نظرة على أعمال الفنانة الإيرانية التي تتحدى الرؤى السائدة عن الإسلام
[ad_1]
ربما لا يتعين عليك أن تكترث كثيرا، وأنت تنظر إلى صورة “الصمت المتمرد”، بالبندقية التي تنتصب بزاوية قائمة تقريبا، أمام وجه سيدة ترتدي غطاء رأس، وتُقسّمه بجراءة إلى شطرين.
إذ أن ما يدير الرؤوس بحق في هذه الصورة، هو ذاك الانفجار المزدوج الذي يندلع من عينيْها الغامضتيْن.
كما يزداد عمق وحدة نظرة العينيْن المُحدقة، بفعل الوضع الذي يتخذه “المهداف” (وهو ذاك النتوء الصغير الموجود في طرف البندقية، الذي يستخدمه حاملها لإحكام التصويب على الهدف) بالنسبة لجبين المرأة.
فهل يوحي وضعه على هذه الشاكلة، بوجود عين ثالثة غامضة، وهو ما يسمو بالصورة ليجعلها عملا ذا طابع عالمي مفعم بالروحانيات؟ أم أن الأمر لا يعدو تصوير المرأة على أنها تمثل هي نفسها هدفا مأساويا عَلِقَ وسط تبادل لإطلاق النيران؟
وتشكل “الصمت المتمرد”، وهو عمل باللونين الأبيض والأسود، إحدى أروع الصور الفوتوغرافية، التي ظهرت على ساحة الفن المعاصر، على مدار السنوات الـ 25 الماضية.
وتمثل الصورة، التي التقطتها الفنانة والمخرجة الإيرانية شيرين نشأت عام 1994، أبرز محتويات معرض كبير يُقام في مدينة لوس أنجليس الأمريكية، لأعمال هذه الفنانة تحت عنوان “سأُحيي الشمس من جديد”.
ويمثل هذا العمل جزءا من مجموعة صور أوسع نطاقا تحمل اسم “نساء الله”، ويبدو بمثابة نقطة انطلاق للمعرض بأسره، مًستهلا رحلة تقود الزائر لتتبع مسيرة تطور فن شيرين، بداية بالصور الفوتوغرافية التي تُظهر موضوعات ثابتة وساكنة وتتسم بطابع بسيط خادع، وصولا إلى تقديم أعمال سينمائية ومقاطع فيديو أكثر تعقيدا وتفصيلا.
ويتسم ذلك العمل مثله مثل كل أعمال شيرين، بأنه مشحون بالمعاني المكثفة المُحكمة. فبحسب حديثها معي وهي تستعد لافتتاح أول معرض كبير لها على الساحل الغربي للولايات المتحدة؛ تمثل كل صورة من صورها “رمزا لفكرة بعينها، ولطريقة تفكير معينة وإيديولوجية محددة”.
وتصف صورة “الصمت المتمرد” بأنها “ذات طابع إيديولوجي إلى أبعد حد، من خلال الطريقة التي تجمع بها بين شتات المتناقضات، فهي صورة مُحملّة بالمعاني بشدة، لأنها تعالج موضوعات مثل النزعة النسوية والدين والتعصب”.
حديث دون كلمات
وتتسم هذه الصورة بأنها متعددة المستويات بعمق. فالاستخدام البارع للضوء والظلال، يُضفي مزيدا من التعقيد على الإطلالة اللافتة للنظر للسيدة الظاهرة فيها، ما يجعل وجهها أشبه بنصف كرة يتقاسمها النور والظلال. فببراعة أيضا، يتحول الوجه إلى ما يبدو مخطوطاً من الرِق، تُسطّر عليه بأناقة كلمات باللغة الفارسية، في خطوة فاتنة ومُنفرة في آن واحد.
أما الكلمات المكتوبة فهي عبارة عن أبيات من قصيدة تحمل اسم “مبايعة اليقظة”، للشاعرة الإيرانية المعاصرة طاهرة صفار زاده، يُحتفى فيها بـ “تضحية من يُستشهدون في سبيل الدين”.
وردا على سؤال حول مدى استمرارية التأثير الذي تخلّفه أعمالها، تشير شيرين نشأت إلى أنها تشعر بأن أعمالا مثل تلك المندرجة في إطار مجموعة “نساء الله” – التي تعود إلى عام 1994 – “لا تزال ذات صلة بحق بالوضع الحالي في عام 2019”. وتعتبر أن بعض هذه الأعمال أصبحت “ذات طابع أيقوني ورمزي يرتبط بقيم بعينها، وتحظى كذلك بالإجلال والتوقير في بعض الأوساط في العالم الإسلامي”.
وتضيف شيرين بالقول: ” لجسد الإنسان وتعبيراته قوة بالغة في نظري. فربما تكون المرأة الظاهرة في الصورة مسلحة وخطيرة بشدة، لكن عينيْها مُعرضتان للخطر لأقصى حد، وخائفتان ومفعمتان بالشكوك. بالنسبة لي، يُنبئِك ذلك أيضا بشي ما عنّا، نحن الذين تُغسل أدمغتنا في الكثير من الأحيان، أو يُتحكم فينا من جانب قوى خارجية”.
وقد بدأت شيرين، التي وُلِدَت في إيران عام 1957، التفكير في قوة هذه القوى الخارجية، منذ أن أرسلها والدها لاستكمال دراستها في كاليفورنيا عام 1975، أي وهي في عامها الـ 17 من العمر. في ذلك الوقت كان من الصعب البقاء في إيران، بفعل تصاعد التوترات بين العلمانيين الذين يؤيدون إسباغ طابع غربي على الثقافة، بما في ذلك تعزيز حقوق المرأة، والمحافظين دينيا ذوي التوجهات الثورية.
وبعد أن أُطيح بحكم الشاه في عام 1979 على يد متمردين قادهم آية الله الخميني، وجدت شيرين أنه من العسير عليها العودة من كاليفورنيا. وبعدما حصلت على درجة جامعية من إحدى جامعات تلك الولاية الأمريكية عام 1983، استقرت في نيويورك، وعملت في محل لتصفيف الشعر تارة وفي مجال المنسوجات تارة أخرى، قبل أن تلتقي زوجها كيونغ بارك، وهو مؤسس صالة عرض غير هادفة للربح مُخصصة لأعمال الفن المعاصر.
وعلى مدى عقد كامل، ساعدت شيرين في إدارة هذا المشروع، قبل أن تعود في مطلع التسعينيات للتركيز على العمل في المجال الفني.
وبعد زيارة قامت بها إلى إيران في مايو/أيار 1991؛ كانت الأولى لها منذ هجرتها بشكل نهائي قبل 12 عاما، عادت هذه السيدة لدخول عالم الفن في عام 1993، من خلال مجموعة صور أظهرت موضوعات ثابتة وساكنة، حملت اسم “كشف النقاب”، عكست فيها تصوراتها بشأن التغيرات التي رصدتها في بلادها، بعد كل هذه السنوات التي غابت عنها فيها.
وتشكل صورة “عيون مُهداة” إحدى أروع أعمال هذه المجموعة. وينتمي هذا العمل، ذو اللونين الأبيض والأسود، لفئة البورتريه ويُظهر العين اليمنى فقط لتلك الفنانة، وقد دارت حول قزحيتها وبؤبؤها، سطور مكتوبة بخط اليد، يثير أزيزها الصامت شعورا بالتنويم المغناطيسي؛ لتبدو تعويذة يسقط فيها الناظر إلى الصورة وشيرين نفسها بلا نهاية.
وتمثل هذه السطور أبياتا من قصائد لفروغ فرخزاد، وهي شاعرة إيرانية ذات توجهات مناصرة للمرأة، تعارضت صراحتها في التعبير عن الرغبات الجنسية، مع القواعد الدينية التي فرضها نظام الجمهورية الإسلامية في إيران.
