مصطفى نصري شمس الدين والدي ترك لنا | جريدة الأنباء
[ad_1]
أجرى الحوار: عبدالوهاب الحمادي
نصري شمس الدين، عندما أقرأ الاسم. تتعالى أصوات الدبكة ويخرج صوته يهدر معها: يا مارق عالطواحين والمية مقطوعة. أو يكون مثل ناي في موال: أنا لا كتبت للحلوة رسالة.. ولا عرفت الهوى وهم الليالي. نصري ذلك الفنان الكبير الذي طبع بصوته شطرا كبيرا من الفولكلور اللبناني ورحل بغتة منتصف الثمانينيات. أحببته منذ أحببت المسرح الرحباني وأعمالهم الفنية. شكل ثنائيا مع فيروز وقام بأدوار مسرحية غنائية لا تنسى.
التقيت ابنه مصطفى نصري شمس الدين عبر الفيسبوك، حيث يدير أبناؤه صفحة والدهم، رحب باللقاء بكرم. عندما حادثته بالهاتف أتاني صوت والده لوهلة.
سألته عدة أسئلة وجاءت الإجابات تذكرنا بالراحل الكبير.
عندما يذكر نصري شمس الدين، تسمع الدبكات وصوت المجوز والناي والآلات الشعبية اللبنانية.. برأيك هل ما زالت الأجيال الجديدة مطلعة على تراث العملاق نصري أم هناك تقصير؟
٭ في البداية، شكري الكبير لصحيفة «الأنباء» الكريمة الموقرة وأخص بالشكر الأستاذ عبدالوهاب الحمادي على إعادة تذكيرنا وتذكير القراء الأحباء بالفن العربي الأصيل، من خلال الفنان الكبير الراحل نصري شمس الدين، «ودولة الكويت العزيزة. كانت لها معزة خاصة لنصري في قلبه. وله أعمال كثيرة في الكويت منها أحياء الترويج السياحي السنوي، ومهرجانات وحفلات وتسجيلات للإذاعة والتلفزيون وله أصدقاء كثر ومحبون، وأذكر عند بداية الحرب اللبنانية عام 1976 انتقلنا نحن عائلة نصري للعيش بالكويت، ولغاية اليوم ما زلنا على اتصال بأصحابنا ومحبي والدي الذي ترك لنا رصيدا كبيرا من الأحباء والأصدقاء من الشعب الكويتي الحبيب».
طبعا لغاية اليوم كثيرا ما تردد أغانيه الشعبية، خصوصا في المدارس والجامعات. فمن ليس له قديم ليس له جديد. ونصري شمس الدين هو مدرسة فولكلورية تراثية بحد ذاتها.
وتميز نصري بصوته الفريد وأدائه الرائع بالإضافة إلى تمثيله المسرحي المميز، وقد دعم نصري موهبته الفنية بالعلم وهو خريج كونسرفتوار القاهرة متخصص بغناء التينور نسبة لمقامات صوته من كونسرفتوار بلجيكا. فأصقلا موهبته بالعلم والمعرفة. لذلك أبدع في أعماله وترك بصمة كبيرة في عالم التراث الفني اللبناني والعربي وأغانيه وأعماله شاهدة اليوم على التركيز من بعض المدارس والجامعات على فن نصري المميز. خصوصا صوته وأداءه وتمثيله المسرحي.
وكثيرا ما دعيت إلى بعض المدارس والجامعات لأتكلم وأشرح عن فن نصري العظيم. بالرغم من عظمة هذا الفنان المميز إلا أن هناك تقصيرا كبيرا من جهات كثيرة أولها الدولة التي قصرت كثيرا بحق نصري، وثانيا الإعلام الذي تبدل كثيرا عن الماضي وأصبح اليوم أعلاما مدفوعا. وهذا التقصير لم ولن يؤثر على فن نصري مهما طال الزمن، فهو وقته أصبح من التراث الذي لن يموت مهما قصروا العزال.
