أخبار عربية

طريقة “مبتكرة” لمواجهة أزمة السكن في المدن الكبرى


يعيش ريتشارد في وحدة أشبه بصندوق بمساحة تزيد قليلا عن 11 مترا مربعا

مصدر الصورة
Studio Bark

Image caption

يعيش ريتشارد في وحدة أشبه بصندوق بمساحة تزيد قليلا عن 11 مترا مربعا

قبل عامين وقعت عينا مارك ريتشارد، وهو مصمم غرافيك، على منشور بمدونة تختص بمشروع يطلق عليه “مشروع شيد” لوحدات سكنية صغيرة سابقة التجهيز من تصميم شركة “ستوديو بارك” الإنجليزية للمعمار. وكان هذا المنشور يتعلق بإقامة وحدات صغيرة تشبه “الصناديق” ويمكن للشخص أن يعيش فيها داخل مصنع مهمل بحي باترسي في لندن.

لم يكن ريتشارد مرتبطا بالعمل في منطقة معينة كونه يعمل بشكل حر. ورغم عدم رغبته في ترك لندن، فإن تكلفة العيش في المدينة أصبحت تمثل عبئا ثقيلا. وجاء الوقت الذي أصبح بحسب قوله “يتوق لشيء مختلف”.

ودون تفكير أرسل ريتشارد رسالة عبر البريد الإلكتروني يعرب فيها عن اهتمامه بالمشروع. ولم يمض وقت طويل إلا وانتقل للعيش في هذا “الصندوق” الذي تصل مساحته إلى 11.15 مترا مربعا على عجلات، وقد نصب داخل مخزن مصنع كبير. وتتسع المساحة لسرير لفردين ومكتب ومقعد، ويصفها ريتشارد بأنها أشبه بـ “غرفة نوم كبيرة”!

ويعد “مشروع شيد” نموذجا لما غدا يُعرف بـ”المعمار الطفيلي”، حيث يتم إضافة هياكل صغيرة إلى أبنية قائمة بالفعل أو بين ثناياها أو حتى داخلها!

وبينما تواجه مدن عديدة مشكلة الإسكان، تتجه الأنظار إلى تلك الوحدات السكنية الصغيرة باعتبارها فكرة جديدة لتوفير مكان للسكن الرخيص.

وخلال العام الجاري أنشأت شركة “إل سنديكاتو” الإكوادورية للمعمار بيتا بمساحة 12 مترا مربعا بهيكل خارجي من الزجاج والصلب على سطح بناية بمنطقة سان خوان في العاصمة كيتو.

ويقول ريتشارد إن العيش بمكان غير تقليدي كهذا جعله يعيد التفكير جذريا في الشكل الذي قد تتخذه الحياة في المدن بخلاف المعتاد من أبنية من طوب وأسمنت.

مصدر الصورة
Studio Malka Architecture

Image caption

تصور لمشروع وحدات “طفيلية” داخل قوس لاديفونس بباريس

ويمكن على سبيل المثال تخيل مركزا للمؤتمرات أو صالة عرض ضخمة تضم وحدات كثيرة على شكل صناديق قابلة للتعديل حسب الغرض.

ويقول ريتشارد: “يمكن العيش في وحدات متحركة أو بأشكال قابلة للتعديل وفق الحاجة”. ويرى أن انتهاج هذا الأسلوب المعماري في المدن سيتيح للمعماريين والسكان الخروج بأفكار جديدة والاستفادة منها.

وتقول تريزا بارجينسكا-بونينبرغ، وهي مؤرخة معمارية بجامعة بوزنان البولندية للفنون، إن العديد من الأبنية القائمة بالمدن أصبحت تصنف ضمن البنايات التاريخية غير المصرح بهدمها أو تعديلها من الخارج إلى جانب ارتفاع الإيجارات بشكل مذهل وقلة العقارات المعروضة، وهو ما جعل المعماريين يفكرون في مشروعات جديدة غير معهودة.

وتشير تريزا إلى تنامي الطلب على البيوت القابلة للتعديل بأقل تكلفة، وبالتالي “جاءت فكرة الوحدات الطفيلية في المدن لتمكين الأشخاص من التعبير عن أنفسهم، مستعينين بالخيال والمواد والوسائل المتاحة”.

وليس جديدا أن يفكر المعماريون في الاستفادة من أبنية قائمة والتوسع فيها، لكن الجديد في الأبنية “الطفيلية” أنها تعتمد على إضافة وحدات تختلف بشكل مقصود عن “عائلها” من حيث اللون والطراز والمواد المستخدمة. ولا يرى معماريو تلك الوحدات مشكلة في ذلك، لأنهم في الأساس يريدون إبراز قضايا اجتماعية تعاني منها المدن.

وقد بدأ الفنان مايكل راكوويتس مشروعه للبناء “الطفيلي” بعنوان “بارا-سايت” بعد عودته من الأردن وتخرجه من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا.

وشاهد راكوويتس شخصا بلا مأوى ينام على وحدة خارجية لتدفئة بناية في كمبردج بولاية ماساشوستس، وسرعان ما حضرت لذهنه صورة البدو الذين يعيشون في خيام في العراء.

وحاليا يتابع راكوويتس العمل بمشروع “بارا-سيت” لتشكيل وحدات إيواء من البلاستيك المزدوج، وقد سبق له العمل بوحدات في التسعينيات بمدن بوسطن ونيويورك وشيكاغو ومونتريال وليوبليانا وبرلين.

وتتصل وحدات “بارا-سيت” بفتحات التدفئة الملاصقة للأبنية لتوفر مكانا دافئا وجافا لمن يأوى إليها بينما تحمي النائم من التعرض للهواء الملوث الذي كان سيتنفسه لو نام فوق فتحات التهوية مباشرة.

ومع ذلك يؤكد راكوويتس على ضرورة عدم الارتكان لفكرته كحل لمشكلة المشردين، ويقول إن القائمين على المدن لن يشجعوا تلك الوحدات لأنها ستبرز مشكلة وجود مشردين بدلا من أن تخفيها. ويتمثل الهدف من مشروع راكوويتس في أن يُبرز المعمار “الطفيلي” المشكلة للدفع باتجاه حلها.

مصدر الصورة
Andrés Villota

Image caption

بنت شركة “إل سنديكاتو” للمعمار بيتا “طفيليا” بمساحة 12 مترا مربعا على سطح بناية بحي سان خوان في كيتو عاصمة الإكوادور

يعتمد المعمار “الطفيلي” على نماذج صغيرة سهلة الإنشاء بما يسد حاجة محدودي الدخل والشباب الساعي للإبداع والذي يعاني من ضيق اليد.

ويدفع ريتشارد 300 جنيه إسترليني شهريا مقابل وحدته الصندوقية، وهو أقل بكثير مما يدفعه أغلب سكان لندن لاستئجار غرفة واحدة في بيت مشترك، إذ تشير بيانات هيئة لندن الكبرى إلى أن متوسط الإيجار الشهري في لندن لغرفة واحدة يناهز 650 جنيها أو أكثر.

وقد تمكن ريتشارد من نصب “مطبخ” ملحق بوحدته وزرع بعض النباتات في أصيص، ويقول إنه كان سعيدا جدا بالمكان في بداية انتقاله للعيش به.

لكن لوقوع وحدة ريتشارد في بناية تخضع للوائح تعرف بلوائح الإشغال، فإنه معرض للطرد في أي وقت في مهلة قصيرة.

وبعد عامين من العيش في وحدته الصغيرة، يرى ريتشارد أن الوقت قد حان للعودة لسكن معتاد، وذلك لأسباب اجتماعية لأن الزائر لسكنه يتهيب المرور عبر مصنع مهجور ضخم قبل الوصول لغرفته.

وبينما يفكر ريتشارد في خطوته التالية، فقد تركت تجربة العيش بـ”الصندوق” انطباعا قويا لديه وجعلته يفكر في أشياء مثل تعليق الأغراض متدلية من السقف واستخدام عوارض بسيطة لتقسيم الغرفة، أو حتى شراء قطعة أرض وإقامة مجموعة من الوحدات سابقة التجهيز عليها لتتصل بعضها ببعض.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Worklife



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى