أخبار عربية

القراءة: كيف تأثرت عادات القراء في العالم العربي في ظل انتشار وسائل التواصل الحديثة؟


مرأة تكتب على الهاتف

مصدر الصورة
Getty Images

أصبح كثيرون منا اليوم أسرى للعديد من تقنيات ووسائل التواصل الحديثة التي نستعين بها في التواصل والتعلم والترفيه، وغيرها من مجالات الحياة، حتى إن أحدنا هذه الأيام لا يكاد يترك الهاتف المحمول من يده.

ولا شك أن هذا الواقع الجديد ترك آثاره على كثير من مناحي حياتنا اليومية، وباتت هذه الوسائل الحديثة تهدد عادات كانت راسخة في حياة كثيرين، مثل قراءة الكتب والجرائد الورقية.

ويرى أحمد كانم، وهو شاب سوادني يقيم في لندن، أن وسائل التواصل الاجتماعي “سرقت القارئ من القراءة”، واستحوذت على الوقت الذي كان مخصصا لهذه العادة على نحو اختفت معه الجداول الورقية التي كانت تتضمن تخصيص وقت معين للاطلاع اليومي.

ويقول كانم لبي بي سي: “للأسف الشديد أنا من ضحايا إدمان الإنترنت بشكل عام، لدرجة أنني لا أستطيع أن أحصي عدد الساعات التي أقضيها أمام الشاشة… وقد كنت في السابق ملتزما بجدولي الخاص لسنوات، والذي مكنني من قراءة مئات الكتب في مختلف المجالات. لكنني اليوم لا أستطيع أن أكمل كتابين أو ثلاثة طوال سنة كاملة”.

ويتابع كانم: “ولا أستبعد أن تتحول المكتبات في يوم ما إلى متاحف” للزيارة.

مصدر الصورة
Getty Images

وتؤكد إلهام الطالبي، باحثة في علم الاجتماع من المغرب، لبي بي سي تأثير انتشار وسائل التقنية الحديثة على القراءة، وتقول إن المؤشرات الحالية تؤكد أن هناك تراجعا في معدلات القراءة، وثمة أدلة واضحة على ذلك، كانخفاض مبيعات الصحف الورقية في المغرب.

وتقول: “أكثر المغاربة يُقبلون على المواقع الإلكترونية. الكل يلهث باحثا عن المعلومة في وقت وجيز. لم يعد لدى الغالبية القدرة على القراءة أو قضاء وقت كبير في الاطلاع على معلومات في الكتب أو الصحف الورقية”.

وتضيف الطالبي: “الشباب في المغرب تأثر كثيرا بمواقع التواصل، وأصبح الاعتقاد في المجتمع بأن القراءة ليست مهمة، لأن كثيرا من مشاهير هذه المواقع هم عادة من غير المثقفين الذين يتخذهم كثير من الشباب قدوة ويطمحون إلى الشهرة مثلهم في مجالات كالرقص أو الغناء أو الرياضة، وهي أنشطة باتت حاضرة اليوم بقوة في وقت تغيب فيه الأنشطة الثقافية”.

مقارنة غير عادلة

ويرى حسام مصطفى من مصر، وهو مؤسس مبادرة “اكتب صح” على مواقع التواصل الاجتماعي، أن الإقبال على القراءة لم يعد كما كان في الماضي؛ حتى طبيعة القراءة نفسها اختلفت، لم تعد كُتبا ولا حتى مقالات طويلة.

ويعزو مصطفى في حواره مع بي بي سي تراجع معدلات القراءة بين الشباب بشكل عام إلى وسائل التواصل الحديثة “التي تسرق وقت الناس، وتجعلهم يفضّلون القراءة على الشاشات الصغيرة”. ويقول مصطفى إن الشباب يتخيل أن هناك مصادر أخرى للحصول على الخبرة سواء عن طريق الفيديوهات أو غير ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي.

ويعتقد مصطفى أن “الجيل الجديد يفضّل استخدام الوسائل الحديثة للقراءة على الكتاب. ويميل الشباب للنُسَخ الإلكترونية من الكتب لأسباب شتى، منها سهولة النقل وعدم الحاجة إلى مكان للتخزين، فضلا عن أن الكتاب الإلكتروني أرخص من الكتاب الورقي، وأحيانا يكون مجانيا، مما يُرجّح كفة الكتب الإلكترونية”.

وتتفق ياسمين جمال، طالبة جامعية مصرية، مع هذا الاعتقاد وتؤكد لبي بي سي أن “المقارنة بين الكتاب ووسائل التقنية الحديثة غير عادلة؛ إذ إن التقنية الحديثة فاقت كل التوقعات، وأصبحت أسهل وأسرع، فبدلا من شراء كتاب وحمله لوقت طويل، أصبحت وسائل التقنية الحديثة تضم الملايين من الكتب”.

مصدر الصورة
Getty Images

وتنفي ياسمين أن تكون وسائل التقنية والتواصل الاجتماعي قد قضت تماما على حبّها للقراءة، وتقول إنها “غيّرت فقط وسيلة القراءة؛ فبدلا من الكتاب الورقي، أصبحت أقرأ عبر الشاشات الإلكترونية، حيث الوصول أسرع إلى المحتوى”.

مضيعة للوقت

أما ملحم الجبوري، وهو مُعلّم من العراق، فيرى أن العكوف على تلك الوسائل الحديثة يعتبر “مضيعة للوقت”.

ويقول الجبوري لبي بي سي إنه لم يستخدم كثيرا من وسائل التواصل الاجتماعي، ويضيف “ليس لديّ من الوقت حتى أقضي وأنفق ساعات على وسائل التواصل، فأنا مقلّ جدا في المتابعة، وغالبا لا تكون لديّ مواسم بعينها تزيد فيها رغبتي وشهيتي في البحث”.

ويقول الجبوري: “رغم سهولة وسرعة الوصول للمعرفة والاطلاع من خلال تلك الوسائل، لكن يظل الكتاب بالنسبة لي هو الكنز، فلا زلت أراه خير جليس في الزمان. فالكتاب هو صديقي المفضل”.

وتفضّل مروة دلول، وهي طالبة جامعية سورية، القراءة والكتابة على الانهماك في مطالعة وسائل التواص، التي ترى أنها “قد تكون مُسلّية لكنها مضيعة للوقت بشكل كبير”.

وتتساءل مروة، التي تتخذ الغناء التراثي هواية لها: “تُرى لو أنني أدمنت على هذه الوسائل، فهل تعطيني نجاحا أو شهادة؟ وهل تحقق لي طموحا؟ خاصة وأنا لدي بالفعل طموح وهواية”.

وتقول مروة لبي بي سي: “هذا إهدار للوقت. نحن لم نعرف نزار قباني أو غادة السمان عن طريق التواصل الاجتماعي، بل عن طريق الكتب والقراءة”.

لكن محمد النجار، وهو مدير مكتبة خاصة في مصر، يرى أن وسائل الاتصال الحديثة لا تؤثر على القراءة، ولم تقلّص من معدلات القراءة، بل على العكس، “فمن حديثي مع القرّاء الذين يترددون على مكتبتي أعرف أنه أحيانا ما تقوم وسائل التواصل بدور الترويج لبعض الكتب والكُتّاب”.

وقول النجار لبي بي سي: “بعض القُرّاء يأتون للبحث عن أسماء كتب بعينها وقد تعرّفوا عليها من خلال وسائل التواصل، حيث قرأوا مقتطفات من تلك الكتب وأعجبتهم، فجاءوا يبحثون عنها ليتعمقوا فيها أكثر”.

ويضيف النجار: “إذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي قد أثرت على معدلات القراءة فإن هذا التأثير إيجابي. ولا يخفى على المطلعين كمّ الكتب الهائل الذي طبعته دور النشر المصرية على سبيل المثال في السنوات العشر الماضية، سواء كانت هذه الكتب عربية أو مترجمة”.

ويستدرك قائلا: “ربما تكون وسائل التواصل الاجتماعي قلّصتْ عدد ساعات القراءة بسبب الانشغال بتلك الوسائل، لكن تناقص عدد القرّاء شأن آخر، والدليل هو تنامي عدد المطبوعات”.

تحديات

ويرى حسام إبراهيم أنه مهما ابتعد الناس عن القراءة فإنهم يعودون إليها مرة أخرى.

ويفنّد حسام فكرة قضاء وسيلة حديثة على أخرى قديمة، ويقول لبي بي سي إن هذا الحديث ليس جديدا، “ففي الماضي عندما ظهر التلفزيون تنبأ البعض بقضائه على الراديو، وهو ما لم يحدث. وعندما ظهرت نُسَخ الكتب الإلكترونية في صورة ملفات بي دي إف تحدّث البعض عن انقضاء زمن الكتاب الورقي، وهو ما لم يحدث”.

مصدر الصورة
Social Media

ويضيف حسام مصطفى قائلا: “كل وسيلة تظل موجودة، ويحدث تعايش معها. ربما تزيد متابعة وسيلة على حساب أخرى، لكن ذلك لا يعني أبدا أن هناك وسيلة ستنقرض وتحل أخرى محلها”.

فرصة للتواصل مع القراء

وأشار مصطفى إلى أن معرض القاهرة للكتاب هذا العام شهد ظهور عدد كبير من الكُتاب الشباب الذين لهم بطبيعة الحال دوائرهم الخاصة بهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

ويرى مصطفى أن التحدي الآن يتمثل في ابتكار وسائل جديدة للتشجيع على القراءة، ويضيف: “على سبيل المثال، هناك الكتاب التفاعلي، وهو كتاب إلكتروني أقرب إلى كونه تطبيقا إلكترونيا، إذ توجد إلى جوار النص صور ومقاطع فيديو وإحصاءات وروابط يمكن الدخول عليها، على نحو يدمج بين القراءة بشكلها التقليدي والتقنيات الحديثة التي عادة ما تجذب صغار السن”.

وترى إلهام الطالبي أن عددا من المثقفين العرب لم يدركوا أن مواقع التواصل الاجتماعي هي فرصة لهم لكي يكونوا أقرب إلى القارئ ولكي يتواصلوا مع جمهور عريض من روّاد تلك المواقع.

وتقول الطالبي: “لن يحدث التغيير بدون انخراط المثقفين في تلك الساحة – بدلا من الانسحاب والانتقاد- وبدون مزاحمة المتسلطين عليها من السطحيين الذين بات الشباب يرونهم رمزا للنجاح. يجب أن يدرك المثقفون أن هناك تحولا كبيرا شهده المجتمع”.

وتتابع الطالبي بالقول: “ينبغي على الدولة أن تعمل وسيطا بين المثقفين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي. وفي ظل غياب هذه الوساطة، فإن المستقبل ينبئ بتراجع القراءة وبتراجع الذوق في ظل استهلاك الشباب هذه المحتويات السطحية”.

وستظل وسائل التواصل الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي محل جدل في العالم العربي، بين من يرى دورها في “تراجع” معدلات القراءة بين الشباب، ومن يرى دورها “الإيجابي” في الترويج للكتب ونشر المعرفة.



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى