كيف تحول فلاديمير بوتين من شخصية منبوذة إلى اللاعب السياسي الرئيس في الشرق الأوسط؟
[ad_1]
أتتذكرون الخطط الخمسية؟ كانت هذه الخطط الاقتصادية شائعة جدا في روسيا إبان الحقبة السوفيتية.
وكانت القيادة السوفيتية على يقين بإمكانية تحويل مسار الاقتصاد في غضون خمس سنوات.
ولكن ادارة بوتين جددت هذا المفهوم وغيّرته. ففي السنوات الخمس الأخيرة، لم يهتم الكرملين بنمو الاقتصاد الروسي قدر اهتمامه بتعزيز نفوذ روسيا الجيوسياسي.
لنعد إلى عام 2014.
عقب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم وتدخلها العسكري في شرقي أوكرانيا، بدت موسكو – التي فرض الغرب عليها عقوبات اقتصادية – معزولة ومنبوذة.
وتسابق الزعماء الغربيون لانتقاد الرئيس بوتين، وكانوا على ثقة بأن انتقاداتهم والضغط الذي تتسبب فيه العقوبات على الكرملين ستغير سلوك الحكومة الروسية. وبلغ الأمر بالرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما الاستخفاف بروسيا ووصفها بأنها مجرد “قوة إقليمية”، الأمر الذي أغضب الروس الذين ينظرون إلى أنفسهم على أنهم قوة كبرى سابقة.
ولكن لنتقدم إلى عام 2019.
فاليوم، تتنافس روسيا من أجل الحصول على نفوذ عالمي. فقد تدخلت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة (في عام 2016) لصالح دونالد ترامب، حسب ما تقول أجهزة الاستخبارات الأمريكية، كما تسعى إلى توسيع نفوذها في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وتستغل الانقسامات في أوروبا لمصلحتها.
وسيط في الشرق الأوسط
التحول في النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط يعد تحولا صارخا. فبعد سنوات أربع من إطلاق موسكو لعمليتها العسكرية في سوريا، نرى موسكو تستحوذ على الدور القيادي الذي كانت تضطلع به واشنطن في المنطقة.
ففي غضون أيام معدودة فقط، تحدث الرئيس بوتين مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان ودعاه لزيارة موسكو، وتحدث أيضا مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حيث ناقشا “قضايا أمنية”، كما قام بزيارتين للسعودية ودولة الإمارات.
كل هذه الأمور تشير إلى تنامي الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط.
تصف صحيفة “موسكوفسكي كومسوموليتس” الروسية الشعبية التغييرات الجارية كما يلي:
“الوضع الحالي في الشرق الأوسط لم يكن متصورا في زمن هنري كيسنجر ونظريته حول “لعبة الشطرنج الجيوسياسية العالمية”. فقد فقد العملاق الأمريكي طريقه في وضح النهار، بينما تمسك الدبلوماسية الروسية بخيوط اللعبة”.
ومضت الصحيفة للقول “تلعب روسيا الآن دور الوسيط الدولي وصاحب النفوذ، ولن تستطيع أي من القوى الإقليمية أن تتجاهل الدور الروسي”.
فاجأ قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب القوات الأمريكية من المناطق السورية المحاذية للحدود التركية خبراء السياسات الخارجية الروس.
فقد قال فيودور لوكيانوف، وهو محلل متخصص بالسياسات الخارجية وقريب من الكرملين، “إن ثمة يقين متجذر هنا بأن الأمريكيين يتميزون بالذكاء. وحتى إذا أقدم الأمريكيون على اتخاذ قرار غبي، فإن هذا القرار ليس غبيا ولكننا لا نتفهم أهدافهم البعيدة”.
وقال “يصعب للكثيرين من الروس أن يتصوروا أن الأمريكيين قد يقومون بتصرفات مجنونة، ولكن يبدو أن بإمكانهم فعل ذلك”.
سوريا: لماذا تتفوق روسيا
هناك جملة من السبل التي قد تستفيد منها موسكو من الوضع القائم في شمال شرقي سوريا:
- روسيا هي الداعم الرئيسي لنظام الرئيس بشّار الأسد سياسيا وعسكريا. وكلما استعادت قوات الحكومة السورية المزيد من الأراضي، كلما كان ذلك لمصلحة موسكو.
- انهارت سمعة أمريكا في المنطقة بوصفها حليفا يعتمد عليه عندما تخلت عن حلفائها الأكراد. سمح هذا لروسيا أن تروّج لنفسها – لدى كل الأطراف في المنطقة – بوصفها الوسيط وصانع السلام الوحيد الموجود. تقوم الشرطة العسكرية الروسية الآن فعليا بضبط خط التماس بين القوات التركية والسورية. الرسالة هنا واضحة: إذا كنتم تريدون استتباب السلام في الشرق الأوسط، عليكم اللجوء لروسيا.
- كانت موسكو في السنوات الأخيرة منهمكة في محاولة إضعاف التحالفات الغربية، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، عن طريق استغلال الخلافات بين الدول الأعضاء في هذه التحالفات. ولذا فإن الخلافات بين تركيا وغيرها من الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي تصب في مصلحة الروس في سعيهم لدق اسفين بين الدول الأعضاء في الحلف. وكانت الولايات المتحدة قد عبرت عن معارضتها لابتياع تركيا منظومات صواريخ S-400 من روسيا.
عندما أطلقت روسيا عمليتها العسكرية المستمرة في سوريا في عام 2015، قال الكرملين إن أولويته تتلخص في دحر الإرهاب الدولي. ولكن ما من شك في أن أحد أهداف التدخل كان اعادة النفوذ الروسي إلى المنطقة.
يتمكن الروس الآن، انطلاقا من قاعدتهم البحرية في طرطوس، من فرض نفوذهم العسكري في حوض البحر المتوسط. وتشير تقارير إلى أن روسيا بصدد توسيع قاعدتها الجوية في اللاذقية.
هل يتغير ميزان القوة؟
يتوافق الميل الروسي لفرض النفوذ على المسرح العالمي مع فترة من التراجع والتأمل السياسي في الغرب.
يقول فيودور لوكيانوف “تنظر الولايات المتحدة والقوى الأوروبية إلى الداخل أكثر مما كانت في السنوات الماضية. الذي نراه الآن أن أعداء روسيا والذين حاولوا عزلها في حالة تخبط. وعلى العكس من ذلك، أبدت روسيا قدرا كبيرا من المرونة في مواجهة الضغوط الخارجية وحنكة في تعاملها مع الوضع في الشرق الأوسط”.
يتمتع الروس بالحنكة والخبرة اللازمة بالتأكيد، كما يتمتعون الآن بنفوذ أكبر. ولكن بالنسبة لروسيا، ما زالت هناك عدة مطبات لابد لهم أن يتجاوزوها.
فروسيا ليست قوة اقتصادية جبارة. الاقتصاد الروسي هش، وسيكون من شأن استمرار ركوده أن يحد من طموحات موسكو على الصعيد الدولي.
أما في ما يخص منطقة الشرق الأوسط، فالوضع في هذه المنطقة يتصف بالتعقيد ويعاني من الكثير من الانقسامات والكراهية وانعدام الثقة. قد تكون روسيا أصبحت القوة الأكبر في المنطقة، ولكن عليها مواجهة عملية توازن دبلوماسية عسيرة إذا كان لها استخدام نفوذها لاعادة السلم.
[ad_2]