة تيروباتي توجيهاتهم ببناء معبد في نفس البقعة.

ملاذ التائبين

وبخلاف أسطورة ثيماما، يتداول السكان الكثير من القصص الأخرى حول الشجرة، إذ يقال مثلا إن المعبد الأبيض في سفح الجبل المواجه للشجرة كان مقرا لعبادة الإله شيفا، وكانت تؤدى فيه طقوس التوبة. ويعتقد السكان أن الإله فيشنو يستمتع بالاسترخاء فوق شجرة التين البنغالي الضخمة.

ويعتقد الكثيرون أن حشود الزوار الذين يصلون في هذا الموقع ساهموا على مر العصور في شحن الشجرة بالطاقة الإيجابية التي ساعدتها على النمو. وفي كل عام يقف الآلاف تحت الشجرة في العيد الوطني للإله شيفا، لتأدية صلوات وطقوس خاصة لمدة أربعة أيام.

Image caption

تمتد جذور الشجرة إلى الخارج في كل اتجاه لتبدو أقرب إلى الغابة أو التعريشة منها إلى الشجرة

القدرات العلاجية للأشجار

يعتقد الكثير من الحجاج أن لمس الشجرة يمنحهم طاقة إيجابية مفيدة للجسم والدماغ والروح. وقد يحتضنون جذورها لما يصل إلى 10 دقائق، وأحيانا يتمتمون بتعاويذ دينية.

لكن ثمة فوائد أخرى للأشجار، فهي تجعل الهواء صالحا للتنفس، وتُستخلص منها الكثير من الأدوية، مثل الإسبرين الذي يُصنّع من لحاء شجرة الصفصاف، وزيت البلقاء الذي يستخرج من أوراق شجرة الشاي الأسترالية والذي يستخدم في علاج الجلد من الإصابات.

وأشارت أبحاث إلى أن المساحات الخضراء، مثل الغابات، تسهم في تخفيض ضغط الدم وتخفف الضغوط النفسية، ولهذا تبنت اليابان فكرة العلاج بالطبيعة لتحسين الصحة النفسية.

غير أن البعض أثار مخاوف من أن يمثل تزايد أعداد الزوار تهديدا للشجرة، فقد تتسبب الحشود الضخمة، ولا سيما في العيد السنوي، في إتلاف الجذور.

ويزور عمال من مديرية الغابات الهندية الشجرة بين الحين والآخر لتغذية جذورها، بإضافة بعض الطين إليها باستخدام قضبان من الخيزران، ووضع قواعد حجرية حول الشجرة لتدعيم فروعها التالفة. ويوجه البستانيون الحجاج للالتزام بمسار محدد عند التواجد تحت ظل الشجرة.

لكن الشجرة تتلقى أكبر قدر من المساعدة من دبور ثمار التين، الذي يلقح أشجار التين ويتخذ منها موئلا طبيعيا له ليضع بيضه فيها. ويجتذب التين الأحمر الصغير الذي ينمو على الحافة الشمالية من الشجرة دبابير التين لتضع بيضها ثم تلقح شجرة التين البنغالي الضخمة وتساعدها في النمو.

تناغم تام

رغم قربها من مدينة بنغالور، ثالث أكثر المدن الهندية اكتظاظا بالسكان، إلا أن موقع شجرة ثيماما ماريمانو هادئا ومعزولا، لا تسمع فيه سوى أصوات تغريد الببغاوات وهدير الحمام. وتتدلى من أغصان الشجرة الثعالب الطائرة، وتترقب القرود من سقف المعبد نصيبها من الطعام المقدم للآلهة.

وأشارت الأساطير المحلية إلى الحيوانات التي تسكن الشجرة، إذ ذكرت أن الطيور لن تنام على الشجرة ليلا والثعابين تعهدت بعدم إيذاء أي شخص في رحابها احتراما للإلهة.

وسواء كانت هذه الأساطير صحيحة أم كاذبة، فإن ثيماما ماريمانو طالما بعثت السكينة في نفوس زوارها على مر العصور. ومن المرجح أن تظل الشجرة تنمو لتستظل بها الأجيال القادمة.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Travel



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى