كيف نجت الآثار الأفغانية من حركة طالبان؟
[ad_1]
في الركن الجنوبي الغربي من العاصمة كابول، يقبع متحف أفغانستان الوطني بين أحضان جبال هندو كوش المغطاة بالثلوج. ويعد المتحف شاهدا على التاريخ العريق والزاخر لبلد كان ملتقى شعوب العالم القديم، إذ يضم مجموعة من الآثار تمتد إلى 50 ألف عام، بدءا من عصور ما قبل التاريخ ووصولا إلى الفن الإسلامي.
ومنذ تأسيسه قبل 89 عاما، صمد المتحف أمام عقود من الصراعات التي خاضتها أفغانستان، منذ الاحتلال السوفيتي مرورا بالحروب الأهلية ووصولا إلى سيطرة حركة طالبان على مقاليد الأمور.
ويقول فهيم رحيمي، مدير المتحف، إن هذا البلد غني بالآثار والمواقع التراثية. إذ كانت أفغانستان حلقة وصل بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا والشرق الأوسط. وكان البلد يزخر بالتنوع الثقافي، وتركت شعوب هذه البلدان إرثها على الأراضي الأفغانية.
وشاهدت بنفسي في الدور الثاني من المتحف أجنحة تعرض آثارا تتراوح من العهد الإغريقي في القرن الرابع الميلادي وحتى الآثار الإسلامية من الدولة الغزنوية في القرن الثاني عشر.
لكن نظرا للقيمة الاستثنائية لمحتوياته، وموقعه بجوار قصر دار الأمان الملكي، طالما تعرض المتحف ومحتوياته للتهديدات وعمليات السلب والنهب والتدمير على يد الأنظمة المتعاقبة التي خاضت صراعات للسيطرة على العاصمة الأفغانية.
وفي خضم الغزو السوفيتي لأفغانستان في عام 1979، خُبئت الجواهر الذهبية والأسلحة والعملات المعدنية القديمة التي تعود للقرن الأول بعد الميلاد. وبعد انتهاء الاحتلال السوفيتي في عام 1989، كان المتحف في مرمى النيران، حين كانت جماعات المجاهدين المسلحة تخوض حرب عصابات للسيطرة على كابول في مستهل فترة التسعينيات.
وفي عام 1993، أسفر قصف صاروخي عن إتلاف لوحة تعود للقرن الرابع الميلادي، ودفنت الكثير من التحف الفخارية والبرونزية القديمة تحت الأنقاض. وفي أواخر التسعينيات، بعد سقوط صاروخ آخر على المبنى، لم يتبق في المتحف سوى نحو 30 في المئة من محتوياته، أما سائر الآثار فقد تعرضت للنهب والتدمير.
ويقول رحيمي عن العنف الذي اجتاح كابول في التسعينيات من القرن الماضي: “أحاطت بنا القوات والجماعات المتناحرة المختلفة من كل جانب”. وأصبح حينها دخول بعض الأجزاء من المتحف لإنقاذ المقتنيات مستحيلا.
لكن العاملين في المتحف نجحوا في إخفاء الكثير من المحتويات الأصلية بالمتحف في خضم الحرب بين أفغانستان والاتحاد السوفييتي التي استمرت خلال الفترة بين 1979 و1989، ومرة أخرى في السنوات السابقة لحكم طالبان.
ويقول رحيمي إن أمناء المتحف في حقبة الاحتلال السوفيتي، أقنعوا الحكومة المدعومة من النظام الشيوعي، بإخفاء ثلثي محتويات المتحف في خزانات محصنة في البنوك وغرف تخزين تابعة لوزارة الإعلام والثقافة في كابول لحمايتها من هجمات المجاهدين.
لكن المتحف وقع فريسة للصراعات التي خاضها المجاهدون للسيطرة على كابول من عام 1992 إلى 1996، وتحول بعدها المتحف إلى أنقاض. إلا أن العاملين بالمتحف انتهزوا فرصة تراجع حدة القتال لفترة وجيزة وعادوا إلى المبنى المغلق في عام 1994 ونقلوا آلاف الآثار في صناديق إلى فندق كابول تحت ستار من السرية.
وعلى الرغم من أن العاصمة الأفغانية سادها هدوء نسبي بعد سيطرة طالبان عليها، إلا أن التنظيم أمعن في تدمير كل ما بدا مخالفا للشريعة الإسلامية، وخلف دمارا لم يسبق له مثيل في الآثار القديمة. وفي عام 2001، أصيب العالم بالذهول حين زرع زعماء طالبان متفجرات حول أطول تمثالين لبوذا في العالم، يعودان لنحو 3000 سنة مضت في ولاية باميان.
وفي العام نفسه، أصدر بعض زعماء طالبان أوامر بفتح الخزانات المحصنة بالمتحف وحطموا ما كانوا يعدونه رموزا للكفر بالمعاول والمطارق والفؤوس. وفي النهاية دمُرت آلاف الكنوز التي تعود لآلاف السنين.
ويقول أحد العاملين بالمتحف، الذي استخدم اسم “محمد آصف” خشية تعرضه للخطر كونه ساهم في إنقاذ الآثار من طالبان منذ سنين مضت، إن أفراد حركة طالبان كانوا يزورون المتحف بين الآن والآخر ويحطمون كل ما كانت تطوله أيديهم من تماثيل، سواء كانت معروضة أو محفوظة في المخازن، مثل التماثيل البوذية التي كانوا يرون أنها مخالفة للإسلام.
ويعمل آصف في المتحف منذ أربعين عاما، باستثناء الفترة التي أجبر فيها على الهروب من البلاد أثناء الحرب الأفغانية السوفيتية، حين اتهمه المجاهدون بأنه متعاطف مع الشيوعيين. ويقول إنه عندما عاد إلى المتحف حاول إنقاذ الآثار القليلة التي تبقت بعد الحرب، لكن طالبان في النهاية دمرت البقية الباقية.
ولم يقف آصف وزملاؤه مكتوفي الأيدي، بل أخذوا يلملمون الشظايا وأجزاء الآثار المحطمة بعد كل مداهمة لأفراد طالبان ويخبؤونها حول المتحف. ويقول رحيمي: “لولا جهود العاملين في المتحف آنذاك الذين احتفظوا بكل القطع والشظايا وأخفوها في الغرف بعيدا عن أعين طالبان، لما استطعنا استعادة بعض تاريخنا”.
وتعرض اليوم المجموعة الأصلية السليمة التي أنقذها العاملون في المتحف منذ أعيد افتتاحه في عام 2004. ويعمل فريق من الخبراء الأفغان والأجانب بقيادة فابيو كولومبو، خبير الحفظ والترميم، وبدعم من معهد الدراسات الشرقية بجامعة شيكاغو، على ترميم الكثير من الآثار التي جمع أجزاءها آصف وزملاؤه.
ويهدف المشروع، الذي يعد جزءا من شراكة بين المعهد وبين المتحف الوطني بتمويل من وزارة الخارجية الأمريكية، إلى ترميم 2500 تمثال لبوذا وتحف خزفية من محتويات المتحف، مع التركيز على موقع “هدّه” الأثري الذي كان مركزا للديانة البوذية في أفغانستان قبل نحو 2,500 عام.
وقد استكشف الفرنسيون هذا الموقع الأثري في ثلاثينيات القرن الماضي، وحملوا بعض الآثار التي عثروا عليها إلى بلادهم، ودمرت حركة طالبان بقية الآثار التي كانت معروضة في كابول.
وفي الغرف الخلفية من المتحف، وضع الخبراء حطام التماثيل التي تربو على 7,500 قطعة، وكان بعضها في حجم الحبات الصغيرة، على موائد عديدة لتصنيفها ووضعها في مكانها. ويأمل كولومبو أن ينتهي العمل في هذا المشروع الذي استمر لأربع سنوات بنهاية العام الحالي.
واستعان الخبراء ببعض قوائم الجرد التي تعود إلى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي للتعرف على شكل الآثار التي يجمعون أجزاءها. لكن كولومبو يقول إنها كانت تشبه حل أحجيات مختلفة جُمعت أجزاؤها معا في صندوق واحد من دون صور إرشادية.
وتمثل الآثار البوذية التي ستعرض في المتحف الوطني جزءا مهما من التاريخ الأفغاني. ويقول رحيمي إن الديانة البوذية انتشرت في أفغانستان في القرن الثالث قبل الميلاد، في عهد الإمبراطور أشوكا. والتقت حينها الثقافة البوذية مع الثقافة الإغريقية في أفغانستان التي كانت خاضعة لحكم المملكة الإغريقية البخترية، وأفرز هذا التلاقح الثقافي تماثيل رائعة تمزج ما بين الفن البوذي والإغريقي.
ويقول كولومبو إن أفغانستان تزخر بالآثار التاريخية من مختلف العصور، لكننا نواجه الكثير من التهديدات الأمنية. ويأمل كولومبو أن يتيح هذا المشروع الفرصة للأفغانيين للاستفادة من خبرة المرممين وعلماء الآثار والمؤرخين والمهندسين.
وفي الوقت الذي تجري فيه الإدارة الأمريكية مباحثات مع طالبان لإنهاء الصراع الدائر منذ 19 عاما، يخشى العاملون بالمتحف من احتمالات عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان، وأثاروا تساؤلات حول مصير جهودهم لحفظ التراث التاريخي في حال انسحاب القوات الأمريكية وعودة الجماعات المسلحة.
ويقول رحيمي: “نحن نفتخر بتراثنا الإسلامي العريق، لكننا نملك أيضا تاريخا زاخرا قبل دخول الإسلام، ويجب أن نحافظ على هذا التراث حتى يتعرف الشباب الأفغاني على هذا التاريخ وهذا التنوع الثقافي”.
ويقول كولومبو إنه لمس تغيرا في نظرة الناس للتاريخ والآثار، ويأمل أن يدرب الجيل القادم من الأفغان على كيفية حماية تراث بلادهم والحفاظ عليه. ويشير إلى أن جيلا كاملا من الأفغان قد حُرم من الكثير من الفرص، ويحتاج هذا الجيل لمن يشجعه ليدرس ويتعلم الكثير في هذا المجال.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Travel
[ad_2]
Source link