أخبار عربية

“لا آباء في كشمير”: قصة اختفاء رجال في أكثر منطقة مدججة بالسلاح في العالم

[ad_1]

"لا آباء في كشمير"

مصدر الصورة
Alipur Films

Image caption

يركز “لا آباء في كشمير” على ما حدث لرجال اختفوا في هذه المنطقة المتنازع عليها، ويقول من خلال أحداثه، إن هناك مقابر جماعية في غاباتها

عندما بدأ المخرج، أشفين كومار، في عام 2014، العمل في فيلمه الروائي “لا آباء في كشمير”، الذي تدور أحداثه في المنطقة التي تحمل الاسم نفسه والمتنازع عليها بين الهند وباكستان، كان يعلم أن الأمر لن يكون خاليا من المخاطر أو المشكلات، لكنه لم يتوقع أن يتضمن ذلك معركة عنيفة تستمر تسعة أشهر مع الرقابة الهندية، كي تعطيه تصريحا بـ”العرض العام”، وهو ما يعني السماح بطرحه في دور السينما في البلاد.

ولذا اضطر كومار لحذف الكثير من المشاهد من الفيلم، حتى يمنحه المجلس المركزي لاعتماد الأفلام السينمائية في الهند، في أبريل/نيسان 2019، تصريحا بـ “العرض العام للبالغين”، وهو ما يشبه تصنيف (PG) المعمول به في دول كثيرة في العالم، الذي يعني السماح بمشاهدة العمل السينمائي تحت إشراف البالغين.

وفي هذا الأسبوع، ستُعرض النسخة الكاملة من هذا الفيلم في دور سينما بالمملكة المتحدة، قبل أن يصبح بمقدور الجمهور في مختلف أنحاء العالم مشاهدته عبر شبكة الإنترنت، في غضون شهور قليلة من الآن.

لكن المخرج الهندي، الذي رُشِح لنيل جائزة الأوسكار، عام 2004 ، عن فيلمه القصير “إرهابي صغير”، لا يزال محبطا للغاية، من الصراع الطويل الذي اضطر لخوضه من أجل السماح بعرض عمله الأخير، الذي يشعر بأن المشكلات التي واجهته، ذات دوافع سياسية.

ويقول في هذا الشأن: “العملية التي كان يجب أن تستغرق أسبوعين أو ثلاثة أسابيع على الأكثر؛ استغرقت تسعة شهور. لقد انهال المجلس بمنجلٍ على الفيلم، وتم تشويهه وتخريبه، في عملية لم يكن الغرض منها، منحه تصريح العرض، بقدر ما استهدفت تعريفنا بالمكان والمكانة التي يرون أنه يجدر علينا البقاء فيها”.

ولم يرد المجلس على طلبنا للتعقيب على تصريحات كومار بهذا الصدد.

ويتسم فيلم “لا آباء في كشمير” بأنه حساس من الناحية السياسية، في ضوء أن أحداثه تدور في منطقة تتصارع الجارتان النوويتان: الهند وباكستان على السيادة عليها، وهو صراع بلغ حد خوضهما ثلاثة حروب في أعوام 1947 و1965 و1999، بل وكادتا أن تشرعا في حرب رابعة في فبراير/شباط 2019.

وهكذا، وعلى مدار ثلاثة عقود، شهدت كشمير صراعا دمويا مدمرا بين الجيش الهندي والمسلحين المتمردين على حكومة نيودلهي، ما أوقع قرابة 40 ألف قتيل منذ عام 1989، وفقا لتقديرات متحفظة.

مصدر الصورة
Alamy

Image caption

شكلت منطقة كشمير – بما فيها بحيرة دال الظاهرة في الصورة – منتجعا صيفيا للحكام المغول للهند

ورغم أن الوضع الراهن في كشمير وتاريخها القريب، يجعلها تبدو في أذهان الكثيرين بقعة للصراع والاضطرابات، فإن ذلك لا ينسينا أن منطقة جبال الهيمالايا – التي تشكل كشمير جزءا منها – كانت تُعرف في ماض غير بعيد بأنها “جنة على الأرض”، بفضل جبالها ذات القمم المكسوة بالثلوج، وأوديتها الرائعة وأنهارها الجليدية وبحيراتها صافية المياه وغاباتها الشبيهة بتلك الموجودة في منطقة الألب الأوروبية، فضلا عما يشتهر به أبناؤها من كرم وحفاوة.

وقبل عقود، كانت كشمير تقع على ما كان يُعرف بـ “مسار سفر الهيبيين”، الذي كان يتنقل عليه الهيبيون برا من أوروبا إلى جنوب آسيا والعكس، منذ منتصف الخمسينيات وحتى أواخر السبعينيات من القرن الماضي. كما أن قاربا على صفحة بحيرة دال تحديدا، شهد في الماضي تعلم عضو فريق البيتلز البريطاني الشهير، جورج هاريسون، كيفية العزف على آلة السيتار الهندية، على يد الموسيقي الهندي الشهير رافي شنكار.

وبجانب هذا وذاك، لعبت مدينة سرينغار بمناظرها الخلابة، دورا رئيسيا في أفلام بوليوود، على نحو لا يقل أهمية عن ذاك الذي لعبه أبطال تلك الأعمال أنفسهم، بفضل مناظرها الطبيعية البديعة، التي جعلتها تُلقب بـ “سويسرا الهند”.

وحتى الآن، لا تزال لدى أمي ذكريات سعيدة عن فترة دراستها في الجامعة في سرينغار، عاصمة كشمير، أواخر ستينيات القرن الماضي. ففي تلك الأيام، كانت تذهب إلى الجامعة يوميا على متن قارب يعبر بحيرة دال، ما يُفسح لها المجال لزيارة جزيرة “شار تشينار” الصغيرة الواقعة في قلب البحيرة، والتي تضم بين جنباتها أربعا من أشجار الـ “تشينار” المعمرة ذات المظهر الأخاذ. المفجع، أن كل هذه المناظر الخلابة، ظلت جزءا من تلك البقعة، التي ظهرت في فيلم كومار المثير للمشاعر، وقد أصيبت بالشلل والصدمة جراء القمع والتمرد.

ويروي هذا العمل قصة الفتاة المراهقة نور (زارا ويب) التي أُعيدت قسرا من مدينة برمنغهام البريطانية إلى كشمير لترى جِديها، ولتلتقي كذلك هناك الفتى مجيد (شيفم رانا).

وتزداد قصة الحب – الآخذة في التنامي – بين مجيد ونور، قوة عندما يعلمان أن والديهما المختفييْن، كانا صديقيْن مقربيْن، وأنهما من بين آلاف الرجال الكشميريين، الذين اختفوا بعدما اعتقلهم الجيش.

وتسعى نور لكشف مصير هؤلاء المختفين، لتكتشف – بحسب الأحداث – أن الغابات القابعة في الوادي القريب منها، تخفي مقابر جماعية. وفي مشهد تقشعر له الأبدان، تعلم هذه الفتاة أن “كلاب كشمير ليست كغيرها من الكلاب”، إذ أنها باتت تعرف جيدا مذاق اللحم البشري، من خلال نبشها القبور الضحلة الموجودة في تلك الغابات.

على أي حال، ليست هذه هي المرة الأولى، التي يتناول فيها المخرج كومار تلك الموضوعات، فقد استعرضها من قبل في فيلمه القصير “إرهابي صغير”، وكذلك في عمليْه الوثائقييْن الحاصليْن على جوائز في الهند: “كرة القدم إن شاء الله” (إنتاج عام 2010) و”كشمير إن شاء الله” (إنتاج عام 2012).

لكنه اختار في “لا آباء في كشمير”، أن يروي القصة على لسانيْ بطليْن في سن المراهقة، لجعلها أكثر قربا إلى أذهان المشاهدين وقلوبهم، خاصة الشبان الهنود منهم.

مصدر الصورة
Alipur Films

Image caption

تقود أحداث الفيلم نور – المغرمة بالتقاط صور ذاتية “سيلفي” – إلى قلب منطقة مدججة بالسلاح

ويقول كومار إن الهدف من وراء سرد “قصة ساذجة عن مراهقيْن بريئيْن، وحبهما الأول، يتمثل في إعادة الناس إلى مرحلة ما من حياتهم، كانت فيها الجغرافيا السياسية وما يرتبط بها من تطورات وأحداث، غريبة عليهم تماما. لكن المشكلة أن السياسة في كشمير، تنسل إلى الحياة الشخصية لهؤلاء المراهقين كذلك”.

ويضيف بالقول إنه حرص على “موازنة ذلك من خلال الحديث المجازي عن الآباء المختفين، والمقابر الجماعية، والزوجات والأمهات اللواتي ينتظرن أخبارا بشأن ما حدث لمن اختفوا من أزواجهن وأبنائهن”.

ويستطرد المخرج الهندي قائلا: “أردت أن اجتذب انتباه واهتمام الهنود الشبان، لأنهم وُلِدوا في تسعينيات القرن العشرين، أي في الفترة التي أدت فيها سياسات تحرير الاقتصاد إلى منحهم الاختيار والفرصة لتشكيل حياتهم وتحديد مصيرهم بأنفسهم. لكن الشبان في كشمير يفتقرون لمثل هذه الفرصة من الأصل، فقد وُلِدوا في أتون الحرب والصراع، دون أن يسمع أحد صرخاتهم المُندِدة بالاضطهاد والمُطالِبة بحق تقرير المصير”.

وقد حظي الفيلم بالإشادة في الهند، نظرا لكونه يلقي الضوء بشكل مدروس على الحياة اليومية العادية في مكان غير عادي بالمرة؛ إذ يروي لنا كيف يمكن أن تبدو حياة مراهق، في إحدى أكثر المناطق الحافلة بمظاهر العسكرة والتسلح في العالم. فالهند تنشر في ولاية غامو وكشمير – التي تشكل الشطر الذي تسيطر عليه من الإقليم – ما يُقدر بنصف مليون جندي.

ومن بين من أشادوا بالفيلم، المخرجة الهندية، ميرا ناير، التي رُشِحَت من قبل لنيل إحدى جوائز الأوسكار وحصلت بالفعل على جائزة من الأكاديمية البريطانية للأفلام (بافتا) عن فيلمها “زفاف المانسون”.

وفي تعليقها على “لا آباء في كشمير”، قالت ناير: “إنه فيلم شجاع للغاية، وجاء في وقته المناسب. هو كذلك عمل يحرك المشاعر، يتضمن أداءً بديعا (من ممثليه) وتم إخراجه ببراعة أيضا. أعتقد أيضا أنه من المؤثر أن نرى الحرب من خلال عيون الصغار” في كشمير.

اللافت أنه لم يتم تقديم الكثير من الأعمال الأدبية والفنية، حول المأساة الإنسانية التي تشهدها منطقة كشمير. وتشكل أفلاما مثل “حيدر” (إنتاج عام 2014) – والمستوحى من مسرحية “هاملت” – و”حميد” (إنتاج عام 2018)، استثناءات بارزة لهذه القاعدة، جنبا إلى جنب مع رواية مصورة باسم “مونو”، لرسام الكاريكاتور مالك سجاد.

مصدر الصورة
Alipur Films

Image caption

يأمل كومار في أن يساعد فيلمه على مواجهة الصور النمطية المشوهة التي شاعت لعقود طويلة

ويأمل كومار في أن يساعد “لا آباء في كشمير” الناس على تجاوز الصور النمطية التي تجرد الآخرين من إنسانيتهم. وأن يثير العمل كذلك نقاشا حول تكاليف صراع، لا توجد مؤشرات تُذكر تفيد بإمكانية التوصل إلى حل له، وأن يقود في الوقت نفسه للتعاطف مع من يدفعون ثمن ذلك أيضا.

