البلدة الأمريكية التي لا يمكن الوصول إليها إلا عبر كندا
[ad_1]
كانت السيارات تناسب بسلاسة في شارع 56 المحاط بالأشجار في مدينة فانكوفر الكندية، إلى أن صادفتنا متاهة من الحواجز الخرسانية عرقلت الحركة المرورية.
وأوقفت سيارتي أمام أحد الأكشاك، حيث فحص أحد أفراد حرس الحدود جواز سفري الأمريكي، وسألني باهتمام: “هل تعلم إلى أين تتجه؟”، وكانت نبرة صوته تدل على أنني ربما أكون ضللت طريقي. إذ نادرا ما يأتي إلى بلدة بوينت روبرتس زوار من خارج المنطقة.
لكنني جئت خصيصا لزيارة هذه البلدة التي لا تتعدى مساحتها خمسة أميال مربعة. ورغم أنها بلدة أمريكية، إلا أنها منفصلة تماما عن سائر أراضي الولايات المتحدة ومتصلة بأراضي كندا. وتحمي هذه البلدة المعزولة وزارة الأمن الداخلي الأمريكية.
وقد تكشف هذه الحالة الجغرافية الاستثنائية عن أهمية الاتفاقات الدبلوماسية بين البلدان التي قد تمتد تداعياتها لقرون عديدة. وعندما رُسمت الحدود بين الولايات المتحدة وكندا في عام 1846، تقاطعت مع شبه الجزيرة الكندية، وخلفت شريطا تابعا للولايات المتحدة في الطرف السفلي لكندا على بُعد نحو 25 ميلا جنوب فانكوفر.
ويطلق علماء الجغرافيا على هذه الحالة اسم “جيب خارجي شبه محاط بأراضي دولة أخرى”، وجرى تعريفه بأنه منطقة تابعة لإحدى الدول لا يمكن الوصول إليها إلا باجتياز حدود دولة أخرى.
وباستثناء زوار هذه المنطقة الذين يستقلون طائرات خاصة أو مراكب، لا يمكن لأحد الوصول إلى هذا المجتمع الأمريكي بالسيارات إلا بالمرور عبر كندا.
ويقول مارك سوينسن، المؤرخ ومؤلف كتاب “تاريخ بوينت روبرتس”، إن الولايات المتحدة لم تغفل عن أهمية هذه البلدة من البداية، إذ أن امتلاك بوينت روبرتس قد منح الولايات المتحدة موطئ قدم في الشمال الغربي للمحيط الأطلسي بالإضافة إلى حقوق صيد الأسماك والسلطعون.
وكانت الولايات المتحدة تتخذ من بوينت روبرتس قاعدة عسكرية لعقود، لكن في عام 1908، منحت أراضي البلدة للمستوطنين الذين ينحدر أغلبهم من آيسلندا. ومنذ أكثر من 30 عاما، كرّم الرئيس الآيسلندي المستوطنين الأوائل وأقام نصبا تذكاريا في أقدم مدفن بالبلدة.
وتحتضن بلدة بوينت روبرتس مجتمعا ريفيا قوامه 1,300 ساكن، فضلا عن مئات النسور والقليل من الحيتان القاتلة التي تأتي إلى شواطئ البلدة صيفا.
ويقول سكان البلدة الذين يزورون مدينة فانكوفر المجاورة التي تضج بالحيوية ويناهز تعداد سكانها 2.5 مليون نسمة، إنهم يتنفسون الصعداء عندما يعبرون إلى هذا الجزء التابع للولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى الحدود الأمريكية مع المكسيك، فإن السلطات تبدو متراخية بشأن هذه الحدود الأمريكية الكندية. إذ كانت الحدود بين الدولتين في الشارع الشمالي ببلدة بوينت روبرتس أشبه بقناة صرف محاطة بسياج من الأشجار المنسقة بعناية، زرعها أصحاب المنازل الكنديين أمام حدائق منازلهم الخلفية للحفاظ على خصوصيتهم، وليس لحماية سيادة الدولة.
ونصبت في سائر أنحاء البلدة أرجوحات وقوائم مرمى كرة القدم فوق الحدود بين الدولتين. ولم أجد شيئا يدل صراحة على الحدود سوى حاجز خرساني يعادل ارتفاع قصبة الساق يدل على نهاية طريق في بلدة تساوسين الكندية المجاورة.
لكن البلدة ليست وادعة كما قد تبدو للوهلة الأولى. إذ يشاع أن برنامج حماية الشهود الفيدرالي الأمريكي دأب على إعادة توطين المُبلغين الذين يشهدون ضد المجرمين في بلدة بوينت روبرتس بهويات شخصية جديدة.
لكن دخول بلدة بوينت روبرتس ليس سهلا، إذ يمر المسافر من الولايات المتحدة إلى بوينت روبرتس بالسيارة عبر نقطتي تفتيش إحداهما في كندا والثانية عند إعادة دخول الولايات المتحدة في مدخل البلدة. وتضع كندا إجراءات وقائية مشددة تحول دون دخول أي شخص لديه سوابق جنائية.
وتقول تريسي إيفانز، مساعدة المدير العام بنادي غولف بوينت روبرتس، إن بعض الناس في البلدة يثيرون ارتيابها، ويعيش بعض جيرانها منعزلين عن الآخرين. وتضيف إن هذه البلدة نائية وليس من المستغرب أن ينتقل إليها من يسبب المتاعب في الولايات الأمريكية.
وتستقطب البلدة بالفعل شخصيات متنوعة. ويقول سوينسن إن البلدة تضم توليفة من الشخصيات المستقلة، من محبي المنتجات العضوية إلى عشاق النسور، ومربي النحل وجامعي الطوابع، واللافت أن كل هؤلاء يعيشون في منطقة لا تتعدى مساحتها خمسة أميال مربعة.
وتفرض الطبيعة الجغرافية للبلدة على سكانها نمط حياة يومي غير معتاد. فرغم أن البلدة تحتضن مدرسة ابتدائية، إلا أن الطلاب بعد الصف الثالث الابتدائي يقطعون 50 ميلا جيئة وذهابا بالحافلة لحضور بعض الحصص والدورات الإجبارية في واشنطن بالولايات المتحدة. وهذه الرحلة ليست غريبة على سكان البلدة الذي يقطعون نفس المسافة للذهاب للطبيب أو الحصول على الأدوية من الصيدليات أو حتى الحصول على لوحات تسجيل السيارات.
ولا يخلو العيش بالقرب من الحدود الدولية من التحديات والمشاكل التي قد لا تراها في مكان آخر. ويقول سوينسن إن هناك قائمة عريضة من القيود واللوائح على الأمتعة التي يسمح بنقلها عبر الحدود، وعليك أن تكون على دراية بكل ما يطرأ عليها من تغييرات من وقت لآخر.
ورغم أن الهدف من القيود هو حماية الزراعة في الولايات المتحدة من الآفات والأمراض، إلا أن بعضها يبدو مخالفا للمنطق. إذ لا يسمح مثلا للسكان بإدخال ثمار الطماطم الكاملة إلى الولايات المتحدة، لكن لا مانع من حمل الطماطم المقطعة!
وتضع الولايات المتحدة قيودا صارمة على لحوم الغنم خشية نقل الأمراض، ولهذا ينبغي على أصحاب الحيوانات الأليفة توخي الحذر عند اختيار أطعمة الكلاب قبل إدخالها للولايات المتحدة.
وفي أوج انتشار مرض جنون البقر، صودرت وجبات طلاب مدارس في بوينت روبرتس لأنها كانت تحتوي على شرائح اللحم البقري البارد.
وتستقطب بوينت روبرتس الكثيرين لأسباب اقتصادية محضة، إذ يمتلك الكنديون منازل صيفية في البلدة لأن المباني المطلة على الشاطيء أقل سعرا منها في فانكوفر، ويتوافد عليها الزوار طوال العام للحصول على وقود السيارات والحليب والمشروبات الكحولية بأسعار أقل مقارنة بكندا.
ويقول سوينسن إن استطلاعا للرأي أجرته جامعة ويسترن واشنطن أشار إلى أن 40 في المئة من زوار بوينت روبرتس يأتون إليها من كندا خصيصا لشراء الوقود، ولهذا توجد 60 محطة وقود في البلدة.
وياتي البعض إلى البلدة لاستلام السلع التي يشترونها عبر الإنترنت من مراكز الشحن المتعددة في أنحاء البلدة، ويستخدم بعض الكنديين عناوين في البلدة لترسل إليها السلع التي يشترونها من الولايات المتحدة، ليس فقط لأن أسعارها تكون أقل بل أيضا لأن بعض المواقع الإلكترونية لا ترسل السلع إلى دول أخرى خارج الولايات المتحدة.
ويقول مارك بيلاند، عالم جغرافيا، إن عدد صناديق البريد التي يمتكلها كنديون في البلدة أكثر من تلك التي يمتلكها سكان البلدة بنحو 40 ضعف.
وتمتلئ أرفف متاجر البيع بالتجزئة بمنتجات وسلع لا يمكن أن يستهلكها سكان هذه البلدة الصغيرة بمفردهم، وتتعامل المتاجر بالعملتين الأمريكية والكندية.
وتستقطب البلدة أيضا محبي شطائر البرغر غير كاملة النضج. إذ تحظر القوانين الصحية في كندا تقديم اللحوم التي لا تزال نيئة من الداخل خوفا من بكتيريا إيشريشيا كولاي وغيرها من الأمراض التي تنتقل عبر الغذاء.
وعندما عدت إلى كندا في اليوم التالي، تذكرت مقولة لويس موغار، التي تشارك في نشر الجريدة المحلية في البلدة، حين وصفت الحياة في البلدة بأنها أقرب إلى الحلم منها إلى الواقع، ولن تشعر بغرابتها إلا إذا ابتعدت عنها.
والعجيب أن البلدة سرعان ما تتسرب إلى قلبك وتسلب لبك. فلم أكد ابتعد عن بوينت روبرتس حتى شعرت بحنين إليها، بتميزها وغرابتها وحتى تحديات العيش فيها.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Travel
[ad_2]
Source link