وجهة نظر: هل ستكون سوريا بداية نهاية ترامب؟
[ad_1]
يقول مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق فيليب جي كرولي إن الوضع الراهن في سوريا يعد كارثة صنعها الرئيس الأمريكي ترامب، وهي كارثة قد تؤدي إلى خسارته الانتخابات الرئاسية في العام القادم.
لن تقدم بالتأكيد مادة لعزل ترامب بسبب قراراته الأخيرة حول سوريا ضمن ملف “الجرائم والمخالفات” المزعومة التي ارتكبها، والتي يناقشها مجلس النواب الأمريكي الآن. ولكن الكارثة الإستراتيجية التي تتفاعل نتائجها الآن جراء استسلامه لمطالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد تعني بداية نهاية رئاسة ترامب.
من المرجح أن ترامب سيفلت من العزل، إذ أنه من غير المتوقع أن يدينه مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون، ولكن ترامب يستمر بالتصرف وكأنه عدو نفسه اللدود. إذ يعتقد ترامب بأن المكالمة الهاتفية التي أجراها في تموز / يوليو الماضي مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كانت “مثالية” حسب تعبيره. ولكن وقائع ما قيل في تلك المكالمة، والتي نشرها البيت الأبيض، تقدم أدلة دامغة على أن جريمة قد ارتكبت.
ولكن المسألة الأوكرانية أصبحت بالفعل اختبارا سياسيا نفسيا داخليا في الولايات المتحدة، فبالرغم من وجود أدلة دامغة تدين ترامب، ما زال العديد من مؤيديه يفضلون أن يروا الجانب الحميد من صورته.
ولكن الشأن السوري يختلف تماما عن ذلك. فليس بمقدور ترامب وادارته أن يلقي باللوم لما جرى – ويجري – على سلفه باراك أوباما والديمقراطيين في مجلس النواب. وناهيك عن نية الادارة الأمريكية معاقبة تركيا عن طريق فرض عقوبات جديدة، فهذه أزمة خلقها ترامب بنفسه.
من وجهة نظر ترامب، كان قراره بسحب القوات الأمريكية من الأراضي المتنازع عليها المحاذية للحدود التركية السورية متوافقا مع الوعود التي أطلقها في برنامجه الانتخابي والتي كان أساسها إخراج القوات الأمريكية من الصراعات المكلفة والمعقدة في الشرق الأوسط.
وكما قال ترامب في واحدة من تغريداته الكثيرة، “أزف الوقت لخروجنا من هذه الحروب التافهة التي لا نهاية لها”، مضيفا “سنحارب إذا كان القتال لمنفعتنا، وسنحارب من أجل النصر فقط”.
وبينما يرى كثيرون أنه من الأفضل تجاوز وتجاهل تغريدات وتصريحات ترامب المتناقضة الكثيرة، ففي هذه الحالة قرأ أردوغان أقوال ترامب بشكل جيد، واستغله استغلالا كاملا لتحقيق أهدافه.
فعندما قال أردوغان لترامب في مكالمة هاتفية جرت بينهما مؤخرا إنه ينوي ارسال قوات إلى سوريا من أجل القضاء على إمكانية إنشاء اقليم كردي مستقل ذاتيا على حدود تركيا، كان من المرجح أن الرئيس التركي كان يتوقع ألا يبدي ترامب إلا ممانعة قليلة.
ففي مكالمة سابقة جرت بين الرئيسين في أواخر عام 2018، عبّر ترامب عن رغبته القوية في سحب القوات الأمريكية من سوريا، وأوردت التقارير أنه قال لأردوغان في ذلك الحين “جيد، الأمور أصبحت في أيديكم، فقد انتهينا من هذا الأمر”. استقال وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس إثر ذلك. وكان ماتيس واحدا من آخر مسؤولي الأمن القومي الأمريكيين “البالغين” الذين كانوا كانت لهم رغبة في مواجهة نزوات ترامب.
بعد عشرة شهور، وعندما قرر أردوغان تنفيذ عمليته العسكرية، كان يعرف أنه لن يواجه أي معارضة حقيقية من الولايات المتحدة.
فبينما واجهت سياسة ترامب انتقادات من جانب الحزبين الرئيسيين في الكونغرس، حتى من جانب رئيس مجلس الشيوخ الجمهوري ميتش ماكونيل، فإن العديد من الأمريكيين يشعرون بالملل من الحروب في الشرق الأوسط ويساندون فكرة اعادة القوات الأمريكية إلى أرض الوطن.
ولكن ترامب حقق ذلك بأسوأ طريقة ممكنة تقريبا.
فالمشاركة العسكرية الأمريكية الصغيرة نسبيا، ومعها المشاركات البريطانية والفرنسية، كانت قد أرسلت إلى سوريا لمنع تمدد تنظيم الدولة الإسلامية وللقيلم بدور الحائل لضمان اعادة بناء سوريا مستقبلا.
ورغم خلفيته في مجال المال والأعمال، تنازل ترامب عن كل النفوذ الذي كانت الولايات المتحدة قد كانت تمتعت به في سوريا لصالح إيران وروسيا والحكومة السورية، وحتى لصالح تنظيم الدولة الإسلامية.
احتلت القوات السورية والروسية الفراغ الذي خلفه الانسحاب الأمريكي. وقد فر عدد غير معروف من مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية من السجون الكردية التي كانوا يقبعون فيها في خضم الفوضى التي تبعت التوغل التركي. أما الكيفية التي يمكن لاستراتيجية ترامب بالتهرب من سوريا أن تتوافق مع حملته للضغط على إيران، فذلك ليس معروفا إلى الآن.
مؤيدو ترامب يساندون سحب القوات
لورين ترنر، بي بي سي، مينيابوليس في الولايات المتحدة
“لماذا ينبغي أن نكون شرطة العالم”؟
بالنسبة للكثيرين من مؤيدي ترامب الذين حضروا التجمع الجماهيري الذي عقده في مركز مدينة مينيابوليس في ولاية منيسوتا الأمريكية، لم يختلف رأيهم حول سحب القوات الأمريكية من سوريا كثيرا عن رأي رئيسهم.
فقال أليكس ليديزما البالغ من العمر 24 عاما “أعتقد أنه من العظيم أن نوقف تورط قواتنا في مشاكل تركيا وسوريا، فنحن لسنا معنيين بالعناية بهم”.
أما ميليسا إيرا البالغة من العمر 52 عاما فقالت “الذي يجري هناك (في سوريا وتركيا) يجري منذ مئات السنين. كم من أبنائنا يجب أن يقتلوا هناك لسبب ليس لنا علاقة به؟ الحروب هناك ستتواصل إن كنا هناك أم لا”.
ولكن عنصر مشاة البحرية السابق أريك رادجيز كان له رأي آخر، إذ قال “أعتقد أنه كان من الخطأ أن ننسحب من افغانستان بهذه السرعة. ولكن إذا تدهورت الأمور، لم نقل أبدا إننا لن نعود إلى هناك. ففي افغانستان، انتظرنا لوقت طويل قبل أن نعود”.
وأضاف “هناك العديد من الشركاء الذين يستطيعون العودة (الى افغانستان). لا يمكننا تحمل عبء العالم كل الوقت”.
ولكن، وهذا الموضوع الأكثر أهمية، أن مصداقية الولايات المتحدة وموثوقيتها كحليف أصبحتا مثار تساؤلات في الشرق الأوسط ومناطق العالم الأخرى.
استخف ترامب بأهمية العلاقة التي رسخت اسسها الحرب التي خاضتها القوات الأمريكية بالتعاون مع الأكراد ضد تنظيم الدولة الإسلامية، الحرب التي مثّل فيها الأكراد رأس الحربة للقوات البرية التي تمكنت من استرداد مدينة الرقة وغيرها من معاقل التنظيم.
فقد قال ترامب “لم يساعدنا الأكراد في إنزال نورماندي (في 1944، عندما غزت القوات الحليفة فرنسا إبان الحرب العالمية الثانية”.
وهناك الكثير مما يمكن شرحه في هذا المجال.
فقد حارب عدد من الأكراد إلى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، ولكن لم تكن هناك دولة كردية مستقلة آنذاك، ولا توجد مثل هذه الدولة الآن أيضا.
وكانت ألمانيا واليابان، وهما من أقوى حلفاء أمريكا الآن، من دول الأعداء آنذاك، بينما كانت دول حليفة أخرى ككوريا الجنوبية واسرائيل إما محتلة أو لم تنل استقلالها بعد.
وتشعر اليابان وكوريا الجنوبية بالقلق من أن سعي ترامب لعقد صفقة مع كوريا الشمالية لن يعالج مخاوفهما في مجالي الأمن وحقوق الانسان. وسيزيد تعامل ترامب الاستخفافي مع الأكراد من هذا القلق.
ولن يطمئن سلوك الرئيس الأمريكي أغلبية الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي حاليا، أو أي دولة شرق أوسطية تعتمد على الولايات المتحدة لضمان أمنها. فكل هذه الدول “لم تساعد أمريكا في إنزال نورماندي”.
فالسعودية على سبيل المثال شعرت بقلق كبير ازاء تذبذب موقف تراب حيال إيران، وخصوصا قراره بتوجيه ضربة عسكرية إلى طهران ردا على اسقاط مسيرة أمريكية وثم الغاء تلك الضربة، إلى درجة أنها تسعى إلى فتح حوار مع إيران حسب ما تقول تقارير. فعوضا عن عزل إيران، تساعد سياسات ترامب في التوصل إلى اتفاقات إقليمية.
ولكن هذا السلوك يسبب مشكلة لاسرائيل.
فسوريا تسمح لايران بالوصول إلى حدود اسرائيل مباشرة. وكلما يشعر الاسرائيليون بأنهم يواجهون إيران بمفردهم، كلما زاد احتمال اندلاع مواجهة مباشرة بين البلدين لابد للولايات المتحدة أن تنجر اليها. وهذه بالضبط هي الديناميكية المدمرة التي ظن الرئيس السابق أوباما ونظراؤه الأوروبيون أنهم قضوا عليها عندما وقعوا الاتفاق النووي الإيراني الذي تنصل عنه ترامب.
تلعب شبكة التحالفات الدولية دورا محوريا في ضمان الأمن الأمريكي والاستقرار العالمي، وترامب يسعى جاهدا لتقويض هذه التحالفات. الأدلة على ذلك تتزايد باستمرار وهي واضحة لكل ذي بصيرة.
وبينما لم يخف ترامب شكوكه حول فيما يخص مسؤوليات الولايات المتحدة القيادية، يؤكد موقفه حيال سوريا فشله في اداء واجبه الأساسي ألا وهو اعلاء مصالح الولايات المتحدة الأساسية ومصالح حلفائها.
فهناك ثمن كبير يجب أن يدفع مقابل رغبة ترامب في قوقعة الولايات المتحدة خلف “جداره” الخيالي وترك العالم لشأنه.
الأمر الجيد في هذا الموضوع هو أنه ليس وضعا تؤيده غالبية الأمريكيين. ففي استطلاع للآراء أجراه مؤخرا مركز شيكاغو للشؤون الدولية، عبرت أغلبية كبيرة عن تفضيلها لقيام الولايات المتحدة بدور أكبر وأكثر فاعلية في العالم، وأيدت التحالفات التي أقامتها وعبرت عن تقييمها لحرية التجارة العالمية.
تعد هذه النتيجة رفضا للأسس الرئيسية لسياسة ترامب الخارجية. فموقفه تجاه سوريا، وتجاهله المتعمد للسياسات الروسية، تشير إلى أنه لا يجيد ادارة دفة العلاقات الدولية. فهو يضحي بمصالح الولايات المتحدة الأساسية من أجل مصالح السياسية الشخصية.
وهذه قد تكلف ترامب امكانية الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة. أما الأمر السيء، فهو أن على الناخبين الأمريكيين أن ينتظروا حتى تشرين الثاني / نوفمبر 2020 ليتمكنوا من اختيار رئيس جديد يتبع سياسة خارجية مختلفة.
فيليب ج. كرولي مساعد سابق لوزير الخارجية الأمريكي، وهو مؤلف كتاب “الخط الأحمر: السياسة الخارجية الأمريكية في زمن السياسات المتكسرة والدول الفاشلة”.
[ad_2]
Source link