100 صورة تكشف تغير التركيبة السكانية لكينيا
[ad_1]
يتزايد عدد سكان أفريقيا بوتيرة متسارعة. ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة، ستشهد هذه القارة أكثر من نصف النمو السكاني على مستوى العالم من الآن وحتى عام 2050.
وتشكل كينيا جزءا كبيرا من ذلك، فعدد سكانها يقارب الآن 50 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يصل هذا العدد إلى الضعف تقريبا بحلول 2050. وعلى عكس الكثير من الدول الأخرى – التي يصبح سكانها أكثر هِرماً على نحو متسارع – يشكل الكينيون أحد أكثر الشعوب شبابا في العالم، وبشكل سريع أيضا. ولا يمثل ذلك الملمح الوحيد المُمَيِز للتركيبة الديموغرافية لهذا البلد، بل إن وجود 44 قبيلة معترف بها هناك يجعله كذلك من بين أكثر الدول تنوعا من الناحية العرقية على وجه الأرض.
ورغم أنه يمكن للمرء وصف التركيبة السكانية لكينيا، من خلال الاستشهاد بكثير من البيانات والأرقام، فإن الطبيعة المتغيرة لهذه التركيبة يمكن أن تكون أكثر عمقا وحيوية من أن تُوصف باستخدام إحصائيات كمية بحتة.
ولهذا السبب، شرع المصور توبين جونز (32 عاما) – الذي يتخذ من نيروبي مقرا لعمله – في رسم ملامح صورة نابضة بالحياة لسكان كينيا بكل الاختلافات الموجودة بينهم مهما كانت طفيفة، وذلك عبر مشروع يحمل اسم “ديموغرافيكا”. وشمل المشروع التقاط 100 صورة لتقديم “مخطط معلوماتي بياني بالصور” للتركيبة السكانية لهذا البلد. ويستهدف “ديموغرافيكا” إرفاق الإحصائيات السكانية بصور وقصص السكان أنفسهم. وهكذا صار جونز – الذي وُلِدَ في بوتسوانا ونشأ في مالاوي وكينيا – شاهدا على التغيرات الهائلة التي طرأت على الكينيين على مدار العقود الثلاثة الماضية.
وفي إطار مسعاه لإيجاد طريقة موضوعية لفهم التركيبة السكانية المتغيرة لدول أفريقيا جنوب الصحراء، استنبط جونز الأساس الذي يقوم عليه مشروعه هذا، عبر فحص البيانات الخاصة بالكينيين والدراسة المُفصلّة لأربع من السمات المهمة لهم، وهي العمر والنوع والانتماء القبلي وكذلك ما إذا كانوا يعيشون في الريف أو الحضر. وكوّن الرجل شبكة من 100 خانة، مثّل من خلالها بالصور – واستنادا إلى البيانات التي جمعها – كيف تبدو التركيبة السكانية لكينيا.
ولإتمام مشروعه، تزود جونز بكاميرا ومقعد وستار أسود يُسْتخدم كخلفية، وجاب بسيارته كل ركن في كينيا، لالتقاط صور لمن يرى أنهم يمثلون بدقة التركيبة الديموغرافية لها، تلك التي تعرف على ملامحها من خلال البيانات التي جمعها. وقادته جهوده هذه إلى قرى صغيرة، وتوقف في إطارها على طول طرق متعرجة تعج بالمنحنيات، لتصوير أشخاص تتجسد فيهم السمات الديموغرافية الأكثر تعقيدا من نوعها في كينيا.
وعبر رحلة قطع فيها مئات الأميال على مدار 12 شهرا، حاول جونز الإجابة على سؤال، مفاده: كيف تبدو كينيا من خلال 100 صورة ليس إلا؟
العمر: طفرة شبابية في كينيا
تتسم كينيا – مثل الكثير من الدول الأفريقية – بأن شعبها فتيّ على نحو لا يُصدق. فالعتبة السنية التي تُقسّم السكان هناك إلى نصفين متساويين، لا تتجاوز 20 عاما. كما أن نحو 75 في المئة من مواطني هذا البلد – أي ما يبلغ قرابة 37.5 مليون نسمة – تحت سن الثلاثين، حسبما يقول برنارد أونيانغو العالم في مجال الترجمة المعرفية في المعهد الأفريقي لسياسات التنمية.
ويقول جونز: “كينيا بلد فتيّ، ولن تفهم معنى ذلك حتى ترى المئة صورة”. فالمجموعة التي التقطها هذا الرجل تتضمن 59 صورة تمثل أشخاصا في الرابعة والعشرين من العمر أو أصغر (ما يمثل 29.5 مليون نسمة تقريبا). بينما تُظهر 34 صورة أناسا في الفئة العمرية الواقعة بين 25 و54 عاما (وهو ما يمثل حوالي 17 مليون نسمة). وبينما لا تُمثَل الشريحة العمرية بين 55 و64 عاما سوى من خلال أربع صور (يمثلون مليونيْ نسمة في الواقع)، فلا توجد إلا ثلاثٌ لأشخاص يبلغون 65 عاما أو أكبر (لتمثيل مليون ونصف المليون نسمة من سكان كينيا).
ويؤدي الطابع الشاب الذي يصطبغ به سكان كينيا إلى وضع ضغوط هائلة على كاهل الخدمات الحكومية المثقلة بالأعباء من الأصل، مثلما يحدث مع خدمات التعليم الحكومي التي تواجه مشكلات متعلقة بالتزايد الكبير في الراغبين في الحصول عليها والعجز الشديد في الوقت نفسه في الميزانية المخصصة لها. وفي النهاية، سينتقل هذا العدد المتضخم من الطلاب إلى سوق العمل، ليُحدِث هذا الفائض من العمالة إما نموا متسارعا أو أزمة بطالة.
وتقول بيلا هوفي، رئيس قسم الهجرة بشعبة السكان التابعة لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة: “لا أريد أن استخدم عبارة `قنبلة زمنية موقوتة` لكن ذلك يمثل تحديا بالقطع”.
النوع: تساوٍ بين الجنسين دون توازن بينهما
يتقاسم الرجال والنساء صور مشروع “ديموغرافيكا” بالتساوي، وهو تساوٍ سيبقى قائما على الأغلب في مختلف أنحاء كينيا على مدى عقود مقبلة.
ورغم تمتع الجنسين بهذه الحصة المتساوية من عدد السكان، فلا تزال كينيا تواجه تحديات تتعلق بضمان تساويهما كذلك في الحقوق. فعلى سبيل المثال، يجني الرجال – في المتوسط – أموالا أكثر من النساء بنسبة 55 في المئة، وفقا لتقرير دولي تناول الفجوة بين الجنسين في العالم خلال 2018. بجانب ذلك، لا تشغل النساء سوى تسعة في المئة من المناصب التي يجري شغلها بالانتخاب في كينيا. وقد رفض البرلمان بازدراء مشروعات قوانين تفرض تخصيص حصص تضمن مساواة أكبر بين الجنسين في البلاد.
وستخلق اختلافات مثل هذه مشكلة، ليس فقط للعدد المتزايد من الشابات الكينيات اللواتي يسعين للحصول على فرصة، ولكن كذلك لمستقبل كينيا. ويقول أونيانغو، العالم في مجال الترجمة المعرفية في المعهد الأفريقي لسياسات التنمية: “لم نصل إلى مرحلة الانتفاع بكل المقومات الكامنة في نسائنا وفتياتنا، ولذا يجب ضخ استثمارات أكبر على هذا الصعيد”.
الريف في مواجهة الحضر: توسع متسارع للطابع الحضري
يمثل الانتشار السريع للطابع الحضري في المجتمعات الأفريقية سمة مُمَيِزة للتنمية في عموم القارة. فبينما لا يزال 74 في المئة من الكينيين – أو 37 مليون نسمة تقريبا – يعيشون في المناطق الريفية، يهاجر المزيد والمزيد من مواطني هذا البلد إلى المدن المكتظة بسكانها، بحثا عن فرص أفضل للتعليم والعمل.
في “ديموغرافيكا”، لا توجد سوى 26 صورة تمثل قاطني المدن، ممن يبلغ عددهم نحو 13 مليون كيني. لكن التغيير قادم، فبحلول عام 2050 يُتوقع أن يزيد عدد المقيمين في المدن، ليصل إلى قرابة نصف تعداد السكان في البلاد، وفقا لتقديرات شعبة السكان في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة.
وبحسب هوفي، المسؤولة في المنظمة الدولية، يشكل توسع المناطق الحضرية خطوة طبيعية وضرورية من أجل تحقيق التنمية. لكن ذلك لا يمنع من أن إدارة الموارد ووضع خطط تتعلق بالبنية التحتية ربما يشكلان تحديا. ويتفق العالم أونيانغو مع فكرة مفادها أن من شأن تهالك البنية التحتية وسوء التخطيط وضع ضغوط هائلة على الخدمات التي تقدمها السلطات المحلية في المدن، مثل الإسكان وتوصيل المياه النقية والصرف الصحي.
وتقول هوفي: “السؤال لا يتمثل في ما إذا كان انتشار الطابع الحضري يحدث أم لا، لأنه في طور الحدوث بالفعل، لكن علينا أن نتيقن من أن ذلك يحدث بطريقة مستدامة ومُخططة، وأنه لن يفضي لحدوث اكتظاظ سكاني غير قابل للاستمرار”.
الانتماء القبلي: اختفاء العلامات المرئية الدالة
رغم وجود 44 قبيلة في كينيا، فإن غالبية السكان ينتمون إلى خمس منها فحسب: الكيكويو بنسبة 17 في المئة، ولوهيا بنسبة 14 في المئة، وليوو بنسبة 10 في المئة، وكالينجين بنسبة 13 في المئة، وأخيرا كامبا بنسبة 10 في المئة. ولوقت طويل ظلت مسألة الأصل العرقي تُقسّم كينيا، التي تشكَّل مجتمعها بحسب الانتماءات العرقية كذلك. وكان لهذه الانقسامات جذور في الماضي الاستعماري، الذي شهد تأليب القبائل ضد بعضها بعضا، للحصول على مزيد من الثروة، أو للسيطرة على مساحة أكبر من الأرض. اللافت أن تلك الممارسات لا تزال قائمة في المجتمع في صور أخرى، على شاكلة الساسة المعاصرين الذين يثيرون الانقسامات لكسب مزيد من الأصوات.
ولعل يجب علينا الإشارة هنا إلى أنه كان لكل من قبائل كينيا في الماضي زي وثقافة تتميز بهما عن القبائل الأخرى، وهو ما كان يتيح الفرصة للمرء للتمييز بين أبناء هذه القبيلة أو تلك، من خلال الزي الذي يرتدونه أو الاسم الأخير لكل منهم أو المنطقة التي نشأوا فيها. ويمكن رؤية نماذج لذلك من خلال بعض الأعمال الفنية، مثل مجموعة جوي آدمسون من اللوحات، التي تُوجد في المتحف الوطني بنيروبي. وتُظهر هذه المجموعة ما تتميز به القبائل المختلفة من أردية، أو طرق في صبغ الوجه، أو حُلي للأذن وغير ذلك.
