أنا والحجاب: عندما أعلن جسدي أن هذه طريقته في الاختباء
[ad_1]
أكره البحر الذي يشترط اقترابي من مياهه أن أرتدي كثيرا من القطع التي تمنع أن يلمس الماء جسدي؛ فأبدو كامرأة غوّاصة في بدلتها السوداء الداكنة.
واجهت نفسي لأول مرة بحقيقة مشاعري تجاه الحجاب وكان ذلك فور انتهائي من تصفيف شعري في أحد الصالونات، انتابني شعور بأنني أريد نزع الحجاب عند مغادرتي الصالون، لكني وقفت متجمدة رعبًا غير قادرة على تحريك قدمي خطوة واحدة نحو الخارج وأنا بدونه.
كنت أسمع صوت دقات قلبي العالية وأنفاسي المتلاحقة، وبشكل لا إرادي أعدت وضع الحجاب على رأسي لأجد أني بذلك أطلقت سراح قدمي، بعد تلك الصدمة التي هزت كياني.
يومها أعلن جسدي بوضوح أن هذه طريقته في الاختباء، يرفض أن يرى نفسه بلا غطاء للرأس. كنت مُصابة بالهلع من أذى مجتمعاتنا المهووسة بجسد المرأة وتحويل أي أنثى لهدف جنسي مؤكد كما تربيت طوال حياتي، مثلي مثل كثيرات.
في محاولة ثانية، قررت خلع الحجاب خلال تدريباتي في صالة رياضية لتكون حركتي أكثر حرية، لكن شعرت بنظرات لوم واستحقار المتدربين الآخرين تأكلني، كان الجميع – نساء ورجالا- يتحاشون التعامل معي، أفهم ما يدور في عقولهم: “كيف لفتاة تأتي مرتديه عباءة وحجاب، تقف الآن بالملابس الرياضية ودون غطاء رأس”.
كان ما يشغلني نظرة الناس لي؛ إذ أنهم نصبوا أنفسهم آلهة تريدني أن أخشاها وأن أضطر لإرضائها.
أحاول التغاضي عن النظرات والهمهمات، وعن شعور العار الذي ينتابني كأنني عارية تماما، وعن شعوري بالانكشاف الذي لم يكن بسبب إزالة قطعة قماش من على رأسي، بل شعوري أن من حولي يتعامل معي أنني متاحة، كأني أعطيتهم إشارة الاقتراب والاستيلاء.
يتهمني بعض أصدقائي بإبقائي على حجابي “ضعفا وإقرار مني بالهزيمة أمام المجتمع”. لا يقبلون مشاعر الخوف التي تتملكني عندما حاولت السير بدونه.
لكن الناس ستتكلم دائما عن النساء سواء كنّ مشهورات أو غير مشهورات، وخاصة عندما يتعلق الأمر بارتداء الحجاب أو خلعه.
الهجمات على الفنانة حلا شيحة لم تبرد بعد، لتنال الفنانة صابرين نصيبها من التهجم والتعليقات. قبلهن كثيرات أيضا كن عرضة للكلام الكثير وسيأتي بعدهما المزيد للأسف. مضطرات أن يخرجن علينا باعتذارات لتبرير “حريتهن” على أمل أن يتركن وشأنهن، وأن يسمعن تعليقات من قبيل: “الفنانة التي اختارت بيع حجابها من أجل الشهرة”.
استنكر التدخل السافر والدائم للرجال على وسائل التواصل الاجتماعي وفي أية مناسبة بالحديث عن ملابسنا وطريقة ارتدائها وأنواعها وألوانها، لا تنفذ جعبتهم من آراء معترضة على ما نرتديه سواء كن محجبات أو غير محجبات، ينظرون لنا كأملاك تحت الوصاية طالما نحن إناث. ويسخرون ممن تحاول أن تجد لنفسها ذوقا متفردا في ملابس أُعدت في الأساس لأسلوب حياة مختلف عن واقعنا الشرقي المعروف بطبيعة أجساده المميزة والملزم بارتداء الحجاب والملابس الواسعة والطويلة.
أضطر وكثيرات لارتداء أكثر من قطعة في الجو الحار، لا نملك رفاهية اختيار الملابس بسهولة إذ يجب علينا دائمًا تعديلها بطبقات من القماش لتناسب “المحجبة” ولكنها لا تناسبنا. ورغم ذلك لا يرضون عن هذا الشيء “المُرقع من قطع ثياب فوق بعضها” فتنطلق الهمهمات.
هددت وأهنت من عائلتي بسبب قطعة قماش؛ والدي أخبرني غاضبًا أنه لا يريد أن يُحاسب يوم القيامة لأنه ترك ابنته بدون حجاب.
كان الحجاب هو الشيء الأول و”الوحيد” الذي اهتمت به أمي فور بلوغي، بينما هي لم ترتدي الحجاب قبل سنوات الجامعة وكان ذلك بقرار منها، ولها صور كثيرة في فترات عمرية مختلفة بلا حجاب، لكنها قررت تحجيبي منذ صغري.
وفي كل مراحلي الدراسية الدولة الخليجية التي كنا مقيمين فيها كنا مُطالبات بارتداء “الشيلة” ضمن الزي بلا تهاون، فاعتدت على صورتي وأنا أرتدي غطاء رأس أسود لا أعرف لي ملامح وهيئة بدونه، فكنت أنسى خلعه في البيت كأنه قطعة من جسدي من الطبيعي أن تظل هناك.
يملأني الغضب الآن أنني لم أختر هذا المصير، لم أحصل على فرصتي في معرفة من أنا بدون الحجاب لكي أقرر هل أريد أن أبقي على صورتي به أم بدونه؟
أقنع نفسي أن علاقتي بالله ليست مشروطة بغطاء رأس، فلست مجبرة وغيري من الفتيات أن نُعلن عن تركنا الحجاب أو تحجبنا كأنه حدث قومي يجب الإعلان عنه وانتظار تعليقات كل من هب ودب. ليس من حق أحد أن يجبرني على صورة واحدة للحياة، أو حرماني تجربة استكشاف نفسي، هل هم حقًا مقتنعين أن الله سيحاسب الرجال على تصرفات نسائهم، ولا يفكرون للحظة أن هناك حساب على سوء معاملتهن!
لا أعرف حتى اليوم، وأنا في الثلاثينيات، ما معنى أن تكون “حرا” و”خفيفا”. أشعر كأنني مدفونة تحت ملايين من قطع القماش. مسجونة. لا أستطيع التنفس بحرية. أرغب في الصراخ وتمزيق كل هذه الطبقات التي أختبئ تحتها لأترك لجسدي فرصة استنشاق الهواء المنعش. لدي رغبة مرعبة في التنفس.
[ad_2]
Source link