أخبار عربية

لماذا يؤدي الانشغال الزائد إلى قرارات خاطئة؟

[ad_1]

حين نتعرض للضغط تضيق بؤرة تركيزنا العقلية، ما يجعلنا نركز على المهام الخطأ. فما الحل لتجنب الدخول في هذا “النفق” غير المنتج؟

دعنا نرى إن كان هذا الأمر مألوفا لديك: تمضي يومك جاهدا في العمل في ظل ضغوط لإتمام المهام في موعدها وتتسابق بين الاجتماعات ومتابعة البريد الإلكتروني (الإيميل) وإرسال اللازم وتشعر باستمرار بالانشغال وضرورة إنجاز المطلوب حتى لو تطلب الأمر بعض التعب الزائد. ومع ذلك ومع اقتراب دوام العمل اليومي على نهايته، تدرك أنك لم تبدأ بعد بالمشروع الكبير الذي كنت ترغب في أدائه خلال اليوم، فيغمرك الشعور بالأسى.

ومن ثم تأخذ العمل معك إلى البيت، أو تقرر ألا تفعل وتشعر بالذنب حيال ذلك، وسواء هذا أو ذاك يطغى العمل على جوانب حياتك الأخرى سارقا وقتك مما يقلص بؤرة تركيزك العقلية بعيدا عن الأسرة أو الراحة أو الاستمتاع، فتبدأ تشعر بالإرهاق بل وبنوع من الاستياء، وتعقد العزم على أن الغد سيكون مختلفا. ولكن حين يأتي الصباح تجد نفسك في نفس الانشغال اليومي.

لماذا يشعر السويديون بالتعب رغم “رفاهية” العمل والمعيشة؟

كيف نتفادى تشتت الانتباه في بيئات العمل الحديثة؟

لاحظت أنطونيا فيولنتي هذا النمط في كثير من الشركات في الولايات المتحدة حيث كانت تدرس طبيعة العمل فيها في إطار مشروع عن الموازنة بين مهام العمل والحياة. ويصف علماء السلوك والباحثون المختصون مثلها هذه الحالة بالحالة “النفقية” التي يدخلها الشخص حين يقع تحت الضغط وملاحقة الوقت، وهو ما يؤدي حسبما تقول فيولنتي إلى تقلص اتساع موجة التركيز والإدراك لدينا ليصبح أفقها أشبه بنفق. وأحيانا يكون هذا الشيء مفيدا، إذ يساعد على تركيز بؤرة الانتباه على العمل الآنيّ الأهم.

إلا أن الحالة النفقية تلك لها جانبها المعتم، فحين نقع في فخ الشعور بانعدام الوقت نتيجة الانشغال الدائم ويستبد بنا الذعر ونصير أشبه بإطفائي يحاول جاهدا إخماد الحرائق، عندها ربما لا نركز إلا على الأمور العاجلة أمامنا، وعادة ما تكون الأقل أهمية، بدلا من الرؤية الكلية الأعم للمشروع أو التفكير الاستراتيجي بعيد المدى الذي يساعدنا على البقاء خارج النفق في المقام الأول. تقول فيولنتي: “كثيرا ما نرى الناس يغوصون في نفق صغائر الأمور”.

البريد الالكتروني والرضا الزائف

وبالتأكيد فإن للبريد الإلكتروني مكانه في هذا النفق. فهو بحسب فيولنتي – الباحثة البارزة بشركة آيدياز42 غير الربحية ومقارها بالولايات المتحدة ونيودلهي والتي تستخدم دراسة السلوك في حل المشكلات اليومية – أشبه بـ”ماكينة قمار” لا يكف المرء عن استنفاد أمواله فيها. فالمخ البشري يبحث باستمرار عن الجديد، ويحب المقاطعة مع كل دقة جرس رسالة جديدة. وفي الواقع يستمتع البشر بالشعور بالانشغال والإنتاج، وبإضافة ندرة الوقت إلى إدمان الجديد والبحث المستمر عما يشغلنا يكون من السهل أن نركز وقتنا وانتباهنا على الأمر المباشر أمامنا، أيا كان، وهو الإيميل في عصرنا الحالي.

Image caption

تغذي دقات البريد الإلكتروني “شهوة الانشغال” لدى عقولنا وهي أشبه بماكينة القمار التي لا يكف المدمن عن وضع العملات فيها، ما يجعلنا ننحصر في تركيزنا على مهام تافهة

وبينما يعشق البشر هذا الشعور بالانشغال فإنهم يكرهون الشعور بعكس ذلك، حتى إن دراسة وجدت أن الناس يفضلون تلقي الصعقات الكهربية على البقاء دون شيء يشغلهم. لذا تقول فيولنتي: “ما أسهل أن ينغمس المرء حتى أذنيه في متابعة الرسائل الإلكترونية، وهكذا نشعر بالانشغال وبالرضا لذلك، ولكنه شعور زائف بالرضا” فهو يخلط ما بين الانشغال والإنتاجية. وللخروج من هذا النفق تقترح فيولنتي أن يجرب المرء تحديد أوقات بعينها لتفحص الرسائل.

وتعتمد التجربة، وقد اعتمدتها فيولنتي بنفسها، على بحث وجد أن المدخنين الذين تم تحديد مواعيد معينة لهم للتدخين كانوا أكثر نجاحا في الإقلاع عن العادة مقارنة بوسائل أخرى. ويرى الباحثون أن السبب هو أن تحديد الوقت أعطى الناس ليس فقط المران والثقة بقدرتهم على الكف عن التدخين، بل أيضا كسر الصلة بين محفزات التدخين، أي الأشياء التي تذكر الإنسان بأنه قد آن أوان التدخين، وإشعال السيجارة فعلا.

وكذلك تنطبق الفكرة على البريد الإلكتروني، فقد وجدت دراسة عام 2015 أن الذين يراجعون بريدهم في مواعيد محددة يكونون أكثر سعادة وأقل تعرضا للضغط من الذين يراجعونها في كل الأوقات، وهو ما يقع فيه الكثير منا لدرجة استنفاد خمس ساعات في المتوسط يوميا في التحديق في البريد الإلكتروني.

كما تنصح فيولنتي بتحديد قواعد في العمل يتم بمقتضاها التقيد بأوقات يتوقع الرد فيها ولا ترسل الإيميلات إلا خلال ساعات العمل. وللحفاظ على اتساع بؤرة التركيز تنصح بتغيير طريقة التفكير إزاء متابعة البريد الإلكتروني، وتقول: “لا يتعلق الأمر بأن يحرص المرء على ألا تكون لديه أي رسائل متبقية في الواردات إلى بريده، بل أن يكون على بينة من المطلوب التجاوب معه والأكثر أهمية بين تلك الرسائل”. وتقر بأن الأمر ليس سهلا، وتضيف أنه “وحتى علماء السلوك قد يعانون من إدمان الرسائل”.

كيف تعمل الندرة على تقليص بؤرة التركيز؟

كانت أول مرة يتطرق فيها الباحثون السلوكيون لفكرة الندرة وحالة النفق خلال دراستهم للفقر، فقد أرادت أناندي ماني، أستاذة الاقتصاد السلوكي بكلية بلافاتنيك لأصول الحكم بأوكسفورد، وزملاؤها فهم السبب في إقدام الفقراء على اتخاذ خيارات سيئة فيما يتعلق بالإنفاق، من قبيل الاقتراض بفائدة مرتفعة أو المقامرة على أمل الفوز باليانصيب، وهو ما يوقعهم في دائرة الفقر أكثر.

ودرس الفريق مزارعي قصب السكر في الهند وأجروا اختبارات إدراكية على عينة منهم حين توافر المال لدى المزارعين بعد الانتهاء من الحصاد وحين شح المال في شهور لاحقة. ووجدوا أن الشح أو الندرة نفسها قلصت دائرة التركيز حتى انخفضت نتائج اختبارات الذكاء لدى المزارعين بواقع 13 درجة بين حالة الوفرة والندرة.

Image caption

وجد بحث على مزارعي قصب السكر أن أوقات الندرة تقلص التركيز لدرجة انخفاض الذكاء بشكل مؤقت

وتقول ماني: “ما ينطبق على ندرة المال ينطبق على ندرة الوقت أيضا، ففي ندرة المال نقوم بالأمور الملحة كأن ندفع الفاتورة الحالية ونسعى لتحقيق الاستفادة الأفضل من الميزانية، حتى رغم معرفتنا بأن من المهم أكثر تخصيص الوقت للقيام برعاية الأطفال أو الحديث للوالدين. ونفس الشيء في العمل، إذ نقع فريسة الأمر المباشر أمامنا ولا نمنح أنفسنا الفرصة للتفكير في أي الأمور أولى بالانشغال بها”.

وللخروج من نفق ندرة الوقت، توصي ماني بالوعي بكيفية الوقوع في الانشغال. وبالوعي يمكن للمرء توزيع عبء العمل بالشكل أو الوقت المناسبين، وهو ما أثبته بحث حول إنفاق الدخل وجد أن حسن الإنفاق يساعد الذين يعانون من الندرة المالية على تجاوز الوضع المالي الصعب بصورة أفضل وعدم الوقوع في نوبات فقر متتالية. وتنصح بالعمل مع آخرين لوضع معايير جماعية لفترات الراحة في العمل وخلال الأسبوع وخلال عطلات الأسبوع أيضا.

وتضيف ماني: “من المفيد التقيد بالقواعد القديمة التي اعتبرت العطلة مقدسة لا يجوز العمل فيها تحت أي ظرف”، وتجرب ماني نفسها الالتزام بالتأمل لربع ساعة كل صباح وتقول إن ذلك يجعلها أكثر تنبها خلال اليوم وقد ساعدها على إعادة التفكير في أمورها بشكل أعمق.

خطط لوقتك بعناية!

يقول أنوج شاه، أستاذ العلوم السلوكية بجامعة شيكاغو، إن الندرة تخلق طريقة تفكير خاصة، إذ توصل إلى نتائج غير متوقعة في بحث أجراه على أشخاص مارسوا ألعابا على الإنترنت إما كـ”أغنياء” أو “فقراء” في عدد مرات التخمين والمحاولات المسموح بها. ووجد شاه أن من اضطلعوا بدور “الفقراء” كانوا أكثر حرصا ودقة في التعامل مع مواردهم، ولكن لسبب ضيق دائرة تركيزهم بسبب الندرة ركزوا أكثر على جولتهم الحالية ولم يتمكنوا من وضع استراتيجيات سليمة للمستقبل وجاءت قراراتهم كارثية، كالاستدانة بفائدة باهظة ما حملهم ما لا طاقة لهم به.

Image caption

يمكننا تجاوز فخ الندرة بالتعامل مع جداولنا كأنها صالة كبيرة للأعمال الفنية وليس مطبخا يعج بالأواني

ولذا فلتجنب الوقوع في النفق والتركيز على الأمر الخطأ وإهمال الأمور الأهم وإن بدت غير عاجلة الآن رغم مردودها الأكبر لاحقا، ينصح شاه بأن يدرك الناس أن الوقت والتركيز هما موارد محدودة وأن يفكروا في خيارات للتعامل معها حتى لو تطلب ذلك التخلي عن بعض الأشياء.

فمثلا، يقول إنه وبالنظر إلى الرزنامة السنوية للأشهر الستة المقبلة من الآن يبدو الأفق متسعا دون التزامات. وبالتالي قد نقيد أنفسنا بفعل الكثير ما يؤدي لندرة الوقت والدخول في النفق في المستقبل، “ولكن نعلم أن هذا الأسبوع بعد ستة أشهر سيكون كأسبوعنا الراهن من حيث الانشغال، ولذا يجب التفكير فيما يمكن فعله في أسبوع وما يجب التخلي عنه من أشياء لإنجاز أشياء أخرى. وعلينا أن نعي أن هذا البراح المستقبلي ليس إلا سرابا”، وهي نصيحة يلتزم بها شاه بنفسه.

ويقترح سنديل موليناتان، أحد زملاء شاه، التفكير في جدول العمل كصالة لعرض الأعمال الفنية وليس مطبخا نجعله يعج بالصحون والأواني والأغراض – ففي صالة الفنون نركز على اللوحة الأهم والمقتنى الأثمن وأين نضعه لإبرازه. وينصح بتذكير أنفسنا بوسائل مختلفة بالأمور الأهم قبل أن تضيق علينا دائرة الندرة.

أما شاه فيقول: “ما أن ينفد الوقت إلا ونجد أنفسنا في ضيق، ولكن إن تعلمنا التعامل الجيد مع الوقت سلفا فسيمكننا تفادي تلك الدائرة في المستقبل”.

[ad_2]

Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى