العلوم النفسية والتربوية والاجتماعية

قد يسبب الشك في الطهارة والوضوء.. وكل شيء

د. عبدالله غلوم: الوسواس القهري.. نفسي وراثي لا علاقة له بالدِّين

 

د. خلود البارون –  يتمكن الشخص عادة من إيقاف الأفكار والهواجس غير المنطقية والمزعجة، قبل أن تسيطر عليه، بيد أن الوضع يختلف بالنسبة للمصاب بالوسواس القهري، فهو لا يتمكن من ايقافها. ومشكلة الوسواس القهري أنه يُدخل المصاب في سلسلة من الطقوس والأفكار التي يغذي بعضها بعضا، فتزداد شدتها مع الوقت لتسبب حلقة مفرغة من الأعراض المرضية التي لا يتمكن من الخروج منها إلا بعد كسرها عبر العلاج المناسب. وبيّن استشاري الطب النفسي د. عبدالله غلوم، أن نسبة الإصابة بالوسواس القهري في الكويت لا تتعدى %1- %2. ومن الوارد أن تظهر الإصابة في أي عمر بيد أن نسبة الإصابة تزداد في الفئة العمرية ما بين 15 – 25 سنة. وشرح قائلا «هو مرض نفسي يرتبط مع اضطرابات القلق والتوتر، وتعريفياً فهو يصف حالة تسبب توارد الأفكار والمخاوف بشكل ملحّ وغير منطقي، مما يؤدي إلى فرط التوتر وردود أفعال قهرية نابعة من حاجة المصاب للتغلب على هذه الأفكار». مَن الأكثر عرضة للإصابة؟ توصل العلم إلى تحديد بعض العوامل التي ترفع فرصة الإصابة، مثل:
الوراثة: وجود تاريخ عائلي بإصابة أحد الوالدين أو أفراد في العائلة.
التعرض لفترات طويلة من الضغط النفسي: يؤمن بعض الخبراء بأن التعرض لصدمة وأحداث مؤلمة وضغط النفسي لفترات طويلة يسبب ردة فعل نفسية قد تسلط الأفكار وهواجس الوسواس القهري. كما قد يحفز الضغط النفسي ردة فعل فزيولوجية- دماغية تسبب بدء اعراض الوسواس القهري.
الإصابة بأمراض نفسية أخرى: تسبب بعض الاضطرابات النفسية خللا في تركيز النواقل العصبية الدماغية (كاضطرابات القلق والاكتئاب وادمان المخدرات). أنواع كثيرة ومتعددة للوسواس هناك أنواع كثيرة ومتعددة للوسواس القهري، لكن أشهر الحالات التي ترد العيادة الطبية هي: – وسواس النظافة والطهارة والشك في الصلاة والوضوء. – الشك في جودة القيام بالأفعال، فيجد الشخص نفسه يكرر أفعاله مثل قفل الباب واطفاء الفرن ومفاتيح الانارة الكهربائية. – الشك المرتبط بالعقيدة، مثل الشك في الذات الإلهية ورموز الدين كالأنبياء والقرآن والصحابة. – الشك في الذات والانزعاج المفرط من الأفكار والمناظر الجنسية غير اللائقة. الأعراض عادة ما يكون للأفعال القهرية موضوعات، مثل: الغسل والتنظيف.
التحقق والتدقيق.
العدّ وتكرار عد كل ما يقوم به او يتعرض له يوميا.
اتبّاع روتين صارم في الترتيب والحفاظ على النظام. وبشكل عام، فيمكن ذكر أكثر امثلة شائعة لأعراض الأفعال القهرية:
غسل اليدين وأحيانا الجسم حتى تصبح البشرة جافة وملتهبة.
التحقق من الأبواب والنوافذ والادوات الكهربائية بشكل متكرر للتأكد من أنها مقفلة.
التحقق من الموقد مراراً وتكراراً للتأكد من إيقاف تشغيله.
العدّ في أنماط معينة وتكرار عدد الاشياء او الأفعال.
تكرار الصلاة أو الوضوء. من يحتاج للعلاج؟ تختلف طبيعة أعراض أي اضطراب نفسي بحسب شدته (خفيف، متوسط، وشديد). فإذا كانت اعراض الوسواس القهري بسيطة، بحيث لا تؤثر على نمط الحياة اليومية والعلاقة العائلية والاجتماعية، فغالبا لا تحتاج الحالة إلى العلاج، لكن إذا كانت الأعراض تؤثر سلباً على حياة المصاب، بصورة تمنع ممارسته لأعماله ونشاطاته اليومية، وتسبب هبوط مزاجه وزيادة توتره، وحتى إطالة انجازه للعمل، فهنا ينصح بقصد المساعدة الطبية مبكراً للحصول على العلاج المناسب واستعادة المريض لحياته وصحته النفسية. خطوات العلاج وحول خطة العلاج، شرح د. عبدالله قائلا: «يمكن علاج هذه الحالة بنجاح عبر الأدوية أو جلسات العلاج السلوكي. وحاليا، يتوفر جيل ممتاز من الأدوية النفسية التي تساهم في إعادة اتزان هرمونات الدماغ وتقليل الأعراض بنسبة تصل إلى %90. وبحسب شدة الحالة المرضية، فيمكن أن يحتاج المريض الى كورس دوائي لمدة كافية تمتد ما بين 6 و12 شهراً، ولكن هناك حالات شديدة أو مزمنة تتطلب استمرار الكورس الدوائي لسنوات عدة. أما بالنسبة للعلاج السلوكي، فيعتمد على طرق فكرية وذهنية ومعرفية تساعد الشخص المصاب بالوسواس القهري على التغلب على افكاره الوسواسية. وهذا النوع من العلاج يحتاج الى الوقت والممارسة. اعتقادات خطأ من الصعوبات التي يواجها أطباء الأمراض النفسية تفشي بعض المعتقدات الخطأ حول المرض النفسي، مثل: – الاعتقاد بان تناول ادوية العلاج النفسي يسبب الإدمان وبدء تعاطي المخدرات وحتى تدهور الصحة النفسية مستقبلا. لكن الحقيقة هي ان الجيل الجديد من هذه الادوية بريء تماما من هذه الاتهامات. -الاعتقاد بأن سبب المرض النفسي هو ضعف في الناحية الدينية، بينما الحقيقة هي ان سببه غالبا هو خلل عصبي- دماغي مع وجود قابلية جينية. – الاعتقاد بأن سبب اعراض المرض النفسي هو السحر او العين والحسد. فالحقيقة هي ان فرضية السحر مرفوضة. أما العين والحسد فلا يمكن انكار ان «العين حق» ولكن لا يمكننا ايضا لوم العين والحسد على كل مرض فزيولوجي او نفسي. مراهق يقضي 10 – 11 ساعة في الحمام يومياً مصاب في عمر 15سنة، يعاني وسواس النظافة يضطره إلى قضاء ما بين 10 – 11 ساعة يوميا في الحمام. فالتزامه بطقوس نظافة الحمام ونظافته الشخصية (الطهارة) جعلته يستغرق وقتا طويلا يوميا في الحمام، مما سبب في اشد حالاته توقف حياته الاجتماعية لمدة سنتين وخسارته عامين من الدراسة. وبعد قصد الاهل العلاج الطبي وبدء خطة العلاج، انخفضت شدة أعراضه كثيرا لتقل فترة قضائه في الحمام إلى 1:30. وهو ما يمكن اعتباره انجازا لهذه الحالة لأنها سمحت له باستعادة وقت للنشاط الاجتماعي والاسري ورجوعه الى المدرسة. نصيحة للأهل من المهم ان يدرك الأهل أن هذا المرض ليس دلالة على الهذيان أو نقص العقل او قلة الايمان، بل على وجود خلل عصبي- دماغي، ناتج عن انخفاض معدل هرمون السيراتونين. وغالبا ما يكون له علاقة بالقابلية الجينية الوراثية. والعلاج الدوائي مفيد جدا، لأنه يعمل على رفع تركيز هذا الهرمون وبالتالي تخفيف الأعراض كثيرا مما قد يؤدي الى اختفائها تماما. وتزداد فرصة الشفاء مع حصول المريض على العلاج مبكرا. فمعاناة الشخص لمدة شهرين من المرض وحصوله على العلاج مبكرا سيرفع فرصة شفائه بعد كورس واحد فقط من العلاج، أما استمرار معاناته لسنتين مثلا قبل بدء علاجه دوائيا، فيقلل فرصة الشفاء ويجعله يلتزم بالدواء لعدة سنوات بهدف تخفيف الاعراض والسيطرة عليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى