الانحياز للنتائج السابقة قد يقودك إلى “كارثة”
[ad_1]
تخيل قائدة طائرة تقود رحلة جوية بمسار معتاد، وخلال الرحلة تسوء حالة الجو، ورغم إدراكها مخاطر اجتياز عاصفة ما، وأنه من الأفضل العدول عن مسار الرحلة أو اتخاذ مسار بديل بحسب ما تلقته من تدريب، تقول إنها سارت في هذا المسار من قبل وفي ظروف مشابهة ولم يحدث شيء في النهاية. هل تواصل السير بنفس المسار أم تعدل عنه؟
إن اعتقدت أنه لا ضير من مواصلة السير، فقد وقعت في الخطأ الإدراكي المعروف بـ”الانحياز للنتائج السابقة”. فقد أظهرت دراسات أننا كثيرا ما نحكم على قرار أو سلوك بمحصلته النهائية، متجاهلين العوامل المختلفة التي ربما تسهم في النجاح أو الفشل، ما يجعلنا لا نرى خطأ في تفكيرنا الذي ربما يؤدي لحدوث كارثة.
وفي المثال السابق انطوى قرار مواصلة الرحلة على مخاطر جمة، وربما نجت قائدة الطائرة من كارثة محدقة بفضل الحظ، لكن أدى “الانحياز للنتائج” إلى التعامي عن المخاطر وافتراض المبالغة في تقدير الخطر أو أن مهارة قائدة الطائرة الفائقة كان لها الفضل في إتمام الرحلة، ما يجعل قائدة الطائرة ربما تخاطر أكثر في المرة القادمة. وكلما حالفها الحظ، أعارت اهتماما أقل للخطر.
يؤدي الانحياز للنتائج السابقة إلى جعلنا أكثر تهورا في قراراتنا من ناحية، وأقل اعتبارا لمغبة عدم الكفاءة والسلوك اللاأخلاقي بالنسبة لزملاء من ناحية أخرى.
وقد تكون النتائج مخيفة بالفعل، إذ ترجح دراسات أن هذا الانحياز ساهم في حدوث كثير من الكوارث الشهيرة، بما في ذلك تحطم مكوك الفضاء كولومبيا وكارثة “ديبووتر هورايزون” للتسرب النفطي.
هل العبرة دائما بالنهاية؟
رصد الباحثون خطأ الانحياز للنتائج النهائية أول مرة خلال ثمانينيات القرن الماضي، ويرجع الفضل في ذلك إلى دراسة رائدة تطرقت للقرارات الطبية.
وأعطى الباحثون في الدراسة المشاركين وصفا لسيناريوهات عدة تشمل مخاطر ومنافع التدخلات الطبية المختلفة ،ثم طلبوا من المشاركين الحكم على مدى صواب قرار الطبيب أو عدمه.
فعلى سبيل المثال قيل للمشاركين إن طبيبا قرر إجراء عملية قلب لمريض من شأنها أن تطيل عمره سنوات كثيرة يقضيها بصحة جيدة مع احتمال قليل لوفاة المريض خلال العملية، وكان حكم المشاركين على قرار الطبيب، كما هو متوقع، قاسيا عندما قيل لهم إن المريض مات مقارنة بإخبارهم بأن المريض عاش، رغم أن الفائدة والضرر كما هو في الحالتين لم يتغير.
تتأثر أدمغتنا بشكل كبير بالانحياز للنتائج على نحو يسهل تفهم شعور المشاركين بضرورة معاقبة الطبيب على وفاة المريض رغم أن هذا الشعور غير قائم على منطق، إذ لم يكن أمام الطبيب وسيلة أفضل لموازنة الأمور واحتمال النجاح والفشل وقت إجراء العملية. لكن ما إن علمنا بوفاة المريض إلا وألحت علينا فكرة خطأ الطبيب ومن ثم شكك المشاركون في كفاءته.
ويقول كريشنا سافاني، من جامعة نانيانغ للتكنولوجيا في سنغافورة: “يجد المخ صعوبة في الفصل بين أمور عشوائية، إلى جانب جودة القرار، تسهم على نحو مشترك في تحقيق النتيجة”.
وقد جرت عدة دراسات أكدت نفس النتائج التي خلصت إليها الدراسة عام 1988، وأكدت أن النتائج السلبية تقودنا لإلقاء اللوم على شخص ما جراء أحداث خارجة عن يده، حتى حين نلم بكل الحقائق التي تعطي العذر لقراره.
كما أظهرت الدراسات أن الأمر صحيح في حالة النجاح أيضا، فالنتيجة الإيجابية قد تقودنا لتجاهل مغبة قرارات خاطئة ما كان ينبغي اتخاذها وبالتالي نتهاون مع سلوك كان ينبغي رفضه.
وفي تجربة أجرتها فرانسيسكا جينو، بكلية هارفارد للأعمال، قيل للمشاركين إن عالِما تلاعب في النتائج لإثبات فاعلية دواء تحت الاختبار، ورصدت جينو أن المشاركين كانوا أكثر تسامحا مع سلوك العالم حين نجح الدواء وأثبت فاعليته وعدم خطورته عما لو أحدث الدواء آثارا جانبية خطيرة، مع أن المفترض أن يكون الحكم على السلوك بنفس الشدة في الحالتين لأن موظفا تصرف بشكل غير مسؤول مما قد يؤدي لتبعات خطيرة، إن لم يكن الآن ففي المستقبل.
وتظهر خطورة هذا العيب في التفكير في حالات ترقية الموظفين، كذلك عندما تُعطى مكافأة لمستثمر نجحت استثماراته بالصدفة أو الحظ رغم ما يدلل بوضوح على عدم الكفاءة أو وجود سلوك لاأخلاقي، وذلك حين لا يستطيع المدير أو المسؤول الفصل بين مدى وجاهة القرار، والنتائج اللاحقة، وعلى النقيض يظهر أن الإخفاق قد يضر بسمعة شخص ما حتى مع عدم وجود أدلة لسوء تصرف وفي المعلومات المتاحة.
ويقول سافاني: “من المؤسف أن الناس إما يُمدحون أو يُلامون على أشياء بالصدفة، وينسحب الأمر أيضا على السياسات التي تتخذها الحكومات والأعمال وعلى قرارات مختلفة”.
كذلك يؤثر الانحياز للنتائج السابقة على الرياضة، وذلك يتضح من دراسة أجراها أرتورو رودريغيز، من جامعة تشيلي، مؤخرا بالنسبة لتصنيف خبراء كرة القدم للاعبين على موقع “غول دوت كوم”، ووجد أنه في المباريات التي تحددت نتيجتها بضربات الجزاء الترجيحية تأثر تقييم الخبراء بتلك الدقائق القليلة النهائية في حكمهم على أداء اللاعب طيلة المباراة.
كما كان تقييم الخبراء منحازا ضد اللاعبين الذين لم يحرزوا أهدافا رغم أدائهم الجيد، إذ يقول رودريغيز إن “تأثير الضربات الترجيحية كان كبيرا على تقييم اللاعبين حتى أولئك الذين لم يشاركوا في الضربات”.
أفلت بأعجوبة
لكن النتيجة الأخطر لهذا الانحياز تتمثل في عدم إدراك مغبة المجازفة، فقد فحصت دراسة للطيران، على سبيل المثال، تقييم قائدي الطائرات للطيران في ظروف جوية خطرة في ظل عدم وضوح الرؤية.
وخلصت الدراسة إلى أن الطيارين كان لديهم الميل لتقليل خطر الرحلة لو سمعوا لتوهم أن طيارا آخر اجتاز نفس الرحلة بنجاح في ظل الظروف نفسها، بينما الواقع أنه لايوجد ضامن لنجاح رحلة لأن أخرى نجت، فربما أفلتت الأولى بأعجوبة. ومع ذلك تغافل الطيارون عن الخطر لانحيازهم للنتيجة النهائية.
كما رصدت كاثرين تينزلي، الباحثة بجامعة جورج تاون، نمطا مشابها في تعامل الأشخاص مع الكوارث الطبيعية كالأعاصير، فحين يتجاوز شخص عاصفة ما دون أن يلحقه الضرر، يصبح أقل استعدادا لتأمين نفسه من المخاطر والفيضانات قبل الكارثة التالية.
وأشارت أبحاث لاحقة أجرتها تينزلي إلى إسهام الظاهرة في حدوث كوارث وإخفاقات على مستوى المؤسسات، فقد تحطم مكوك كولومبيا للفضاء التابع لوكالة “ناسا” الفضائية بسبب انفصال قطع من المادة العازلة من خزان خارجي خلال انطلاق المكوك، الأمر الذي تسبب في تطاير أجزاء ثقبت جناح المكوك. وكانت قد تطايرت أجزاء من المادة العازلة في رحلات سابقة دون أن يحدث شيء، حتى وقع ذات مرة ما لم يكن بالحسبان!
واستنادا لتلك النتائج طلب فريق تينزلي من المشاركين تقييم مهمة افتراضية كادت تفشل حتى جاءت النجاة بأعجوبة للحكم على كفاءة المسؤول عن المهمة.
وجدت تينزلي أن التأكيد على العوامل مثل السلامة والشفافية جعلت الناس أكثر قدرة على رصد بوادر الخطر، كما أصبح المشاركون أكثر وعيا بالخطر حين قيل لهم إنه سيتعين عليهم لاحقا شرح قرارهم لجهة أعلى. ويُستخلص من تلك النتائج أنه يتعين أن تركز المؤسسات على مسؤولية الفرد تجاه رصد مكامن الخطر وتكافئ من يكشفها.
ويؤكد سافاني أن بمقدورنا كأفراد أن نحمي أنفسنا من الوقوع في الانحياز للنتائج السابقة، فقد وجد أن تحفيز الأشخاص على التفكير بوعي أكثر في ملابسات قرار ما أو سلوك معين يحمي من الوقوع في الانحياز. والهدف هو رصد العوامل المؤدية لنتيجة ما بما في ذلك عامل الصدفة أو الحظ.
وينصح سافاني بتقييم الأداء ذاتيا وكذلك أداء الآخرين باعتبار لو جاءت النتيجة مختلفة، وما هي العوامل التي ربما أدت لها. هل لو جاءت النتيجة بخلاف ما وقع كنا سنحكم على القرار بنفس الحكم؟
في مثال العالِم الذي تلاعب بنتائج الدواء، حتى لو ظهرت في النهاية سلامة الدواء، فإن تخيُل ما كان سيحدث لو وقع السيناريو الأسوأ بموت مرضى كثيرين كان سيجعل المرء أكثر انتباها. وكذلك قد يقي ذلك من حادثة في مثال الطيار.
وسواء كان المرء مستثمرا أو طيارا أو عالما في وكالة ناسا، فإن الوعي بالانحياز للنتائج يحول دون تجاهل الخطر لمجرد تصادف نجاحه. وعلى الرغم من أن الحياة لا تخلو من مجازفة لا يمكن التنبؤ دوما بنتيجتها، إلا أن الوعي بهذا الخطأ في الإدراك يحمي الشخص من الانزلاق وراء انحيازه للنتائج المبنية على تجارب سابقة.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Worklife
[ad_2]
Source link