قصة “أفضل” مسلسل رسوم متحركة في القرن الحادي والعشرين
[ad_1]
يشكل “بوجاك هورسمان” دليلا على أن المسلسلات الأفضل من نوعها تستغرق وقتا حتى تصل إلى طور النضج، حتى في عصر تهيمن عليه خدمات البث المباشر للمحتوى، الذي يؤدي بثه بمقدار هائل من أسبوع لآخر إلى جعل المتلقي مهووسا بانتظار كل ما هو جديد.
وعندما بدأ عرض هذا العمل عام 2014، كانت خدمة “نتفليكس” لا تزال تحبو تقريبا في عالم إنتاج المضامين الدرامية الخاصة بها، لا شراء مسلسلات من شركات إنتاج أخرى. وكانت أعمالها الناجحة الأولى مثل “هاوس أوف كاردس” (بيت البطاقات) و”أورانج إز ذا نيو بلاك” (البرتقالي هو الأسود الجديد)، مسلسلات درامية شديدة التكثيف في أحداثها، يدمن المشاهدون متابعتها، على غرار أعمال كانت تبثها قنوات مرموقة تعمل بنظام الكوابل، مثل “إتش بي أو” أو “إيه إم سي”.
ورغم أن المسلسل على الورق، هو عمل يُصوّر شخصية حصان مصاب بالاكتئاب ومدمن للكحول (يجسده صوتيا الممثل ويل أرنيت) – وبرفقته مجموعة من الشخصيات المساعدة التي تتألف من حيوانات تتصرف كالبشر – فإنه بدا لمشاهديه في بادئ الأمر، أشبه بفكرة تم بلورتها بشكل عشوائي ومتسرع، في اللحظات الأخيرة من جلسة عصف ذهني مضنية.
لكن بمرور الوقت، بدا المسلسل وقد ازداد ثقة واتسع من حيث المجال والنطاق، وذلك بالتزامن مع تصاعد انتقاداته، خاصة ضد هوليوود التي تُعرف في العمل باسم “هوليوو”، وكذلك حيال المنظومة المتصدعة التي تحكم عالم المشاهير على الساحة العامة.
واعتبارا من موسمه الثاني، حظي “بوجاك هورسمان” بالإشادة باعتباره عملا طموحا وجريئا. ومنذ ذلك الحين، استخدمه مؤلفه رافاييل بوب-واكسبرج كوسيلة للخوض في موضوعات شائكة ومثيرة للاهتمام، مثل التشريعات الخاصة بحيازة الأسلحة واستخدامها في الولايات المتحدة، إلى الحقوق الإنجابية للمرأة، وصولا إلى متلازمة الخرف.
وحتى الآن، يبقى محور الحلقة السابعة في الموسم الثاني، التي تحمل اسم “هانك بعدما يحل الظلام”، واحدا من بين أكثر محاور العمل إثارة، إذ دار حول محاولة الصحفية ديان نغوين (تجسد شخصيتها صوتيا أليسون بري) فضح مقدم البرامج المحبوب هانك هيبوبوبلس، لتصرفاته التي تنطوي على تعسف وإساءة لاستغلال سلطاته.
ولم يقتصر الأمر هنا على تقديم قصة مؤثرة بشأن شخصية درامية ذكورية تسيء استخدام سلطاتها، بل تضمنت الحلقة كذلك مشهدا تتلو فيه ديان على مسامع هانك، قائمة أسماء شخصيات حقيقية واجهت اتهامات مماثلة، مثل كريستيان سليتر وبيل موراي وودي آلن. وقد مثلّ ذلك طلقة صائبة، لم تستهدف شخصية فرس نهر في عالم رسوم متحركة خيالي فحسب، وإنما كذلك رجالا حقيقيين تحميهم صناعة من شأنها أن تتكبد خسائر مالية، إذا ما حوسب المسيئون من العاملين فيها.
وهكذا تحول “بوجاك هورسمان” فجأة، من مجرد مسلسل رسوم متحركة، يُظهر شخصيات لحيوانات ناطقة تعيش في عالم خيالي، إلى ما يشبه لوحا زجاجيا مُحدبا؛ يتمثل هدفه في أن نرى من خلاله المجتمع الأمريكي، الذي يجدر بنا أن نتعرف على القبح الكامن فيه.
وفي هذا الأسبوع، بدأ المسلسل موسمه السادس والأخير المؤلف من 16 حلقة، يُبث نصفها الآن، بينما سيبث النصف الثاني في يناير/كانون الثاني 2020.
فهل كان قرار إسدال الستار على العمل خطوة ذات بُعد مبتكر أو خلاق؟ ربما تفكر على هذه الشاكلة، رغم ما كتبه على تويتر آرون بول – نجم مسلسل “بريزون بريك” والذي يجسد كذلك صوت تود صديق بوجاك في المسلسل ويشارك في إنتاجه – من أن القرار صدر من جانب نتفليكس نفسها، ليُضم هذا العمل إلى قائمة لا نهائية من المسلسلات، التي قررت خدمة بث المضامين الدرامية الشهيرة مواراتها الثرى، بعدما فقدت الاهتمام في مواصلة إنتاجها.
لكن من المبكر على أي حال، أن يبلور المرء قناعة بما إذا كان هذا العمل قد أُنهي قبل الأوان أم لا، اعتمادا على مجرد مشاهدته للحلقات الثمانية الأولى من موسمه الأخير؛ تلك التي نُفِذت بدقة وإحكام من حيث الحبكة والتفاصيل كما كان الحال دائما، وذلك بعد أن وصلت أحداث الموسم الخامس إلى ذروتها، بخضوع الشخصية الرئيسية “بوجاك” إلى برنامج لإعادة التأهيل، كي يعافى من إدمانه لتعاطي العقاقير المُسكنة للآلام، الذي أدى لتعديه بالضرب على شريكة حياته.
أما الجزء السادس فيتناول الرحلة الشاقة التي يخوضها بوجاك مع نفسه على هذا الصعيد، مع إبراز محورين دراميين، تفاعلت أحداثهما بهدوء ومنذ أمد بعيد خلال المواسم السابقة.
بداية يمكن القول إن من بين الطرق الذكية التي يلجأ لها القائمون على العمل، لإيضاح أفكارهم في هذا الصدد؛ تغيير مقدمة الحلقات من تلك التي كانت تُظهر بوجاك وهو يخطو مترنحا عبر أرجاء منزله في حالة ذهول على ما يبدو، إلى أخرى تدور مشاهدها في ذهنه، ويظهر فيها وهو يرى بعض الذكريات التي تبعث الرعب في أوصاله.
وفي هذه المقدمة الجديدة، يظهر شريكه في الكتابة هيرب، ذو الشخصية الساخطة – والميت الآن ضمن الأحداث – والذي سبق أن فرض عليه بوجاك العزلة بعدما كشفت وسائل الإعلام عن مثليته الجنسية. كما تتضمن المقدمة مشهدا مخيفا على نحو تقشعر له الأبدان، لنعش والدة بوجاك، التي تركها ابنها وهي تعاني من الخرف، لتقبع في دار رعاية متهالكة، كعقاب لها عما مر به خلال طفولته.
فضلا عن هذا وذاك، تستعيد المقدمة أحد أكثر اللحظات إثارة للصدمة التي تضمنها المسلسل في السابق، وهي تلك التي تصوّر الليلة التي حاول بوجاك إغواء ابنة صديقه التي لا يتجاوز عمرها 17 عاما، بعدما أوصلها إلى درجة الثمالة خلال حفل موسيقي.
وتشكل تلك المقدمة أساسا لسلسلة حلقات يتوجب فيها على بوجاك، مواجهة إخفاقاته بكل تفاصيلها، وإدراك أن ما عاناه في طفولته من إهمال وسوء معاملة، قد أدى إلى عواقب تفشى أثرها وقوضت حياة عدد لا حصر له من الأشخاص الذين صادفهم خلال حياته.
ويمهد هذا كله – على ما يبدو – لنهاية يتطهر فيها بطل المسلسل من آثامه نظريا على الأقل. لكن ذلك لا يمنع من إمكانية أن ينتهي العمل على نحو من أبشع ما يكون بالنسبة لبطله، إذا ما أطل خيط درامي ظهر في الموسم الثالث برأسه من جديد، وهو ذاك المتعلق بتورط بوجاك في مسألة تعاطي صديقته – التي جسدت شخصيتها صوتيا سارة لين – جرعة زائدة من المخدرات.
من جهة أخرى، يواصل المسلسل في موسمه السادس الاضطلاع – وبطرق مثيرة للاهتمام – بدوره الذي طالما جعله يحظى بالإشادة والثناء، والمتمثل في سبره لغور ما يمر به الإنسان حينما يُصاب بصدمات. فأحداث هذا الموسم تُظهر شخصية برنسيس كارولين – وهي قطة فارسية كانت الحبيبة السابقة لبوجاك – وقد أصبحت أما من خلال تأجير رحم أم بديلة. ويستعرض العمل ما يخالج هذه الشخصية من مشاعر وأحاسيس حيال دورها الجديد كأم، على شاكلة تبدو أكثر صدقا من تلك التي تناولت بها الأعمال المماثلة تجارب النساء الأخريات مع الأمومة. إذ يتناول العمل ذلك المزيج الذي يراود “برنسيس كارولين”، من مشاعر الغضب والاستياء مختلطا بالإحساس بضرورة أداء الواجب المنوط بها كأم.
ولا يمنع ذلك من أن يوجه المسلسل في الوقت نفسه – بحرص وعناية – انتقادات لاذعة لهوس هوليوود ووسائل الإعلام، بالسيدات الناجحات الوقحات الجسورات اللواتي تحظين بكل الإمكانيات اللازمة لهن.
وفي واقع الأمر، يؤكد الموسم الأخير لـ “بوجاك هورسمان” أن الانتقاد المتواصل بلا هوادة الذي يوجهه لصناعة الترفيه العفنة المملة، لا يزال يمثل أحد أكثر جوانبه إمتاعا. ففي إحدى حلقاته، يكشف إضرابٌ عن العمل ينظمه مساعد أحد الكُتّاب، انعدام الكفاءة الكامل الذي يتسم به المديرون التنفيذيون النافذون الذين يديرون الأمور في هوليوود.
كما يبدو استحداث خيط درامي جديد، حول شخصية أنثوية خارقة يُطلق عليها اسم “فايرفليم”، وقد جاء في وقته تماما، نظرا لتزامنه مع حملة شركتيْ “مارفل” و”دي سي” – لأفلام الرسوم المتحركة – للمساواة بين الجنسين.
والآن وبعد أن باتت نهاية الحلقات تلوح أمامنا في الأفق، سيكون آسرا للألباب، أن نرى إلى أين ستتجه الشخصية الرئيسية للمسلسل الذي آل على نفسه الالتزام بكل هذا القدر من الصدق المحض. ورغم أن “بوجاك هورسمان” ليس عملا مبهجا بشكل خاص، فإن متابعيه وجدوا في مشاهدته ضربا من التنفيس، نظرا لرفض القائمين عليه الاستسلام لإغواء جعل أحداثه وموسيقاه مفعمة بالمشاعر والعواطف على نحو مفرط.
وهكذا فستبقى مسألة ما إذا كان بطل المسلسل يستحق نهاية يعوض فيها عن آثامه، أم خاتمة من نوع آخر أقرب إلى الواقع، أمرا سيجد المشاهدون أنفسهم منهمكين في التفكير ملياً فيه. فهل يمكن أن تكون هناك نهاية سعيدة لمسلسل يغمره بؤس وشقاء الحياة الواقعية للبشر بشدة؟ سؤال لن نتعرف على إجابته سوى في يناير/كانون الثاني المقبل.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Travel
[ad_2]
Source link