ويقول الرجل في هذا الشأن: “الهندي العادي في نظر الكشميريين، هو جندي يرتدي الحذاء العسكري والزي المموه ويحمل بندقية، أما بالنسبة للهنود؛ فالكشميري العادي هو صبي يرشق الجيش بالحجارة. هذه هي الصور المشوهة بشكل مبالغ فيه، التي نُشِرت وتزايدت على مدار السنوات الثلاثين الماضية. آمل أن يؤدي الفيلم – وهو يُشاهد من جانب الجمهور سواء في بريطانيا أو في مختلف أنحاء العالم – إلى إثارة مشاعر الدعم والتعاطف مع الوضع الذي يجد الكشميريون أنفسهم فيه، وأن يقود إلى إثارة نقاش في هذا الشأن، وإلى إدراك أكبر لحقائق هذا الموقف أيضا”.

وفي أغسطس/آب من العام الماضي، شهدت الأوضاع في كشمير تطورات دراماتيكية، بعدما ألغت السلطات الهندية الوضع الخاص الذي كان يحظى به الشطر الذي تسيطر عليه منه، ووضعته تحت حكمها المباشر، ونشرت تعزيزات عسكرية تتألف من عشرات الآلاف من الجنود، وفرضت حظرا على الاتصالات والتغطية الإعلامية. وتقول منظمة “هيومان رايتس ووتش” إنه تم اعتقال آلاف من سكان هذه المنطقة، ومن بينهم قادة سياسيون ونشطاء وصحفيون ومحامون ومحتجون.

وقد خّلف ذلك تأثيرات قاسية على الحياة اليومية. فحسبما يقول كومار: “لم يتسن للتلاميذ الذهاب إلى مدارسهم لخمسة شهور كاملة، ما أضاع عليهم الفرصة لحضور اختبارات مهمة. كما قُطِعَت الكهرباء. بجانب ذلك، لم يعد بوسع 7.5 مليون كشميري القيام بأي شيء، لأن كل الخدمات الحكومية تتم إليكترونيا وعبر شبكة الإنترنت، سواء كان الأمر يتعلق بالتقدم بطلب للالتحاق بإحدى الكليات، أو بالسعي للحصول على رخصة قيادة” وغير ذلك.

ورغم أن الحظر المفروض على خدمات الإنترنت رُفِع جزئيا، مؤخرا، فلا يزال حجب وسائل التواصل الاجتماعي قائما، ما يمثل أطول فترة تعليق لخدمات الشبكة العنكبوتية، على يد أي حكومة ديمقراطية في التاريخ.

وهكذا فبعد ما يزيد على خمس سنوات من بدء كومار العمل في فيلمه، الذي يتناول المعاناة التي يكابدها سكان كشمير؛ أصبح العمل مواكبا للوضع في هذه المنطقة أكثر من أي وقت مضى.

ويعتبر المخرج الهندي أنه قطع “رحلة شاقة” طيلة هذه السنوات لتقديم الفيلم، الذي يقول إنه واجه فيه “مشكلة تلو أخرى”، لكنه يرى أن وصوله إلى المرحلة الحالية، التي صار فيها العمل على أعتاب العرض للجمهور في العالم، يمثل “معجزة” في حد ذاتها.

ويختتم كومار حديثه بالقول: “الفيلم يتناول الانتظار؛ فهو عن الزوجات والأمهات والبنات اللواتي ينتظرن معلومات بشأن أحبائهن المختفين؛ سواء كانوا أزواجا أو أبناءَ أو آباءً. لكن كل ما مررنا به، لا يُقارن بطبيعة الحال، مع أيٍ من الأشياء التي اضطر الكشميريون لتحملها”.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Culture

[ad_2]

Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى