تعزيز الديموقراطية والحرية | جريدة الأنباء
[ad_1]
- زيادة الاستثمارات الأجنبية بدول المنطقة تخفض نسب الفساد وترفع مستويات الشفافية
- انتشار الفساد بالدول الفقيرة أكثر من الغنية.. والحكومات مطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية
تنشر «الأنباء» دراسة خاصة أعدها د.عبدالوهاب عبدالقادر السرحان، باحث زائر بمركز الاقتصاد التجريبي في جامعة ولاية جورجيا بالولايات المتحدة، حيث تأتي هذه الدراسة تحت عنوان: «أهم العوامل الاقتصادية وغير الاقتصادية التي تؤثر على معدلات الفساد في دول الشرق الأوسط»، والتي تحلل محددات الفساد في دول الشرق الأوسط، حيث يتميز هذا الإقليم ببيئة وثقافة مختلفة مقارنة بالأقاليم الأخرى حول العالم، موضحة أسباب استشراء الفساد من الناحية الاقتصادية وغير الاقتصادية، وواضعة الحلول والمقترحات التي تقضي على هذه المشكلة بالمستقبل.. وفيما يلي ملخص الدراسة:
يعتبر الفساد من أخطر الظواهر السلبية التي تغزو المجتمعات بشتى قطاعاتها، وتهوي بها إلى مستنقع البؤس والرجعية، فيمكننا مقارنة الفساد بأي مرض معد خطير، فهو يصيب بعض أجزاء المجتمع ثم تنتشر العدوى إلى أجزائه الأخرى وتدمر وظائفه الأساسية مما يؤدي إلى الشلل التام إن لم يتم استئصال هذا المرض الخبيث.
إن الفساد قديم قدم الزمن، ومن الصعب حقا العثور على أي بلد في جميع أنحاء العالم محصن ضد الفساد.
ووفقا للبنك الدولي (WB) وصندوق النقد الدولي (IMF)، يعرف الفساد بأنه «إساءة استخدام السلطة أو الوظيفة العامة بغرض تحقيق مكاسب خاصة».
وخلال العقود الثلاثة السابقة وفي بقاع كثيرة من العالم، قدمت العديد من الدراسات محددات وعوامل مهمة تساهم في انتشار الفساد، وفي بعض الأحيان تختلف المتغيرات التي تؤثر على الفساد من إقليم إلى آخر.
ومن هنا نشأت فكرة هذه الدراسة لدى الباحث، لتحديد أهم العوامل التي قد تؤثر على مؤشر الفساد في دول الشرق الأوسط (الأردن، الإمارات، إيران، البحرين، تركيا، السعودية، سورية، العراق، عمان، فلسطين، قطر، الكويت، الكيان الصهيوني، لبنان، مصر، واليمن) للفترة ما بين 2012 و2018.
وتختلف هذه الدول من حيث تنوع هياكلها الاقتصادية، ثمان منها تعتبر نفطية، تحديدا دول مجلس التعاون الخليجي وإيران والعراق.
وتشير البيانات التي قدمتها منظمة الشفافية الدولية مؤخرا الى أن متوسط مؤشر مدركات الفساد في دول الشرق الأوسط بات متضخم.
ويعتبر مؤشر مدركات الفساد من أكثر المؤشرات الموثوقة في العالم لتحديد مستوى الفساد، ويتم قياس هذا المؤشر من قبل منظمة الشفافية الدولية التي تأسست في عام 1993 ومقرها الرئيسي برلين (ألمانيا) ولديها فروع في أكثر من 100 دولة حول العالم.
وتحلل هذه الدراسة مجموعة من المتغيرات التي قد تؤثر على مستوى الفساد المستشري في دول الشرق الأوسط للفترة ما بين 2012 و2018 باستخدام نموذج تحليل الارتباط الخطي.
تم تقسيم محددات الفساد إلى نوعين من العوامل، عوامل اقتصادية وعوامل غير اقتصادية، ولكل نوع من هذه العوامل تم استخدام نموذج الارتباط الخطي لتحليل بيانات السنوات المتعاقبة ومن ثم اختبار النتائج من خلال برامج التحليل الإحصائي المتعارف عليها.
وتعتبر هذه هي الدراسة الأولى حسب معرفة الباحث، التي تركز على تحليل محددات الفساد في دول الشرق الأوسط، حيث يتميز هذا الإقليم ببيئة وثقافة مختلفة مقارنة بالأقاليم الأخرى حول العالم.
البيانات والمتغيرات
تأخذ هذه الدراسة في الاعتبار مؤشر مدركات الفساد كمتغير تابع، والذي يتم قياسه من قبل منظمة الشفافية الدولية، حيث تصنف هذه المنظمة 180 دولة حسب مستويات الفساد في قطاعاتها المختلفة، ويتراوح المؤشر بين 0 و100 فالدولة التي يكون فيها مؤشر مدركات الفساد منخفض يكون مستوى الفساد فيها عاليا.
فعلى سبيل المثال تعتبر الدنمارك من أقل الدول فسادا حول العالم إذ بلغ مؤشر مدركات الفساد فيها 88 تليها نيوزيلندا بمعدل 87 حسب آخر مؤشر لمدركات الفساد، أما الدولة الأكثر فسادا حول العالم فهي الصومال، حيث بلغ مؤشر مدركات الفساد فيها 10 تليها سورية وجنوب السودان واليمن ثم كوريا الشمالية.
أما متوسط المؤشر بين الدول فبلغ 43 حسب ما نشرته منظمة الشفافية الدولية مؤخرا، وبالنسبة للمتغيرات المستقلة في نموذج الدراسة، فقد تم تجزئتها إلى جزأين، هما: المتغيرات الاقتصادية
مؤشر الحرية الاقتصادية، هو مؤشر يقيس حق الناس وحريتهم في التحكم والسيطرة على أعمالهم وممتلكاتهم الخاصة، حيث تقيس مؤسسة هيريتاج فاونديشن الأميركية هذا المؤشر بناء على 12 متغيرا، وتصنف هذه المتغيرات إلى 4 مجموعات: سيادة القانون، وحجم الحوكمة، وبيروقراطية الأعمال، وانفتاحية السوق.
يتراوح مؤشر الحرية الاقتصادية بين 0 و100، حيث تشير القيمة العالية إلى مستوى عال من الحرية الاقتصادية. يصنف المؤشر اقتصاديات الدول حسب الأنواع التالية:
حر إذا كان المؤشر بين الـ80 والـ100.
حر معتدل إذا كان المؤشر بين الـ60 والـ80.
في الغالب غير حر إذا كان المؤشر بين الـ40 والـ60.
قمعي (غير حر) إذا كان المؤشر أقل من 40.
وقد تم نشر تقرير مؤشر الحرية الاقتصادية الأخير في عام 2019، من قبل مؤسسة هيريتاج فاونديشن، وتراوحت النتيجة بين 90.2 لهونغ كونغ، و5.9 لكوريا الشمالية، وهو يعتمد على قياس المؤشرات التالية:
الاستثمار الأجنبي المباشر، وهو الاستثمار الذي تقوم به إحدى الشركات الأجنبية في بلد ما، ويقوم البنك الدولي بحساب هذا النوع من الاستثمار سنويا ونشره على موقعه الرسمي.
نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي، وهو مقياس إجمالي الناتج المحلي للبلاد مقسوما على إجمالي عدد السكان، حيث يعد هذا المؤشر مقياسا جيدا لمستوى معيشة الأفراد، ويمكننا من خلاله تحديد البلدان الفقيرة والغنية المشمولة في الدراسة.
مؤشر التضخم، ويطلق عليه أيضا مؤشر سعر المستهلك، ويتم احتساب هذا المؤشر باستخدام متوسط التغير في أسعار السلع والخدمات مع مرور الوقت، وتم استخدام هذا المؤشر من قبل العديد من الدراسات السابقة كعامل يؤثر على مستوى الفساد، حيث ان التضخم يؤثر سلبا على الأجر الحقيقي وبالتالي على القوة الشرائية للمستهلك.
مؤشر الانفتاح التجاري، وهو يقيس هذا المؤشر المعاملات التجارية للدولة «التصدير والاستيراد» كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.
المتغيرات غير الاقتصادية
مؤشر الديموقراطية، ويتم قياس متغير مؤشر الديموقراطية من قبل وحدة الخبراء الاقتصاديين، لـ165 دولة بناء على 60 مؤشرا مقسمة على 5 متغيرات رئيسية، هي: العملية الانتخابية، الحريات المدنية، أداء الحكومة، المشاركة السياسية، والثقافة السياسية.
يقع المؤشر بين 0 و10، تشير القيمة الأعلى إلى مستوى أعلى من الديموقراطية، ويصنف المؤشر أنظمة دول العالم حسب الآتي:
نظام ديموقراطي إذا كان المؤشر بين 8 و10.
نظام ديموقراطي معيب إذا كان المؤشر بين 6 و8.
نظام بين الديموقراطية والاستبداد إذا كان المؤشر بين 4 و6.
نظام مستبد إذا كان المؤشر أقل من 4.
في عام 2018، حازت النرويج أعلى مستوى لمؤشر الديموقراطية بين دول العامل حيث بلغ 9.87، أما كوريا الشمالية فقد تذيلت دول العالم ووصل مؤشر الديموقراطية فيها إلى 1.08، وهو يعتمد على قياس المؤشرات التالية:
مؤشر التعليم، وهو متوسط عدد سنوات الدراسة المتاحة لأفراد المجتمع، ويتم حساب هذا المؤشر بواسطة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) كل سنة منذ عام 1980 باستخدام متوسط سنوات الدراسة بين البلدان.
مؤشر حرية الإنسان، يتم حساب ونشر هذا المؤشر من قبل معهد كاتو في كل عام، حيث يتم استخدام 79 مؤشرا لحساب الحرية الشخصية لـ162 دولة حول العالم على المقياس من 0 إلى 10، حيث يعني الرقم الأعلى درجة أعلى من الحرية والعكس صحيح.
يؤخذ في الاعتبار عند حساب هذا المؤشر العديد من الجوانب منها النظام القضائي وحرية الأديان والهوية الوطنية والعلاقات بين الأفراد وحرية الحركة والتعبير. حسب آخر تقرير لمعهد كاتو حازت نيوزيلندا المركز الأول في مؤشر حرية الإنسان 8.89، بينما كان المركز الأخير من نصيب سورية حيث انحدر المؤشر إلى 3.77.
القوى النسائية العاملة وهي نسبة مشاركة الإناث من إجمالي القوى العاملة.
مؤشر التنمية البشرية المقدم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) لتحديد مستوى التنمية البشرية والحياة المعيارية في المجتمعات لـ189 دولة.
يركز المؤشر على ثلاثة أبعاد رئيسية وهي، متوسط مدة الحياة الصحية بين أفراد المجتمع، ومدى ثقافة ومعرفة الأفراد، ومستوى الحياة الكريمة للمواطنين والمقيمين.
نتائج الدراسة
تم تقدير العلاقة بين مؤشر مدركات الفساد (المتغير التابع) والعوامل سالفة الذكر (المتغيرات المستقلة) باستخدام طريقة المربعات الصغرى، لنموذجين قياسيين مختلفين يشتمل الأول على المتغيرات الاقتصادية والثاني على المتغيرات غير الاقتصادية من خلال التأثير العشوائي في تحليل السلاسل الزمنية المتعاقبة، وذلك بعد استخدام اختبار «هوسمان».
وبعد استخدام البرامج الاحصائية لتحليل النماذج السابقة توصل الباحث إلى الآتي:
1- نموذج المتغيرات الاقتصادية
أشارت نتائج التحليل إلى أن العلاقة بين الحرية الاقتصادية ومؤشر مدركات الفساد علاقة طردية بدلالة احصائية 1%، فإذا زادت الحرية الاقتصادية بمقدار وحدة واحدة، فإن مؤشر مدركات الفساد يزيد بمقدار 0.52 ما يعني انخفاض الفساد، وبالتالي يستوجب على حكومات دول الشرق الأوسط وضع سياسات من شأنها رفع مستوى الحرية الاقتصادية من خلال القضاء على البيروقراطية التي تعطل مصالح أصحاب الأعمال الكبيرة منها والصغيرة، وكذلك وضوح القوانين المتعلقة بهذه الأعمال للحد من انتشار الفساد خاصة في المؤسسات المسؤولة بشكل مباشر عن هذه الأعمال.
توصل الباحث Paldam (2000) إلى نفس العلاقة بين الفساد والحرية الاقتصادية من خلال دراسته التي غطت 100 دولة لاستكشاف محددات الفساد.
أما زيــادة الاستثمار الأجنبي المبــــاشر، فهي تؤدي إلى زيادة مؤشر مدركات الفساد ما يعني انخفاض الفساد مع وجود دلالة احصائية 1%، بالتالي وحسب هذه النتيجة، إذا كانت الحكومات جادة في القضاء على الفساد فلا بد من خلق بيئة استثمارية جاذبة للشركات الأجنبية من خلال السعي إلى تحرير الاقتصاد من القيود ووجود بيئة مالية مستقرة إلى جانب الشفافية في الأعمال الاستثمارية ومعاملات الشركات.
Rehman and Naveed (2007) أجريا دراسة مسحية على 104 دول ووجدوا أن زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر تحد من الفساد، وهو ما توصل إليه الباحث في هذه الدراسة.
أما بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي للفرد فهو كذلك يؤثر على مؤشر مدركات الفساد بشكل إيجابي بدلالة إحصائية تصل إلى 1%، وتفسير هذه العلاقة تشير إلى أن انتشار الفساد في الدول الفقيرة بشكل أكبر من الدول الغنية، وبالتالي سعي الحكومات إلى تحسين أوضاع المواطنين المعيشية وزيادة دخولهم المرتبطة في إنتاجيتهم في العمل يكبح انتشار الفساد بشكل غير مباشر.
وهذا ما توصل إليه الباحثان Ghaniy and Hastiadi (2017) عندما أجريا دراستهما على 92 دولة لاستكشاف محددات الفساد.
وعلى الرغم من وجود علاقة عكسية بين مؤشر التضخم ومدركات الفساد وأخرى طرية بين مؤشر الانفتاحية التجارية ومدركات الفساد إلا أن هاتين العلاقتين ليست لهما أي دلالة إحصائية.
جدير بالذكر أن Ata and Arvas (2011) وBrunetti and Weder (2003) توصلوا إلى نفس العلاقة بين الفساد والتضخم من جهة والانفتاحية الاقتصادية من جهة أخرى مع وجود دلالة احصائية لكلتا العلاقتين.
2- نموذج المتغيرات غير الاقتصادية
كانت نتيجة تأثير الديموقراطية علــى مؤشر مدركات الفساد غير متوقعة، حيث إن ازدياد مؤشر الديموقراطية في الدول الشرق أوسطية يؤدي انخفاض مؤشر مدركات الفساد أي انتشار الفساد بشكل أكبر، وهذه النتيجة كانت معنوية من الناحية الاحصائية وبدرجة دلالة 5%، ويرى الباحث أن سبب هذه العلاقة يكمن في أن تجربة الديموقراطية في دول الشرق الأوسط حديثة نسبيا ما أدى إلى العديد من الممارسات الخاطئة من قبل الحكومات والأحزاب إن وجدت والشعوب على حد سواء.
ولا نستطيع القول بأن إدراك معالجة الفساد يأتي بالقضاء على الديموقراطية، بل بالعكس يجب استمرار هذه الديموقراطية وتعزيزها وتقويمها من خلال كف الحكومات عن التدخل في انتخاب البرلمانات النيابية والانتخابات الرئاسية، واستيعاب أعضاء المجالس النيابية بالمسؤولية والأمانة الملقاة على عاتقهم وعدم الاستجابة أو الالتفات إلى الضغوط خارج نطاق المجالس التي قد تؤدي إلى حجب مشاريع تنموية تستفيد منها الدولة اقتصاديا واجتماعيا، أو تمرير صفقات مشبوهة تلتهم المال العام.
وفي المقابل لابد من توقف الشعوب والأحزاب عن تقديم مصالحهم الشخصية والحزبية على حساب المصالح العامة لأوطانهم.
وذلك لأن الشعوب والحكومات في الدول المتقدمة والتي تتم فيها ممارسة الديموقراطية بأسلوبها الصحيح تتضاءل فيها معدلات الفساد بشكل ملحوظ حسب ما تشير إليه مجموعة من الدراسات السابقة منها Shabbir and Anwar (2007) وSerra (2006).
مؤشر التعليم كان أثره إيجابيا على مؤشر مدركات الفساد عند مستوى معنوية 1%. ومعظم الدراسات السابقة أدركت نفس النتائج، مثل Ades and Tella (1999)، Brunetti and Weder (2003)، حيث إن تقليص سنوات الدراسة المتاحة لأفراد المجتمع تؤدي إلى ارتفاع معدلات الفساد بين الدول، وتجدر الإشارة هنا إلى أن تأثير التعليم على مؤشر مدركات الفساد لا يقتصر فقط على عدد سنوات الدراسة بل يضاف إليه جودة التعليم وتحسين البيئة التعليمية في جميع مراحلها.
على الرغم من أن تأثير مؤشر القوة النسائية العاملة إيجابي على مدركات الفساد، إلا أنه ليس له أي دلالة إحصائية، وكذلك الحال بالنسبة لمؤشر الحرية. وتجدر الإشارة إلى أن كل من Swamy، Knack، Lee، and Azfar (2001) توصلوا إلى علاقة ذات دلالة إحصائية.
كشفت الدراسة عن أن مؤشر التنمية البشرية يؤثر بشكل إيجابي على مؤشر مدركات الفساد وبدلالة إحصائية تصل إلى 1%، هذا ما ذكره Zhang، Cao، and Vaughn (2009) في دراستهم.
ويشار هنا إلى أن من الأوليات التي يجب أن تسعى إليها الحكومات للحد من ظاهرة الفساد، السعي إلى تطوير ورفع مؤشر التنمية البشرية والذي يرتبط بشكل مباشر بالاهتمام بالعنصر البشري من حيث رعايته الصحية وتطوير خبراته وقدراته التعليمية ناهيك عن توفير الحياة الكريمة له لكي يكون عنصرا فاعلا في مجتمعه.
[ad_2]
Source link