أخبار عربية

الأزمة في لبنان: الفقراء يسرقون الكهرباء للتغلب على انقطاعها


متظاهرون

Image caption

خيم المتظاهرون الشباب خارج المقر الرئيسي لشركة الكهرباء في العاصمة بيروت

يتحوّل منزل محمد المصري كل يوم عند الساعة السادسة مساءً إلى مكان معتم وهادئ.

وعند الساعة السادسة كل يومين، تنطفئ الأنوار والمروحة والتلفزيون والبراد، ويظلم كل شيء في المنزل.

وفي اليوم التالي وفي الوقت نفسه من المساء، يعود كل شيء إلى العمل. ومازال الوضع مستمرا على هذا النحو منذ 10 سنوات في منزل محمد، وفي منازل الغالبية الساحقة من اللبنانيين.

ولا تستطيع شبكة الكهرباء الوطنية في البلاد إلا حوالى نصف الطاقة الكهربائية التي يحتاجها السكان.

ولكن هذا القدر لا يكفي محمد، الذي كان سائق تاكسي ولكنه متقاعد الآن ويبلغ من العمر 73 عاما، وهو مصاب بمرض الرئة المزمن، ويعيش في مدينة طرابلس، ثاني أكبر مدينة لبنانية، مع زوجته وبناته الخمس.

ويقول: “لا يمكنني تشغيل جهاز التكييف، ولا أستطيع غلي الماء، ولا أستطيع حتى ضخ المياه إلى شقتي”.

ويضيف: “علينا أن نخطط لأنشطتنا اليومية على أساس قطع الكهرباء. فلا نستحم، ولا نغسل ملابسنا. نضطر إلى التخلص من الطعام طوال الوقت لأنّ الثلاجة لا تعمل”.

لكن سكان لبنان، البالغ عددهم ستة ملايين نسمة، سئموا من انقطاع التيار الكهربائي.

ويعدّ توفير الطاقة الدائمة أحد المطالب الرئيسية لموجة غير مسبوقة من الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد خلال الشهرين الماضيين.

وشارك في الاحتجاجات التي أجبرت الحكومة على الاستقالة مئات الآلاف من الأشخاص.

وكانت شركة كهرباء لبنان الوطنية واحدة من الأهداف الأساسية للمتظاهرين.

Image caption

شادي نشابي عضو في مجلس المدينة وناشط سياسي سابق

ونصب المتظاهرون الشباب خيامهم خارج المقر الرئيسي للشركة في العاصمة بيروت.

وقالت لارا قيس، 33 عاما، وهي واحدة ممن ساعدوا في تنظيم “المخيّم” أمام الشركة: “من الجنون أننا في عام 2019، وما زالت الكهرباء تنقطع لدينا لثلاث ساعات يوميا”.

وما تتحدث عنه لارا هنا هو العاصمة بيروت، إذ إن الكهرباء في جميع المناطق الأخرى تنقطع لوقت أطول بكثير، قد يصل في بعض المناطق إلى 17 ساعة في اليوم.

ويعتبر نقص الطاقة إحدى نتائج سنوات من نقص الاستثمار في محطات توليد الطاقة.

وهذا بدوره يرجع، جزئياً على الأقل، إلى صعوبة اتخاذ قرارات التخطيط الاستراتيجي في النظام السياسي اللبناني، إذ يجب تقاسم السلطة بين الطوائف الدينية الرئيسية.

ويطمح المتظاهرون إلى التخلص كلياً من هذا النظام.

ويعتقد المتظاهرون أنّ انقطاع الكهرباء يناسب العديد من السياسيين، الذين، كما يقولون، لديهم صلات مع أصحاب مولّدي الكهرباء في القطاع الخاص، ممن يستفيدون من انقطاع الكهرباء.

وتدفع أغلبية اللبنانيين فاتورتي كهرباء: الأولى لشركة الكهرباء، والثانية لأصحاب المولّدات.

ويحوّل اللبنانيون كهرباء بيوتهم من كهرباء الدولة إلى كهرباء المولدات في كل مرة تنقطع فيها كهرباء الدولة. ويكلّف اشتراك مولدات الكهربائية أكثر من اشتراك الكهرباء الرسمي بكثير. ويعدّ تشغيل المولدات الخاصة، أمرا غير قانوني. ويعني هذا أنّ المورّدين بحاجة إلى غطاء سياسي.

