التعلم الذاتي: هل تنافس “المؤهلات البديلة” الشهادات الجامعية في سوق العمل؟
[ad_1]
في عام 2011، قرر سكوت يونغ مواجهة تحد أربك الكثير من أقرانه، إذ شرع في محاولة دراسة كل المناهج التي تؤهله للحصول على شهادة علوم الكمبيوتر من “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا”، وذلك دون الالتحاق فعليا بهذه الجامعة التكنولوجية رفيعة المستوى، التي تضم طلابا من النخبة بين جنبات مقرها بمدينة بوسطن الأمريكية.
واستفاد يونغ من المواد العلمية التي تبثها الجامعة مجانا على شبكة الإنترنت، وذلك ليكوّن لنفسه منهجا تألف من محاضرات مُسجلة. وبجانب ذلك، عَمِلَ على أن ينجز – بأقصى قدر ممكن – الواجبات والمهام الدراسية، التي يُكلف بها طلاب هذه الجامعة، واجتاز كذلك الاختبارات التي يخضع لها هؤلاء.
فضلا عن ذلك، حدد يونغ التقديرات لنفسه بنفسه، مُستعينا بالقواعد التي تستخدمها جامعة “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا”، ما مَكَنّه في نهاية المطاف، من “إكمال” دراسة المناهج المؤهِلة لنيل الدرجة الجامعية التي يمنحها هذا الصرح التعليمي المرموق، دون الاضطرار لدفع أي رسوم دراسية. فلم تتجاوز التكاليف التي تكبدها في هذا الشأن، قيمة شراء الكتب الدراسية المطلوبة.
وقد أوضح يونغ في إحدى المحاضرات، التي أُلقيت في إطار مؤتمرات “تيد” العالمية عام 2012، أنه خاض هذه التجربة، وهو يحمل في الأصل درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال، وأن إقدامه عليها كان يعود لرغبته في دراسة علوم الكمبيوتر، بعد سنوات من العمل في مجال تخصصه الأصلي.
لكنه سعى في الوقت نفسه، إلى ألا يُضطر للدراسة أربع سنوات لنيل مؤهل جامعي في المجال الذي يحبه. وهكذا مضى يونغ على هذا الدرب بدافع الفضول، لا كجزء من دورة تدريبية – مثلا – تؤهله للعمل في مجال البرمجة، وهو في النهاية – على كل حال – لم يحصل على شهادة “رسمية” من “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا”، لكنه نال ما يمكن تسميته بـ “مؤهلات بديلة” لا تحظى بالاعتراف الرسمي أو التوثيق من جانب أي جهة علمية.
ومع أن النهج الذي اتبعه هذا الرجل لتحصيل العلم يبدو غريبا من نوعه، فإن الارتفاع المستمر في تكاليف التعليم الجامعي، دفع الكثيرين للتساؤل، عما إذا كان العائد من استثمار كل هذه الأموال فيه، يستحق ذاك العناء أم لا، وما إذا كانت هناك طرق بديلة عنه تكفل تحقيق النجاح في الحياة المهنية.
ورغم الخلافات الطفيفة القائمة بين خبراء التعليم العالي وشؤون الموارد البشرية، حول طبيعة هذا النوع الجديد من “المؤهلات”، فإن كثيرا منهم يتفقون على أنها جاءت كرد فعل على فجوة المهارات الناجمة عن ظهور التقنيات الحديثة والمتطورة في العالم. ويمكن القول إن “المؤهلات البديلة” تتمثل – في الأساس – في “قدر محدود ولكنه كاف من العلم والمناهج”، التي يحصّلها المرء بشكل غير نظامي، بشأن مجال مهني معين، يرغب في العمل فيه.
وقد يكون هذا القدر من العلم والمعرفة في صورة دورة تعليمية متاحة على الإنترنت، أو فترة تدريب على العمل في مهنة ما تمنحها إحدى الجامعات، أو منهج تعليمي توفره منصة للتعلم عبر الشبكة العنكبوتية، مثل يوداسيتي أو كورسيرا، أو إيدييكس.