عرف نصري شمس الدين بالثنائية مع فيروز عبر المسرحيات والحفلات ماذا كان يحدثكم عنها؟ وأنك صحبته لفترة بعض كواليس الأعمال. هل من ذكريات لتلك الأيام الجميلة؟ وهل استمر تواصلكم مع الرحابنة وفيروز أم أن العلاقة فترت؟
٭ من المعروف أن نصري تعرف على الأخوين رحباني سنة 1953 بإذاعة الشرق الأدنى في بيروت. وبدأوا معه إنتاج اسكتشات إذاعية بالاشتراك مع فيروز التي كانت تغني بالكورال في ذلك الوقت. أما بالنسبة للأخوين رحباني فقد وجدوا الفنان الذهبي الذين يبحثون عنه لتنفيذ أعمالهم المسرحية الغنائية. وبدأ المشوار الطويل مع الرحابنة وفيروز منذ ذلك الوقت، ونصري أمن بأعمال الرحابنة وبصوت فيروز وكانت أمنيته المسرح الغنائي. وكان الرحابنة يأخذون برأيه بكل عمل. ويعتبرونه ركنا أساسيا في مسرحهم. وتعدت علاقتهم بالفن وأصبحت علاقة أخوية وروحية. بالرغم من أن نصري كان يعتبر بأن هناك بعض الإجحاف بحقه الفني. إلا أن محبته للمسرح الغنائي وللرحابنة جعلته يستمر معهم. كانت معظم الأعمال المسرحية تقدم لايف وكان حفظ النص والأغاني مهم جدا، وكان نصري ينسى بعد المرات لكنه كان سريع البديهة بتركيب كلمات وكان يتلبس الشخصية التي يلعبها حتى وهو خارج المسرح.
على سبيل المثال: كان يقوم بدور الأمير فخر الدين في بعلبك وأثناء فترة الاستراحة دعا منصور رحباني نصري للحضور فقال له: تفضل عالعشاء، فكان رد نصري لا يجوز أن تتكلم هكذا مع الأمير فخر الدين. كان نصري محبوبا جدا فكان حضوره دائما مميزا وطريفا بأحاديثه وظريفا في وجوده. فكانوا يجتمعون حوله خلف الكواليس وكان دائما يشجع أعضاء الفرقة ويدعمهم لتقديم الأفضل ويقول لهم نحن نقدم رسالة للأجيال القادمة. وكان يلعب معهم طاولة الزهر ويتحداهم والذي يخسر عليه أن يغني أغنية يختارها له نصري.
كان نصري يضع شنبات مستعارة، وفي إحدى المسرحيات أضاع نصري شنباته، فقام عامل المكياج برسم مشنب له، وخلال الحفل تعرق نصري وذاب قسم من الشنب من وجه، وبدأ الجميع على المسرح بالضحك. هذه ذكريات لا تعوض وفنانون لا يعوضوا.
لقد استمرت العلاقة مع الرحابنة بعد رحيل الوالد نصري خصوصا مع الراحل الأستاذ منصور الرحباني. فكان دائما يطمئن عن عائلة نصري. وكان دائم الحضور لأي تكريم لنصري، أما عن السيدة الكبيرة فيروز أطال الله بعمرها، فكنت أراها أثناء البروفات وخلف الكواليس أسلم عليها.
فكان هناك احترام متبادل بينها وبين نصري، وكان لنصري مكانة ومعزة خاصة فخصته بكلمة رائعة بعد وفاته، واحتراما لمكانة نصري الفنية عندها، لم تقف السيدة فيروز أمام أحد من الفنانين على المسرح بعد وفاة نصري انها سيدة عظيمة، لها كل المحبة والتقدير لدينا.
3- أما عن رحلات الصيد برفقة صديقه المحبوب الملحن والفنان الكبير فيلمون وهبي، رفيق دربه، فكانت من أجمل أيام حياتي وذكريات لا تنسى.
في أحد الأيام ذهبنا ووالدي وفيلمون إلى الصيد في جون قرب منطقة دير المخلص (وهو دير كبير) وكان فيلمون يراقب نصري وهو يصطاد. وكان نصري يطلق النار على الطريدة من بعيد ولا يصيب، فقال له فيلمون مازحا هل تستطيع أن تصيب الدير، وكانت آلة العود لا تفارق فيلمون حتى في رحلات الصيد. فكان بعد الانتهاء من الصيد يجلسون في الطبيعة، ويستبدل فيلمون البندقية بآلة العود، ويبدأون بالغناء، خصوصا إذا كان معه شعر للتلحين، فهو شيخ الملحنين، وبقي التعاون الفني ورحلات الصيد مستمرة لأكثر من 30 عاما إلى أن رحل نصري.
