أخبار عربية

بأي سلاح دخلت آبل حرب البث التلفزيوني عبر الإنترنت؟

[ad_1]

أبل

مثل الملايين، أستسلم من حين لآخر لنزوة استهلاكية ما، أو هذا على الأقل ما أقنع نفسي به عندما تنتابني حمّى الشراء.

ولا بأس الآن من الاعتراف بإحدى تلك النزوات: لقد فعلتُها واشتريت جهاز آيباد، ومعه اشتراك مجاني مدة عام في تلفزيون “آبل تي ڤي بلاس”، الذي يسعى لزحزحة خدمة “نتفليكس” من عرش مملكة البث التلفزيوني عبر الانترنت، وهي مملكة إن احتشد فرسانها (ديزني بلاس مثلاً، وأمازون، بجانب نتفليكس بـ ١٦٠ مليون مستخدم) قد تطيح بالتلفزيون التقليدي تماما .. في الغرب على الأقل.

رأس الحربة التي نزلت بها “آبل” الميدان، هي درة التاج: مسلسل The Morning Show )ذا مورنينغ شو ( الذي انتهى في الآونة الأخيرة عرض موسمه الأول المؤلف من عشر حلقات.

وأنا أفكر في كتابة هذه السطور، تذكرت أبياتا للقس الألماني مارتن نيمولر سطرها ١٩٤٦، عندما كتب منتقداً صمت العالم عن الهولوكوست:

“في البدء استهدفوا الاشتراكيين فالتزمتُ الصمت.. لستُ اشتراكياً!

ثم استهدفوا اليهود والتزمتُ الصمت.. لستُ يهودياً!

ثم جاءوا من أجلي..

ولم يكن قد بقي من يدافع عني!”

قفزةٌ الآن إلى ٢٠١٩.. وتحديداً إلى مشهد يهاجم فيه “ميتش كيسلر” (المذيع الأمريكي الشهير في المسلسل) زميله المنتج التلفزيوني، لأن ذلك الأخير أحجم عن مناصرته في وجه اتهامات وجهت لكيسلر بسوء السلوك الجنسي. ما يقوله كيسلر مستَلهم بكل وضوح من قصيدة نيمولر :

” في البدء استهدفوا المغتصبين والتزمتُ الصمت.. لستُ بمغتصب، ثم استهدفوا الرجال ذوي النفوذ فالتزمتَ أنتَ الصمت.. لأنك لستَ ذا نفوذ.

والسؤال، من سيبقى ليدافع عنك عندما يستهدفون الأشخاص العاديين؟”

20 فيلما ينبغي أن يكون على قائمة مشاهداتكم عام 2020

أول إعلان ترويجي لأحدث أفلام جيمس بوند بظهور الممثل المصري الأصل رامي مالك

في الحلقات الأُوَل من المسلسل، يكاد المشاهد لا يصدق عينيه، وهو يتابع ملف “التحرش الجنسي في صناعة الإعلام” كما يتناوله هذا العمل: أي من منظور الجاني.

يعرض “ذا مورنينغ شو” بإسهاب لمنظور الرجل الذي لا يرى – حقاً لا يرى – أنه ارتكب أي خطأ على الإطلاق.

وقد جاء اختيار “الرجل” بعناية: إنه ستيڤ كاريل، الذي يُثبت عبر أدائه في هذا المسلسل ما يعرفه كثيرون مسبقاً: أن الممثل الكوميدي قادر على تجسيد الأدوار التراجيدية، رغم أن العكس ليس بالضرورة صحيحاً. يلعب كاريل دور المذيع ميتش كيسلر، وهو رجل ساحر وودود وذو كاريزما.

يصف ناقدٌ هذه الشخصية بالـ Teddy Bear أو “الدبدوب الأليف”، وتصفه ناقدة أخرى بالعم المفضل لدى الأمريكيين. هو مذيع تحبه المُشاهِدات من الأطلسي حتى الهادي، تثقن فيه ولا تريْنه تهديداً، ويستحيل أن يتخيلنه متحرِّشاً.

