هل انتقلت إيران والسعودية من حافة الهاوية إلى حافة التسوية؟
[ad_1]
بينما كانت النيران تشتعل في منشآت أرامكو بعد استهدافها بطائرات مسيّرة كما أعلنت حركة أنصار الله اليمنية، وصواريخ كروز إيرانية حسب الرواية السعودية الرسمية، وصلت منطقة الشرق الأوسط فعليا إلى مرحلة الغليان التي تسبق أي انفجار حتمي. وتوجهت أصابع الاتهام مباشرة إلى إيران التي نفت صلتها بالهجوم الذي عطّل نصف الإنتاج السعودي من النفط، وبدأ الحديث عن الردّ وحجمه وتداعياته.
لم يكن الهجوم على أرامكو الأول على منشآت سعودية خلال هذا العام، فقد سبقه في 14 آيار/ مايو هجوم بطائرات مسيّرة على محطتي ضخ لخط الأنابيب “شرق – غرب” الذي ينقل النفط السعودي من حقول المنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع على الساحل الغربي.
حينذاك تبنى أيضا الحوثيون الهجوم، لكن السعودية ألقت بالمسؤولية على إيران، لينقل لاحقا تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” اتهاما عن مصادر رسمية أمريكية لإيران بالوقوف خلف الهجوم من خلال فصائل تتبع لها في العراق.
لم تقتصر الاتهامات الأمريكية لإيران على هذه الهجمات، بل تعدتها إلى هجمات الفجيرة التي طالت ناقلات نفط في بحر العرب، ولاحقا على ناقلتي نفط في خليج عمان، إلى جانب اعتراف إيراني رسمي بإسقاط طائرة تجسس أميركية فوق مضيق هرمز.
استنزاف منهجي
هل يضطر محمد بن سلمان لقبول تسوية سياسية مع ايران؟
لماذا قد تقامر إيران بمهاجمة منشآت النفط السعودية؟
كل ما سبق من أحداث كانت كافية لإشعال حرب لو كانت نية الحرب موجودة لدى الولايات المتحدة. لكن الحرب لم تقع وبالتالي كان واضحا بالنسبة لإيران والسعودية على حد سواء، ولكل اللاعبين الآخرين في المنطقة، أن المرحلة مرحلة استنزاف ممنهج. الولايات المتحدة تستنزف إيران من خلال العقوبات والضغوطات المباشرة وغير المباشرة، وإيران في المقابل تضغط من خلال لعبة الضرب تحت الحزام.
في تلك الفترة قال مصدر دبلوماسي عراقي مطلع لبي بي سي إن إيران “لا تفرّق بين الحرب الاقتصادية والحرب العسكرية، ولن تسمح للولايات المتحدة بطهوها على نار هادئة حتى تفقد وعيها وتموت”.
رسائل
وضع الطرفان الرئيسيان للمواجهة في المنطقة كل أوراقهما على الطاولة. فواشنطن ضاعفت عقوباتها إلى الحد الذي جعل إيران تختنق من العقوبات دون أن تموت، وطهران بدورها استثمرت كل حضورها الإقليمي لتضغط بما أوتيت لصناعة موقف مختلف. ولعل هجمات أرامكو الأخيرة كانت بنظر صانع السياسة الدفاعية للمحور الذي تقوده إيران رسالة مباشرة مفادها أن نموذج بقيق وخريص سيعمم في أي مواجهة مقبلة.
لكن الولايات المتحدة، برغم الهجوم اللفظي على إيران عبر رئيسها دونالد ترامب ووزير خارجيتها مايك بومبيو، تعاملت بكثير من البرود مع الحادثة. فواشنطن لم تحرك ساكنا ميدانيا.
وكان البيان الصادر عن محادثات رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والرئيس ترامب، الذي ركّز على الحاجة إلى ردّ دبلوماسي موحد على الهجوم، إشارة إلى السعودية بالدرجة الأولى، إلى أنها والدول الغربية الكبرى لن تغادر مساحة ضبط النفس، أي أن ردع إيران ميدانيا ليس مطروحا على الطاولة بسبب المخاوف الجدية من تطور أي ردّ محدود إلى مواجهة بدون سقف واضح مجهولة النتائج.
إيران بدورها أدركت جيدا أنها وصلت إلى سقف التصعيد وأن قدرتها على المناورة بعد أرامكو أصبحت محدودة، فجاء العرض الحوثي من خلال رئيس المجلس السياسي في أنصار الله مهدي المشاط الذي أعلن عن مبادرة من جانب واحد لوقف استهداف أراضي السعودية بالطيران المسير والصواريخ الباليستية والمجنحة وجميع “أشكال الاستهداف”، في خطاب متلفز ألقاه عبر تلفزيون “المسيرة” التابع للحركة يوم 21 أيلول/ سبتمبر، تزامناّ مع انطلاق أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
لم تتفاعل السعودية مباشرة مع مبادرة المشاط، إلا أن رسالة حملها رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني بدت وكأنها بداية مسار جديد. فقد أوضح خان أنه خلال سفره من إسلام آباد إلى نيويورك توقف في المملكة العربية السعودية بسبب الهجمات على منشآتها النفطية وتحدث إلى ولي عهدها الذي طلب منه التحدث مع الرئيس الإيراني.
وقال رئيس الوزراء الباكستاني: “نحاول أن نبذل قصارى جهدنا”، في ما يخص هذه الوساطة، مضيفا أن “هذا الأمر لا يزال جاريا، لذلك لا يمكنني أن أقول أكثر من ذلك”.
لم تكن رسالة بن سلمان عبر خان آخر الرسائل، فقد توجه رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي إلى السعودية في زيارة عاجلة التقى فيها العاهل السعودي وأكد بعدها أنه يعتزم زيارة إيران.
وقال عبد المهدي في لقاء متلفز مع صحفيين عراقيين إنه بعد وصول الأزمة إلى حافة حادة جدا “هناك تجاوب كبير من المملكة العربية السعودية وإيران وحتى اليمن واعتقد ان هذه المساعي بجانب مساع أخرى يجب أن تبذل. أعتقد أن سيكون لها شأن طيب في هذا المجال”.
وفي مقابلة أخرى قال رئيس الوزراء العراقي إنه يعتقد أن “المملكة تسعى الى السلام”، داعيا إلى ضرورة إبعاد شبح الحرب عن المنطقة. وشدد على أن “الجميع يتحدث عن قبوله بالمفاوضات لحل الأزمة” وأن “الكثير من المؤشرات تدل على أن لا أحد يريد حربا في المنطقة باستثناء إسرائيل”.
أمن الطاقة وحرية الملاحة
وفي نيويورك كان حسن روحاني يلقي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ويرسل رسالة مباشرة إلى السعودية مفادها أن “أمن السعودية يتحقق من خلال إنهاء الحرب في اليمن، وليس الاستعانة بالأجانب” على حد تعبيره.
ودعا روحاني من وصفها بالدول “المتأثرة بالتطورات في الخليج للمشاركة بتحالف الأمل عبر عمل جماعي لتحقيق أمن الطاقة وحرية الملاحة وتدفق النفط”.
وأضاف روحاني “هذه المبادرة تشمل مجالات التعاون المختلفة كالعمل الجماعي لتحقيق أمن الطاقة وحرية الملاحة وتدفق النفط من وإلى مضيق هرمز، وأبعد من ذلك”.
وردّ ولي العهد السعودي على رسالة روحاني عبر مقابلة مع قناة سي بي إس الأميركية حيث أكد اتفاقه مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، على أن الهجوم على منشآت شركة أرامكو النفطية “عمل من أعمال الحرب من قبل إيران”.
لكن بن سلمان قال في ذات المقابلة أنه “يفضل الحل السياسي على الحل العسكري مع إيران “لمنع مزيد من التصعيد معها، ولمنع ارتفاع أسعار النفط إلى “أسعار خيالية”، ما لم يتضافر العالم “لردع إيران”.
وحول اليمن قال “إذا أوقفت إيران دعمها لميليشيات الحوثيين، فسيكون الحل السياسي أسهل بكثير. اليوم، نفتح جميع المبادرات لحل سياسي في اليمن، ونتمنى أن يحدث هذا اليوم قبل الغد”.
رحبت إيران سريعا بالرسائل السعودية على لسان المتحدث باسم الحكومة علي الربيعي الذي دعا الرياض للقيام بمبادرات علنية أولها وقف الحرب في اليمن. ثم جاء الترحيب الثاني على لسان رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني في مقابلة مع قناة الجزيرة القطرية قال فيها إن بلاده ترحب برغبة السعودية في حل الخلافات بالحوار، مشيرا إلى أن أبواب إيران مفتوحة لذلك، مضيفا أن حوارا سعوديا – إيرانيا يمكنه حل الكثير من مشاكل المنطقة الأمنية والسياسية.
لكن تغريدات لاحقة من وزير الشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير، حدت من درجة التفاؤل الذي سيطر على الأجواء إذ قال إن “ما ذكره متحدث النظام الإيراني من أن المملكة أرسلت رسائل للنظام الإيراني هو أمر غير دقيق”، موضحا أن ما حدث هو أن “دولاً شقيقة سعت للتهدئة وأبلغناهم بأن موقف المملكة يسعى دائما للأمن والاستقرار في المنطقة”.
وخاطب الجبير الإيرانيين “أوقفوا دعمكم للإرهاب وسياسات الفوضى والتدمير والتدخل في شؤون الدول العربية الداخلية وتطوير أسلحة الدمار الشامل وبرنامج الصواريخ الباليستية وتصرفوا كدولة طبيعية وليس كدولة مارقة راعية للإرهاب”.
كما كان حاسما حول اليمن مؤكدا أن بلاده لم ولن تتحدث حول اليمن مع إيران “فاليمن شأن اليمنيين بكافة مكوناتهم وسبب أزمة اليمن هو الدور الإيراني المزعزع لاستقراره.”
كلام الجبير أعاد المشهد إلى واقعيته التي وإن بدا فيه واضحا أن السعودية قررت كسر ارتباط التسوية الإقليمية بالتفاهم الإيراني الأميركي الذي قد يأتي وقد لا يأتي أبدا، إلا أن مسارا كهذا لا يمكن له الانطلاق قبل صناعة الأجواء المناسبة للحوار.
كسر الجليد هو عنوان المرحلة الحالية، والجليد الذي يحيط بالعلاقات السعودية الإيرانية ليس من النوع الذي تذيبه رسائل عبر وسطاء بإمكانها في أحسن الأحوال أن تصنع إطار عمل لعملية طويلة الأمد.
ما يذيب الجليد نقاشات مباشرة وجداول أعمال تحوي كل النقاط المشتعلة بين البلدين، وعملية بناء ثقة تدريجية تشبه تلك التي كان طرحها يوما الرئيس الإيراني الراحل هاشمي رفسنجاني والذي تحدث في العام 2014عن بناء ثقة في مناطق الاصطدام عبر خطوات تدريجية، حينها ذكر اليمن والبحرين ولبنان وسورية. ورغم اختلاف الظروف بين 2014 ويومنا هذا، إلا أن هكذا عملية تدريجية قد توصل إلى صناعة الإطار المناسب لوضع الخلاف السعودي الإيراني في إطار التنافس لا التصادم.
[ad_2]
Source link