4- لجون مكانة عظيمة وخاصة في قلب نصري، وكيف لا وهو ابن هذه البلدة الجميلة بطبيعتها، التي تربى بها وغنى لها من أشهر أغانيه (جون جون بلدي جون، بلد الزيت والزيتون). وكانت علاقته بأهلها ممتازة فالجميع كانوا يحبونه، وينتظرون مجيئه إلى الضيعة، وهم عاشوا على صوته وهو كان يشاركهم أفراحهم ويغني لهم منذ صغره، أهلها لم ينسوا نصري أبدا وتجد في كل بيت في جون صورة لنصري. وقد ربوا أولادهم على أعمال نصري الفنية، حتى الجيل الجديد يعرف نصري، من خلال أهله وأخبارهم وقصصهم وذكرياتهم عنه ومعه. وأهالي جون ما زالوا لغاية اليوم يطالبون الدولة بتكريم نصري فهم جدا أوفياء له ولفنه.
5- من لبنان ومن ثلاثو ومن مياتو ومن أرزاقه جايبلك يا كويت هدية بسمة حلوة من أرزاته.
للكويت مكانة خاصة جدا في قلب نصري، أصدقاؤه كثر في الكويت، وكان دائم الزيارة إليها، حتى إذا لم يكن هناك عمل فني له، فكان يذهب لزيارة أصدقائه وعلى ما أذكر كان دائما في (فندق المسيلة)، وكان لنصري مكانة خاصة عند الجمهور الكويتي، وكانت أغانيه تسبقه إلى الكويت، وله تسجيلات في الإذاعة الكويتية عديدة. وكان يقول عن الكويت انه بلد الضيف.
6- صوت نصري شمس الدين، صوت مميز فهو صوت تينور درامي، نادر التينور كي يكون دراميا. لذلك هو صوت مميز، ومن الصعب تقليده. هناك فنانون كثر حاولوا تأدية أغاني ومواويل نصري وكانوا يقولون بأن أغانيه من السهل الممتنع وهو كذلك.
ليس هناك فنان محدد استطاع أن يؤدي أغاني نصري، بل المهم أن يكون الأداء صحيح والصوت جميل. والأهم أن يغني بصوته وعدم التقليد. ولكل لون من الأغاني نكهة خاصة، ولنصري عدة ألوان من الغناء منها الشعبي، والشعر، والقصيدة، والخليجي، والموال، واشتهر نصري بالحوارات الغنائية مع فيروز وصباح ونجاح سلام وغيرهم، والحوارات هي من أصعب الأداء في الفن. لذلك نصري شمس الدين مدرسة فنية لا تعوض.
7- أحب نصري للزيت والزيتون والزراعة منذ طفولته، فكان لوالده مزرعة فيها جميع الخضار والفاكهة والزيتون. وكان نصري يذهب دائما مع والده إليها، ويغني في الطبيعة فعشق الطبيعة والأرض والزراعة منذ نشأته، وشجرة الزيتون كانت مميزة لديه، لذلك أنشأ نصري معملا لاستخراج الزيت، يسمونها معصرة. وكان في موسم الزيتون يقضي معظم وقته في جون، في معمل الزيت مع العمال، ويغني لهم وكان يعشق رائحة زيت الزيتون، فهي رائحة الأرض، انها مباركة، ونحن لغاية اليوم ما زلنا نحافظ على جميع ما تركه والدي نصري من إرث فني وغيره والأهم هو إرث محبة الناس له. ونحاول جمع أعماله الفنية العديدة والمسجلة في إذاعات الدول العربية. فنصري إرث فني وتراث نابع من الطبيعة لا يتكرر رحمك الله يا والدي الحبيب وأسكنك فسيح جناته.
[ad_2]
Source link