كيف ترتب أولوياتك وتقلل من عناء أداء المهام اليومية الروتينية؟
[ad_1]
رغم أنه لا يوجد شح في الأدوات التي تُمَكِننا من تنظيم أولوياتنا، أو في النصائح التي تُسدى لنا في هذا الإطار، فإنني وغيري ربما نُفاجأ بأنه ما أن يتمكن أي منّا من اقتطاع وقت للراحة وسط جدول أعماله المزدحم، حتى يجد نفسه مشغولا في تلك الفترة التي يُفترض أن يسترخي فيها، بالتفكير في الواجبات الحياتية الروتينية، مثل دفع الفواتير المستحقة، والقيام بالأعمال المنزلية، والتسوق، وغير ذلك.
تقول إليزابيث أيمنز، أستاذة جامعية في القانون بجامعة كولومبيا الأمريكية ومؤلفة كتاب “فن إدارة شؤون الحياة”، إن الكثير منّا يعانون الأمريْن مع قائمة واجباتهم ومهامهم التي لا تنتهي. وتشير إلى أن جانبا كبيرا من إحساسنا بقلة الحيلة في هذا المضمار، يعود إلى أن “عملية إدارة الشؤون الحياتية هذه لا نهاية لها من جهة، وغير واضحة بما يكفي كذلك من جهة أخرى”.
وتضيف: “تتناول هذه العملية جوانب مختلفة ومتعددة ربما لا يستطيع الآخرون تمييزها والتعرف عليها، لذا لا يعرف هؤلاء ما الذي نقوم به على هذا الصعيد، أو أن ما نفعله بشأنه شديد الوطأة علينا”.
لكن بارقة أمل لاحت خلال السنوات القليلة الماضية، بعدما بلورت مجموعة من الجامعات الاسترالية وسيلة لمساعدة طلابها على التعامل مع هذه المشكلة من خلال أسلوب يحمل اسم “عش حياتك على نحو مرتب ومنظم”. ويركز هذا الأسلوب بشكل أساسي على تجميع الواجبات والمهام التي ينبغي عليك إنجازها لتقوم بها خلال فترة زمنية معينة، ربما تكون في صباح يوم ما، أو خلال يوم أو أسبوع بعينه.
ويرمي ذلك إلى أن يصفو ذهنك، وأن تتعلم ترتيب أولوياتك وتولى تركيزك للأهم فالمهم، ما يمنحك الفرصة، لكي تستمتع بفترة الراحة والاسترخاء، التي تقتطعها لنفسك، دون شعور بالذنب.
ومنذ 10 سنوات على الأقل، تخصص جامعة ملبورن الاسترالية أسبوعا من كل فصل دراسي لتطبيق هذا الأسلوب. وغالبا ما يحدث ذلك في الأسبوع الخامس أو السادس من الفصل الدراسي، أي قرب منتصفه. وخلال هذا الأسبوع، تتواصل الأنشطة الدراسية والعلمية، بينما يتوقف النشاط الاجتماعي بما يشمله من إقامة حفلات وغيرها، وذلك لمساعدة الطلاب، على إعادة ترتيب أولوياتهم، والتركيز على إنجاز واجباتهم وشؤونهم الحياتية.
وتقول سالي دالتون-براون، عميدة كلية كوين في جامعة ملبورن، إن ثمة حاجة لأن يتبع الطلاب هذا الأسلوب، نظرا لأنهم يواجهون عددا أكبر من عوامل التشتيت والإلهاء، مقارنة بغيرهم.
وتضيف: “يشكل تخصيص الطلاب أسبوعا لـ `التقاط الأنفاس` وإنجاز أمورهم الحياتية مسألة جوهرية، بالنظر إلى ما تعج به الحياة في عالمنا اليوم من محفزات، ولكون هؤلاء الطلبة يحاولون أيضا المفاضلة والاختيار بين الكثير من الفرص التي توفرها لهم كلياتهم على مختلف الأصعدة، من الرياضة والثقافة وصولا إلى الأنشطة التطوعية وتلك المتعلقة بتنمية مهاراتهم القيادية”.