وفي الوقت الراهن، يستفيد الكثيرون من هذا النوع غير المألوف من “المؤهلات” لتعزيز مهاراتهم. لكن هناك من يرون أنها قد تشكل في المستقبل بديلا عن الشهادة الجامعية التقليدية، بالنسبة لمن يرغب في التقدم بأوراقه للمنافسة على شغل وظيفة ما. وبنظر هؤلاء، تتميز “المؤهلات البديلة” بأنها أسهل في الحصول عليها، وأكثر ملائمة للظروف المادية للراغبين في نيلها، كما أنها قد ترتبط بشكل أكبر، بالمهنة التي يريدون العمل فيها مستقبلا.
وربما حان الوقت الآن للتعرف على رؤية بعض المتخصصين في توفير خدمات التعلم عبر الإنترنت في هذا الشأن. ومن بينهم، سيمون نيلسون الرئيس التنفيذي لـ “فيوتشر ليرن”، وهي منصة تعلم تتخذ من بريطانيا مقرا لها وتقيم شراكات مع الجامعات، لتوفير دورات تعليمية على شبكة الإنترنت، تشمل عددا كبيرا من المشاركين وتسمح بالنقاش والتفاعل بين الطلاب والمدرسين.
ويقول نيلسون إن ظهور هذا النوع من “المؤهلات” غير الرسمية، يرجع إلى ثلاثة اتجاهات تسود العالم حاليا. أول هذه الاتجاهات، هو الطلب المتزايد بسرعة في المجتمعات النامية، على التعليم العالي المتميز، بينما يكمن الثاني في التحول الرقمي، الذي تشهده الكثير من القطاعات الصناعية، ويؤدي – بحسب نيلسون – إلى “تفاقم الفجوة في المهارات التقليدية”، بالتزامن مع عجز الجامعات عن توفير التدريب الضروري على “المهارات الجديدة التي يشتد الطلب عليها حاليا”.
أما الاتجاه الثالث، فهو – كما يقول سيمون نيلسون – إضفاء طابع رقمي على التعليم العالي. ويعني كل ذلك أن الشهادة الجامعية لم تعد تكفل وحدها الآن للمرء نيل وظيفة ما، إذ أن ذلك بات يستلزم منه، تعلم مهارات جديدة باستمرار. غير أن المعضلة هنا، وفقا لـ “نيلسون”، أنه ليس بوسع الناس “اقتطاع وقت من يومهم، لتحصيل العلم بالطريقة التقليدية، التي تتطلب ذهابهم إلى الجامعة وتلقي المحاضرات هناك”.
ويقول شون غالاغر، مؤسس مركز الاستراتيجيات الخاصة بالمواهب ومستقبل التعليم العالي في جامعة نورث إيسترن – وهو كذلك الرئيس التنفيذي للمركز – إن التوسع الاقتصادي العالمي في المجالات التكنولوجية، أدى إلى إبراز “وجود نقص في عدد خريجي الجامعات الذين يدخلون سوق العمل وهم يتمتعون بالمهارات والقدرات، التي يبحث عنها أصحاب الشركات”.
ولا تقتصر هذه المشكلة، على أسواق العمل ومنظومات التعليم في الدول المتقدمة، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بل يمكن أن يعاني منها النظام التعليمي في دولة مثل ماليزيا، ويواجهها اقتصاد في أمريكا اللاتينية، كالاقتصاد الكولومبي.
ففي الولايات المتحدة مثلا – التي يتسم سوق العمل فيها حاليا بالصرامة البالغة – لم يعد أصحاب الشركات، يقتصرون في بحثهم عن موظفين محتملين، على خريجي الجامعات وحدهم، بل باتوا يبحثون بشكل متزايد خارج نطاق هذه الفئة.
ويقول شون ثورن، مسؤول رفيع في شركة “ترو” المعنية بإدارة المواهب على مستوى العالم، إن عملاءه يطلبون منه السعي لاستكشاف إمكانية الاستفادة من أشخاص من غير أصحاب المؤهلات الدراسية التقليدية. ويعتبر أن “المؤهلات البديلة” هذه، تشكل فرصة تغتنمها الشركات لتوسيع نطاق من تبحث بينهم عن موظفين محتملين فيها، مُستفيدة في هذا الشأن من مواهب، ربما لا تفكر المؤسسات المنافسة لها في اقتناص أصحابها بالضرورة.
