أخبار عاجلةمقالات

أخطر من القنبلة الذرية

مقال للكاتب راشد بن حميد الراشدي عضو مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية

منذ ثلاثين عامًا وفي إحدى المراحل الدراسية، كان هناك درس بعنوان شائق جميل يتحدث عن مخاطر الذباب على الإنسان وصحته عنوانه: “أخطر من القنبلة الذرية ” .
واليوم هناك عنوان أخطر من ذلك، ولكن ليس للطبيعة والمخلوقات الضارة إسهاما فيه، بل للعقول البشرية وما وصلت إليه من تطور وفكر واختراعات سريعة قد تخدم البشرية، وقد تقضي عليها وتدمر أركانها ألا وهي الثورة المعلوماتية، وبرامج التواصل الإجتماعي الهدامة.

بالأمس كان الطفل ‏يعيش طفولته العفوية بكل التفاصيل من حراك وعراك …
‏بالأمس كانت الأم تلاحظ أبناءها وترعى شؤون بيتها…
بالأمس كان الأب يجلس مع أبنائه ويناقشهم ويسعدهم بوجوده وسطهم فيتعلمون منه كل مفيد …
‏بالأمس كان الابن يجلس في وسط عائلته يحكي تفاصيل يومه السعيد ويلعب مع أبناء جيرانه…

بالأمس كانت البنت تسعى لخدمة أهلها في البيت..
‏واليوم أصبح الكل مشغولا بهاتفه وجهازه مع عالم افتراضي متغير صار أخطر من القنبلة الذرية بأضعاف مضاعفة؛
فبعد أن أُلقي الهاتف الخلوي في ساحات الشعوب  بكل ما يحمله من برامج، ومواقع ومعلومات حوت السيء قبل الجيد، والنتن قبل العطر، والخبيث قبل الطيب، والكذب قبل الصدق، تَفرَّق الجمع في كل الشعوب وتفككت كل القيم والمُثُل والأعراف والأخلاق والمفاهيم، بل تغيرت الموازين التي كنا نحمل عليها الحكم على من حولنا.
اليوم صارت المجتمعات شتاتا؛ طفل قتلت براءته، وشاب قُتل شبابه وحيويته، وشابة سُلب حياؤها ودثارها، ورجال ونساء هاموا في مسارحه فأرداهم صرعى مستضعفين شاردين لا يطيقون عنه سبيلا.
هو نعمة وليس نقمة، ولكن إذا كان أكثر الناس يستعملونه في أمور لا تسمن ولا تغني من جوع، وإذا كان أكثر الناس يقادون فيه من أنوفهم لحتفهم وإذا كانت أجيالنا وأبناء المجتمع مدمنةً عليه لحد الثمالة؛ فكيف لا ندعي بأنه أخطر من القنبلة الذرية أثرًا وتأثيرًا .
أصبحت العقول خاوية، والسمع مضطربا والنظر ضعيفا، والحراك ميتا، والنفوس ضيقةً، والأخلاق والمُثل تائهةً، والأمراض  النفسية والسيكولوجية والعصبية منتشرة .
شباب كالزهور فقدوا أنفسهم، وأولياء الأمور يُهدون أبناءهم منذ طفولتهم أجهزة الدمار وبافتخار .
لا خلق ولا دين، ولا مباديء ولا مُثل سيزرعها هاتف ملغم بملايين القنابل الحارقة، وفي أعلى مستويات الابتكار التي تتقاذفها صواريخ يومية تأتي بالجديد كل يوم .
أفكار غريبة لم تتعود عليها جميع المجتمعات فمن برامج التواصل المدمرة، إلى الألعاب الإلكترونية القاتلة، إلى سلب الإنسان دينه وأخلاقه، إلى معلومات مظللة تفتك بالإنسان ووطنه .
اليوم ومن خلال مقالي المتواضع، أعتقد بأننا ما زلنا بخير إذا أوجدنا الحلول، وتكاتَف المجتمع، وسعت أوطاننا لدرء الفتنة عن الصغير والكبير بالتوعية الصادقة، وغرس المناهج السليمة المنظمة لاستخدام هذا الغزو الخفي لبني البشر .

ألحقوا ما بقي من خير قبل اندثاره؛ فالقنبلة فُجرت بهدف تفتيت الحياة وجمالها وعفويتها؛ فصار الناس أجسادا بلا فكر أو طموح، أو استكشاف أو جهد، فكل ما يريدونه جهاز يكون بين أيديهم يحرق الأخضر واليابس في حياة  فاح خرابها ودمارها.
أعتقد بأن ما يحدث ( أخطر من القنبلة الذرية ) بملايين المرات فلنزرع حُسن الاستخدام للتكنولوجيا وثورة المعلومات والبرامج والمواقع في مجتمعاتنا لنبني جيلا صالحًا شامخًا لغدٍ أفضل ولنجنب أبناءنا ذلك الخطر الخطير .
فعسى القادم أفضل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى