لم أعرف طريقي بعد رغم أني في الـ 36 من عمري
[ad_1]
يتجاذبني من حولي، سواء أكانوا من الأهل أو الأصدقاء أو حتى أشخاصا افتراضيين لا أعرفهم إلا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، سواء بوعي منهم أو بلا قصد؛ كل فريق يريد مني أن أكون كما يريد، وكل طرف يهاجم الآخر بشراسة.
فأنا أنزلق، من وجهة نظر البعض، لطريق الرذيلة الذي لا رجعه منه، عندما أعبر عن أفكاري ومحاولاتي استكشاف طريقي، كأن أتشارك عبر صفحتي على فيسبوك رسومات الحنة على جسدي وأنا المحجبة. شعري القصير غير محبب، مثله مثل قراري ألا أتزوج رغم اقترابي من الأربعين، وغيرها من الاعتراضات على خياراتي.
يشعرني استنكارهم أنني مخلوق فضائي يهدد مناطقهم الآمنة والمعتادة للحياة، فأسمع عبارات على شاكلة: “حرية ونسوية إيه اللي بتتكلمي عنها، عايزة تعترضي على كلام ربنا؟!”.
كما يحترف الناس تنصيب أنفسهم أوصياء على بعضهم البعض مقتحمين خصوصيتك، فمثلا أصبح من طقوس الحياة اليومية في شارعنا المصري أن تسمح بعض النساء لأنفسهن بلمسي دون أذن؛ متحججات أنهم يغطين ذلك الجزء الذي انكشف من جسدي صدفة وأنه لا ضير في ذلك طالما أنهن نساء مثلي.
ويتزايد ضغط الناس عليّ في شهر رمضان ويأخذ شكلا آخر إذ تبدأ أسئلة من قبيل “كم ختمة قرآن تستطيع أن تنهي؟”، وذلك بهدف تقييم “نسبة تديني”.
ختان الإناث: “أنتِ قالب ثلج لا يشعر، لا يحب، لا يرغب”
هل تقدم السينما المصرية “دروسا” في التحرش؟
وهناك بالطبع الطرف الآخر الذي يريدني على النقيض تماما؛ أن أترك الحجاب وأكشف أكبر قدر من جسدي، وأن أشرب الكحول والسجائر والحشيش، وأن أمارس الجنس مع أكثر من شخص، والا أربط تلك الممارسات بالتعبير عن الحب والإلتزام في علاقة جادة بل من أجل المتعة فقط، وقتها سيُنظر لي كإنسانة حرة وذات شخصية.
لا أحد يفكر بي أنا وما أريده حقًا. اختياري لفكرة ما أو تصرف محدد لا يعني أنني أخطب ود جانب دون الآخر، ولا هو عناد طفولي، ولكنه اعتراض على سلبي حرية الاختيار، ففي مجتمعنا الشرقي بسلطته الأبوية لا يسمح لي ولغيري من الفتيات بالتجربة والخطأ في أي مجال لنختار طريقنا عن اقتناع وعن دراية كاملة. لكن لا أحد يعترض على قرارات وخيارات الرجال.
لذا، ها أنذا في ثلاثينياتي ووسط تلك الرياح العاتية التي تضرب من كل اتجاه، متشبثة بذلك الصوت داخلي الذي يخبرني أنني “بالتأكيد لست كما يظنون”.
أحاول وضع نقط ثبات لصنع مسار خاص بي، بينما لا أملك الكثير من المعلومات عن نفسي وعن أساسيات الحياة، بعد تجارب قاسية (ختان – تحرش – عنف أسري) عطلت فرصي وحقي الطبيعي في التطور والاستشكاف والتدرج كالباقين، فنشعر أنا ومن هن مثلي كأننا مغيبات عن العمر، والمجتمع لا يرحم ويدفعنا بجنون ناحية الحافة، وكأن هناك موعد زمني وهمي وتاريخ صلاحية يجب أن تلحق به وإلا ستندم، فتنقطع أنفاسنا في محاولة للحاق بالركب، لأنظر حائرة إلى ماهية ذاك الشيء الذين يجب الا يضيع عليّ، وهل سأحصل على الراحة يومًا لألتقط أنفاسي؟.
أذكر نفسي باستمرار أنه يمكنني أن اختار أي شيء بهذه الحياة وأتراجع عنه في أي وقت، قد أبدأ في طريق ما ثم أعدله لاحقًا، فالمسار بين النقطتين (أ) و (ب) ليس طريقا وحيدا ممتدا بل هناك ملايين الاحتمالات والانعطافات تختلف باختلافاتنا، “وأنا الحقيقية” هي خليط أشياء كتيرة، وأن ما سأختاره سيحمل من روحي وبصمتي الخاصة، لأن قدرتي في التعرّف على نفسي هيَ سبيلي للتعرف على من حولي وما استحقه، دون الالتزام بالمسميات التي يفرضها علينا المجتمع، وبدون الخوف من الآخرين.
[ad_2]
Source link