هل الارتباط بشريك جديد يمحو آلام الانفصال؟
[ad_1]
يمثل فشل أي علاقة عاطفية أمرا مجهدا للأعصاب، ولذا لا يستغرب أن يرتبط ذلك بتدهور في الحالة النفسية.
ومن شأن أصدقائك المخلصين تحذيرك في هذه الحالة، من مغبة التعجل في بدء علاقة غرامية جديدة، خاصة مع شخص يشبه من انفصلت عنه للتو، وذلك أملا منهم في حمايتك من أن تُمنى بصدمة عاطفية جديدة.
ورغم أن هناك ما يشبه وصمة عار تلاحق مَن يتجاوز أزمته العاطفية بسرعة ويرتبط بعلاقة جديدة؛ فإن ثمة أدلة تشير إلى أن ذلك ربما يكون أفضل.
لذا لِمَ لا تزال هذه الوصمة قائمة؟ وكيف نمضي بنجاح على درب علاقة غرامية نتعافى عبرها من آثار العلاقة السابقة؟ وما هي مخاطر الارتباط بمن تشبه شخصيته شخصية الحبيب السابق؟
تقول كلوديا برومبو – وهي خبيرة في علم النفس تجري دراسات في إحدى الجامعات الأمريكية حول العلاقات التي تنشأ بين البالغين – إن “من يسارعون بالبدء في علاقات غرامية جديدة، ينعمون بحياة رومانسية أفضل”.
وفي سياق استعراضها لنتائج دراسة أجرتها، وشملت تقييم الحالة النفسية لأشخاص مروا بعلاقات عاطفية فاشلة، تشير برومبو إلى أن هؤلاء “كانوا أكثر ثقة، وشعروا بأنهم يحظون بالحب ومرغوب فيهم بقدر أكبر. وزاد لديهم الشعور بالاستقلالية”.
وتضيف الباحثة أنه رغم أن الناس العاديين يرون أنه يتعين الانتظار خمسة شهور مثلا قبل خوض غمار علاقة عاطفية جديدة، وأن العلاقات التي يسعى الإنسان من ورائها للتعافي من تَبِعات حب ضائع لا تستمر طويلا؛ فإن الأدلة العلمية لا تعزز ذلك التصور، بل تشير إلى أن المضي قدما على طريق ارتباط جديد هو الخيار الأفضل.
ففي دراسة أجريت عن الأشخاص الذين انفصلوا للتو عن شركائهم العاطفيين؛ قال من عثروا بسرعة على شركاء جدد إنهم يشعرون بثقة وسعادة أكبر ويساورهم قلق أقل.
ويعود ذلك إلى أن التقارب الزمني بين العلاقتين، جعل وضعهم العاطفي يبقى ثابتا بشكل نسبي، وهو ما سمح لحياتهم بالمضي بسلاسة في مرحلة الانتقال من شريك لآخر.
رغم ذلك، فمن الشائع أن يكون من يسارعون بالارتباط عاطفيا من جديد للتعافي من آثار الانفصال عن حبيب سابق، هم أناسٌ عانوا من مشكلات تتعلق بالافتقار إلى الأمان في العلاقة الفاشلة.
هل تصبح أكثر نضجا بعد فشل علاقتك العاطفية؟
ومن بين الأسباب التي تُساق للحض على التريث قبل الدخول في علاقة عاطفية جديدة؛ أن المرء عادة ما يكون بحاجة لأن يضمد جراحه ويزداد نضجا، قبل أن يُقْدِم على ذلك.
ولا شك في أن هناك قدرا من المنطق في تفكير من هذا القبيل. فبعد الفشل في علاقة غرامية؛ يتحدث الإنسان عادة عن أنه تطور عاطفيا ونفسيا وعقليا بشكل أو بآخر، في جوانب مختلفة. ومن بين هذه الجوانب أمور مثل الشعور بالثقة أو الاستقلالية.
لكن لا يوجد ما يؤكد حدوث مثل هذا التطور سوى ما يقوله المرء عن نفسه
المفاجأة أن الدراسات التي تتناول مدى التطور والنضج الشخصي الذي يطرأ على المرء بعد مروره بحدث مؤلم أو صادم، تُظهر في غالبية الأحيان أن مثل هذه الحوادث لا تفضي إلى حدوث أي تغيير على أرض الواقع.
ويُعزى تصورنا بأننا نضجنا عقليا وعاطفيا بعد فشل تجربة غرامية ما إلى تحيز معرفي يُعرف باسم “الأوهام الإيجابية”.
ويقول تاي تاشيرو، وهو خبير في علم النفس ومؤلف كتاب “علم السعادة الدائمة”، إن البشر يبالغون أحيانا في تصورهم لمدى إحساسهم بمثل هذه المشاعر الإيجابية، وذلك في محاولة لتعزيز ثقتهم بأنفسهم وتقديرهم لذواتهم.
ويضيف: “قد يخدش الانفصال إحساسك بتقدير الذات، ولذا يقود قولك لنفسك إنك أصبحت أكثر استقلالية (بعد انتهاء هذه العلاقة) إلى تعويض ذلك وموازنته. ربما لا تكون حالتك على هذه الشاكلة في الواقع، لكن ذلك التصور يقلل من شعورك بالألم”.
وتشير الدراسات التي أجراها تاشيرو خلال عمله في جامعة ميريلاند، إلى أن نتائج اختبارات النضج العقلي والعاطفي وتطور الشخصية، لم تتأثر على الإطلاق بعثور المرء على شريك جديد، أو بالفترة التي فصلت بين انتهاء علاقة وبدء أخرى.
ويعني ذلك أن انتظارك لوقت أطول قبل أن تواعد شخصا جديدا، لن يؤدي بالضرورة إلى جعلك في وضع أفضل، على صعيد تطور شخصيتك ونضجك العقلي والعاطفي.
وعلى أي حال، ربما ستدفع نفسك إلى تصور أنك أصبحت أكثر نضجا، بغض النظر عما إذا كان ذلك صحيحا أم لا.
في الوقت ذاته، تتأثر مسألة نضجك وتطورك بالسبب الذي تختار أن تُنحي عليه باللائمة في انهيار علاقتك العاطفية السابقة. فهل ستعتبر أن ذلك يعود إلى خطأ بدر منك أم من شريكك، أم أنه ناجم عن عامل خارجي ما؟
وقد تبين أن من يُحملّون المسؤولية لعوامل متعلقة بالبيئة الاجتماعية المحيطة – كظروف العمل أو عدم القدرة على التوائم مع عائلة الطرف الثاني في العلاقة – يقولون إنهم نضجوا بشكل أكبر وتطوروا على أصعدة شخصية عدة بعد الانفصال. أما من أشاروا إلى أن هذا التطور والنضج كانا في معدلاتهما الأدنى، فكانوا هم من لاموا أنفسهم بشأن سبب انهيار العلاقة العاطفية.
وربما تعتمد مسألة تطور المرء ونضجه بشكل ملموس بعد علاقة عاطفية فاشلة، على الدروس التي تعلمها خلالها. ويميل من تمكنوا من تطوير شخصياتهم في جوانب محددة بشكل أكبر بعد انفصالهم عن حبيب سابق، إلى الدخول في علاقاتهم العاطفية التالية، وهم يتمتعون بحكمة أكبر.
ويقول تاشيرو إن النموذج الأفضل الذي قابله في هذا الصدد، تمثل في رجل قال له إنه تعلم من تجربته العاطفية الفاشلة أن يقول “آسف”.
وقال الباحث في هذا الشأن: “أحببت ذلك لأن له طابعا خاصا. وبدا حقيقيا للغاية. مثل هذا القول سيساعد ذلك الشاب في كل علاقاته المقبلة”.
الشعور بالارتباط بشخص ما
يمكن أن نفهم – ولو جزئيا – طبيعة اعتمادنا على الآخرين لنيل الدعم العاطفي، من خلال النمط الذي تتخذه علاقات الارتباط بيننا وبين من حولنا. وتتأثر الطريقة التي ننشد بها هذه المؤازرة، بمدى شعورنا بالأمن أو بالقلق أو بالميل للانطواء.
ومن المرجح أن تؤدي معاملة والديْك لك بشكل متسق خلال فترة نشأتك، إلى أن تشعر بالأمان خلال علاقاتك العاطفية. وستنزع في هذه الحالة إلى إبداء الثقة في الآخرين، والتطلع لأصدقائك المقربين أو أفراد أسرتك للحصول على الدعم العاطفي.
لكن النظرية الخاصة بأنماط الارتباط العاطفي هذه، تتسم بمزيد من التعقيد، عندما يكون الأمر متعلقا بأُناس ينخرطون في علاقات عاطفية لا يشعرون في إطارها بالأمان.
ويميل من تصطبغ علاقاتهم السابقة بهذا الطابع، إلى بدء علاقاتهم الجديدة بشكل أسرع من أولئك الذين ينعمون بعلاقات يحظون فيها بالأمان، ولكنهم يفعلون ذلك لأسباب مختلفة عن تلك التي تحدو بالآخرين إلى المسارعة للبحث عن حب جديد.
فالقلق الناجم عن الارتباط بشخص ما، يرتبط بأن يكون المرء مهووسا بشريكه العاطفي السابق، وبكونه يرد بشكل انتقامي على أي جرح يصيب مشاعره بسبب تصرفات هذا الشريك. ويعاني من يندرجون ضمن هذه الفئة من قدر أكبر من الضغوط البدنية والنفسية، وربما يذهبون إلى أقصى الحدود في محاولاتهم لإعادة إحياء علاقاتهم العاطفية السابقة.
أما من يتسمون بالانطوائية، فيكونون أكثر قدرة على الاعتماد على أنفسهم، لذا قد لا يفكرون على الإطلاق في شركائهم العاطفيين السابقين، عندما يمضون قدما في حياتهم، مُتجاوزين ما مروا به في علاقاتهم في الماضي.
وتقول خبيرة علم النفس برومبو: “دائما ما تساور مشاعر القلق والغيرة الأشخاص القلقين بطبعهم، أو يتشبث هؤلاء بأن يحظوا بالاهتمام، لكنهم لا يقدمونه لمن حولهم. وينأى الانطوائيون بأنفسهم عن الحميمية في صلاتهم وارتباطاتهم، ولا يثقون في المحيطين بهم ويفضلون الانغماس في العمل. ورغم أنهم لا يحبون أن تصطبغ تعاملاتهم بالحميمية، فإن ذلك لا يعني أنهم لا يقيمون علاقات عاطفية”.
وعلى أي حال، يمكن أن تؤثر الطريقة التي عاملك بها والداك في فترة الطفولة، على نمط الارتباط الذي يحكم علاقاتك بالآخرين بعد أن تكبر. لكن هل ذلك النمط قابل للتغير؟
ولا يعني وجود والديْن يتعاملان بجفاء وبرود مع طفلهما، أنه سيصبح انطوائيا بالضرورة وأنه سيتجنب إقامة علاقات اجتماعية للأبد. فإقامتك علاقة مع شريك جياش العواطف، يمكن أن تغير نمط ارتباطك بالآخرين، إلى ذاك النمط الذي تقيم في إطاره علاقات تشعر فيها بالأمان. غير أن هناك بعض الأدلة التي تفيد بأننا نرث أنماط الارتباط هذه من أسلافنا، وهو ما يعني وجود حدود محتملة لمدى تأثر تلك الأنماط بطبيعة شخصيات المحيطين بنا.
ويتبنى الناس عند بدء علاقات عاطفية جديدة، أنماط الارتباط ذاتها التي حكمت علاقاتهم السابقة. لكنهم يفعلون ذلك بقدر أكبر بكثير، عندما يكون الشريك الجديد مشابها في شخصيته وطباعه للحبيب السابق.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن وجود مثل هذا التشابه، يدفع المرء إلى أن يتصور أن أفكاره وانطباعاته ومعتقداته عن شريكه السابق، تنطبق كذلك على الشريك الجديد.
وتعلق كلوديا برومبو على ذلك بالقول: “يحب البشر الاتساق. وهو ما يتحقق عندما تجد شريكا جديدا يشبه شريكك السابق. وقد تبين أن من يتعافون بشكل أسرع من علاقة غرامية فاشلة، هم أولئك الذين رأوا أن هناك أوجه شبه أكبر بين الشريك السابق ونظيره الجديد. لكن ليس بوسعك القول إن هذه التشابهات موجودة بالفعل”، لأن الحديث عن وجودها يُبنى على ما يقوله أطراف هذه العلاقات عن أنفسهم، وليس بناء على أدلة وبراهين.
من جهة أخرى، يتبنى شريكا أي علاقة عاطفية مفاهيم مشتركة حول نفسيهما، ما يعني أنهما يعتبران أن كلا منهما جزء من الآخر. كما يتشاطران الأصدقاء والهوايات. ومن شأن هذا التضافر والتشابك بينهما، أن يُشعِّرهما بالضعف حال انفصام العلاقة، إذ أن ذلك يجعل كلا منهما يشعر بغتة، بأنه فقد جزءا من هويته أو خسر شخصا يشاركه الاهتمام بأمور بعينها.
ومن بين العوامل التي تجعل من الأيسر على المرء تجاوز علاقته القديمة وطي صفحتها، سعيه للعثور على شريك عاطفي جديد، يمكنه أن يُشبع الكثير من الاحتياجات التي كان يلبيها شريكه السابق.
وفي المجمل؛ توجد إيجابيات وسلبيات لتصور أن هناك أوجه شبه بين الشريكين السابق والحالي؛ قد تكون غير موجودة من الأصل على أرض الواقع.
وتقول برومبو في هذا السياق: “إذا كان هناك لدى شريكي الحالي، وليكن اسمه بوب، ما يُذكرّني بالشريك السابق ولنمنحه اسم سام؛ فسأبلور بناء على ذلك، افتراضات أكثر مما يجب عن بوب وخصاله. فإذا كان سام طاهيا مقتدرا ورومانسيا للغاية مثلا، سأفترض أن بوب يشبهه في ذلك أيضا. يمكن أن يسبب ذلك مشكلات. فعندما أرغب في أن يكون بوب رومانسيا مثل سام، قد أصاب بخيبة أمل في كل مرة لا أجده فيها كذلك. حتى وإن كان بوب رومانسيا أيضا بقدر ما”.
في نهاية المطاف، يبدو بوضوح أن الانخراط في علاقة عاطفية بهدف التعافي من آثار فشل أخرى لن يشكل العلاج الأمثل للقلب المكسور.
ورغم ذلك، فليس من الكارثي أن يشجعك أصدقاؤك على عكس ذلك، فربما تتحقق بعض الفوائد النفسية.
فالفشل العاطفي غالبا ما يكون صادما، ولا يمكن أن نقول إن المسارعة في بدء علاقة جديدة للتعافي من هذه الصدمة قد حدث بصورة مبكرة أكثر من اللازم.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future
[ad_2]
Source link