أخبار عربية

مختبر القنبلة الذرية المخبّأ أمام أعين المارة

[ad_1]

مختبر القنبلة الذرية المخبّأ أمام أعين المارة

مصدر الصورة
Lena Marie Bethell/Getty Images

من الصعب أن ينتبه المارة إلى اللافتة البرونزية التاريخية أمام متجر الهدايا المزدان بمجسمات ضفادع وحشرات اليعاسيب الملونة. ولعل هذا يليق بموقع سري.

وفي مطلع الأربعينيات من القرن الماضي، استقبل هذا الفناء أفضل علماء العالم وأسرهم، وقد بدت عليهم آثار الرحلة الطويلة التي قطعوها بالقطار من أدنى البلاد إلى أقصاها. ولم يكن يعرف معظمهم ما الذي ينتظرهم في مبنى “إيست بالاس” أو “القصر الشرقي” رقم 109، بمدينة سانتا فيه عاصمة ولاية نيو مكسيكو، الذي صدرت لهم أوامر سرية بالتوجه إليه.

وعندما فتحوا البوابة الحديدية، دخلوا إلى المبنى الذي يحمل الآن لافتة تاريخية تقول: “مدخل إلى المهمة السرية”، التي تمثلت في تطوير القنبلة الذرية.

وبمجرد وصول العلماء، الذين كان من بينهم لفيف من العلماء البريطانيين، تسلموا بطاقات أمنية، وأُمروا بالصعود إلى الحافلة التي سارت بهم عبر طرق جبلية وعرة وغير ممهدة إلى مقرهم الجديد المخفي عن الأنظار في لوس ألاموس. لكن هؤلاء العلماء في نهاية الأمر حققوا ما تصفه اللافتة بأنه “واحد من أعظم الإنجازات العلمية في التاريخ البشري”.

لكن القليل من زوار مدينة سانتا فيه، التي كانت مستعمرة إسبانية في الماضي واشتهرت بمباني الطوب اللبن والمعارض الفنية، يدركون أنهم يجتازون ممراتها جنبا إلى جنب مع حائزين على جوائز نوبل وربما يصادفون أيضا مجموعة من الجواسيس.

وفي أثناء الحرب العالمية الثانية، اكتسبت هذه المدينة أهمية محورية في سباق تطوير القنبلة الذرية. وأنشأ الجيش الأمريكي على مدى 27 شهرا، مختبر لوس ألاموس الوطني للأبحاث في جبال جيميز، وصمم سلاحا قويا إلى حد أنه عندما ألقي على مدينتين يابانيتين خلف تدميرا يفوق الوصف وأعلن نهاية الحرب وقاد العالم إلى عصر الذرة.

مصدر الصورة
DenisTangneyJr/Getty Images

Image caption

عرفت مدينة سانتا فيه، التي كانت مستعمرة إسبانية، بمباني الطوب اللبن والمعارض الفنية

ويعد مبنى “إيست بالاس”، الذي يبعد خطوات عن ميدان سانتا فيه التاريخي، هو الواجهة العامة الوحيدة لمشروع مانهاتن، وهو الاسم الرمزي لمشروع تطوير القنبلة الذرية. وكان المتجر الذي حمل اسم “المهندسون الأمريكيون” لغرض التمويه، يتولى المراسلات الموجهة لمختبر لوس ألاموس الوطني ويجمع معلومات عن السكان الجدد.

ويحتل متجر الهدايا ركنا من بيت ريفي شيد في القرن السابع عشر كان يمتلكه يوما ما أحد الفاتحين الإسبان. ويحتضن المبنى أيضا مطعم “شيد” الشهير الذي يتوافد عليه يوميا عشاق الطعام المكسيكي.

وفي عام 1939، كتب ألبرت أينشتاين خطابا للرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت يحذره من أن الألمان يعتزمون تطوير سلاح نووي. ثم كُلِّف روبرت أوبنهايمر، عالم الفيزياء بجامعة كاليفورنيا، بقيادة الجهود الأمريكية الرامية لتطوير السلاح النووي قبل الألمان. واختار أوبنهايمر مدرسة “لوس ألاموس رانش” الداخلية النائية لتكون مقرا لمركز أبحاث عسكري.

مصدر الصورة
Larry Bleiberg

Image caption

متجر “رينبو مان” للهدايا يشغل مبنى كان مقرا سريا لمشروع مانهاتن

وفي عام 1943، أسس أوبنهايمر مكتبا يضم خمس غرف في مبنى إيست بالاس، وعين دوروثي ماكيبين الأرملة الشابة لتكون مساعدته. وأصبحت ماكيبين الوجه العام للمشروع، فكانت تستقبل العلماء وغيرهم من المجندين، وتتولى إبعاد الفضوليين من أهل المنطقة الذين يستفسرون عن المشروع. ويلقبها المؤرخون الآن بسيدة لوس ألاموس الأولى.

وكان الجيش الأمريكي يأمل أن يساهم موقع المشروع المنعزل في لوس ألاموس في إبقاء أنشطته طي الكتمان. ولهذا كان المشروع بأكمله وآلاف السكان في المنطقة يحملون نفس العنوان البريدي ص.ب. 1663، سانتا فيه، وسُجل جميع المواليد في المنطقة أثناء الحرب على نفس العنوان. ولهذا لم يكن للمختبر وجود في الأوراق الرسمية.

