السعودية تحتضن بدفء أيادي الروس الممدودة
[ad_1]
لم يكن يخطر أبدا على بال أحد، أن يبسط السجاد الأحمر في الرياض لاستقبال زعيم روسي: فقد كان المواطنون السعوديون الأكثر تدينا يشيرون إلى السوفيت خلال الحرب الباردة على أنهم “شيوعيون ملحدون”. فكيف تغير العالم منذ ذلك الوقت؟
شهد هذا الأسبوع مراسم احتفال كامل بإطلاق المدفعية 21 طلقة تحية للرئيس فلاديمير بوتين في العاصمة الرياض، ولقاء مع الملك وولي العهد، وتوقيع عقود ثنائية، وإعادة حسابات استراتيجية كبيرة في المنطقة، في الوقت الذي تخلت فيه الولايات المتحدة، حليف السعودية عن الأكراد، ليلاقوا مصيرهم في شمال سوريا.
فإلى أي حد الآن تقترب السعودية من روسيا ولماذا؟
ماذا حدث؟
جاء الرئيس بوتين في زيارة نادرة إلى السعودية، وكانت الأولى له منذ 12 عاما، وكان بصحبته وفد تجاري وأمني وعسكري كبير. وأعلن عن توقيع أكثر من 20 اتفاقا، تبلغ قيمتها أكثر من ملياري دولار.
ودعت السعودية روسيا أيضا إلى المشاركة في التحقيق الجاري بشأن ما حدث في 14 سبتمبر/أيلول من هجمات بطائرات بدون طيارين وبصواريخ، على منشآت نفطية في البلاد.
وتضمنت المفاوضات العسكرية احتمال شراء ونشر أنظمة صواريخ إس-400 الروسية الهائلة للدفاع الجوي، مما قد يكون ضربة دبلوماسية لواشنطن.
وكانت الولايات المتحدة قد ألغت في الفترة الأخيرة مشاركة تركيا في برنامجها للمقاتلات الجوية من طراز إف 35، بعد مضي أنقرة قدما في شراء صفقة إس-400 من روسيا.
ولا تزال الاتفاقات التجارية الثنائية بين الرياض وموسكو تتسارع، منذ اتفاق يونيو/حزيران 2018، كما لا يزال تعاونهما في الفترة الأخيرة متواصلا للحد من إمدادات النفط العالمي حفاظا على مستوى الأسعار.
وتتضمن إعلانات صندوق روسيا المباشر للاستثمار، التي تزامنت مع زيارة بوتين:
- اتفاقا مع شركة أرامكو السعودية لشراء 30 في المئة من أسهم شركة نوفومت الروسية لمعدات النفط.
- اتفاقا بقيمة 600 مليون دولار من السعودية للاستثمار في تأجير أعمال طائرات روسية
- تعاونا محتملا بين شركة غازبروم الروسية وشركات سعودية تعمل في مجال الغاز الطبيعي
ويشير هذا كله إلى دفء العلاقات بين السعودية، وبلد، كانت الرياض تدفع رواتب لأعدائه من المجاهدين الأفغان في الثمانينيات.
لماذا تنمو علاقات البلدين؟
إن السعودية، إذا تكلمنا بلا مواربة، لم تعد تثق في الولايات المتحدة ولا الغرب، كما كانت تفعل في الماضي. ولكن هذا لا يعني بالضرورة، أن السعوديين يثقون في موسكو، غير أن الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط دفعت الدوائر السعودية إلى إعادة التفكير.
وجاءت الصدمة الأولى مع انتفاضات العالم العربي، التي عرفت بالربيع العربي في 2011. وقد ذهل السعوديون، ودول الخليج الأخرى، من السرعة التي تخلى بها الغرب عن الرئيس حسني مبارك، حليف الغرب الطويل العهد.
ولم يستطع السعوديون، على النقيض من ذلك، إغفال موقف موسكو من الرئيس السوري بشار الأسد، شريك روسيا المحاصر.
وجاءت الصدمة الثانية مع تأييد الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، للاتفاق النووي الإيراني في 2015، الذي ترك لدى السعوديين شعورا عميقا بعدم الارتياح. وارتاب السعوديون، وكانوا على حق، في أن إدارة أوباما في البيت الأبيض بدأت تفقد اهتمامها بالمنطقة.
وعندما اختار الرئيس الأمريكي المنتخب في 2017 الرياض لأول زيارة رئاسية في الخارج له، غمرت السعادة مشاعرهم. وبدت العلاقات مع واشنطن وكأنها تعود إلى مسارها، وأعلن وقتها عن اتفاقات بلغت قيمتها مئات المليارات من الدولارات.
ثم وقعت حادثة قتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، على يد عملاء تابعين للحكومة في أكتوبر/تشرين الأول 2018، وأدت إلى تنديد كبير في الصحافة الحرة في العالم.
وبدأ الزعماء الغربيون، الذين اشتبهوا في ضلوع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في العملية، يتجنبونه على الملأ على الأقل. وظهر ذلك واضحا في قمة مجموعة العشرين في بوينوس أيرس، في الشهر التالي للحادثة.
لكن الرئيس بوتين، على عكس ذلك، حياه بحرارة.
ولا يزال المسؤولون السعوديون، بالرغم من مساعي ترامب لتحسين العلاقات مع قادتهم، غاضبين من سلوكه في المنطقة، الذي لا يمكن توقعه.
ووصف السفير السعودي في بريطانيا، الأمير خالد بن بندر، هذا الأسبوع التوغل التركي في شمال سوريا بأنه “كارثة”. وحينما سئل عن دفء العلاقات مع موسكو، قال “روسيا عادة تفهم الشرق الأوسط أفضل من الغرب”.
وبعد ثماني سنوات من بدء الحرب الأهلية في سوريا، ساعدت روسيا بنجاح في إنقاذ حكومة الأسد، بعرض أحدث معداتها العسكرية، بينما كانت تؤسس لمعقل استراتيجي لها في المنطقة.
أما الولايات المتحدة، تحت قيادة الرئيس ترامب، فبدت متجهة إلى الخروج من المنطقة، بالرغم من دفعها لمزيد من الجنود للحفاظ على الدفاع الجوي عن السعودية، في أعقاب فشل المعدات التي باعتها إياها في منع هجوم 14 سبتمبر/أيلول الفادح.
والخلاصة: هي أن السعوديين وعرب الخليج يسعون إلى تنويع شراكاتهم بعيدا عن الاعتماد الشديد على الغرب.
ويعد هذا تحوطا في مواجهة أي أحداث مؤسفة في المستقبل، سواء أكانت هجمات بالصواريخ، تنحي فيها باللوم على إيران، أم أحداثا دبلوماسية من قبيل قتل خاشقجي.
ماذا بعد؟
يجب النظر إلى ذلك كله في إطاره الصحيح.
إذ لا يزال الشريك الأمني الرئيسي للسعودية، وسيظل، هو الولايات المتحدة. ويرجع ذلك تاريخيا إلى عام 1945 عندما التقى الرئيس الأمريكي السابق، روزفلت بالملك عبد العزيز على متن سفينة حربية أمريكية.
واستطاع السعوديون خلال تلك السنوات ضمان تدفق النفط، وضمنت لهم أمريكا المظلة الأمنية. ولا يزال جوهر هذا الاتفاق قائما حتى الآن.
ولدى الجيش الأمريكي قواعد أساسية في جميع دول الخليج الست. كما يوجد مقر الأسطول الخامس الأمريكي، الذي يتمتع بقدرات نووية، في البحرين، وهو أقوى القوات البحرية في المنطقة. وعندما زار ترامب الرياض، أعلن عن اتفاقات بلغت أكثر من 300 مليار دولار، وحينما زار بوتين السعودية هذا الأسبوع، كانت قيمة الاتفاقات الموقعة ملياري دولار.
ولكن لا شك في أن تحركات التحالفات في الشرق الأوسط آخذة في التغير والتنوع. وعلينا أن نتوقع رؤية المزيد من زيارات الوفود الروسية والصينية إلى الرياض.
ولا تزال أمريكا تتمتع بالمقعد الرئيسي على الطاولة السعودية، ولكن الطاولة أصبحت تضم الآن ضيوفا آخرين يجلسون حولها.
[ad_2]
Source link