وتستهدف تلك الطريقة – التي تُعرف اختصارا باسم GYLIO وهي الحروف الأولى من اسمها باللغة الإنجليزية – منح من يلجؤون إليها الفرصة للتفكير والتأمل، ولنيل قسط من الراحة أيضا، وليس لتعليمهم مهارات حياتية محددة. ويشجع القائمون على تطبيق هذا الأسلوب الطلاب على أن يُعِد كل منهم جدول الواجبات والمهام التي سيقوم بها خلال ذلك الأسبوع بما يتسق مع ظروفه. ولا يفترض أن يقتصر هذا الجدول على أمور مثل دفع الفواتير المستحقة وغسل الملابس وما إلى ذلك فقط، بل يمكن أن يتضمن كذلك بنودا من قبيل، حضور مناسبات تتراوح بين المشاركة في جلسات لليوغا، ومحاضرات للعناية بالصحة البدنية والنفسية، والإسهام في أنشطة مثل زراعة النباتات.
وفي آخر مرة نُظِمَ فيها هذا الأسبوع في أغسطس/آب من العام الماضي، ابتكرت الطالبة هنري كوري – المسؤولة حاليا عن اتحاد الطلاب في الكلية – جدولا زمنيا وقائمة للمهام لتمكينها وغيرها من الطلبة، من الوفاء بالواجبات التي تخلفوا عن أدائها في وقتها المحدد.
وتقول كوري: “تضمنت المهام المُدرجة في هذه القائمة، تحديث الملاحظات والملخصات الخاصة بالمواد الدراسية، والشروع في أداء التكليفات المتعلقة بالدراسة، بجانب استئناف ممارسة الرياضة على النسق المعتاد بالنسبة لي، بما في ذلك الركض مع أصدقائي. كما خَصصتُ وقتا للاسترخاء أشاهد فيه فيلما سينمائيا، وأتحدث خلاله مع أسرتي هاتفيا، وأثرثر مع أصدقائي”.
وترى هذه الفتاة البالغة من العمر 19 عاما، أن أسلوب GYLIO يشكل وسيلة رائعة، لكي يعيد المرء توجيه تركيزه لينصب على الأمور الأكثر أهمية. وتقول إن مجرد منح هذا الأسلوب اسما مختصرا “يشكل – على ما يبدو – محفزا للطلاب، ويجعلهم غير قادرين على اختلاق الأعذار” للتهرب من أداء ما هو مطلوب منهم من مهام.
وبالنسبة للبعض، امتد تأثير هذا الأسلوب إلى ما بعد تخرجهم من الجامعة، ليصبح جزءا من حياتهم العملية. من بين هؤلاء، سليست بولت (27 عاما) التي طبقت تلك الطريقة خلال دراستها في كلية سانت ماري التابعة لجامعة ملبورن بين عاميْ 2012 و2013. فقد بات الآن بوسع بولت – التي تعمل حاليا مديرة للاتصالات – أن تحدد متى يتعين عليها أن تخصص وقتا لتطبيق هذه الطريقة.
وتقول: “عندما أجد أن جوانب من حياتي – عادة ما أكون قادرة على التعامل معها بكفاءة – بدأت في التداعي والخروج عن نطاق السيطرة، أدرك أنني بحاجة لتخصيص يوم لترتيب أموري”.
وترى بولت أن تخصيص الفترة الصباحية في أحد يوميْ العطلة الأسبوعية لإنجاز الواجبات الحياتية المتراكمة عليها، يشكل وسيلة مبهجة من شأنها تقليص العبء الذهني المترتب على ذلك. فهي تشعر بالمتعة عندما تكرس تلك الفترة “لتنظيف المنزل وغسل الملابس وطهي بعض أنواع الطعام، والركض، وإنجاز المعاملات المصرفية”.
وتقول إن وضعها لحياتها على مسارها الصحيح من خلال إتمام هذه المهام، يجعل بوسعها أن تحظى بـ “وقت فراغ” يمكنها أن تستمتع خلاله بما تشاء “دون أن أشعر بأن ذهني مشغول بأشياء أحتاج لأن أقوم بها”.
وتقول صوفي ليروي، أستاذ مساعد في علم الإدارة بجامعة واشنطن، إن اختيار المرء لأن يركز في كل مرة على مهمة واحدة إلى أن ينجزها بشكل كامل، يساعده على تقليص تشتت اهتمامه وانتباهه. وينجم ذلك عن اضطلاعنا بمهام متنوعة والتزامات مختلفة في الوقت نفسه، ما يجعل التركيز مُوزعا على كل هذه الأشياء، على نحو يقلل من كفاءة أدائنا بوجه عام.
وتشير ليروي إلى أن معاناتك من مشكلة التشتت هذه، تعني أنك ستؤدي المهام التي تعكف عليها، وجزء من قدراتك الإدراكية مشغول من الأصل. ويمكن أن يؤدي هذا إلى جملة من التأثيرات المتنوعة وواسعة النطاق، فربما يجعلك ذلك عاجز عن أداء مهام عملك بكفاءة، أو لا تستطيع الإنصات بقدر كافٍ إلى من يتحدث إليك. كما قد تفضي هذه المشكلة إلى أن ترتكب أخطاء، وأن يصبح من السهل أن تشعر بأن ما أنت مكلف به، يفوق كثيرا قدرتك على إنجازه. فضلا عن هذا وذاك، قد يصعب عليك اتخاذ القرارات أو معالجة المعلومات بسهولة ويسر.
ورغم أنه ليس بمقدورنا أن نتجنب مصادر الإلهاء وتشتيت الانتباه بشكل كامل، فإن تكريس قليل من الوقت لإعداد قائمة بالأشياء التي يتعين على كل منّا القيام بها والمهام التي يتوجب علينا استئناف عملية مباشرتها – مثل الشروع في تخصيص وقت معين لتطبيق أسلوب GYLIO مثلا – يشكل إحدى الاستراتيجيات الرامية لتقليص مشكلة تشتت الانتباه وتوزع التركيز على أمور متعددة. وتقول ليروي في هذا الصدد إن اختيار موعد للقيام بمهمة معينة وتحديد كيفية إنجازها يقللان من “حالة عدم اليقين ويُحسّنان ما يُعرف بالكفاءة الذاتية” للمرء.
ويقر المهندس بيتر فيشر (29 عاما) – وهو شريك حياة سليست بولت – بأنه ليس منظما بما يكفي لكي يؤدي المهام الحياتية الروتينية الضرورية بشكل دوري، وهو ما يجعلها تتراكم عليه، ليجد نفسه في نهاية المطاف، بحاجة إلى أن يسارع بإنجازها، وهو أمر “ليس بالممتع في أغلب الأحيان”.
وبغض النظر عن المسمى الذي ستعطيه للوقت الذي ستكرسه لأداء تلك الواجبات والمهام، فإن تجميعها للقيام بها معا في فترة زمنية محددة بغض النظر عن عدم وجود ارتباط بينها، يمكن أن يمثل وسيلة فعالة لجعل عبئها الملقى على عاتقك، والذي يبدو غير محدد الملامح؛ ظاهرا وواضحا للعيان. في الوقت نفسه، ربما يشكل هذا الأسلوب طريقة ناجحة لتقاسم هذا العبء، إذا كان الأمر يتعلق بزوجين أو رفيقيْ حياة يعيشان معا. وقد يقرر الزوجان أو الشريكان في هذه الحالة، تخصيص يوم معين للقيام بذلك، كما تقترح الأستاذة الجامعية إليزابيث أيمنز.
أما أنا فقد تساءلت عما إذا كان اتباعي لأسلوب GYLIO ليوم واحد، سيعود بالنفع على حياتي كامرأة عاملة أم لا، مع الوضع في الاعتبار، أنني إن اتبعته فلن أحظى في هذا الشأن بالدعم الذي يناله الطلاب الجامعيون الاستراليون الذين تحدثنا عنهم من قبل، وهو ما قد يجعل الأمر أكثر صعوبة، بالنسبة لي ولغيري ممن هم منهمكون في أعمالهم اليومية.
وللشروع في هذه التجربة، أعددت قائمة مطولة تتضمن كل المهام التي كنت أتجنب القيام بها. وهنا واجهتني العقبة الأولى المتمثلة في اختيار يوم بعينه، لإنجاز كل ما ورد في القائمة، وذلك في ظل ازدحام جدولي بالكثير من الفعاليات، التي يتعين عليّ حضورها والمواعيد النهائية الخاصة بتسليم أعمال يجب عليّ الانتهاء منها.