ويملك بعض قادة المليشيات السابقين في طرابلس مولدات خاصة. وقد اشترك هؤلاء في القتال بين عامي 2011 و 2014 عندما قاتل أفراد من الأغلبية السنية في المدينة أفراد مجتمع الأقلية العلوية.

ويقول شادي نشابي، وهو عضو في مجلس المدينة وناشط سياسي سابق: “بعد انتهاء الاشتباكات، كان هناك إذن تحت الطاولة لهؤلاء الناس بفتح مولدات خاصة”.

Image caption

عيسى رشيد يعاني من قصور في الرئة ولا يمكنه التنفس إلا بمساعدة جهاز أكسجين

ويقول إنه في المقابل، توقّعت قوات الأمن أن يوفر مشغلو المولدات الكهرباء المجانية لبعض الجماعات لضمان ولائهم للحكومة في الانتخابات.

إلا أنّ العديد من سكان المدينة يحصلون على الكهرباء مجانا، بواسطة السرقة.

وتشير التقديرات إلى أن ما يقرب من نصف إمدادات الطاقة من شركة الكهرباء مسروقة، ممّا يفسر أيضاً نقص الأموال اللازمة للاستثمار.

ويتباهى مختصون في الكهرباء بأنهم “روبن هود” محترفون في عمليات سرقة الكهرباء غير القانونية. إذ يستغلون وجود كهرباء في بعض المنازل ليعيدوا توصليها وتوجيهها إلى من يعانون من انقطاع التيار الكهربائي.

ويقول “آدم” – وهو يعرف بـ”روبن هود” طرابلس، ولا يكشف عن اسمه الحقيقي: “أنا أفعل ذلك فقط للأشخاص الذين أشعر أنهم في حاجة حقيقية، ولكنهم فقراء، ولا يمكنهم الحصول على الكهرباء من مكان آخر”.

“إنها سرقة – لا أستطيع أن أقول إنها ليست كذلك – لكن الدولة هي من فرض فعلياً هذا الوضع”.

وتنتشر هذه السرقات في المناطق الفقيرة بشكل خاص، مثل مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في جنوب بيروت، على سبيل المثال – المؤلف من شوارع ضيقة ومنازل مزدحمة بشكل فظيع – ويعيش الجميع تقريباً على الكهرباء المسروقة. ويتزيّن كل مبنى من المخيم بعدد هائل من الأسلاك الكهربائية المعقدة.

ولولا ذلك ما تمكن عيسى رشيد من البقاء على قيد الحياة اليوم.

ويعاني رشيد من قصور في الرئة ولا يمكنه التنفس إلا بمساعدة جهاز أكسجين يعمل بالكهرباء وموصل بواسطة إلى أنفه بأنبوب.

Image caption

تزويد شاتيلا بالكهرباء الحكومية منخفض بشكل خاص بسبب تعطل أحد كابلات التغذية الرئيسية

وعندما ينقطع التيار الكهربائي الرسمي، تتحوّل الأسرة إلى الكهرباء المسروقة – ولا تنتقل إلى مولد غالي الثمن إلا في حال تعطل الطاقة المسروقة أيضاً.

ويمر عيسى عدة مرات في اليوم بلحظات مرعبة عندما تنتقل الكهرباء من مصدر إلى آخر – فيكافح وهو مستلقٍ على أريكة في غرفة المعيشة بشدة كي يتمكن من مواصلة التنفس.

ويقول عصام، نجل عيسى: “نعيش في هذا قلق من احتمال حدوث شيء سيء في أي لحظة. إنه أمر فظيع ومخيف. كان علينا أن نعيش على هذه الحال منذ خمس سنوات”.

هل سيتحسن شيء لعائلته؟

وينخفض تزويد شاتيلا بالكهرباء الحكومية بشكل خاص بسبب تعطل أحد كابلات التغذية الرئيسية. ولم يتم إصلاحه بسبب التوترات الطائفية بين أجزاء مختلفة من بيروت.

وهذا، كما يقول الكثير من المحتجين، يوضح أسباب الأمور الخاطئة في لبنان.

ومن غير المرجح أن يعود التيار الكهربائي والأضواء بالكامل، إلا بعد إصلاح النظام السياسي بأكمله في البلاد.



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى