الحرب في سوريا: الحلم الكردي ضحية “تحالفات متحركة”
[ad_1]
مع دخول العملية العسكرية التركية شمال شرقي سوريا أسبوعها الثاني، تتغير خارطة التوازنات العسكرية والسياسية والتحالفات على نحو متسارع، مع تعذر التكهن بالصورة النهائية التي ستؤول إليها الأوضاع هناك. لكن المؤكد أن الخيارات التي أمام الأكراد الذين يشكلون العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية باتت تضيق، وقد تؤدي إلى خسارتهم لكل ما استطاعوا تحقيقه على المستويين العسكري والإداري شرقي نهر الفرات في الأعوام الماضية.
وقد دفع التخلي الأميركي عن حلفاء الأمس للشروع بمفاوضات على عجالة بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة السورية برعاية روسية، أدت إلى التفاهم على نشر الجيش السوري على الحدود مع تركياً سريعاً، وهو أمر ما كان ليحدث لو لم يُبدِ الأكراد تنازلات كبيرة في ما يتعلق بمستقبل الإدارة الذاتية التي أقاموها شرقي الفرات، وكذلك الأمر في ما يتعلق بمستقبل قوات سوريا الديمقراطية وأجهزة الامن والاستخبارات التي تتبع لهذه الإدارات.
ويُستثنى من الاتفاق نشر الجيش السوري في المنطقة الواقعة بين مدينتي تل أبيض ورأس العين، وهي منطقة العمليات التركية التي تستهدف على ما يبدو فصل مناطق سيطرة الأكراد شرقي الفرات بين ما يعرف بكانتون الجزيرة (شرق) وكانتون عين العرب – كوباني (غرب) عبر الوصول إلى الطريق الدولي الذي يبعد عن الحدود بين ٣٠ إلى ٤٠ كيلومترا.
وقد نفى قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، تقديم أي تنازلات لدمشق، وقال في حديث لقناة “روناهي” المقربة من الإدارة الذاتية إن”التفاهم العسكري سيكون قاعدة للبدء بالنقاشات والتفاهمات السياسية على المدى الطويل وتثبيت حقوق شعوب روجآفا في الدستورالسوري الجديد”.
لكن التجارب السابقة خلال الأشهر الماضية تكشف بوضوح أن الحكومة السورية رفضت وبشدة التفاوض مع قوات سوريا الديمقراطية على هذه الأسس التي حددها عبدي، ومنها مجرد الإشارة إلى مصطلحات كتلك التي يتحدث بها مسؤولو الإدارة الذاتية، كـ ” شعوب روجآفا” التي تعني المكونات التي تعيش في غربي كردستان، والتي لا تعترف القيادة السورية التي لا زالت تحكم باسم حزب البعث القومي ) وهو حزب قومي عربيبوجودها اصلاً، وترفض حتى مجرد التفكير بتغيير اسم البلاد من “الجمهورية العربية السورية” إلى “الجمهورية السورية”.
وأبلغ مسؤولون في الحكومة السورية عدة وفود من الإدارات الذاتية أن القاعدة الوحيد للتفاوض هي القبول بالعودة إلى ما قبل تاريخ الصراع في سوريا عام ٢٠١١، وحل كل التشكيلات العسكرية والأمنية أو دمجها بالمؤسسات الرسمية، وحل الإدارات الذاتية وعودة مؤسسات الدولة للعمل في كافة مناطق شرقي الفرات.
وكان القيادي الكردي، الدار خليل، قال لبي بي سي مطلع العام الحالي انهم تواصلوا مع موسكو وقدموا ورقة تتضمن المبادئ الأساسية للتفاوض مع دمشق، وطلبوا من المسؤولين الروس لعب دور الضامن لبدء الحوار مع القيادة السورية على أساس هذه الورقة، لكن دمشق التي بُلغت بمضمون الاقتراح رفضت حتى مجرد الرد عليه.