ويمكن القول إن بعض “المؤهلات البديلة”، ربما تكون قد ظهرت لملء فجوة لم تستطع الجامعات التعامل معها. ونتيجة لذلك، قد يُنظر إليها، في المجالات المهنية التي يمكن الاستفادة فيها منها، على أنها بديل مقبول عن الشهادات الجامعية المتعارف عليها. لكن ذلك لا يعني التقليل من الأهمية التي تكتسي بها هذه الشهادات، وهو ما كشفت عنه دراسة أجراها شون غالاغر وزملاؤه عام 2018.
فنتائج الدراسة تُظهر – كما يقول غالاغر – أن “الدرجات التي تمنحها الكليات والجامعات لا تزال تحتفظ بقيمتها، وما زالت مطلوبة في سوق التوظيف. كما أنها لا تزال تعود بنفع اقتصادي على حامليها”.
وعندما استطلع هذا الرجل آراء 750 من كبار المسؤولين عن أقسام الموارد البشرية في شركات أمريكية تعمل في قطاعات صناعية متنوعة، رصد توجها متزايدا من جانب هذه المؤسسات إلى اختيار موظفيها الجدد بناء على المهارات التي يتحلون بها. لكنه وجد كذلك أن الكثير من المتقدمين لشغل الوظائف المتاحة في تلك الشركات، هم خريجون جامعيون حصّلوا مزيدا من العلم والمعرفة بشكل غير نظامي، من أجل تعزيز مؤهلاتهم الأصلية وجعلها تصل إلى درجة تقارب الكمال، لا من أجل مراكمة المزيد من الشهادات التي تمنحها منصات التعلم مثلا، كبديل عن المؤهلات الجامعية المعترف بها.
ورغم أن غالاغر لا يستبعد أن يأتي وقت تحل فيه “المؤهلات البديلة” محل الشهادات الجامعية، في ما يتعلق بالتقدم لشغل هذه الوظيفة أو تلك، فإنه يشير إلى أن فرص حدوث ذلك، ستختلف من مجال مهني لآخر.
وبهذا المعني يمكن أن تكون هذه “المؤهلات” بديلا عن الشهادات الجامعية في مجالات بعينها، ومُكملا لها في قطاعات أخرى. ويؤكد غالاغر أننا لا نزال في مرحلة مبكرة للغاية على هذا الصعيد، ما يعني أنه لا ينبغي علينا، إنفاق أموال على تحصيل العلم بشكل غير نظامي أملا في أن ذلك قد يمثل بديلا لنيل شهادة جامعية؛ قبل أن تتوافر بيانات تثبت أن الموظفين الذين يمضون على هذا الدرب، يؤدون عملهم على نحو أكثر كفاءة من أقرانهم الجامعيين، أو أنهم يعملون بكفاءتهم نفسها على الأقل. ويقول غالاغر إن هذه البيانات غير متوافرة حتى الآن.
ويؤكد غالاغر أنه من المهم أن يتم وضع سياسات ومعايير تخص “المؤهلات البديلة”، وهو ما نفتقر إليه حاليا، بحسب قوله. ويرى أنه يتوجب على الجهات التي توفر الدورات التعليمية الخاصة بذلك، أن توضح تفاصيل ما توفره من معارف ومناهج، والذي تتمتع به هي نفسها من شهادات خبرة أو تصاريح عمل.
وتقر جو-آن رول، عميدة إحدى كليات إدارة الأعمال في جامعة نيويورك، بأنه يتعين على الجامعات والمؤسسات العلمية التي توفر خدمات التدريب، تعزيز تعاونها مع الخبراء العاملين في المجالات المهنية والصناعية المختلفة، للتيقن من أن ما تقدمه يلبي متطلباتهم، وبالسرعة التي يحتاجون إليها كذلك. وتقول رول: “القطاعات الصناعية تتغير بإيقاع أسرع، مما يستطيع أحد التعامل معه، حتى من بين العاملين فيها أنفسهم”.