لكن غالبية الكينيين تخلوا الآن عن تلك الأزياء القبلية التقليدية، ليرتدوا ثيابا عصرية، وهو ما يخفي – على نحو متزايد – الاختلافات العرقية القائمة بينهم. فإذا عدنا إلى الصور المئة التي التقطها جونز، سنجد أن عددا محدودا منها هو ما يُظهر أردية أو إكسسوارات مُمَيِزة لقبائل بعينها. أما غالبية من ظهروا في الصور فقد كانوا يرتدون قمصانا عادية أو سترات خفيفة، وهو ما يجعل مظهرهم لا يشي بانتماءاتهم القبلية.
ويكشف الكثير من صور مشروع “ديموغرافيكا” أن العلامات الظاهرة التي كانت توضّح في ذات يوم انتماء المرء إلى هذه القبيلة أو تلك ربما تكون في سبيلها للتلاشي. ويقول جونز في هذا الشأن: “أردت أن أُظهر عبر الصور أنه من الصعب حقا أن تعرف الانتماء القبلي لهذا الشخص أو ذاك. فبالنسبة لغالبية الأشخاص، لن تجد (إذا نظرت إلى صورهم) أي فكرة أو مؤشر يساعدك في هذا الصدد”.
هل ستشهد كينيا مستقبلا مزدهرا؟
قد يبدو من المفارقة أن نشير إلى أن النمو السكاني الهائل الذي تشهده كينيا يتزامن مع تراجع معدل المواليد في البلاد. فبينما كان عدد الأطفال الذين يُتوقع أن تنجبهم كل امرأة هناك 8.1 في المتوسط عام 1978، فقد هوى العدد إلى 4.6 في 2008، ومن المتوقع أن يتواصل التراجع ليبلغ 2.4 بحلول 2050.
ورغم أنه من المتوقع أن تتباطأ معدلات الإنجاب خلال السنوات المقبلة، فإن إجمالي عدد سكان أفريقيا – بشكل عام – سيواصل النمو بنسبة هائلة، ليفوق ملياريْ نسمة بحلول 2050 أيضا.
وعلى أي حال، من الصعب الإبقاء على معدلات النمو مرتفعة في بلد ما، في وقت يتزايد عدد سكانه بإفراط. ويقول البعض إن الكثير من الملياريْ نسمة – الذين يُتوقع أن تضمهم جنبات أفريقيا بحلول عام 2050 – سيواجهون تحديات ضخمة، ما لم تحرص حكومات بلدانهم على التخطيط بشكل سليم، وتعمل على توفير الوظائف وضخ الاستثمارات في مجال البنية التحتية.
لكن آخرين يرون أن عوامل مثل التوسع المتزايد للمناطق الحضرية جنبا إلى جنب مع التطبيق المدروس لبرامج تنظيم الأسرة وحدوث ما يُعرف بالاستيعاب الثقافي، قد توفر جميعا أملا لدول مثل كينيا، تواجه تحولات ديموغرافية هائلة.
وبالعودة إلى المسؤولة الأممية بيلا هوفي، سنجد أنها ترى أن ثمة “تقدما هائلا” أُحْرِزَ رغم التحديات التي يحفل بها المستقبل. وتقول: “يحلو لي اعتبار أن وجود تقسيمات ديموغرافية يشكل فرصة؛ نحن بحاجة إلى الاستفادة منها”.
ويمثل مشروع “ديموغرافيكا” احتفاءً بهذا التقدم الذي تحدثت عنه هوفي. فتصوير المشروع لكينيا وسكانها يُظهر أن التحولات المستمرة التي تطرأ على سمات سكانها، المتعلقة مثلا بالعمر والنوع والانتماء القبلي، قد تؤدي في واقع الأمر إلى جَسْر الاختلافات التي قسّمت البلاد في يوم ما، أو إلى التقريب بين مكوناتها أكثر من ذي قبل.
وفي النهاية يقول جونز: “يضفي مشروع كهذا طابعا إنسانيا على البيانات والإحصائيات. إنها وسيلة للتوافق مع الواقع، ولرؤية كيف يتغير عالمنا”.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Worklife
[ad_2]
Source link