ما الذي يدفعنا لمشاهدة الأفلام القديمة مرات ومرات؟
[ad_1]
في هذا العصر الذي بلغت فيه غزارة الإنتاج السينمائي والتليفزيوني أوجها، لن تحتاج للتحرك من المنزل لمشاهدة فيلم جديد. وقد فاق عدد الأفلام الجديدة التي أنتجت منذ عام 2000 أي وقت مضى، ناهيك عن أن منصات البث التدفقي عبر الإنترنت تتيح لنا الاختيار ما بين آلاف الأفلام دون أن نبرح مكاننا.
لكن لماذا يؤثر الكثيرون مشاهدة أفلام سبق لهم أن شاهدوها مرتين أو ربما عشرات المرات؟ ولماذا جلسنا لمشاهدة فيلم “العودة للمستقبل” للمرة الـ 43 عندما عرض على شاشة التلفاز، رغم أننا نحفظ كل كلمة فيه عن ظهر قلب؟
ومع أن شبكة “نتفلكس” أنتجت العام الماضي ما معدله 8500 دقيقة من الأفلام، إلا أن إعلان بدء عرض فيلم “الرقص البذيء” الذي أنتج عام 1978 على منصات البث التدفقي، لاقى ترحيبا منقطع النظير على موقع تويتر.
وعندما عُرض فيلم “المنتقمون: نهاية اللعبة” في دور السينما العام الماضي، ذكر أحد عشاق هذه السلسلة من الأفلام أنه شاهده أكثر من 103 مرات، بينما ذكر آخر أنه شاهده 116 مرة في السينما.
وبينما تعد مشاهدة الأفلام أكثر من مئة مرة في غضون أسابيع قليلة أمرا مبالغا فيه، فقد أفصح لي الكثير من الأصدقاء عن أنهم شاهدوا أفلاما بعينها مرات لا تحصى، منها مثلا “العودة للمستقبل” و”الرقص البذيء” و”إجازة فيريس بويلر”، وفيلم “توب غان” و”الفك المفترس” و”الأميرة العروس”، وفيلم “غريس” و”الغناء تحت المطر”، و”ماري بوبينز” و”صوت الموسيقي”، وكذلك أفلام جيمس بوند و”الأب الروحي” و”حرب النجوم” و”ملك الخواتم” وفيلم “يوم فأر الأرض”.
وأجرى موقع “فايف ثيرتي إيت” للبيانات استطلاعا للرأي شارك فيه 1169 شخصا، عن أفضل الأفلام التي شاهدوها أكبر عدد من المرات، وتصدرت القائمة “حرب النجوم” و”الساحر أوز” و”صوت الموسيقى”.
لا شك أن أحد الأسباب التي تدعونا لمشاهدة الأفلام أكثر من مرة هو أننا نحبها ونرى أنها تستحق الاهتمام. وعندما سألت بي بي سي على صفحتها “نادي الأفلام” المخصصة للأفلام السينمائية على موقع فيسبوك، أعضاء الصفحة عن الأفلام التي تستحق المشاهدة أكثر من مرة، ذكر أحد أعضاء الصفحة أن فيلم “العودة للمستقبل” هو فيلم مثالي، ليس فقط لأن السيناريو مكتوب بدقة بالغة بل أيضا لأن الأداء كان رائعا ولم يذهب مشهد واحد هباء.
وبعض الأفلام تكرر ظهورها في قوائم أفضل الأفلام على الإطلاق، مثل “كازابلانكا” و”ثمانية ونصف” و”الإمبراطور الأخير” و”ويثنيل وأنا”. وقال أحد الأعضاء إن بعض الأفلام لا ينقصها شيء على الإطلاق، إذ أن قصتها مثالية وتحصل دائما على أعلى الدرجات، وقد تألفها إلى حد أنك قد تبدأ الفيلم من أي مشهد وستكمل المشاهدة. وستشعر بسعادة نفسية وقد تستأثر بانتباهك إلى حد أنك تعيش أحداثها. وفي رأيي هذا الفيلم هو “ليلة لا تنسى” و”سفينة بيسمارك”.
لكن هذا يبرر مشاهدة الفيلم ثلاث أو أربع مرات، فما الذي يجعلنا نقضي ساعتين من وقتنا لمشاهدة أفلام نعرف كل تفاصيلها؟
يعلل البعض ذلك بأن مشاهدة الأشياء التي نألفها يستهلك مجهودا ذهنيا أقل مقارنة بالأفلام الجديدة، فنحن لا نحتاج للتركيز في الفيلم لمعرفة أحداثه لأننا نعرفها بالفعل. وكل ما علينا فعله هو أن نسترخي ونستمتع بالمشاهدة.
وكلما زادت خيارات الأفلام الجديدة، زادت رغبتنا في العودة إلى الأفلام التي ندرك أنها لن تخذلنا. وهذا الشعور يعرفه تماما الكثيرون ممن يقضون الساعات في البحث وسط أفلام لا حصر لها على شبكة “نتفليكس” أو “أمازون برايم”. وحبذا لو صادفنا فيلما نعشقه على القنوات الأرضية التلفزيونية، لأننا لن نحتاج إلى بذل جهد في الاختيار.
