كيف يصلي المسلمون في بلاد تغيب فيها الشمس لأشهر طويلة؟
[ad_1]
في منتصف ليلة السابع والعشرين من يوليو/تموز، كنت من بين العشرات الذين تدفقوا على قمة جبل ستورشتاينن في مدينة ترومسو النرويجية الواقعة إلى الشمال من الدائرة القطبية الشمالية. البعض صعد راجلا، بينما نُقِل آخرون إلى القمة بواسطة قطار يعمل بالكوابل (تليفريك).
وكان هدف الجميع واحدا، وهو أن يرقبوا غروب شمس لم تغب عن سماء ترومسو منذ شهرين كاملين. وبالفعل اختفت الشمس وامتزجت أشعتها بالألوان الوردية والبنفسجية والبرتقالية، التي تكسو صفحة السماء في منطقة القطب الشمالي. وما هي إلا ساعة، حتى عاودت الظهور، مُستهلة بذلك سلسلة الأيام التي تتقلص فيها فترة النهار تدريجيا في هذه المدينة النرويجية، حتى نصل إلى فترة منتصف الشتاء، التي يبدأ فيها غياب أشعة الشمس طوال الوقت.
اللافت أن السكان المسلمين للمدينة لم يكترثوا كثيرا بالمشهد، رغم عددهم الكبير. وكلما كنت أحدث أيا منهم عن الإظلام الكامل الوشيك، لم يكن يرد عليّ سوى بهز كتفيه تعبيرا عن الاستخفاف بما أقول. لكن خلف هذه اللامبالاة، تكمن قصة تتشابك فيها خيوط الحنين إلى الماضي ومحاولات التوافق مع الحياة في بيئة مختلفة، بجانب النقاش الذي لا ينتهي حول السمات الفريدة لحركة الشمس في بعض مناطق العالم.
إذ أن هذه الحركة ذات أهمية كبيرة للشعائر الدينية التي يؤديها المسلمون في شتى بقاع الأرض، بل يمكن القول إن الإسلام هو أكثر الأديان الرئيسية على وجه المعمورة، التي ترتبط شعائرها بموقع هذا النجم العملاق في السماء.
وقد انعكس ذلك في ما ورد على لسان حسين عبدي يوسف، إمام مسجد الرحمة، أصغر المسجدين اللذين تضمهما جنبات ترومسو. فقد قال لي هذا الرجل الدمث عذب اللسان: “أراقب شروق الشمس وغروبها منذ نعومة أظفاري. وأنا أنصت إلى صوت المؤذن يرفع الآذان للصلاة خمس مرات يوميا”، طيلة فترة نشأته بين أسرة متدينة في الصومال، ذاك البلد الذي قال لي إن كل شيء فيه يتمحور حول “أوقات الصلاة”، تلك التي ترتبط كما هو معروف بحركة الشمس في السماء، بدءا من الفجر الذي يسبق الشروق وصولا إلى العشاء الذي يعقب الغروب.
وقد روى مسلمون آخرون في ترومسو قصصا مشابهة عن طفولتهم في دولهم الأصلية، فآنذاك كان موعدا الشروق والغروب أكثر انتظاما من نظيريهما في هذه المدينة النرويجية. من بين هؤلاء منصور وايزي، العضو في مجلس إدارة مركز النور، وهو المسجد الثاني والأكبر في ترومسو. فقد حدثني الرجل عن الكيفية التي اقتلع بها نفسه من كابول منتقلا إلى ألمانيا، وكيف كانت أوقات اليوم في العاصمة الأفغانية تتوزع بحسب مواقيت الصلاة، بينما كانت الأسبقية في ألمانيا لإيقاع يوم العمل.
وأضاف وايزي: “كان التغير الذي حدث في ألمانيا محبطا. لكن الشمس كانت على الأقل لا تزال تشرق هناك وتغرب!”. فالرجل، الذي يعيش في ترومسو منذ عام 2007، لا يزال يتذكر كم كان مُربكا بالنسبة له في البداية أن يصلي المغرب في هذه المدينة، والشمس لا تزال في كبد السماء.
وربما يشكل تبديد هذا التشوش والارتباك، أو تخفيفه على الأقل، أبرز تحدٍ ذي صلة بالدين والعقيدة يواجه مسلمي المنطقة القطبية التابعة للنرويج. فالسؤال الذي يحاول هؤلاء إيجاد إجابة عليه يتمثل في “ما هو الحل الوسط المقبول الذي يمكن اتباعه عندما تمضي حركة الشمس على نحو لا يتوافق مع المبادئ الأساسية للجدول الخاص بمواقيت صلواتهم؟”.