ولعل بمقدورنا هنا الاستعانة برأي ناعوم موردخاي، نائب مدير القسم الخاص بالابتكارات في المشروعات التجارية بمنصة “غلوت” للتوظيف، التي تستفيد من تقنيات الذكاء الاصطناعي، إذ يقول: “نحتاج مزيدا من الروابط والنقاشات بين العاملين في القطاعات الصناعية المختلفة من جهة والجامعات من جهة أخرى، بحيث يصبح أسلوب التعلم خلال العمل جزءا من المنهج الدراسي”.
وتجدر الإشارة إلى أن عددا من الجهات التي يمكن أن ينال المرء منها تلك “المؤهلات البديلة”، تصمم برامجها التعليمية بالتشاور مع الشركات العاملة في مجالات تتصل هذه البرامج بالعمل فيها. ومن بين أمثلة ذلك، منصة “يوداسيتي”، التي تصمم الدورات التي تقدمها عبر الإنترنت، بمساعدة شركات مثل “فيسبوك” و”غوغل” و”آيه تي أند تي”.
كما أن هناك الكثير من الجامعات التي تبلور شراكات مع جهات توفر هذه “المؤهلات” غير الرسمية أو المعترف بها. ففي كندا مثلا، تعكف مؤسسة “إي كامبُس أونتاريو”، الممولة حكوميا وغير الهادفة للربح، على التعاون مع بعض الجامعات والكليات، لـ “تطوير هذا النوع من المؤهلات”، بالتعاون كذلك مع الشركات التي يمكن لها الاستفادة من هذا الأمر.
وبحسب الدراسة التي أعدها غالاغر لحساب المركز التابع لجامعة نورث إيسترن، تعتبر الكثير من الشركات أن مشاركة الخبراء العاملين في مجال مهني ما، في تطوير برامج تعليمية من هذا النوع، تشكل تصديقا من جانبهم، على دقة هذه البرامج، وهو ما يساعد أرباب العمل على تقييم مدى جودتها وكفاءتها.
وفي الوقت الذي سيظل فيه القائمون على عملية التوظيف في الشركات المختلفة، يرون أنه ستبقى للشهادة الجامعية قيمتها على صعيد عملية اختيار الموظفين الجدد، فإنهم يتطلعون لأن ينظروا إلى هذه الشهادة في المستقبل، على أنها مجرد عامل يؤخذ في الاعتبار عند تقييم مرشح لشغل وظيفة ما، أكثر من كونها أحد المتطلبات الضرورية، للمضي قدما على هذا الطريق.
وإذا عدنا إلى سكوت يونغ الذي بدأنا به هذه السطور، سنجد أنه اكتشف بعد تأمله لتجربته، أنها عادت عليه بنتائج تمتزج فيها الإيجابيات بالسلبيات. فقد حَصّلَ كثيرا من المعارف والعلوم، لكنه يشك في الوقت نفسه أن يكون قد نجح في الاحتفاظ بها جميعا في ذهنه، وذلك بسبب الإيقاع السريع الذي تعلمها به.
كما أنه اكتشف أن للتفاعل مع الأقران والمعلم خلال عملية التعلم، دورا كبيرا في استكشاف “المشروعات العملية والأدوات والفرص، التي لا يتم تعليمها خلال الصف الدراسي”، وذلك رغم أنه كان يتخذ موقفا رافضا لهذه الفكرة في البداية.
بجانب ذلك، لم يعد يونغ يرى أن زيادة الإقبال على نيل “المؤهلات البديلة” أمر حتمي، بل توصل إلى استنتاج مفاده، بأن جانبا كبيرا من عملية التعليم النظامية، يلعب دور “المصفاة” لانتقاء الأشخاص الذين يتحلون بقدر من الذكاء والالتزام والجدية، يكفي لجعلهم قادرين على الانخراط في العملية التعليمية.
ويرى يونغ أن التعليم العالي بشكله التقليدي سيحتفظ بأهميته في المستقبل على الأرجح، لكنه يؤكد أن التحلي بالمهارات المختلفة سيبقى مهما بقدر ما كذلك.
ويضيف: “أعتقد أن قيامك بأي شيء يُكسبك مهارات قيمة سيزيد فرصك في سوق العمل. أتمنى أن يكون المستقبل زاخرا بالكثير من الخيارات المختلفة، التي يمكن للمرء من خلال كل منها اكتساب هذه المهارات، وإظهارها لأرباب الأعمال”.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Worklife
[ad_2]
Source link