اليابان تعيد النظر في ساعات العمل القاتلة
[ad_1]
يستطيع هيديوكي أن يحصي عدد أيام الإجازات التي حصل عليها طيلة العام الماضي على أصابع اليد الواحدة، كان أحدها لحضور حفل التحاق ابنته بالمدرسة الابتدائية، ونصف يوم لحضور اجتماع الآباء ونصف يوم آخر لحضور حفل موسيقي. ويقول هيديوكي إن هذا يفوق عدد الأيام التي يحصل عليها عادة كل عام.
ويعمل هيديوكي، المهندس البالغ من العمر 33 عاما، في شركة للتكنولوجيا في طوكيو، ورغم أنه يستحق إجازة سنوية تصل إلى 20 يوما، إلا أنه، كشأن الكثير من اليابانيين، لا يستطيع الحصول إلا على الحد الأدنى من الإجازات لأن بيئة العمل تمنعه من الحصول على إجازات.
ويقول هيديوكي، الذي لديه طفلان في الرابعة والسادسة من العمر، ولم يرغب في الإفصاح عن اسمه الحقيقي: “لا أريد أن يتهمني مديري بالتقصير إذا حصلت على إجازة. فإن المجيء إلى العمل أفضل من أن يوبخني مديري أو ينظر لي نظرة سلبية”.
وتشير آخر الإحصاءات الحكومية إلى أن الموظفين اليابانيين لم يحصلوا إلا على 52.4 في المئة من أيام إجازاتهم السنوية مدفوعة الأجر. وأصبح الأمر أشبه بالوباء المتفشي بين الموظفين اليابانيين الذين اشتهروا بالجد والمثابرة.
ويرجع ذلك إلى ضغوط العمل والتوقعات التي تثقل كاهل الموظفين وتمنعهم من الحصول على الإجازات خشية “الشعور بتأنيب الضمير”.
وقد اشتهرت اليابان بثقافة العمل الشاق، التي تتجلى في حرص العاملين على العمل لساعات طويلة حد الإنهاك. ومن المعتاد أن يستقل الموظفون آخر قطار ليلا للعودة إلى منازلهم.
وفي السبعينيات من القرن الماضي صيغ مصطلح “كاروشي” أو الموت تحت وطأة العمل المفرط والضغوط النفسية في اليابان، ولا تزال هذه الظاهرة ملازمة لثقافة العمل اليابانية.
ويقول هيروشي أونو، أستاذ إدارة الموارد البشرية بجامعة هيتوتسوباشي، إن المجتمع الياباني، خلافا للغربي، هو مجتمع اشتراكي وتراتبي منظم بحسب المراتب والطبقات. ومن ثم قد يمتنع الموظف عن الحصول على إجازة لأن مديريه لا يحصلون عليها، أو لأنه يخشى من تعطيل العمل.
ويرى هيديوكي أن عدم الحصول على الإجازات أصبح أمرا عاديا بين الموظفين اليابانيين. لكنه يقول إنه لم يفكر في آثار العمل المتواصل على أسرته وصحته البدنية أو النفسية.
ويضيف أنهم يعانون بالفعل من ضغط العمل في الشركة بسبب تغيب أحد زملائه الذي حصل على إجازة مرضية طويلة إثر تردي صحته النفسية. فإذا تغيب شخص يزيد عبء العمل على سائر الموظفين.
ولا يحصل أي من المديرين وكذلك الموظفين على إجازات، ويقول: “لا يمكن أن أكون الموظف الوحيد الذي يحصل على إجازة”.
وتقول زوجته ساياكا إنه لا يحصل على إجازات قط حتى لو كان مريضا.
أما تسيوشي، مدير بأحد المطاعم في محافظة غونما، فبالرغم من أنه تسلم العمل منذ أربع سنوات، إلا أنه لم يفكر في مراجعة استحقاقاته من الإجازات.
ويقول تسيوشي، الذي لم يفصح عن اسمه الحقيقي- ما يكشف عن مدى كراهة التحدث صراحة عن مشاكل بيئات العمل- إن الحد الأقصى من أيام الإجازات التي يحصل عليها سنويا هو يومان، كان آخرها في أغسطس/آب الماضي، عندما كان طريح الفراش.
وعن ردود فعل زملائه حيال الحصول على الإجازات يقول إن الموظفين يستاؤون بشكل عام عندما يحصل أحدهم على إجازة، وقد لا يبدون اعتراضهم في حضور هذا الموظف، لكنهم يذمونه في غيبته. ويحصل الموظف الذي يعمل ساعات أطول ولا يحصل على إجازات على تقييم سنوي أفضل. إذ يرى أكثر الموظفين أن الحصول على الإجازات أمر مستهجن.
تدخل الحكومة
وتتصدر مشاكل بيئات العمل اليابانية أولويات رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، الذي أثمرت محاولاته لتحديث نمط العمل الياباني، عن قانون إصلاح نمط العمل الجديد الذي يعدل ثمانية قوانين عمل يابانية أخرى.
وينص القانون على وضع حد أقصى لساعات العمل الإضافية وزيادة المرونة مع الموظفين، وأن يحث أصحاب العمل الموظفين على الحصول على خمسة أيام إجازة على الأقل من العمل، وألا يتعدى رصيد إجازات الموظف في نهاية العام 10 أيام.
ويقول سوسومو أودا، مدير إدارة تحقيق الانسجام بين الحياة الشخصية والعملية بوزارة الصحة والعمل والرعاية الاجتماعية، إن الحصول على إجازة يساعد الموظف في استعادة نشاطة نفسيا وبدنيا.
ويضيف أن الوزارة أعدت منشورات ولافتات للترويج لبيئات العمل المرنة التي تسهل على الموظف الحصول على إجازة سنوية مدفوعة الأجر.
“فجوة واضحة بين الأجيال”
غير أنه ليس من السهل تغيير عادات العمل في اليابان، خاصة إذا كانت لها جذور راسخة في المجتمع. وفي دراسة أعدتها شركة “إكسبيديا” لحجز رحلات السفر عام 2018، كانت اليابان في ذيل قائمة الدول من حيث عدد الإجازات التي يحصل عليها الموظفون.
وذكر 58 في المئة من المشاركين أن السبب الذي يمنعهم من الحصول على إجازاتهم السنوية هو “الشعور بوخز الضمير”، ولم يذكر إلا 43 في المئة فقط أن مديريهم كانوا يشجعونهم على الحصول على إجازة، وهو المعدل الأدنى عالميا.
وتقول أكينا موراي، رئيسة العلاقات العامة بشركة إكسبيديا في اليابان، إن ثمة تفاوتا واضحا في الآراء بين الأجيال. إذ ذكر 62 في المئة من المشاركين الشباب من سن 18 إلى 34 أنهم يشعرون باستياء لأنهم محرومون من الإجازات، في حين لم يشعر بهذا الاستياء إلا 40 في المئة فقط ممن هم فوق الخمسين.
وفي عام 2006 دشنت يوسي كومورو شركة “ويرك لايف بالانس كو” للاستشارات في طوكيو، بهدف حث الشركات على تحقيق التوازن بين الحياة العملية والشخصية. ونشرت الشركة مقطع فيديو يتحدث فيه كبار المديرين عن أهمية اللحظات العائلية المميزة التي يضيعونها بسبب العمل.
وتعزو كومورو انخفاض معدل الإجازات السنوية التي يحصل عليها الموظفون في اليابان، لا إلى نقص الموظفين بالشركات، ولكن إلى غياب ثقافة التعاون. وتقول إن الموظفين اليابانيين لم يتعودوا على مساعدة بعضهم بعضا ولم يتدربوا على ذلك.
وتضيف أن شركتها قدمت استشارات لما يزيد على 1000 شركة في اليابان، وبمجرد ما يعتاد الموظفون على التواصل بإيجابية وتبادل المعلومات داخل فرق العمل، ومساعدة بعضهم بعضا ويشددون على أن الحصول على الإجازات لن يؤثر سلبا على التقييم السنوي، يبدأ الموظفون في الحصول على المزيد من الإجازات.
وتقول كومورو إنها ساعدت إحدى الشركات على وضع نظام يشجع الموظفين على مناقشة مقترحاتهم لتغيير نظام العمل في الشركة، الذي يُحظر على الموظفين التحدث عنه في المعتاد، وكانت النتيجة انخفاض معدل ساعات العمل الإضافية في الشركة وارتفاع معدلات الإجازات.
وترى كومورو أن تحديث ثقافة العمل في اليابان يتطلب أيضا معالجة مشاكل متجذرة في المجتمع، بدءا من رفع معدلات المواليد وتشجيع الآباء على الحصول على إجازات رعاية طفل ووضع أنظمة في الشركات تستوعب النساء والعجائز.
حفل تأبين للإجازات المهدرة
نظمت بعض الحركات المناصرة للتغيير في أساليب العمل بعض الفعاليات، كان آخرها حفل تأبين في أوساكا حدادا على الإجازات الضائعة، شارك فيه راهب بوذي رثى فيه الأحلام الضائعة للشباب الذي لا يحصل على إجازات.
وأضيء أكثر من 300 مصباح، كتب الموظفون على كل منها رسائل تصف مشاعرهم لضياع رصيد إجازاتهم. وذكر بعضهم أنه اضطر لتأجيل عيد ميلاد ابنه سبعة شهور، وذكر آخر أنه لم يتمكن من توديع جديه على فراش الموت. بينما ذكر آخر أنه لم يكن يحصل على 90 في المئة من إجازاته كل عام حتى بلغ سن التقاعد.
ويقول شيبورو يامان، مدير شركة “نيجين، إنك” للإعلانات التي نظمت هذا الحفل، إن الهدف من هذه المصابيح أن تكشف للناس عن الفرص التي يفوتونها على أنفسهم بعدم الحصول على الإجازات مدفوعة الأجر. فإن بيئات العمل القاسية تؤدي إلى الأمراض النفسية والوفاة.
ولا تزال اليابان تواجه الكثير من التحديات التي تفرضها عادات وممارسات العمل الصارمة المتأصلة في المجتمع. وفي سبتمبر/أيلول الماضي، واجه وزير البيئة الياباني، شينجيرو كويزومي، عاصفة من الانتقادات وطالبه الكثيرون بالاستقالة بعد أن أعلن عن اعتزامه الحصول على إجازة رعاية طفل بعد أن تضع زوجته مولودها.
لكن هيروشي أونو يقول إن استطلاعات الرأي الأخيرة تكشف عن معارضة معظم الموظفين الأصغر سنا لساعات العمل الطويلة، التي أفرزتها ثقافة يابانية قديمة في فترة سميت بحقبة شوا، التي امتدت من 1926 إلى 1989، حين كان الرجال يكرسون كل وقتهم للعمل، بينما تعتني زوجاتهم في المنزل بالأطفال ويلبين طلبات أزواجهن واحتياجاتهم.
ويقول أونو إن هذه الأيام ولت منذ زمن بعيد، وعندما يدخل قانون إصلاح أسلوب العمل حيز التنفيذ، سيكتب نهاية لأساليب العمل التي كانت سائدة في حقبة شوا.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Worklife
[ad_2]
Source link