وثمة ظاهرة نفسية تسمى أثر التعرض المحض أو مبدأ الألفة – حين نختار الأشياء التي تعرضنا لها من قبل ومن ثم أصبحنا نألفها، وهذا قد يفسر أيضا تفضيلنا للأفلام التي شاهدناها من قبل. وربما لهذا أواظب على مشاهدة فيلم “الإجازة” في كل إجازة كريسماس، رغم أنني كنت أعده أسوأ الأفلام على الإطلاق.
وقد تصبح الأفلام جزءا من عادات الاحتفال، إذ لا يشعر الكثيرون بقدوم العيد إلا بمشاهدة أفلام بعينها، وقد يدفعنا عيد الهالوين إلى معاودة مشاهدة أفلام الرعب المفضلة.
وفي عام 2012 خلص بحث أجرته كريستل أنتونيا راسيل وسيدني جيه ليفي، أستاذا التسويق بجامعة أريزونا، إلى أن العودة إلى الأفلام القديمة تجعلنا نقيس مدى تقدمنا في السن والتغيرات التي طرأت على حياتنا.
وقد أكد ذلك أحد الردود من أعضاء صفحة نادي الأفلام على فيسبوك، حين قال: “يحلو لي معاودة مشاهدة بعض الأفلام كل بضع سنوات لأراها في صيغ مختلفة، إذ رأيت أفلام بوند في السينما ثم على شاشة التلفاز، وبعدها على جهاز الفيديو ومشغل الأقراص الرقمية، والآن حمّلتها رقميا.
ولعل السبب الرئيسي الذي يحدونا للعودة لمشاهدة الأفلام القديمة هو الحنين إلى الماضي، ولا سيما إلى فترة معينة من حياتنا. ويصف كلاي روتليدج، أستاذ علم النفس بجامعة داكوتا الشمالية، ذلك بأنه غريزة فطرية، ويقول إن ثمة دوافع نفسية تحملنا على البحث عن أشياء تشعرنا بأننا متصلون بالمكان الذي نشأنا فيه. وهناك بعض التجارب الثقافية والشخصية التي يحلو لنا العودة لها لتثبيت جذورنا.
ولهذا ليس مصادفة أن تجد أن الأفلام التي شاهدناها أكبر عدد من المرات هي التي اكتشفناها في مرحلة الطفولة. ويقول روتليدج إن التجارب التي خضناها في مرحلة المراهقة والبلوغ تترك أثرا في شخصيتنا، لأنك في هذه المرحلة تشعر أنك أصبحت فردا مميزا وتحاول استكشاف نفسك واهتماماتك.
وخلصت أبحاث إلى أن بعض الناس تنتابهم أحيانا مشاعر تثير داخلهم حالة الاشتياق إلى الماضي. ويقول روتليدج: “عندما نشعر بالحزن أو الوحدة أو القلق أو الارتياب نحتاج لشيء يذكرنا بالمكان الذي نشأنا فيه أو بهويتنا. وقد نختار أشياء نعرفها ونعرف أنها ستعجبنا”. ولهذا يشاهد أغلبنا أفلاما معينة عندما ينتابهم القلق أو الضغط النفسي أو المرض، حتى تهدئ روعهم.
واختار عضو آخر في صفحة نادي الأفلام على فيسبوك فيلم “جسر واترلو” الذي أنتج عام 1940، وعلق قائلا “رغم أنه فيلم حزين وقديم، إلا أنه يذكرني بالألم الذي يعتريني كلما تذكرت علاقة حب قديمة وكذلك الحال بالنسبة لفيلم ‘لقاء عابر'”.
ويقول روتليدج: “عندما يسيطر عليك القلق أو الضغوط النفسية، ويخبرك جسمك أن هناك ما يدعو للقلق، فمن الطبيعي أن تتفادى التجارب الجديدة والمجازفات. فحين نشعر بعدم الاستقرار العاطفي سنبحث عن أشياء تشعرنا بالأمان، على أن تكون هذه الأشياء نعرفها ويسهل التنبؤ بها”.
ويضيف: “قد يبدو أن خوض تجارب من الماضي هو رد فعل الجسم الطبيعي لاستعادة الشعور بالاستقرار والأمان”.
أما عن الأفلام التي سنعاود مشاهدتها مستقبلا، فقد أشارت بيانات “نتفلكس” في نهاية عام 2018 إلى أن 50 في المئة من الأشخاص الذين شاهدوا أفلام المراهقين الكوميدية الرومانسية التي أنتجتها الشبكة مثل “مقصورة التقبيل” و”إلى جميع الفتيان الذين أحببتهم من قبل”، عاودوا مشاهدتها مرة واحدة على الأقل. لكن في ظل زيادة عدد الأفلام التي تستهدف الجيل الذي يلي جيل الألفية، من المرجح ألا يتمسك هذا الجيل بفيلم واحد أو بضعة أفلام ليشاهدها مرات عديدة أسوة بالأجيال السابقة.
وقد صدرت أفلام مؤخرا شاهدتها بالفعل مرات عديدة، مثل “ميلاد نجم” و”نادني باسمك”. ولست واثقة إن كنت سأواصل مشاهدتهما مرات أخرى على مدار السنوات العشر المقبلة. لكن إذا صادفت فيلم “أربع زيجات وجنازة” على شاشة التلفاز، لا شك أنني سأجلس لمشاهدته.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Culture
[ad_2]
Source link