وقد أدركت الطالبة هنري كوري خطأ المبتدئين الذي وقعت فيه، وهو أنني كدست قائمتي بالمهام، ما جعل الانتهاء منها أمرا شاقا للغاية. وتذكرت كوري أنها ارتكبت الخطأ نفسه من قبل، في عامها الجامعي الأول، ما أدى إلى أن يكون الأسبوع الذي طبقت فيه أسلوب الـ GYLIO، مجهدا للأعصاب، لأنه كان عليها أن تنجز الكثير خلاله، بما يفوق طاقتها.
من جهة أخرى، من شأن إعداد قائمة مكتظة بالمهام على هذه الشاكلة، إيقاع المرء في فخ الاضطرار لتوزيع تركيزه وتشتيت اهتمامه. وتقول ليروي: “إذا وضعت في قائمتك 22 بندا ينبغي عليك القيام بها، دون أن تنتقل إلى مرحلة العمل الفعلي على هذا المضمار، فسيظل ذهنك منشغلا بهذه الأشياء الـ 22 المعلقة دون إنجاز”.
أما أيمنز فقد نصحتني بأن أطبق هذا الأسلوب على النحو الملائم لظروفي وطبيعة حياتي، قائلة إن لكل منّا “تفضيلاته الخاصة في هذا الصدد. فقد لا يساعدك كثيرا أن تحاكي الطريقة التي يطبق بها شخص آخر ذلك الأسلوب، إلا إذا كانت تفضيلاتكما متماثلتين”.
وهكذا أعدت تعديل نهجي في هذا الشأن، وقررت أن أطبق أسلوب GYLIO لمدة ساعة واحدة. كما أعددت قائمة مهام أكثر تواضعا. هنا لاحظت سمة مشتركة في الكثير من المهام المُدرجة على القائمة، وهي أنها تتعلق بالتواصل مع الآخرين بشكل أو بآخر، فقد كانت تتمثل مثلا في “الاتصال بالمحاسب – حجز موعد لدى طبيب الأمراض الجلدية – الرد على ثلاث رسائل نصية – والرد كذلك على رسالة صوتية وصلت عبر تطبيق واتس آب – إرسال بطاقات شكر”. لذا قررت تخصيص الفترة الصباحية من أحد الأيام لإنجاز مهام التواصل هذه، وهو ما جعل برنامجي أكثر تركيزا، وأضفى عليه وضوحا أكبر.
نتيجة لذلك، شعرت في الصباح التالي لإنجازي هذه المهمة، بأنني مفعمة بالحماسة وفي حالة مزاجية مبتهجة، وهو ما منحني دفعة إيجابية حدت بي إلى إعداد قائمة المهام التالية.
لكن إيمنز تحذر من أن أسلوب GYLIO لا يخلو من السلبيات، بما في ذلك أنه يوهمك بأن بوسعك إنجاز كل الأمور المتعلقة بإدارة شؤون حياتك خلال يوم واحد. ثمة عيب آخر يتمثل في أن هذا الأسلوب، ربما سيشجعك على إرجاء إنجاز الواجبات المُرهقة، إلى أن تتمكن من تجميع عدد كاف منها، ومن ثم إعداد قائمة تتضمنها جميعا.
وتنصح إيمنز في هذا السياق بأن يتجنب المرء إعداد قائمة مهام من الأساس، إذا كان ذلك بمقدوره. وتشير إلى أننا بحاجة لتحقيق التوازن بين مسألة إنجاز المهام الحياتية الروتينية وضمان صحتنا البدنية والنفسية، قائلة “يتعين علينا أن نعترف بأن هذه الالتزامات حقيقية وليست مفتعلة، والإقرار كذلك في الوقت نفسه، بأننا لن نستطيع إنجازها أبدا، إذا لم نجعل المحافظة على صحتنا أولويتنا الأولى في بعض الأحيان”.
في نهاية المطاف، يمكن القول إن تجربتي مع هذا الأسلوب، أثبتت أن اهتمام المرء منّا بصحته البدنية والذهنية لا ترتبط باقتطاع وقت للاسترخاء وسط الفوضى، بقدر ارتباطه بنجاحنا في إنجاز ما يتعين علينا من واجبات، ما يجعل بإمكاننا التخفيف مما تكتظ به حياتنا الحافلة بالأشياء والمتطلبات. فقد أدى نجاحي في إبعاد بعض هذه الواجبات عن طريقي، إلى أن يصبح بوسعي أن أنعم بحمام دافئ، وأن استمتع ببهجة العيش في حياة مرتبة، ولو لوقت قصير.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Worklife
[ad_2]
Source link