وتزامنت هذه الاتصالات مع إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، نيته سحب قواته من سوريا، وهو ما تقول مصادر كردية إنه دفع المسؤولين السوريين للتروي في تقديم أي تنازلات للإدارات الذاتية، اعتقاداً منهم أن هذه الإدارات ستجد نفسها مكشوفة أمام تركيا التي لا تخفي منذ أعوام نيتها توجيه ضربة عسكرية كبيرة لمناطق سيطرتهم على امتداد الحدود، متهمة وحدات حماية الشعب الكردية وحزب الاتحادالديمقراطي أنهما امتداد لحزب العمال الكردستاني.
ويعتقد مسؤولون عرب وأكراد التقت بهم بي بي سي في شمال سوريا أن خطأ قيادة قوات سوريا الديمقراطية القاتل كان التعويل على “بعض الأصدقاء” في الإدارة الأميركية ومواقف بعض الدول الأوروبية لثني الرئيس الأميركي عن قراره، وهو القرار الذي تم تأجيله بالفعل عدة مرات حتى بعد الإعلان عن نهاية تنظيم الدولة بهزيمته في آخر معاقله في معركة الباغوز على الجانب السوري من الحدود مع العراق قبل نحو ستة أشهر.
ومع بدء العملية العسكرية التركية، والبدء بسحب القوات الأميركية بالتزامن مع تصريحات للرئيس الأميركي التي وجه فيها انتقادات لاذعة غير مسبوقة للأكراد، بدا واضحاً ان رهان دمشق السياسي اثبت صحته لجهة انكشاف ظهر قوات سوريا الديمقراطية في مواجهة الجيشالتركي والفصائل السورية المعارضة المتحالفة معه.
وتمتلك قوات سوريا الديمقراطية آلاف المقاتلين، لكنها لا تستطيع أن تواجه الجيش التركي الذي يعتبر ثاني أكبر جيش في حلف الناتو، فغالبية المنطقة الحدودية سهلية ومكشوفة عسكرياً من قبل الطيران والمدفعية التركية، لكن في المقابل، تمتلك قوات سوريا الديمقراطية، وتحديداًوحدات حماية الشعب الكردية خبرة عسكرية كبيرة في حروب الشوارع الذي يبدو أنها قد استعدت لها جيداً، وهو ما جعل من الصعب علىالقوات التركية السيطرة على بلدة رأس العين بعد مرور ثمانية أيام على بدء العملية، استخدام أعتى أنواع القصف الجوي والمدفعي.
وبالتزامن، لا يبدو أن الجيش السوري الذي بدأ بالانتشار بحسب الاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية على عجالة من أمره، إذ تتقدم قواته ببطء عبر عدة محاور، فسيطرت على الطريق الدولي المحاذي لمناطق العمليات التركية بين بلدتي تل تمر وعين عيسى، كما أرسلت قواته إلى مدينة عين العرب – كوباني الحدودي مع تركيا، حيث يتوقع أن تنتشر على جانبيها من رأس العين وصولاً لنهر الفرات.
كما عبرت بعض وحدات الجيش السوري نهر الفرات أيضاً باتجاه قاعدة الطبقة الجوية وبلدة المنصورة، وأرسلت وحدات صغيرة إلى مدينة الرقة، بينما تستعد قوات أكبر للتوجه إلى المدينة التي اتخذها تنظيم الدولة الإسلامية عاصمة له لسنوات.
ولم يسجل أي انتشار للجيش عند أقصى المنطقة الشرقية الممتدة من رأس العين إلى الحدود مع إقليم كردستان العراق، لكن ذلك لم يحل دون مغادرة العشرات من الصحافيين الاجانب والعاملين في منظمات غير حكومية للمنطقة تخوفاً من سيطرة الجيش السوري على معبر سيمالكا- فيشخابور الوحيد مع كردستان العراق.
بينما لم تُكشف بعد تفاصيل الاتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق، يشير الموقف التركي من دخول الجيش السوري إلى بلدة منبج التي طالما هدد الرئيس التركي بالسيطرة عليها إلى تغير كبير في قواعد اللعبة، إذ أكد أردوغان أنّ “دخول قوات النظام السوري إلى مدينة منبج في شمال البلاد ليس تطوّراً سلبياً جداً بالنسبة لأنقرة”، مشدّداً على أنّ”ما يهم أنقرة هو القضاء على تهديد المقاتلين الأكراد”.
ويبدو أن الوساطة الروسية في ما يتعلق بهذا التطور قد حسمت الموقف التركي، إذ أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاوش أوغلو، أن روسيا وعدت أنقرة بإبعاد وحدات حماية الشعب الكردية من الأراضي السورية على الجانب الآخر من الحدود، وأضاف في حديث لبي بي سي أنه”إذا أخرجت روسيا يرافقها الجيش السوري عناصر وحدات حماية الشعب من المنطقة فإننا لن نعارض ذلك”. ما يعني عملياً القبول بنشر الجيش السوري على كامل الشريط الحدودي، وربما يشمل ذلك منطقة العمليات الحالية من راس العين إلى تل أبيض لاحقاً.
وليس من الواضح إن كان هذا الأمر سيؤدي لاحقاً لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين سوريا وتركيا التي تدهورت على نحو كبير منذ اندلاع التظاهرات ضد حكم الرئيس السوري، بشار الأسد، في آذار/مارس عام ٢٠١١.
ويبدو أن قوات سوريا الديمقراطية لم تفقد الأمل بإمكانية تغيير الموقف الأميركي بعد، إذ أبلغ الرئيس دونالد ترامب نظيره التركي في رسالة أن قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم كوباني، أبلغه باستعداده للتفاوض مع تركيا وتقديم بعض التنازلات. وكتب ترامب في رسالته أنه أرفق نسخة من رسالة مظلوم كوباني إليه.
وقبل ذلك بيوم واحد كان مظلوم كوباني قد أكد ان ترامب أبلغه بأن الإدارة الأميركية لا تعارض التفاهم بين قوات سوريا الديمقراطية وبين روسيا ودمشق.
وليس من الواضح كيف سيؤثر ذلك على موقف الروس ودمشق من المفاوضات الجارية مع قوات سوريا الديمقراطية، لكنه قد يؤدي إلى زرع الشكوك في موقف الإدارة الذاتية التي لا تزال تؤكد أنه لن يطرأ أي تغير على الأوضاع الأمنية والإدارية في المناطق التي تديرها، وهو الأمر الذي ترفضه الحكومة السورية جملة وتفصيلاً.
وكان نشر الجيش السوري على الحدود مع تركيا أحد أهم الأفكار التي تقدمت بها قوات سوريا الديمقراطية لدمشق عبر موسكو قبل نحو عام، لكن بشرط أن يكون قوام هذه القوات من أهل المنطقة، ما يعني ضمناً إمكان دمج قوات سوريا الديمقراطية بالجيش السوري ونشرها على الحدود، وهو ما لا يتوقع أن تقبل به تركياً، خاصة إذا كان هؤلاء من “وحدات حماية الشعب” الكردية.
ولا تزال المفاوضات بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق مستمرة على أكثر من مستوى، وتتداول أفكارٌ حالياً كخطوة اولية بإمكان ضم قوات سوريا الديمقراطية والأمن (الاسايش) إلى المؤسسة العسكرية والأمنية النظامية كقوات رديفة، كما هو الحال في بعض المناطق التي استعادت الحكومة السورية السيطرة عليها عبر المصالحات، وذلك بضمانات روسية لتركيا والكرد.
ولا يتوقع ان تقبل تركيا بأقل من تجريد الأكراد من كامل القوة العسكرية التي استحوذوا عليها خلال الأعوام الماضية خلال قتالهم لتنظيم الدولة، بما فيها تلك التي زودتهم بها الولايات المتحدة الأميركية، وهو أمر تصر عليه دمشق أيضاً وإن بطريقة مختلفة عبر تسليمه بالكامل للدولة السورية.
ويبدو أن باب المناورة أمام الأكراد بات يضيق يوماً تلو آخر مع انتهاء الحقبة الأميركية من الحرب السورية ويقول القيادي الكردي، مظلوم عبدي، إن الهاجس الأكبر بالنسبة لهم اليوم، هو منع ما يقولون إنها إبادة جماعية قد يتعرضون لها إن استمر الهجوم التركي، وذلك بتهجيرهم من شمال سوريا، وإسكان نحو ثلاثة ملايين لاجئ سوري يعيشون في تركيا في مناطقهم، وهو ما يبرر دخول سوق المساومات من أضيق أبوابه.
[ad_2]
Source link