هل تصيبك الأحاديث الجانبية في مكان العمل باضطرابات عصبية؟
[ad_1]
في عام 2016، استقر عدد من العلماء في معهد فرانسيس كريك للأبحاث الطبية الحيوية في لندن، والذي بلغت تكلفة بنائه 650 مليون جنيه إسترليني، لكن لم تكد تمر سنة واحدة على تدشينه حتى اكتُشف فيه عيب خطير.
إذ اشتكى الموظفون في مساحة العمل المفتوحة التي من المفترض أن تساعد على التعاون، من أصوات ضحكات زملائهم الرنانة التي اختلطت مع أصوات مئات العلماء الذي ينخرطون في نقاشات عن مشروعاتهم البحثية. وقالوا إنهم لا يستطيعون التركيز أو حتى التفكير في الاكتشافات العلمية.
ورغم أهدافهم الطموحة، إلا أن مصممي المبنى غفلوا عن بعض الحقائق العلمية، إذ تثير الهمهمة والأحاديث الجانبية غضب البعض بقدر ما يثيره وجود زميل يضغط على زر القلم دون توقف بجوار أذنيك.
إذ أصبحت بيئات العمل المعاصرة، بفضل المكاتب المفتوحة وغيرها من الابتكارات الحديثة، كابوسا مزعجا، تتضافر فيها نغمات الهواتف الجديدة وأصوات الطابعات وآلات النسخ لإرهاق آذان الموظفين، ناهيك عن “المقرمشات” التي صممت بدقة لتصل شدة صوتها إلى 70 ديسيبل.
وقد تحدث البعض على موقع التواصل الاجتماعي “ريديت” عن أصوات أخرى تثير جنونهم في بيئات العمل، إذ ذكر أحدهم رجّ قطع الثلج في الكوب البلاستيكي، وذكر آخر أنه يستطيع تحديد أنواع الأطعمة التي يتناولها زملاؤه من صوت القرمشة.
وفي استطلاع للرأي أجري عام 2015 عن الأصوات الأكثر إزعاجا في المكاتب، تصدرت الأحاديث الجانبية قائمة الأصوات الأكثر إثارة للضجر، ويليها السعال والعطس والاستنشاق بصوت مرتفع، والتحدث في الهواتف بأصوات مرتفعة وجرس الهاتف والصفير.
وتتفاوت القدرة على تحمل الضجيج من شخص لآخر تفاوتا شاسعا. فقد يستمتع بعض الموظفين بالعمل في بيئات العمل الصاخبة، وقد حقق مقطع فيديو لمدة ساعتين يحاكي نفس الأصوات التي تسمعها في المكاتب ما يناهز مليوني مشاهدة.
ويفضل كثيرون الاستماع إلى الموسيقى أثناء العمل، حتى إن البعض يعتقدون أن الموسيقى تساعدهم على التركيز، بينما يقول آخرون إنها تساعد في تشتيت انتباههم عن الأصوات المزعجة في بيئة العمل. وترى بعض الشركات أن الموسيقى تسهم في تحسين إنتاجية الموظفين، ولذا تتعمد تشغيل الموسيقى باستمرار في جميع المكاتب، بغض النظر عن ميول الموظفين ورغباتهم.
وعلى النقيض، يكره البعض جميع الأصوات أثناء العمل كراهية شديدة، إلى حد أن حالتهم صنفت بأنها اضطراب مرضي، يطلق عليه اضطراب “ميزوفونيا” أو كراهية الصوت، الذي لم يكتشف إلا مؤخرا. إذ لوحظ أن البعض تثير لديهم بعض الأصوات اليومية المعتادة ردة فعل مبالغ فيها، مثل القلق المفرط أو الغضب العارم أو الذعر. وقد تتراوح الأصوات التي تزعجهم من صفير الزملاء أو الأصوات التي يصدرونها أثناء رشف المشروبات وبعده، وحتى صوت البلع أو التنفس.
وفي عام 2011، أجرى باحثون من كلية لندن الجامعية وجامعة لندن، دراسة للكشف عن أسباب تفاوت القدرة على تحمل الضوضاء، وطلبوا من 118 طالبة في مدارس ثانوية الإجابة على أسئلة تكشف عن مدى انطوائهم أو انفتاحهم على الآخرين، وهذا ينعكس على مدى استمتاعهم بمخالطة الآخرين أو كراهيتهم لها.
وبعدها طلب الباحثون من الطالبات حل اختبارات معرفية بينما يستمعون للموسيقى الصاخبة أو الضوضاء المعتادة في الفصل، في حين طلبوا من مجموعة أخرى حلها في بيئة هادئة.
ولاحظ الباحثون أن جميع الطلاب تحسن أداؤهم في البيئة الهادئة. ولاحظوا أيضا أنه كلما زاد انطوائهم، زاد تأثرهم بالضوضاء.
يقال إن الانبساطية، التي تعد أحد العوامل الخمس الكبرى للشخصية، تدفع الشخص لخوض تجارب جديدة بحثا عن الإثارة، مثل البيئات المزعجة. وعلى النقيض، يكره الانطوائيون التجارب الجديدة ولا يتحملون الإثارة النفسية.
ولهذا تؤثر الضوضاء على الانطوائيين أكثر مما تؤثر على غيرهم. لأنهم لا يطيقون المثيرات الخارجية أثناء العمل، كالموسيقى ودردشة الزملاء. وانتهت دراسة أجراها طلبة في كلية الطب، إلى أن الانطوائيين وجدوا صعوبة أكبر في التركيز وشعروا بالإنهاك عندما كانوا يحلون مسائل رياضية بينما بلغت شدة صوت السيارات في الخارج 88 ديسيبل.
وتؤثر مدى عصابية الشخص ورباطة جأشه أيضا على قدرته على التركيز، إذ أشارت أبحاث إلى أن الأشخاص الذين يعرفون بسرعة الغضب، يكونون أكثر تأثرا بالأصوات أثناء حل المسائل الرياضية.
وأشارت دراسات إلى أن تركيبة أدمغة الأشخاص الذين يعانون من اضطراب ميزوفونيا تختلف عن تركيبة أدمغة غيرهم. إذ خلصت دراسة أجريت على المصابين بالاضطراب في عام 2017 إلى أن الأصوات تثير ردة فعل أقوى من المعتاد في أجزاء الدماغ المسؤولة عن معالجة المشاعر وتفسير إشارات الجسم، مثل الألم.
وأشارت دراسة أجريت على طلاب الجامعة إلى أن واحدا من بين كل خمسة طلاب يبدي انزعاجا شديدا من بعض الأصوات.
وإذا كنت تشعر أن صوت مضغ زميلك لطعام الإفطار قد يدفعك للصراخ في وسط الغرفة، فقد يشاطرك الرأي العالم تشارلز داروين، والكاتب أنطون تشيخوف، والروائي مارسيل بروست. ولم يكتف بروست بسد جميع الفتحات في جدار مكتبه بالفلين، بل ارتدى أيضا سدادت أذن لمنع الأصوات تماما. وقد يرجع ذلك إلى عدم قدرة المصابين بهذا الاضطراب على تجاهل المثيرات الحسية، مثل الضوضاء، وقد ارتبط هذا الاضطراب بالمبدعين.
إلا أن السمات الشخصية وتركيبة الدماغ لا يؤثران إلا على درجة الانزعاج من الضوضاء، لكن معظم الدراسات أثبتت أن جميع الناس يتحسن أداؤهم للمهام المعقدة في البيئات الهادئة.
ويعزو نيك بيرهام، عالم نفس من جامعة كارديف ميتروبوليتان، ذلك إلى سببين أولا أن الأصوات المختلطة في البيئة المحيطة بك تشبه الأصوات التي تدور في رأسك. ويقول إن بعض المهام تحتاج منا إلى ترديد الكلمات في العقل الباطن دون التلفظ بها، كما هو الحال عندما تحاول استرجاع رقم هاتف شخص ما. ولهذا، فإن أي كلمات أو أحاديث من حولك ستضعف قدرتك على التركيز في أفكارك.
ويرى بيرهام أن السبب الثاني هو أن الطريقة التي تعالج بها أدمغتنا المعلومات التي يتوقف عليها إنجاز بعض المهام تتعارض مع الطريقة التي تعالج بها الضوضاء في البيئة المحيطة.
ويقال إن أدمغتنا كالمساعد الافتراضي الذكي “أليكسا” لا يمكنها تجاهل الأصوات التي تدور من حولنا، حتى لو لم نعرها انتباهنا. فإن آذاننا تصغي دائما للأصوات وترتبها رغم إرادتنا.
وأجرى بيرهام دراسة كلف فيها 36 طالبا بحل مسائل رياضية تتطلب تذكر تسلسل من الأعداد بينما كانوا يسمعون أصواتا تشبه ضجيج المكاتب أو يجلسون في هدوء. واكتشف الباحثون أن الضجيج، على اختلاف مصادره، أدى إلى تدني أداء الطلبة. وخلص الباحثون إلى أن معظم الناس يتحسن أداؤهم عندما يعملون في هدوء، حتى لو كانوا يعتقدون العكس.
وخلصت دراسة أخرى أجراها بيرهام إلى أن المشاركين الذين أدوا مهاما تتطلب تذكر قائمة من المعلومات بالترتيب أثناء الاستماع للموسيقى، حصلوا على درجات أقل مقارنة بنظرائهم الذين أدوها في بيئة هادئة، بغض النظر عن مدى حبهم للموسيقى التي يستمعون لها أو كرههم لها. واللافت أن جميع الطلاب ذكروا أن أداءهم تحسن على أنغام الموسيقى التي يفضلونها، رغم أن الباحثين أثبتوا العكس.
مادامت الضوضاء تؤثر على قدرة جميع الناس على التركيز، حتى لو كنا نعتقد العكس، فإن المساحات المفتوحة في الشركات الحديثة تؤثر سلبا على أداء الموظفين، مهما اختلفت ميولهم.
يقول كورتني فون هيبل، عالم نفس بجامعة كوينزلاند، إن الموظفين لا تفصل بينهم أبواب ولا جدران في بيئات العمل الحديثة، وقد كثرت المشتتات التي تقطع حبل أفكارهم. ويجب أن ندرك أن أداء الموظفين يتفاوت كثيرا في بيئات العمل المفتوحة الصاخبة. ولهذا ينبغي على الشركات أن تخصص مساحات هادئة للأشخاص الذين يؤدون مهاما تتطلب التركيز.
والخلاصة، أن المؤسسات التي تهتم بالتصميمات أكثر من اهتمامها بتهيئة بيئة هادئة خالية من المؤثرات الصوتية، من المرجح أن يتراجع أداؤها.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Worklife
[ad_2]
Source link