رغم ذلك، يكتنف الغموض الكيفية التي يمكن لنا من خلالها تفسير تصوير هذه الأبيات على شاكلة جعلتها تدور حول قزحية عين شيرين؛ فهل يتعين علينا أن نرى أن ذلك يمثل تعبيرا عن أشواق حميمية وسرية تضطرم في نفس الفنانة، أم أنه ينبغي رؤيته على أنه شيء تراه هي بعينيها مباشرة؟
وفي الكتيب الخاص بالمعرض، قال إد شاد، المسؤول عن هذه الفعالية: “يؤدي وضع الكثير من صور مجموعة `نساء الله` جنبا إلى جنب إلى أن يرى المرء كم هو مذهل أن تتأرجح تلك الأعمال بين موضوعات تركز على موضوعات ثقافية تحبها شيرين (مثل تماهيها مع الأمومة والأسرة، وكذلك مع جمال الفنون والطقوس في إيران) وبين تركيزها كذلك على بعض من أصعب التحديات التي تواجه النساء الإيرانيات”.
وفي عمل لاحق يحمل اسم ” آصرة” (1995) – وهو من بين أعمال الموجة الأحدث من الصور التي أُضيفت إلى مجموعة “نساء الله – تحول الفنانة اهتمامها إلى التأثير الذي تُحدثه الاختلافات الثقافية على العلاقة بين الأم وأطفالها. فالصورة تُظهر كفيْ شيرين وهما يحتضنان بحنان يديْ طفلها البالغ من العمر خمس سنوات، وذلك على خلفية سواد يُذكِّر بلون زي تقليدي للنساء في إيران يُعرف باسم “الشادور”.
ومن جديد، نرى في هذه الصورة، كلمات مسطورة بالحبر على جسد بشري، يتمثل هذه المرة في كفيْ الأم اللذين يقتربان من بعضهما البعض ليكوّنان ما يبدو عشاً على شكل قلب، يحتوي كفيْ الصغير المتجلييْن ببراءة. ورغم أن جسدها ربما يوفر الحماية لصغيرها، فإن بشرتها هي تحمل على صفحتها علامات لا يمكن محوها، لماضيها الساكن في داخلها، عبر ما يبدو ندوبا ناجمة عن المشاعر والتجارب والرؤى الإيديولوجية. أما الطفل فيمثل – في المقابل – بداية جديدة بسجل خالٍ من أي شوائب، تتجسد في بشرته الصافية التي لم تُسطّر عليها أي حروف.
وفي عام 1996، تكرر هذا الاستخدام البليغ لوضعية الأيدي وما يترتب عليه من قوة وتأثير كبيريْن على المستوى الفني، وذلك عبر صورة لا تحمل اسما تُظهر يدا مرفوعة، تلمس بعض أطراف أصابعها شفتيْ سيدة، تم اقتطاع الجزء الأعلى من وجهها بشكل دراماتيكي. وتبدو السيدة كمَنْ يمنع نفسه من التفوه ببنت شفة. وفي وقت يوحي فيه شكل اليد بإشارة “الأصابع الخمسة”، وهي رمز للحماية ودرء السحر والحسد يشيع الاعتقاد بقوته بين سكان دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يتعزز هذا المعنى بفعل ما يكسو اليد من أبيات مأخوذة من قصيدة أخرى لفروغ فرخزاد، تتناول فيها الشاعرة ما تعتبره إهمالا من جانب البشر للعالم المحيط بهم.
وتعتبر الفنانة الإيرانية أن زيارة المعرض وتفقده محتوياته، يُظهر تطورا في مسيرتها الفنية على صعيديْ الموضوع والأسلوب. وتقول:” من ناحية الأسلوب؛ بدأت باختيار موضوعات ساكنة وثابتة للصور الفوتوغرافية، مع وجود كلمات وعبارات مخطوطة على موضوع الصورة، ثم انتقلت إلى المقاطع المصورة بكاميرا الفيديو. أعقب ذلك – كما ترى وأنت تقترب من نهاية المعرض – تبني أسلوب الإخراج السينمائي بشكل أكبر”.
أما من حيث الموضوعات، فتشير شيرين إلى أن أعمالها الأولى “كانت تعبر عن نظرة فنانة إيرانية تعيش في المنفى بعد الثورة. لكن قرب نهاية المعرض، ستجد أن هذا المنظور يتحول ليشمل النظر إلى باقي أنحاء العالم” وليس لإيران فحسب.
وعلى مدار السنوات العشرين الماضية، أي منذ أن أنجزت شيرين نشأت مجموعتها “نساء الله”، ازدادت هذه الفنانة ثقة وطموحا، فيما يتعلق بنطاق أعمالها وتعقيد الأساليب المُستخدمة فيها. وفي أروقة المعرض، يمكن أن تتفقد سلسلة من الأعمال المُصوّرة بكاميرا فيديو، تُظهر كم تبدو أفلام هذه الفنانة دائما حُبلى بقدرة على السرد السينمائي، ذي طابع أكثر استدامة.
ومن بين هذه الأعمال؛ “نشوة” الذي صوِّر في المغرب عام 1999. وتنقسم الشاشة طوال العمل إلى قسمين، أحدهما يُظهر رجالا يرتدون قمصانا بيضاء اللون، يشاركون في مسيرة تجوب الشوارع، أما الآخر فتظهر فيه مجموعة من النساء المحتشدات اللواتي يرتدين السواد، وهن يزغردن ويغنين.
أما أحدث أعمال شيرين نشأت فيتمثل في “أرض الأحلام” الذي أُنْتِجَ العام الحالي، ويتتبع مسيرة مصوّرة فوتوغرافية إيرانية خلال ترحالها في أنحاء مختلفة من الولايات المتحدة، راصدة التغيرات التي جرت عبر السنوات القليلة الماضية على صعيد التوجهات السائدة في هذا البلد، خاصة حيال المهاجرين.
وتقول الفنانة الإيرانية إن تطور أعمالها على هذه الشاكلة، يعود إلى أنها شعرت – بعد سنوات طويلة من التركيز على تصوير موضوعات بداخل بلادها – أنه من المهم بالنسبة لها كشخص يعيش دوما في الخارج أن تحول عدساتها “لتصوير قدر أكبر من حياة الترحال التي أعيشها، لأنني عملت في المغرب، ومصر وتركيا وأماكن أخرى”.
وتقول شيرين: “لكن شيئا واحدا ظل ثابتا، وهو أن الفنانة التي تصوّر هذه الأعمال إيرانية، لذا تبقى هذه الأعمال دوما من منظور شخص إيراني، لكنها ليست عن إيران نفسها”.
ومن بين الأعمال التي يُكشف عنها النقاب للمرة الأولى في المعرض، فيلم يحمل اسم “أرض الأحلام”، يعقد مقارنة بين الولايات المتحدة اليوم في ظل حكم دونالد ترامب، وإيران الثمانينيات الخاضعة لحكم الثوريين الإسلاميين.
وفي سياق تفسيرها للسبب الذي حدا بها لتأمل روح الولايات المتحدة، هذا البلد الذي انتقلت للعيش فيه قبل 40 عاما، تقول شيرين نشأت: “كان هناك في الماضي ذاك الشعور العام بالديمقراطية، وشكّل إدماج المهاجرين في المجتمع جزءا من هذا التاريخ الأمريكي”.
وتضيف: “في ذلك الوقت؛ كان الجميع يأتون من مختلف البقاع الأخرى، وكنت تشعر بأن هذا البلد كان يُشكّل بحق أرضا للأحلام، لذا أعطيت هذا الاسم بشكل ساخر لمقطع الفيديو الذي قدمته، لأن الأمور تحولت على نحو، جعل فكرة الديمقراطية – التي تحظى بأهمية بالغة على صعيد ترسيخ دعائم الدول – مُهددة بالخطر. هناك الكثير من الفساد، والكثير من الظلم السياسي، وكثير للغاية من الفوضى ومشاعر عدم اليقين، بل قد أذهب للقول إن هناك الكثير من التعصب والعنصرية خاصة ضد المهاجرين والمكسيكيين. إن بدء تحول الولايات المتحدة ليشبه إيران بشكل أكبر وأكبر، يمثل فكرة مخيفة بحق بالنسبة لي”.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Culture
[ad_2]