يقول أولي مارتين ريسان، وهو رجل من مواليد ترومسو تحول منذ سنوات إلى الإسلام: “لا نزال نحاول بلورة مثل هذا الحل”. وقد كنا نتحدث في مطبخ مسجد مركز النور الواقع غير بعيد عن مسجد الرحمة، القريب بدوره من قلب الحي السياحي في المدينة النرويجية.
ورغم المساحة الفسيحة لمركز النور، الذي يقبع في مكان كان يُستخدم سابقا ستوديو للرقص، فإنه يغص بمرتاديه في أوقات الصلوات، بشكل يجعله يبدو ضيقا، خاصة خلال صلاتي الجمعة والعشاء، اللتين أديتهما هناك في بعض الأيام. أما اليوم الأكثر ازدحاما على الإطلاق من حيث عدد المصلين، فهو يوم عيد الفطر. فالعدد يتجاوز في هذه المناسبة المئة مصل، ما يجعل المسؤولين عن مسجد الرحمة – الذي أُسس عام 1991 ومركز النور الذي أُنشئ بعد ذلك بـ 15 عاما – يحشدان قواهم لإقامة صلاة العيد في صالة رياضة تابعة للبلدية، تشكل عادة مقرا لأحد فرق كرة السلة المحلية.
وتنجم المشكلة المتعلقة بصعوبة استيعاب عدد المصلين في ترومسو، من عامليْ السياحة والهجرة؛ اللذين يزيدان عدد المسلمين في المدينة، سواء كانوا مقيمين أو زائرين.
وتقول نادية حكمي – وهي ابنة أسرة مسلمة في ترومسو وتعمل في قطاع السفن السياحية الذي يلقى إقبالا كبيرا من الزبائن في المدينة – إن السياحة “تزدهر بشكل كبير منذ عدة سنوات” هناك. ويتم الترويج لترومسو بكثافة، كمقصد سياحي للقادمين من جنوب شرق آسيا، حيث تُقدم لهم على أنها بقعة نائية تسودها سمات الحياة البرية، وتتألق سماؤها بأضواء الشفق القطبي، وتجول الدببة القطبية في طرقاتها. وفي أغلب الأحيان، يتردد السائحون المسلمون على مسجد مركز النور، لأداء صلواتهم خلال وجودهم في ترومسو.
وقالت سيدة – تؤدي صلواتها منذ وقت طويل في المسجد نفسه – إن قاعة الصلاة فيه تكتظ في بعض الأحيان بالسائحين، ما يجبر المسلمين من سكان المدينة، على أداء شعائرهم في غرف مجاورة، تُستخدم صفوفا دراسية في المعتاد.
وتشكل السياحة القلب النابض للاقتصاد المحلي في ترومسو، إلى حد جعل المدينة من بين المدن الأقل في معدلات البطالة في النرويج بأسرها، حسبما يقول حسين يوسف إمام مسجد الرحمة.
ويشكل هذا الازدهار أحد العوامل التي تجتذب المهاجرين من دول مثل الصومال وأثيوبيا، ممن يفرون من الحروب والفقر، ويجدون قدرا من الاستقرار والفرص في أقصى شمال أوروبا.
وفي إحدى المرات، تبادلت أطراف الحديث بعد أدائي الصلاة في مركز النور، مع كثير من الشبان الذين سجلوا أسماءهم للالتحاق بجامعة ترومسو، للاستفادة من الفرص الوفيرة المتاحة لهم لبناء مستقبل وظيفي زاهر. بعضهم قال لي إنه يتوقع أن يمضي جنوبا للإقامة في أوسلو أو ستوكهولم بمجرد حصوله على درجته الجامعية، أما الآخرون فقالوا إنهم سيمكثون في ترومسو، وتكوين أسرة هناك.
وسيتعين على من سيبقى من هؤلاء الأشخاص في المدينة، مواصلة محاولات التوفيق بين مواقيت الصلاة التقليدية المتعارف عليها في بقاع العالم الأخرى، والسمات الفريدة لحركة الشمس فوق القطب الشمالي.
من بين أول من بذلوا جهودا على هذا الصعيد، مريم مو، وهي سيدة وُلِدَت في ترومسو واعتنقت الإسلام قبل سنوات. فبالتوازي مع تأسيس مسجد مركز النور، توجهت هذه السيدة وعدد أخر من الشخصيات البارزة في المركز، إلى الهيئات المسؤولة عن الإفتاء في المملكة العربية السعودية ومصر والكويت، لسؤالها حول ظاهرة شمس منتصف الليل وتأثيرها على تحديد مواقيت الصلاة.
وقد أصدر رجال الدين في الدول الثلاث فتوى، تتيح ثلاثة خيارات لسكان ترومسو؛ إما الصلاة بحسب مواقيت أقرب بلد للنرويج تشرق فيه الشمس وتغرب بشكل منتظم طوال العام، أو أن يصلي كل شخص بحسب مواقيت بلده الأصلي. أما الخيار الثالث فيتمثل في الصلاة بحسب المواقيت المعمول بها في مكة؛ مسقط رأس النبي محمد.
واتفق المسجدان الموجودان في المدينة على تطبيق الخيار الأخير مؤقتا على الأقل “حتى نجد شيئا أفضل” كما يقول وايزي. إذ يرى هذا الرجل وغيره، أن ذلك الحل لا يعالج بشكل كامل مشكلتهم وطبيعة هويتهم الجديدة كمسلمين نرويجيين، بل إنه – وببساطة – يفرض عليهم مواقيت صلاة مجلوبة من بقعة بعيدة للغاية.
وقد دخلت جهود البحث عن حل أفضل لتلك المعضلة مرحلة جديدة في أبريل/نيسان الماضي، عندما توجه إماما مسجديْ ترومسو إلى السويد، لإجراء نقاشات مع رجال دين مسلمين من هناك ومن الدنمارك وفنلندا كذلك، حول مواقيت الصلاة وما يتصل بها من مواعيد الصوم والإفطار في شهر رمضان. وشارك في النقاشات كذلك ممثلون عن السكان المسلمين في بلدة ألتا ومدينة هامرفست النرويجيتيْن.
وبعد نقاشات مطولة، بلور رجال الدين المشاركون فيها اقتراحا مفاده جعل توقيت صلاتيْ الظهر والعصر مرتبطين بموقع المنطقة التي ستجري الصلاة فيها، سواء عبر رصد حركة الشمس بشكل مباشر خلال الصيف أو من خلال الاستعانة بالحسابات الفلكية في فصل الشتاء. أما الصلوات الأخرى؛ وهي الفجر والمغرب والعشاء، فستتوافق مواقيتها – بحسب ذلك المقترح – مع المواقيت المعمول بها في مكة، بهدف إضفاء التوازن على مواقيت الصلاة خلال اليوم بأكمله.
ومنذ أبريل/نيسان الماضي، أصبحت هذه المنظومة – التي تجمع بين مواقيت الصلاة المحلية وتلك السارية في مكة – هي النظام المطبق رسميا في ترومسو. رغم ذلك فلا يزال هذا الأمر غير نهائي حتى الآن. فكما تقول نادية حكمي: “من المتفق عليه دائما أنه لن يكون هناك قرار نهائي، فالعملية لا تزال جارية”.
ومن المقرر أن يستضيف مسجدا ترومسو في منتصف ديسمبر/كانون الأول المقبل، مؤتمرا لمتابعة ما جرى من نقاشات في السويد. وسيخصص هذا المؤتمر المزمع لبحث مواقيت الصلاة التي حُدِدَت مبدئيا في أبريل/نيسان الماضي.
على أي حال لا يلتزم الجميع بالمواقيت الجديدة للصلاة. فقلة منهم واصلوا الصلاة بحسب مواقيت مكة، بينما ظل آخرون مرتبطين بأوقات الصلاة في بلدانهم الأصلية.
وبعد أداء صلاة العشاء في أحد الأيام، سألت يوسف إمام مسجد النور، عما إذا كان يشعر بالقنوط إزاء قرب حلول فصل الشتاء الوشيك الذي ستغيب عنه الشمس تماما، فرد عليّ بالقول إنه اعتاد ذلك، راويا لي رحلته الطويلة من الصومال – التي فر من العنف الذي كان يسودها – حتى وصل إلى هذه المدينة النرويجية القريبة من أقصى شمال العالم.
على أي حال، فبعد وقت ليس بالطويل، ستشهد قمة جبل ستورشتاينن حفل وداع حزينا للشمس الغاربة، التي لن تشرق من جديد على ترومسو قبل حلول العام المقبل. لكن بالنسبة ليوسف لا يبدو الأمر مزعجا بشدة، إذ قال لي وهو ينظر إلى السماء التي بدأت تشهد ملامح شفقٍ أتى مبكرا: “هذا البلد يمنحنا شيئا مختلفا. فنحن ننعم بالسلام، وذلك يعني الكثير”.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Travel
[ad_2]
Source link