لذا فعندما يحاجج كيسلر بأنه ليس مغتصباً، لأن كل علاقاته الجنسية تمت بالتراضي، قد تجد نفسك ميّالاً لقبول هذا الكلام، بل وقريباً من التعاطف معه. لكنك توقظ نفسك قسراً من تأثير تمثيل كاريل الشبيه بالتنويم المغناطيسي، ثم تتحسس “مسدسك الأخلاقي” وتتساءل: ما الهدف من هذا المسلسل تحديداً؟ هل يُعقل أنه يحاول استدرار تعاطفنا مع المتحرشين؟

لكن النصف الثاني من حلقات المسلسل يتدارك الأمر.

الشخصية النسائية الأولى في المسلسل هي المذيعة آليكس ليڤي، “الزوجة التلفزيونية” لميتش كيسلر، وهو التعبير الإعلامي الأمريكي المستخدم لوصف ثنائيات التقديم التلفزيوني التي تضم مذيعا ومذيعة. تقوم بدورها جنيفر آنيستون التي اشتهرت بتجسيد شخصية ريتشل في مسلسل Friends فريندز. ويكاد النقاد يجمعون على أن المسلسل الجديد، أظهر مستويات من الموهبة والمهارة، لم يكن أحد ليتوقعها من آنيستون.

وثمة أبعاد كثيرة لشخصية آليكس ليڤي: إعلامية يأفل نجمها، ويكبر سنها، ويتراجع نفوذها في الشبكة التي تعمل بها. ولكن البعد الأهم والأوثق ارتباطاً بفكرة المسلسل الأساسية، يتركز في سؤال واحد: هل كانت آليكس تعلم بما يفعله “زوجها التلفزيوني”؟ هل كانت غافلة أم متغافلة؟ أتكون قد غضت الطرف متعمدة حفاظاً على مكانها؟

إنه سؤال عن المسؤولية الأخلاقية لإعلامية كبيرة، لا مجرد صحفية عادية. لو كان بمقدورها وقف تصرفات شريكها “المشينة” ولم تفعل لكانت “شريكته” في الجريمة أيضاً وليس في البرنامج فحسب. وهو سؤال يدور في أذهان كثير من الشخصيات في العمل، وقطعاً في أذهان المشاهدين. لكن من يجرؤ على طرح هذا السؤال الملغوم هي الشخصية النسائية الثانية، أو لنقل “الأولى مكرر”: برادلي جاكسون الصحفية التي تبدو غير تقليدية، وتؤدي دورها ريز ويذرسبون (اشتهرت بالذات في فيلم Legally Blonde `ليغالي بلوند ` كما ظهرت – وياللمفارقة – كشقيقة ريتشل في Friends).

بالنسبة لبرادلي جاكسون الأمور واضحة، أبيض وأسود؛ التحرش مرفوض وكذا استغلال النفوذ. نقطة. أما بالنسبة لآليكس فهناك بين الأبيض والأسود منطقة رمادية. هناك “نادٍ للصبيان” والكل يعرف. من أعلى رأس في الشبكة إلى أصغر عامل فيها، الكل يعلم ما يفعله ميتش كيسلر ويغض الطرف كذلك. فالرجل نجم كبير وشهير وغني ومحبوب. وفي مشهد رئيسي في المسلسل، تنفجر آليكس كالقنبلة في وجه برادلي قائلة “هذا كله عادي ومقبول وبديهي”.

الخبر السار للمتعاطفين مع شخصية آليكس ليڤي من أمثالي (لن أنكرها)، هو أنها تغير موقفها لاحقاً. لكن المسلسل يكاد ينتهي قبل أن تفعل. لن أسرد التفاصيل لئلا أفسد المتابعة لمن يعتزمها، لكنني سأطرح سؤالاً عن مدى سلاسة هذا التحول وهل أتى مقنعاً أم مُقحَماً.

الواقع أن مدى مصداقية المنعطف الذي تأخذه شخصية آليكس ليڤي ليس المشكلة الوحيدة. فـ “آبل” تنزل الميدان بعمل مبهر، لا جدال، لكنه لا يخلو من مشكلات. لعل من أسبابها أن نجمتيْه جنيفر آنيستون وريز ويذرسبون، كلاهما منتج تنفيذي له. ورغم انسجامهما كما نرى في المقابلات الصحفية، التي جمعتهما للترويج للمسلسل، إلا أنه يصعب تصور أن فريق العمل لم يجد مشقة، كي يضمن توازن حجم الدورين، ونسبة المَشاهِد، وسير الحبكة، بحيث تكمّل الشخصيتان بعضهما بعضا ولا تجور أيهما على الأخرى.

ثم إن المشاكل اكتنفت من البداية صناعة هذا العمل الضخم (نتحدث عن ١٥ مليون دولار كتكلفة إنتاجية للحلقة الواحدة، وعن أجرٍ لآنيستون هو نفس أجر ويذرسبون بلغ مليونيْ دولار للحلقة). ويكفي على سبيل الاستدلال هنا القول إن العقل المدبر، صاحب فكرة The Morning Show، ألا وهو جاي كارسون فصلته “آبل” من المسلسل بسبب ما سُمّي حينها “اختلافات إبداعية”. ثم لجأ كارسون للتحكيم وحاز الحق في أن يظل العمل منسوباً إليه، رغم انقطاع علاقته به، وذلك عبر إجبار الشركة على استخدام تعبير created by أي “أبدعه جاي كارسون”.

وقد يكون لكل هذا أثر على تلقي المسلسل من جانب النقاد والجمهور. ومن ذلك أنه في بعض مشاهده يلجأ للمباشرة الحوارية، والمبالغة، بل ويبدو استعراضياً أكثر منه عملا دراميا قويا رصينا يدخل في لب الموضوع بلا تردد.

لكن ينبغي القول إن المسلسل ينال نسب إعجاب تصل إلى نحو ستين في المائة في أغلب المنتديات، وهي نسبة ليست سيئة على الإطلاق.

مصدر الصورة
Apple TV

لعل العيب الأكبر – إن صح لي استخدام هذه المفردة عند الحديث عن عمل استمتعتُ به شخصياً للغاية – يكمن في أنه لم يخرج بالثقل الذي أرادته له “آبل”. وأستعير هنا رأياً يلخص تلك الفكرة، للناقد ريتشارد ريبر، الذي كتب مقالاً إيجابياً للغاية في مجمله، لكنه ضمّنه ما يلي: “المسلسل لا يتحلى بالوقار السينمائي لأعمال مثل The Loudest Voice ولا بشاعرية مسلسل مثل The Newsroom”.

تتبقى الإشارة إلى جزئية مهمة للغاية، قد تغفر كل ما يمكن أن يكون صناع المسلسل قد اقترفوه من خطايا، وهي الجزئية المتعلقة بالتسلسل الزمني لصناعة هذا العمل.

فالإعلان الرسمي عنه صدر في ٨ نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٧، ما يعني أنه قبل ذلك التاريخ بوقت طويل كان العمل الفعلي قد بدأ: الكتابة والميزانية واختيار الممثلين. فإذا علمنا أن اتهام “هارڤي واينتسين” المخرج الهوليوودي الشهير بالتحرش الجنسي حدث في أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٧، وأن حملة #MeToo انطلقت في الشهر نفسه، وأن طرد المذيع الأبرز في شبكة NBC “مات لوير” على خلفية اتهامات بالتحرش الجتسي وقع في نوفمبر ٢٠١٧، سندرك أن العمل في The Morning Show بدأ قبيل/وبالتزامن مع أحداث جسام هي لب ما يعالجه المسلسل.

وبالتالي كان على القائمين على العمل أن يتناولوا كل تلك الأحداث، سواء بالتلميح أو بالإشارة إليها في الحبكة والحوار، وهي مهمة عسيرة جداً، لو عرفنا أن أحداثاً فات عليها سنوات، يُحجم المؤلفون عن تناولها درامياً استشعاراً بأن الوقت لا يزال مبكراً، فلك أن تتخيل مشقة الحديث عن كرة ثلج بضخامة #MeToo، ليس بعد أن ترتطم وتتوقف عن التدحرج، بل بينما هي تتشكل وتكبر وتتسارع أمام عينيك.

حتى اللحظة يبدو المسلسل درة التاج لتلفزيون “آبل بلاس”. ومن هنا حتى تنقضي مدة الاشتراك المجاني، التي تيسّرت لي من حيث لا أدري ولا أحتسب، سأقرر ما إذا كنت سأمدد الاشتراك أم لا بعد ذلك.

[ad_2]

Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى