قصة رجل وامرأة جمعتهما الصداقة رغم كل مبررات الكراهية
[ad_1]
رغم أن لدى فيونا غالاغر ولي لَيفيز أسبابا وجيهة لكراهية بعضهما بعضا، فقد صارا مقربيْن بما يكفي، لكي يعتبرا أنهما أشبه بأخ وأخت. وبحسب ما يقول هيو ليفنسون من “بي بي سي” في السطور المقبلة، يرى الاثنان أن الصداقة القائمة بينهما، تنطوي على كثير من الدروس التي يمكن أن يتعلمها الآخرون.
قصة فيونا
ولدت فيونا غالاغر في عام 1968 لأسرة كاثوليكية تعيش في مدينة ديري بإيرلندا الشمالية، وكانت تصطبغ بطابع متشدد. وشبت هذه السيدة عن الطوق، بالتزامن مع الفترة المعروفة باسم “حقبة المشاكل” أو “القلاقل”، التي شهدها ذلك الإقليم المنتمي للمملكة المتحدة بين أواخر الستينيات وعام 1988.
وتقول فيونا عن تلك الفترة: “تكتظ ذكرياتي حرفيا بمشاهد دوريات راجلة ومداهمات للمنازل. تمت مداهمة منزلنا على مدى 13 سنة. كان يتم ذلك كل عدة أشهر ربما، بمعدل كل شهرين مثلا، وبشكل مستمر. كان أولئك الرجال يدخلون غرفة نومي في الرابعة فجرا أو الخامسة، ويصرخونكي أغادر فراشي. تلك ذكرياتي عن حياتي في سنواتها الأولى، وكلها حافلة بالفزع والذعر والخوف”.
أسرة فيونا كانت متماسكة، وربطت صلات قوية – بشكل خاص – بينها وبين شقيقها الأكبر جيم، الذي تصفه بأنه كان “دائم الضحك على نحو هيستيري، ولديه حس دعابة قوي. كان طويل القامة للغاية ووسيما وصديقا جيدا. كما كان دمثا، ويحب أسرته، ويهتم بي أنا على وجه الخصوص”.
وفي يناير/كانون الثاني من عام 1972، وعندما كان جيم في السادسة عشرة من عمره، شَهِدَ – عن طريق الصدفة – أحداث ما يُعرف بـ “الأحد الدموي”، الذي أطلق فيه الجنود البريطانيون الرصاص على 28 من المدنيين العزل خلال فعالية احتجاجية، ما أودى بحياة 14 منهم. أدى ذلك إلى أن يتبنى جيم توجهات متشددة، وانضم إلى الجيش الجمهوري الإيرلندي. وتقول فيونا: “كانت مهمته في ذلك الوقت تتمثل في الدفاع عن شعبه”.
ولم يلبث جيم أن اعْتُقِل وأدين بتهمة الانضمام للجيش الجمهوري الإيرلندي، ليُزَج به وراء القضبان لأربع سنوات. وبعد الإفراج عنه بستة أيام فحسب، أطلق جندي النار عليه، ليلقى حتفه. وقد أذكى ذلك نفور فيونا واشمئزازها من الجيش البريطاني، الذي تتحدث عن عناصره قائلة: “أتذكر زيهم العسكري الموحد، والواقيات المُثبتة على مقدمات خوذاتهم. أتذكر أسلحتهم. لقد كرهتهم. لم أرهم بشرا على الإطلاق. كانوا مجرد زي عسكري بالنسبة لي. لم يكن لهم وجوه، كانوا عديمي الهوية بالنسبة لي”.
قصة لي
نشأ لي لَيفيز في قرية صغيرة قريبة من بلدة بريتون آبون ترينت الإنجليزية. ترك المدرسة في السادسة عشرة من عمره، دون الحصول على أي شهادة دراسية، وبدأ التدريب على ممارسة القِصابة (الجزارة)، لكنه ظل يسعى إلى العثور على عمل آخر. ويفسر ذلك بالقول: “لم يكن من الممتع كثيرا التعامل مع كَبِد ثور مجمد في الساعة السادسة صباحا”.
في عام 1988، قرر لي الانضمام للجيش. ويبرر قراره هذا قائلا: “كنت في الثامنة عشرة من العمر، مفعما بتلك المشاعر المرتبطة بمرحلة المراهقة، والتي تتمثل في الزهو المفرط والثقة الزائدة في النفس. كانت لدي نظرة ذات طابع أسطوري وخرافي للحرب، قوامها الميداليات وصور الشجاعة ومشهد استقبال الجنود من جانب أمة ممتنة تنتظرهم على رصيف الميناء” لدى عودتهم من ساحة القتال.
استدعيت مرتين للخدمة في إيرلندا الشمالية، في أواخر “حقبة الاضطرابات”، وفي مناطق يقطنها سكان ذوو توجهات قومية قوية، مثل “ساوث أرما”. وفي تلك الفترة، بلور الرجل رأيا واضحا ومحددا بشأن سكان تلك المناطق.
ويقول في هذا الصدد: “يتمثل جزء من التدريب العسكري في تجريد العدو من طبيعته البشرية. ولأن عناصر `الجيش الجمهوري الإيرلندي` كانوا قادمين بشكل كامل تقريبا من التجمعات السكنية ذات الطابع القومي، لم يمض عليّ وقت طويل قبل أن أرى أن المجتمع كله في إيرلندا الشمالية لا يختلف عن المنضوين تحت لواء هذه المجموعة المسلحة. حتى الأطفال، أعتدت النظر إليهم باعتبارهم عناصر ستنضم إلى `الجيش الجمهوري الإيرلندي` في المستقبل. ومن هذا المنطلق، رأيت – بشكل ما – أن كل السكان ذوي التوجهات القومية مذنبون”.
لكن توجهات لي بدأت في التبدل خلال المرة الثانية التي أُرْسِلَ فيها إلى إيرلندا الشمالية، فقد شرع في القراءة عن التاريخ والثقافة هناك. وحدث التحول الأكبر، عندما دُعي لقضاء إحدى عطلات نهاية الأسبوع، مع أعضاء نادٍ شبابي للمعاقين من مدينة نيوري الإيرلندية الشمالية.
ويتذكر لي تلك الرحلة بالقول: “في مثل هذه الظروف التي قضينا فيها عطلة نهاية الأسبوع معا، أصبحوا بشرا بالنسبة لي. عَرِفت فجأة ما الذي يعنيه وقوف المرء على الجانب الآخر، أن يشعر – مثلا – بالخوف من مجرد الذهاب للتسوق، فربما تكون هناك دورية عسكرية مارة وشخص ما قد يطلق النيران”.
على الجانب الآخر، أصبحت فيونا أماً، وهو ما منحها الفرصة لأن تحظى بوقفة للتأمل والتفكير. وتتذكر تلك المرحلة قائلة: “بدأت آنذاك في التساؤل، عما إذا كنت على صواب أم لا. كان يعود لي أن أقرر ما إذا كنت سأنقل كل شيء للجيل التالي أم لا”.
وقبل خمس سنوات، طالعت هذه السيدة مقطع فيديو نشره جندي سابق على صفحة على موقع “فيسبوك”، فوجئت في ذلك الوقت بأن المقطع لا يتضمن “تلك الرطانة التقليدية، التي يُبالغ من خلالها في الحديث بشكل إيجابي عن الحروب والجيش البريطاني”. وتضيف قائلة: “وجدت أن ذلك الجندي لا يتحدث على هذه الشاكلة بل يقول العكس تماما، وهو ما جعلني أتأثر كثيرا”.
ردا على هذا المقطع، كتبت فيونا عبارات مليئة بالعواطف، ونشرتها على حسابها على الموقع. وفي هذا التعقيب روت “كل شيء فحسب، دون أن أكتم شيئا على الإطلاق”.
وبموازاة ذلك، كان لي يواصل التبدل والتغير بدوره. فقد اجتاز الكثير من التحديات، من بينها الإدمان والتشرد، كما استأنف تعليمه، وحصل على درجة جامعية بشأن موضوع تسوية الصراعات. حينها صادف ما نشرته فيونا على “فيسبوك”، ليشعر بـ “دافع” للالتقاء بها.
وبعد تبادل رسائل نصية وأخرى بالبريد الإليكتروني، اتفق الاثنان على أن يلتقيا في إحدى الحانات.
وتتذكر فيونا ذلك قائلة: “أحسست وأنا اتجه إلى باب الدخول، أن كل شيء يمضي بوتيرة متباطئة. تخيلت أنني في سبيلي لمقابلة جندي مدجج بالسلاح. أعادني ذلك إلى فترة طفولتي. لكنني قلت لنفسي `هلمي، ولتمضي قدما`” إلى الداخل.
ولم يكن لي أقل توترا، إذ كان لا يزال “متشككا وغير متيقن” مما يفعل.
على أي حال، أخذت فيونا زمام المبادرة. وتروي اللحظات الأولى للقاء بالقول: “فكرت `ما الذي سأفعله؟` أنا مثلا أميل إلى معانقة من التقيهم، ولم يكن `لي` بالقطع من هذا النوع حينذاك، لكنني ألقيت بنفسي تقريبا عليه، وعانقته”.
غير أنهما سرعان ما أصبحا أصدقاء، عبر توطيد أواصر علاقة تمحورت حول تبادل الحديث عن شؤون الحياة اليومية، المتعلقة بالأمور الأسرية والاهتمامات المشتركة.
ويقول لي: “تجاوزنا الآن مسألة الحديث عن الصراع. وأصبحنا أكثر استعدادا للتحدث بشأن الموسيقى. حضرنا معا حفلا للموسيقي البريطاني ستيفن باتريك موريسي. كان ذلك قبل أن أضرم النيران في كل الأسطوانات المدمجة لألبوماته التي كنت احتفظ بها، وذلك بسبب بعض تصريحاته الأخيرة”.
اللافت أنهما يتحدثان بود وحرارة عن بعضهما البعض. فـ “فيونا” تصف لي بأنه “جزء كبير من حياتي، إنه روح عذبة”. أما الرجل فيتحدث عنها قائلا: “أعتبر فيونا أختا لي، شخصا أحبه حتى الممات”.
لكن كيف وصلا إلى هذه المرحلة؟
ربما ساعدهما على ذلك، أنهما يدركان بوضوح أن صداقتهما لا تتطلب اتفاقهما بشأن كل شيء. فكما يقول لي: “هل نتفق مثلا على فكرة بقاء إيرلندا جزءا من الاتحاد (مع باقي أنحاء بريطانيا)؟ هذا أمر لن نتفق عليه أنا وفيونا. أنا لست جمهوريا، بل رجلا إنجليزيا يعيش في بلفاست. ولذا فسأصوت لصالح استمرار الاتحاد، وذلك لأسباب اقتصادية”.
لحسن حظهما، بوسع فيونا التكيف مع هذا الموقف، إذ تقول: “ألن يكون العالم مُضجِرا بحق، إذا اتفقنا جميعا مع بعضنا بعضا؟”.
ويقول الاثنان إن التحلي بالصدق التام، هو ما كان مطلوبا منهما، لكي يصبحا بهذا التقارب، وحتى يكتسبا القدرة على التعامل بهدوء ودون تشنج، مع الخلافات القائمة بينهما في وجهات النظر.
فعلى سبيل المثال، لم يتردد لي في أن يتحدث عن تكتيك طالما استخدمه خلال مشاركته في دوريات قوات المشاة البريطانية في إيرلندا الشمالية، قائلا “غريزتي كانت تقودني للبحث عن أطفال ينتمون إلى مناطق ذات توجهات قومية للاختلاط بهم، فما من قناص كان سيطلق النار عليّ إذا كنت محاطا بالأطفال. في ذلك الوقت، لم أفكر في حقيقة أنني بذلك كنت استخدم الأطفال دروعا بشرية”.
وحرص الرجل على أن يكون صريحا بشأن هذه النقطة في حديثه مع فيونا. ويقول في هذا السياق: “لم أسع قط إلى تجميل هذا الأمر وتحسين صورته. ولم أحاول على الإطلاق كذلك التقليل من قوة وحدة مشاعري حيال المجتمع في إيرلندا الشمالية، خلال الفترة التي كنت فيها ضمن صفوف الجيش”.
ومن جانبها، تقول فيونا إن الكثيرين يرون أن هذه الدرجة من الصدق مخيفة للغاية. لكنها تحث هؤلاء الأشخاص على التغلب عن مخاوفهم في هذا الصدد، قائلة: “بغض النظر عما تفعله، وعن طريقتك في المضي قدما في حياتك، أو عن أسلوبك في الإنصات والفهم، ستجد من يسعى للحط من قدرك والسخرية منك أو التعامل بسلبية معك. نَحِ هذه الأمور السلبية جانبا، ولا تخف”.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Culture
[ad_2]
Source link