وجند أوبنهايمر أكفأ أساتذة الجامعات لتنفيذ المهمة، لكنه لم يفصح لهم إلا عن القليل من المعلومات لمخاوف أمنية. وعندما وصل العلماء إلى محطة القطار في يوم عاصف لم يكونوا يعرفون شيئا سوى التوجه إلى عنوان في قلب سانتا فيه.

وضل بعض العلماء طريقهم وظلوا يبحثون في الميدان عن اللافتة الصغيرة لمبنى “إيست بالاس” لساعات. وحتى الآن، ليس من السهل العثور على الموقع التاريخي.

مصدر الصورة
Larry Bleiberg

Image caption

روبرت أوبنهايمر، عالم فيزياء من جامعة كاليفورنيا، كُلِّف بتطوير أول قنبلة ذرية

لكن الشغوفين بالتاريخ الذري عليهم تقفي أثر العلماء نحو بلدة لوس ألاموس، التي لا تزال تحتضن مختبر وزارة الطاقة الأمريكية.

وتزخر بلدة لوس ألاموس، التي يبلغ عدد سكانها 12 ألف نسمة بالكثير من المواقع التراثية العامة، مثل متحف لوس ألاموس للتاريخ، الذي يضم أحد معارضه البوابة الحديدية الأصلية لمبنى إيست بالاس رقم 109، وقد تشعر لوهلة عندما تقترب من المدخل أنك عالم فيزياء نظري يتساءل ما الذي ينتظره في الجانب الآخر من البوابة.

وعلى مقربة من المتحف، يوجد مركز باردبري للعلوم، حيث يلتقط الزوار صورا ذاتية مع نماذج مطابقة للقنبلتين الذريتين اللتين طورهما العلماء في المختبر، وأطلق عليها الاسم الرمزي “الولد الصغير” و”الرجل الثمين”. والقيت القنبلتان على مدينتي هيروشيما وناغازاكي.

وفي مركز زوار متنزه مانهاتن الوطني التاريخي، بإمكان الأطفال ارتداء سترة أوبنهايمر وقبعته أو التظاهر بأنهم ماكيبين تشرف على الأعمال في مكتب سانتا فيه.

وإذا تمشيت لمسافة قليلة ستجد مجموعة منازل “باثتاب رو”، التي كانت المنازل الوحيدة في القاعدة العسكرية المجهزة بأحواض الاستحمام. وكان السكان أثناء الحرب يعيشون حياة بدائية ريفية، بينما كان الجيش يسابق الزمن لبناء المختبر، وزاد عدد السكان آنذاك إلى 6000 نسمة، وبعدها أنشئت مرافق أخرى، مثل مدرسة وعيادة طبية ومتاجر.

مصدر الصورة
Larry Bleiberg

Image caption

وصل العلماء إلى محطة القطار في لامي، بنيو مكسيكو، في يوم عاصف، لا يعرفون شيئا سوى العنوان الذي صدرت لهم الأوامر بالتوجه إليه في سانتا فيه

وواجه سكان بلدة لوس ألاموس الكثير من الضغوط والمشاكل مع توافد الباحثين عليها لتطوير السلاح، وزاد من حدة هذه الضغوط الإجراءات الأمنية المشددة، التي كانت تمنع السكان من الإفصاح عن عناوينهم لأصدقائهم وأفراد عائلاتهم الذين لا يعيشون في المنطقة.

غير أن هذا الستار الكثيف من السرية لم يحل دون تسريب معلومات عن الأنشطة التي كانت تجري في مختبر لوس ألاموس، وسرعان ما تقاطر الجواسيس على شمالي نيومكسيكو.

وقد شهدت سانتا فيه ما يعتبره المؤرخون أهم عملية تجسس سوفييتة في القرن العشرين. فقبل شهرين من إلقاء القنبلة على اليابان، التقى كلاوس فوكس، العالم والجاسوس الألماني الذي هاجر من ألمانيا واستقر في بريطانيا ومنها إلى لوس ألاموس، مع عميل شيوعي يدعى هاري غولد.

والتقى الاثنان عند متجر الجواهر بالقرب من مبنى إيست بالاس، ثم وقفا بالقرب من جسر باسيو دي بيرالتا الصغير، وتبادلا حزمة من الأوراق تصف بالتفصيل آلية انفجار القنبلة الذرية، التي كان كلاوس قد سرقها من المختبر. وأعطت هذه الأسرار دفعة قوية للاتحاد السوفيتي لتحقيق تطلعاته النووية وأشعلت شرارة الحرب الباردة.

وكان فندق “لافوندا” أيضا الذي يفصله مبنى واحد عن مبنى إيست بالاس، يغص بالجواسيس الذين كانوا يرهفون السمع ويتحدثون إلى علماء لوس ألاموس في الحانة، لعلهم يحصلون منهم على معلومات.

ويقول ألن ستيل، مرشد رحلات سياحية ترفيهية لعيش أجواء الجاسوسية، إن لوس ألاموس لا تزال مركزا للأبحاث الحكومية السرية. ولا أستبعد أن يكون هناك جواسيس بالقرب منا حتى الآن.

ولعل في هذه المدينة التي كان فيها محل الهدايا يوما ما محطة لاستقبال أنبه علماء العالم قبل تنفيذ مهمتهم السرية، قد تصدق مقولة “إن المظاهر خادعة”.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Travel

[ad_2]

Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى